تحدث السيد لودفيغ إليّ. 

حسنًا، ما قلته الآن كان حقيقة مشاعري، لكنه كان أيضًا وسيلة لكسب الوقت. كنتُ آمل أن يهرع أحد أصدقائي لاستدعاء أحد الأساتذة، لكن لم أكن أتوقع أن يأتي السيد لودفيغ بنفسه. 

نهضتُ واقفة وأديت تحية السيدات.

“سيدي لودفيغ!” 

صرخت السيدة نارومينا. 

رفع السيد لودفيغ نظارته بضغط جسرها بإصبعه الأوسط الأيسر وقال: 

“الآنسة أوشيل.”

نبرة صوته كانت باردة للغاية، وكأنها تحمل وزنًا لا يُحتمل. في تلك اللحظة، تجمد جسدي تمامًا، كما فعل الحاضرون حولنا. 

لم يكن بحاجة لقول المزيد؛ كلماته وحدها أوصلت كل المشاعر. 

انهارت السيدة نارومينا أرضًا، وانهمرت دموعها بغزارة. 

“الكريستال السحري المحطم لا يعود إلى سابق عهده. حتى لو قمتِ بإبعاد الآنسة نورثران، لن تعود حياتنا لتتقاطع مرة أخرى.”

“علاقة تحطمت و لا يمكن إصلاحها.  “

“لماذا… لماذا هي؟” 

حتى أنا كنتُ فضولية لمعرفة الإجابة! 

ربما شعوري وصل إليه، إذ أطلق السيد لودفيغ تنهيدة خفيفة. 

“حسنًا، لنعرض هنا الأسباب السياسية والاستراتيجية.”

نظر السيد لودفيغ إلى عيني مباشرة. 

“الآنسة نورثران، أرجو منكِ أن تنادي السيدة ميزوكي، بصفتك ابنة بارون نورثران، بالاسم الصحيح الذي يليق بمكانتكِ.”

هم؟ ماذا؟ 

أنادي السيدة ميزوكي باسمها الصحيح؟ ولماذا تُذكر هنا؟ …آه، فهمت. 

“ميزوكي؟”

ظهرت ملامح الدهشة على وجه السيدة نارومينا. 

بدأ الحاضرون يتهامسون، وسمعت أصواتًا تقول: “أليس هذا عدم احترام؟” 

“لماذا دعوتِها بذلك؟”

رفع السيد لودفيغ طرف فمه قليلاً ووضع يده على كتفي. 
إذن، كانت إجابتي صحيحة. 

“السيدة ميزوكي، التي تُعتبر قديسة، تلقب بذلك بناءً على ألقاب من الشعب وداعميها، ولكن الكنيسة لم تعترف بها رسميًا بعد.”

حتى خلال فسخ الخطوبة، كان صاحب السمو يناديها باسمها المجرد “ميزوكي” عدة مرات. لو كانت قديسة معترفًا بها رسميًا، لما جاز له مخاطبتها بتلك الطريقة في الأماكن الرسمية. 

أضفتُ قائلة: 

“صاحب السمو أعلن خطوبتها في إحدى الأمسيات الراقية، ولكن الإعلان الرسمي لم يتم بعد. لذلك، اعتبرتها زميلة من عامة الشعب.”

“هذا عدم احترام!” 

تعالت صرخة من بين الحضور. 

لابد أنها جاءت من إحدى المؤيدات المتحمسات للسيدة ميزوكي… ربما كانت السيدة سبتي نوت؟ 

“السيدة ميزوكي المقدسة أوقفت انتشار الوباء الذي اجتاح مملكتنا. إنها حقًا نعمة من الحاكم! ألا تعترفين أنكِ استفدتِ من معجزاتها؟”

“أ-أمم، بالطبع أعلم أن السيدة ميزوكي حققت إنجازات عظيمة. كما أنني تذوقتُ الحلوى بالكاسترد.”

“الحلوى بالكاسترد ليست ذات أهمية الآن!”

… لكنها لذيذة. 
كادت رأسي تنحني خجلًا عندما رفع السيد لودفيغ ذقني بلطف. 

تعالت صيحات مختلطة بين الهتاف والدهشة. … آه، بالتأكيد أفينا هي من فعلت ذلك. 

“بالطبع، أحترم السيدة ميزوكي وأقدّرها. ولكنها حتى الآن لم تحصل على أي لقب رسمي. وبما أن السيد لودفيغ قال إنه يمكنني مناداتها كما يليق بابنة بارون نورثران، فقد خاطبتها بهذا الشكل.”

“لكنها أنقذتك من الوباء!”

“لم يظهر أي مرض في أراضي بارون نورثران.”

“ماذا؟!”

انتشر الوباء في العاصمة الملكية الصيف الماضي، وكنت حينها في أراضينا. لم أعد إلى العاصمة إلا بعد أن قامت السيدة ميزوكي بوقف انتشاره. 

شخصيًا، أنا ممتنة لها لأنها أعادت فتح المدرسة، لكن من منظور عائلتي، لا يمكننا أن نعتبر ذلك فضلًا مباشرًا علينا. 

“نعم، لم يصل الوباء إلا إلى جنوب منطقة إيزولاند. لقد قرأتُ ما كتبته السيدة ميزوكي عن نظرية المرض، ولكن موقع أراضينا البعيد عن جنوب المملكة والعاصمة، بالإضافة إلى الكثافة السكانية المنخفضة، قد ساعد في منع انتشار المرض إلينا. لذا، رغم احترامي العميق لها، لا يمكنني أن أعتبر ذلك دينًا شخصيًا.”

أخذ السيد لودفيغ يدي بلطف كما لو كان يثني عليّ، ثم تابع حديثه: 

“عائلة أرفيلين تتميز على مر الأجيال بإنتاج العديد من القضاة، مما يجعلها تعتز بالحياد السياسي. السيدة تيساسيا نورثران ذكية بما يكفي لتبقى مستقلة عن أي فصيل سياسي، كما أنها ليست مدينة بمعروف كبير للسيدة ميزوكي. إنها الفتاة الوحيدة التي تحمل قيمة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لنا. أليس هذا واضحًا؟”

ترك السيد لودفيغ الجميع في حالة ذهول، بمن فيهم السيدة نارومينا. 
أخذ بيدي وغادرنا المكان معًا. 

في الممر، سرنا بصمت، دون أن ينبس أي منا ببنت شفة. 

… هل يعني أنني لعبتُ دوري بشكل جيد؟ 

أم أن تصرفاتي لفتت نظر السيد لودفيغ؟ … ما الأمر حقًا؟ 

هل كذب السيد لودفيغ؟ لا، هذا مستبعد. لا يمكن أن يكذب وهو يتحدث عن القضاء والعدالة. هناك شيء غير طبيعي… 

بينما كنتُ أفكر بصمت، قادتنا خطواتنا إلى الحديقة الخلفية الخالية من الناس. 
وقف السيد لودفيغ أمام أحواض الزهور، واستدار لمواجهتي. 

ثم انحنى برأسه ليعتذر. 

يا إلهي! 

“ل-لا! من فضلك ارفع رأسك!”

“أنا آسف، آنسة تيساسيا. لقد سببت لكِ إزعاجًا.”

“لا بأس! لا بأس، حقًا!”