أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
هل يمكنكِ أن تتخيلي، يا آنسة بندلتون، ما الذي جال في خاطري في تلك اللحظة؟ كان فرحًا عظيمًا لا يمكن وصفه حتى بالمفاجأة التي شعرت بها حين فتحتِ لي مستقبلي ككاتبة على الآلة الكاتبة، أو بفرحة مغادرة المنزل والانتقال إلى بيت الضيافة للمرة الأولى، أو بحماسة يوم عملي الأول.
في اليوم التالي، اتجهت إلى باث برفقة الآنسة لوتيس، حيث كان لديها محاضرة وجلسة توقيع كتب مقررة. وما إن وصلت، حتى قضيت اليوم بأكمله أرافقها: أنسّق برنامج الحدث، أعدّ ملابسها وعربتها، وأحضّر وجباتها. لقد أصبحت سكرتيرتها الخاصة. راتبي تضاعف ثلاث مرات، والناشر وافق على دفع المبلغ كاملًا. ساعات عملي ازدادت، لكن أن أتقاضى مبلغًا كبيرًا على عمل كنت سأفعله مجانًا هو نعمة عظيمة!
لم يمضِ على عملي سوى أسبوع واحد، لكنني أصبحت اليد اليمنى الثابتة للآنسة لوتيس. مجرد أن أدير أوراقها وملابسها ودفاترها المليئة بملاحظات فوضوية كخطّي يجعلني سعيدة. وما يزيد سعادتي أكثر من كوني سكرتيرتها هو أنها تحبني كثيرًا.
آه، كم وددت لو أُري الآنسة بندلتون مدى سعادتي. هل يمكنكِ أن تأتي إلى باث يومًا ما؟ سأكون مسرورة جدًا أن أعرّفكِ على الآنسة لوتيس، ويمكننا تناول الشاي معًا. أنا واثقة أنها ستحبكِ أيضًا!
حسنًا، سأكتب لكِ مجددًا قريبًا. أرجوكِ صلّي ألا يُطردني أحد من هذا الفردوس، يا آنسة بندلتون! المخلصة، جاين هايد، الصديقة العزيزة للآنسة بندلتون.
لم يكن ذلك هو الترقّي المنتظر إلى محررة، بل أمرًا مختلفًا تمامًا. فكّرت لورا مليًا، وسرعان ما أدركت أن هذا سيكون عونًا عظيمًا لنمو الآنسة هايد. فلم تكن هايد ممّن يُحصرون في مكتب إلى الأبد؛ بل كانت نشطة، حرّة الروح، وجريئة. ولا شك أنها ستجد طريقها الخاص، متأثرة بماري لوتيس، أعظم كاتبة رحلات في بريطانيا.
“أظنها رسالة سارّة يا سيدي.” وضعت لورا الرسالة جانبًا، وكانت وجنتاها محمرتين. أخبرت السيدة فيرفاكس بما احتوته الرسالة، فهنّأتها تهنئة مستحقّة.
“الكتب لا تهمني، لذا لا أعرف من هي ماري لوتيس، لكنني دائمًا ما أُكنّ احترامًا كبيرًا للنساء المستقلات.”
ثم أضافت: “تأكدي أن تزوري مطعم بياتريس في البلدة. لديه طاهٍ إيطالي، والطعام هناك رائع دومًا.”
فقالت لورا: “أليس صحيحًا أنكِ مكثتِ في باث فترة طويلة؟”
“بلى. كنا هناك ليتعافى السيد الذي سقط من حصانه وأصيب في ظهره.”
“إن ينابيع باث الحارّة أنقذته. لو لم نذهب إلى باث، لما كان لدينا أولاد سوى هنري.”
احمرّ وجه لورا. تجاهلتها السيدة فيرفاكس وأكملت:
“لم يقتصر الأمر على السيد، بل أنا أيضًا استفدت من باث. كنت على وشك أن أصبح مريضة نفسيًا من كثرة العناية به، لكن الذهاب إلى هناك، وشرب مياه الينابيع الحارة، وزيارة المطاعم الجيدة أعاد لي نشاطي. حفلات رقص، قراءات، تسوق، حفلات موسيقية… لا يمكن لامرأة أن تشعر بالكآبة في باث.”
وبعد وقت قصير، عادت لورا إلى غرفتها. أخرجت ورقة وبدأت تكتب ردًا على رسالة الآنسة هايد. كان خطابًا دافئًا حافلًا بالتهاني والدعوات. وبعد أن ختمت الرسالة ووضعتها في مظروف، أخرجت رسالة آن.
ظلت آن تراسل لورا بانتظام حتى بعد أن غادرت لندن. وكانت دائمًا تطمئن عليها وتقلق بشأن حياتها، لكنها كانت تخصّص أيضًا جزءًا كبيرًا من رسائلها للحديث بسوء عن تشارلز بندلتون، الذي كان يقضي ليالي لا تُحصى في الشراب والمقامرة في منزلها الموروث، ولعن جيرالد بندلتون الذي لم يفعل شيئًا سوى مراقبة ابنه.
من خلال الرسائل، علمت لورا بسلوك تشارلز المتهور، الذي وصل إلى حد بيع مجموعات الفن العزيزة على جدته لتوفير المال للمقامرة، وبأنشطة خالها الأخيرة، وهو يتردد على أثرياء لندن، يوزّع شيكات شبه احتيالية بحثًا عن مستثمرين لعمل ابنه الأكبر. بدأت لورا تفقد الإحساس بماهية الشرف العائلي الذي كان خالها يحاول حمايته.
وبينما كانت تتساءل عما سيحمله الموقف المزعج هذه المرة، أخرجت رسالة آن وبدأت تقرأ. لكن محتواها جاء مخالفًا تمامًا لتوقعاتها.
إلى محبوبتي الآنسة بندلتون.
لم يمضِ يومان منذ كتبت آخر مرة، وها أنا أكتب مجددًا. اغفري لي يا آنستي، فليس ذلك من باب الإلحاح. منذ ردي الأخير، أدركت أنكِ لا ترغبين بسماع أخبار آل بندلتون. وأيقنت أنني كنت أُهدر الورق في إيذائكِ، وندمت بعمق. لقد قررت أن أمتنع عن الكتابة إليكِ شهرًا كاملًا. فبدلًا من الدعاء بأن يسقط السيد بندلتون من العربة أو أن يركله تشارلز بندلتون، عليّ أن أركّز على كنس هذا المنزل وتنظيفه. هذا ما عقدت العزم عليه، بوضوح.
لكن هذا المساء، جاء رجل يزور المنزل، ولم أجد بُدًّا من أن أفتح دواتي المغلقة.
آنستي، هل تعرفين رجلًا يُدعى جون أشتون؟
جون أشتون.
سقطت الرسالة من يد لورا.
“جون أشتون… جون أشتون.”
صورة رجل كانت مختبئة عميقًا في حجاب ذاكرتها: شعر مجعد أحمر، بشرة سمراء، ملامح غليظة، طويل كجدار وهيئة مهيبة، ابتسامة مشرقة مع غمازتين عميقتين في وجنتيه.
التقطت لورا الرسالة بيد مرتجفة وواصلت القراءة.
لقد وصل في عربة كبيرة ذات أربع عجلات. كان رجلًا طويل القامة ذا شعر أحمر داكن وبشرة سمراء (يكاد يضاهي السيد دالتون طولًا). عيناه بنفسجيتان غائرتان، وله غمازتان في وجنتيه. كان عريض البنية (يكاد يضاهي السيد دالتون حجمًا). وكان يرتدي ثياب حداد من قماش فائق الجودة.
هل تتذكرين رجلًا كهذا؟
سأل عن الآنسة بندلتون. أراد أن يعرف إن كانت لا تزال تعيش هنا. وسمع أيضًا بخبر وفاة الجدة أبيغيل.
أخبرته أنها رحلت. أراد أن يعرف إلى أين ذهبت. وحين رفضت أن أخبره، حاول أن يعطيني مالًا، وحين رفضت حتى ذلك، استشاط غضبًا. لكنني لم أُبدِ أي تردد.
قال إنه سيعود لزيارتنا وغادر بعربته.
هل كان من الصواب أن أخبركِ بمجيئه؟
سأُلِحّ على ردكِ، ولو فقط لأعرف نيتكِ. أرجوكِ أرسلي إليّ رسالة فورًا حتى أقرر إن كنت سأبقى صامتة كالمحار حين يأتي مجددًا، أو إن كان عليّ أن أحاول رأب الصدع بينكِ وبين ذلك الرجل الساحر.
مع حبي، آن ستيل.
ملاحظة: قفازات الصوف ستُنجز قريبًا. سأرسلها مع الرسالة القادمة. حبيبتي، أفتقدكِ كثيرًا.
جلست لورا مشدوهة لوقت طويل.
عادت بذاكرتها اثنتا عشرة سنة إلى الوراء. إلى عامها السابع عشر المتهور، الغارق في أوهام الحب.
كان طالبًا في الثانية والعشرين بجامعة أكسفورد. دخل المجتمع بطلعة لافتة لكن دون شعبية تُذكر. لم يكن يملك مالًا، وكان والداه عاجزين، وله إخوة أصغر كُثُر.
لولا راعيته، الكونتيسة غرانشارد، لما استطاع الالتحاق بالجامعة أصلًا. كان يُشار إليه علنًا بلقب “لعبة الكونتيسة”. كان بالفعل ابن أختها البعيد، لكن مجتمع لندن كان مكانًا يسود فيه الخبر التافه والإشاعة الفظة أكثر من الحقائق البسيطة.
لذلك كان طبيعيًا أن ينشدّ الشاب المعذّب بالفضائح إلى لورا. فلورا أيضًا كانت شابة منبوذة، تحمل عار والديها. كانت الوحيدة التي لم ترفض الرقص معه أو تبادله الضحك على نكاته.
من غير الواضح من أحب الآخر أولًا. ومن غير الواضح من اقترح أن يهربا معًا. مرّت اثنتا عشرة سنة كصبي عابث، يعبث بالذكريات ويشوهها.
لكن أمرًا واحدًا كان مؤكدًا: أنه قد تخلّى عن لورا. كان يعرف أي مصير ينتظر امرأة منبوذة أصلًا من المجتمع إن تخلّى عنها، ومع ذلك، تخلّى. لم يترك رسالة واحدة، ولا كلمة اعتذار.
“لماذا عدت؟”
أعادت لورا قراءة الرسالة، وكان وصفه مرتديًا ثياب الحداد يوحي بالسبب.
يبدو أن زوجته قد توفيت.
لقد تزوج بها بعد أن تخلّى عنها بوقت قصير. قيل إنها ابنة تاجر أخشاب ثري. ساعد والدها زوج ابنته في دراسته للقانون، وبنى له مكتب محاماة كبيرًا، حتى صار محاميًا بارزًا في إنجلترا.
“أظنه صار فضوليًا بشأن أخباري بعد وفاة زوجته. أما قبل ذلك، فقد كان منشغلًا بها للغاية، ومقيّدًا برضا والدها، فلم يجرؤ أن يسأل عن حبيبته السابقة.”
شعرت لورا بالمرارة.
ظنت أنها قد سامحته. فقد كان شابًا، فقيرًا، لا يقوى على معاداة أسرته. لذلك تخلّى عني. لننسَ. لنسامح. كراهيته لا تؤذي إلا نفسي.
لكن حين وصلني خبره هكذا، تدفقت الذكريات المدفونة. كم جُرحت وكم أصبحت أضحوكة بسبب فضيحتي معه، كم بكيت وتألمت حين سمعت بخبر زواجه، وكم صرت متشككة في الحب من بعده.
لقد كانت جراحها أعظم مما تصورت. لم ترغب لورا برؤيته. ولم ترد أن تنقل له أخبارها.
أمسكت بورقة وبدأت تكتب رسالة إلى آن:
“لا أريده. إن عاد، أخبريه أنها هربت بسبب خلاف مع أسرتها، وأنكِ لا تعرفين إن كانت حية أم ميتة.”
وبعد ذلك بوقت قصير، واجهت وايتفيلد أزمة كبيرة.
كل شيء بدأ مع عشرات الدعوات التي أُرسلت إلى لندن. كل من التقى إيان دالتون، مالك وايتفيلد، ولو مرة واحدة، تلقّى دعوة.
وقد وصل رد بالقبول من المدعوّين. بلغ عدد الضيوف حوالي ثمانين شخصًا. وعلى هذا الأساس، بدأت لورا تُخطط لوليمة كبرى في وايتفيلد.
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 99"