⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
حدّق في لورا بصمت.
قالت بصوت هادئ:
“حاولت أن أعيش مختلفة عنهم. كنت دائمًا أواجه الواقع وأفكر بالعقل والبصيرة. لم أسمح لنفسي يومًا أن أنقاد وراء العاطفة. وقد كان جهدي في ذلك ثابتًا لدرجة أنه ترسّخ في داخلي كعادة السيّد دالتون في التدخين. والآن، كما أردتُ تمامًا، أصبحت إنسانة مختلفة كليًّا عن أبي وأمي. حين تعتريني مشاعر قوية، أتصلّب. على الفور أُحللها وأحكم عليها ثم أتصرف بما يقتضيه العقل.”
أجابها بصوت ناعم، نبرة لا يُظهرها حتى لأقرب الناس إليه:
“ليست صفة سيئة على الإطلاق. أنا أُعجب بجانبكِ العقلاني يا آنسة بندلتون. كل إنسان سويّ الخُلق لا بد أن يكون مثلك: دائمًا هادئًا، رصينًا، وعادلًا. أنتِ لطيفة لأنكِ حكيمة، وطيبة لأنكِ قوية. ولوالديكِ في السماء أن يفتخرا بكِ حقّ الفخر.”
سألته بصوتٍ خافت:
“أحقًّا؟”
“نعم.”
ابتسمت لورا. فرفع السيد دالتون عينيه نحو ابتسامتها، بعينين دافئتين.
تحت وقع نظرته، اجتاح جسدها دفء مترف، أشبه بخمرة تسري في العروق. المشاعر التي لطالما أخفتها في أعماقها ثارت بعنف، تتوسل أن تخرج للنور.
أرادت أن تبوح له بعاطفتها عبر نظراتها، تعابيرها، كلماتها، وحتى إشارات جسدها. أرادت أن تكون علبة سجائره التي يلمسها، أن تتشبث به كما قميصه الملتصق بجسده، أن تحيطه بدفئها كما تفعل نيران المدفأة التي يجلس بقربها.
م.م: احنا كقراء ننتظر تلك اللحظة ❤️🔥🥰
تك… تك… كان غطاء قلبها يتصدّع شيئًا فشيئًا. وفي ذات الوقت، تسلّل احمرار المرأة العاشقة إلى وجنتيها.
لكن نظرة السيد دالتون إلى لورا اتخذت مسارًا غريبًا.
ارتبكت لورا فجأة. هل كُتبت مشاعرها الصادقة على ملامحها من غير قصد؟ هل لمح عاطفة غير لائقة قد تجعلها أضحوكة وتحرجه هو أيضًا؟
خوفًا، استعانت لورا بعقلانيتها سلاحها في كل أزمة. وسرعان ما وجدت الكلمات المناسبة لتجنب الموقف:
“نحن بحاجة إلى سيدة تفهم الطبيعة الحقيقية للسيد دالتون وتُحبّه بلا شروط لملء الفراغ. إلى أي مدى وصلتَ في هذا الطريق يا سيد دالتون؟”
غاصت نظراته فجأة في هاوية سوداء.
شعرت لورا بارتياح غامر.
أجاب، بنبرة خافتة يغمرها ظل الكآبة:
“ما زال بعيدًا جدًا.”
قالت وهي تحاول التخفيف:
“لابد أنك تعني لندن.”
فكرت في الآنسة لانس. آه، فهمت. لقد حدّدا موعدًا بالفعل.
نعم، السيد دالتون لا يقوم بشيء مُضلّل بلا خطة. ليس من هذا النوع. كانت مخاوفي من الآنسة لانس بلا مبرر. الحمد لله.
لكن خلافًا لتوقّعها، شعرت بوخز غريب في صدرها، وحرقة خفيفة في أنفها. ومع ذلك، ابتسمت.
قالت:
“المسافة لم تعد تعني شيئًا الآن. فهناك القطار. لا أعلم أين تعيش تلك السيدة، لكن الوصول إليها لن يستغرق أكثر من يومين.”
ضحك ضحكة خافتة، تحمل شيئًا من السخرية الذاتية.
“هناك عائق أكبر من المسافة يمنعها من المجيء إلي.”
“ما هو؟”
“إنها لا تعلم أنني أحبها.”
“آه…”
أزاحت لورا بصرها للحظة. تذكرت الآنسة لانس التي التقت بها قبل مغادرتها لندن، وكانت مأخوذة بدالتون تمامًا. ألم يلحظ هو ذلك؟
هل هناك امرأة أخرى غير الآنسة لانس تجذبه؟
لم تستطع لورا استيعاب الأمر. فقد كانت تثق بحدسها تجاه مشاعر الآخرين، لكنه لا يعمل معه أبدًا. ولم تستطع أن تسأله مباشرة عمن يحب، فذلك يتعارض مع قواعد اللياقة.
وهي غير قادرة على النظر إلى ملامحه القاتمة، قالت لتكسر الصمت:
“هل من شيء يمكنني فعله من أجلك؟”
“كيف أجد الحب هنا بعدما عجزتُ عن العثور عليه في لندن؟”
“اكتب لها… آه، هذا لن ينفع. ربما عليك زيارة لندن مرة أخرى؟”
“لا أستطيع الابتعاد عن وايتفيلد لفترة طويلة.”
ألقى نظرة من النافذة. كان وجهه بائسًا، وجه رجل لم يستطع الظفر بقلب المرأة التي أحبها.
ازدادت كآبة لورا، وكلما شعرت بذلك، ازدادت يأسًا في محاولتها كبح مشاعرها. وكيف يمكن لامرأة تكنّ إعجابًا لرجل أن تساعده في الظفر بقلب أخرى؟
لكن بذكائها المعهود، وجدت الحل سريعًا.
“إذًا، ستُقيم حفل صيد؟”
“حفل صيد؟”
“نعم. لو أقمنا حفل صيد، سنجذب كل السادة والسيدات من لندن إلى وايتفيلد. أرسل الدعوات لكل من تعرفتَ عليهم هناك. سيكون هناك صيد، بالطبع، إضافة إلى رقصات، وعشاء فاخر، وألعاب ورق، وحفلات موسيقية، ونُزهات. كل ما يمكن لوايتفيلد أن يقدمه. سيأتون جميعًا بالقطار. ومن بينهم ستكون تلك السيدة التي تحبها. وأنا واثقة أنها ستقع في حبك حين ترى وايتفيلد.”
شددت لورا على عبارتها الأخيرة. كانت تتوقع أن يقتنع، لكنه بدا كمن طُلب منه أن يستضيف الجرذان في بيته.
إنه منطوٍ، وقد لا يروق له الأمر. لكن يمكنني إبقاء تلك السيدة في وايتفيلد أسبوعًا على الأقل. سيكون من السهل أن يكسب حبها خلال تلك الفترة.
تلاشى العبوس عن وجهه عند سماع كلمة أسبوع. بدا عليه الانشراح، وكأن فكرة قضاء هذا الوقت الطويل مع المرأة التي يحبها في بيت واحد تسعده.
“…لكن لا فكرة لدي عن تنظيم مثل هذه الحفلات. ولا الخادم أيضًا. آخر حفل كبير أقامته عائلتنا كان في عهد جدي الأكبر. سيُصاب الخدم بالذهول إن تدفق العشرات من السادة والسيدات من لندن.”
“أجل، سيكون تحديًا. من اختيار قائمة الطعام إلى ترتيب الطاولات، كل شيء سيكون معقدًا. وأنت ولا الخادم لديكما خبرة في ذلك.”
ابتسم وقال:
“ما رأيك أن تساعدينا أنت، آنسة بندلتون؟”
“أنا؟”
“نعم. لقد حضرتِ مئات الحفلات والعشاءات في لندن. بل وكنتِ تستضيفين مأدبات شاي وعشاء رائعة في منازلكم هناك. لا أحد يستطيع إدارة مثل هذا الحدث مثلك.”
“لكن ذلك سيتطلب مني السفر يوميًا تقريبًا بين لندن ووايتفيلد، وهذا سيؤثر كثيرًا على دروس الأطفال.”
“لا بأس. حتى في دنڤيل بارك، يُعتبر زواجي أهم من دروس الأطفال. إن شرحتُ الموقف لأختي، ستسمح لك حتمًا بالذهاب. وسيحصل دانيال وجورج على عطلة كذلك.”
كان وجهه يشع بالحيوية، وقد تلاشت كآبته السابقة تمامًا. بدا متحمسًا لفكرة بقاء السيدة التي يحبها في قصره.
لكن لورا فجأة شعرت بغثيان غريب، لم تعرف له اسمًا أو وصفًا.
“حسنًا… سأساعدك.”
مدّ السيد دالتون يده نحوها بابتسامة واسعة. وضعت لورا يدها في يده، فانحنى وقبّل ظهر يدها.
“ماذا كنت سأفعل بدونك؟”
قالها بصوت منخفض، شفتاه بالكاد تتحركان. ابتسمت لورا وحاولت سحب يدها، لكنه لم يتركها. كانت عيناه معلّقتين بيدها الصغيرة المغطاة بالقفاز.
شعرت بوخز كهربائي يسرّي من موضع نظره عبر جسدها.
احمرّ وجهها، وحاولت أن تمزح لتخفي ارتباكها:
“ماذا تطلب مني هذه المرّة يا سيد دالتون؟”
رفع نظره ببطء نحوها.
“أرجو أن تحضري الحفل، آنسة بندلتون.”
“…ماذا؟”
“أقصد أن تشاركي في الحفل كغيرك من النبلاء المدعوين.”
كان طلبًا غير متوقع، ومستحيلًا بالنسبة لها. فهي لم تعد تنتمي للنبلاء. صارت عاملة بسيطة، ضحّت بكل شيء، وتعيش في بيت غيرها. لم يعد يحق لها أن تخطو إلى هناك مجددًا.
كان يتوقع أن تسأله “لماذا؟” لكنه أدرك ما تفكر فيه.
“لا أريد لأعز أصدقائي أن تظلّ مختبئة خلف دور الخادمة، تعمل بلا توقف.”
“اعذر رفضي يا سيد دالتون. لا يمكنني قبول ذلك. سيكون تناقضًا مع غايتي في مساعدتك. فالمضيف يُفترض أن يقدّم للضيوف أصدقاءً من نفس المكانة الاجتماعية. دعوتي ستُعتبر تقصيرًا في واجبك.”
“أرى أن دعوتك هي رفعة لمكانتهم.”
“لكنهم لن يروا الأمر كذلك. ولا السيدة التي تُحبها.”
“إذن سأشعر بخيبة أمل كبيرة منها. لن أرضى أن تستخفّ بابنة الرجل الذي أنقذ طفولتي لمجرد الدم والنسب.”
م.م: تخيلوا لو التقوا وهوما صغاار 🥰
كانت لورا على وشك الرد، لكن يده الكبيرة شدّت على يدها الصغيرة، حتى غمرتها قبضته بالكامل.
ضغط خفيف لكنه قويّ جعل صوتها يختنق.
“لا أستطيع فعل شيء بدونك. لولاك لارتبكت كلماتي، وتجمد بصري، ولصقت قدماي بالأرض. أخجل أن أعترف، لكنني أعتمد عليكِ في كل ما يخص الحب.”
ارتجفت عينا لورا.
“رجاءً، ابقي بجانبي. علّميني وأرشديني. سأتبِعك وحدك، كما يتبع الخروف راعيه.”
اضطرب قلبها بمزيج متناقض من الشفقة على رجل يتشبث بها هكذا، وألم لأن حبه موجّه لغيرها، وخوف من أن تضطر لمشاهدة محاولاته مع أخرى.
لكن الشعور الأقوى كان فرحتها بكونها ضرورية له بهذا القدر.
حتى وإن كانا مجرد صديقين، يكفي أنها شخص يمكنه الاعتماد عليه. وهذا وحده ملأ قلبها بحزنٍ جميل، حزنٍ سعيد.
أومأت لورا.
ابتسم ابتسامة واسعة، وكأن تكرار استسلامها يُسعده. مسح برفق على يدها الصغيرة بصوته المتحمّس:
“لم أظن يومًا أنني سأخوض مثل هذه الحفلات، لكن يبدو أن لا شيء مضمون في الحياة. أُسلّمك الأمر كله. لن أبخل على أي تفصيلة. اعتبري كل شيء ملكك: البيت، الخدم، كل ما في وايتفيلد. تصرّفي كما لو كنتِ سيدته.”
حاولت لورا أن تحافظ على رقتها المعتادة.
كان المطر قد توقف، وثيابهما جفّت بينما يتحدثان قرب المدفأة. غادرا الكوخ، عبرا غابة الكستناء المعتمة، وسلكا الطريق المزين بأشجار البتولا البيضاء، حيث بدأت خيوط الشمس تتسلل من بين الأغصان.
كان دالتون يسير إلى جانبها، ممسكًا بشالها بيد، واليد الأخرى في جيبه، يصفر بلحنٍ خافت. بدا في مزاج رائع.
أما لورا، فرفعت بصرها نحو السماء، تضم ألبوم صور والدها إلى صدرها.
كادت دموعها تنهمر، لكنها تماسكت.
يحكى أن مترجمة وصلت مشاهدات روايتها لأكثر من 15 ألف وتوقفت عن الترجمة بسبب عدم وجود تعليقات 😏 تعرفوها؟؟ 🥺
يا جماعة الواحد يتعب و يترجم و ينشر بالأسبوع و عدد فصول حلو ومافي تعليق حلو ليش؟؟
التعليقات لهذا الفصل " 97"