⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
كان السيد دالتون، الرجل الثابت دائمًا، قد اكتشف سريعًا أن لورا أصبحت مقربة من آل ستار. وقد غمرته السعادة لذلك، لكنه وجد الأمر مبالغًا فيه قليلًا. ففي كل مرة يلتقي فيها بلورا، كان يسألها باستمرار عن مدى قربها منهم، وعن مقدار إعجابها بهم.
وفي أحد أيام شاي ما بعد الظهيرة، لم تستطع لورا كتمان شكوكها وقالت مباشرة: هل كان يهم السيد دالتون إلى هذه الدرجة أن أكون قريبة من آل ستار؟
أحمرّ وجهه، ومسح خده بظاهر يده في خجل.
قال:
«اغفري لي… أنا سعيد لأنني أستطيع أن أريك أن لدي أصدقاء جيدين… أصدقاء طيبون هم موضع فخري، تمامًا كما أنتِ يا آنسة بندلتون.»
كانت لورا تُقدّر أصدقاءها، ففهمت مشاعره على الفور.
فقالت:
«إذن رد فعل السيد دالتون طبيعي للغاية. فآل ستار أصدقاء يستحقون الفخر حقًا.»
ارتسمت ابتسامة على وجه السيد دالتون. كانت لورا تحب تلك الابتسامة، وزادها سرورًا أنها استطاعت أن تجعله يضحك.
قال مبتسمًا:
«أتمنى أن تواصلي صداقتك مع آل ستار. إنهم أشخاص رائعون ومثاليون، ونموذج يُحتذى به.»
قالت لورا:
«السيد دالتون، أنت محظوظ لكونك تعيش قريبًا من أشخاص مثلهم.»
فأجابها بهدوء وهو ينظر إليها:
«القرب بلا شك ميزة للصداقة. وايتفيلد والبرسوناج لا يفصل بينهما سوى نصف ساعة سيرًا على الأقدام.»
ابتسمت وقالت:
«لا شك أن لك أفضلية عليّ. فأنا أستغرق أكثر من ساعتين في الذهاب والإياب، ودائمًا ما أشعر بالانزعاج من اضطراري لاستخدام العربة.»
قال بجدية:
«لو كان قصر وايتفيلد هو بيت الآنسة بندلتون، لكانت صداقتنا أكثر سهولة. إنه أمر مؤسف بالنسبة لكِ.»
فأجابت:
«نعم يا سيد دالتون.»
بعد ذلك، صار السيد دالتون يحضر الولائم الرسمية في بيت آل ستار كثيرًا. وكان كلما التقى بلورا هناك، أبدى قلقه من طول الطريق الشاق الذي تسلكه لتصل. وتساءل دائمًا عن مدى سهولة الأمر لو كانت تقيم أقرب.
كانت لورا ممتنة لاهتمامه، وكانت تقول إن الطريق ليس دائمًا عسيرًا. لكنه لم يكن يترك الأمر دون أن يضيف:
«الأصدقاء حين يكونون قريبين، يكونون أفضل. وجود الأصدقاء على بُعد خطوات معدودة من أمتع مباهج الحياة. لو عاشت الآنسة بندلتون في قصر وايتفيلد، لكانت تمشي إلى هنا.»
وكان تكراره لتلك العبارة كل مرة يجعل لورا تشعر وكأنها تُغسَل دماغيًا، حتى بدأ الأمر يؤثر فيها. فأصبحت تشعر فجأة أن قصر دنڤيل بعيد جدًا، بعيد عن البرسوناج، بعيد عن آل ستار، وبعيد عن آل دالتون في قصر وايتفيلد.
م.م: ذكيييي 😭😭❤️🔥
وكان هذا الشعور يولّد في قلبها وحشة خفيفة، خاصة حين كانت تدرك المسافة التي تفصلها عن قصر وايتفيلد. وكلما ودّعته ورجعت، ظل نسيم الخريف البارد يلازم قلبها من لحظة عودتها إلى دنڤيل بارك وحتى لحظة نومها.
لم يكن الأمر كذلك في لندن. حين انقطعت صداقتهما هناك، افتقدته لكنها كانت لحظة عابرة وسرعان ما تتلاشى. أما الآن في يوركشاير، فالمشاعر لم تعد تمر مرور الكرام، بل ظلت عالقة. لقد صار حضورُه في قلبها ثقيلاً، عصيًا على التجاهل.
فكرت لورا بخيال ساخر:
«لا بد أن أشجار البتولا المحيطة بقصر وايتفيلد قد ألقت سحرًا عليّ. لقد شعرت فعلًا وكأني مُنوّمة مغناطيسيًا حين مررت من هناك.»
ثم ضحكت على نفسها. سحر؟ خيالات عاطفية كهذه كانت من بقايا صباها. لقد أغلقت على قلبها بإحكام. وظل الغطاء محكمًا حتى الآن.
لطالما غلب تمييز لورا عقلَها على عاطفتها. لقد عاشت عمرها لا تعتمد إلا على العقل لمواجهة قسوة القدر. كي لا تكرر مصير والديها، نزفت دمًا ودموعًا أكثر من عشر سنوات، وبنت قلبها كحصن لا يُخترق.
وكانت واثقة من نفسها في هذا. لن تسمح لأحد أن يعرف ما تشعر به. ستكتم ذلك حتى يوم وفاتها.
لكنها لم تكن تدري أن الحياة ميدان معركة، والضربة قد تأتي فجأة من حيث لا تتوقع. وأن سهمًا واحدًا، إن أصاب الهدف، قد يطيح بحصن بُني في أكثر من عقد من الزمن. فالسقوط قد يحدث في أي لحظة. ولورا سرعان ما ستكتشف أن عقلها قد ينهزم أمام قلبها، وأن لا شيء في الحياة مضمون.
لقد بدأ كل شيء من شاهد قبر صغير.
قالت السيدة ستار وهي تضع شوكتها على شفتها السفلى بعينين متألقتين مثل عيني سنجاب:
«سيدتي، أرجوكِ كوني صريحة.»
كان ذلك عصر أربعاء دافئ، وكانت لورا في صالون البرسوناج، تستمتع بفطيرة تفاح لذيذة. توقفت فجأة وحدقت في السيدة ستار.
قالت:
«ماذا…؟»
ابتسمت السيدة ستار وقالت بحماس:
«هل هناك سيدة مغرمة بالسيد دالتون؟ لقد وقع في الحب في لندن، أليس كذلك؟»
كدت لورا تختنق وهي تبتلع نصف قطعة الفطيرة.
تابعت السيدة ستار:
«زوجي والسيد دالتون كثيرًا ما يتمشيان بجوار النهر ويتناقشان في الكتب واللاهوت. لكن منذ عودته من رحلته إلى لندن الصيف الماضي، بدأ يتحدث كثيرًا عن الزواج. عن وجود زوجة في البيت، عن معنى أن يكون أبًا، عن كيف يصير رجلًا صالحًا لزوجته. ولم يمض وقت طويل حتى عاد إلى لندن مرة أخرى.»
قالت لورا بصوت منخفض وهي تضع شوكتها على الطاولة:
«نعم… لقد قال السيد دالتون إنه كان يفكر جديًا في الزواج أثناء وجوده في لندن.»
ساد صمت ثقيل، وعيناها تنظران إلى أسفل. فكلما ذهبت إلى وايتفيلد، كان قلبها ينجذب إليه أكثر، لكنها لم تستطع أن تنسى: مكانه إلى جانب امرأة أخرى. مهما كان لطفه معها، فلا بد أنه بدافع الصداقة فقط.
لكن رغم ذلك، كانت كلماته أحيانًا تتركها محمرة الوجه، وكأنه يضع في ذهنه كل تفاصيلها الصغيرة وعاداتها. وأحيانًا كانت بذور أمل جريء تتسلل إلى قلبها. لكنها كانت تردد في داخلها:
«ومع ذلك… قلبه لا بد أنه مع امرأة أخرى.»
وأول من خطر ببالها كان فتاة رقيقة من أسرة كريمة: الآنسة دورا لانس.
لم يقل يومًا صراحة إنه يحبها، لكنه رافقها في زيارتها الثانية إلى لندن، وطمأن أصدقاءه بأن قريبته ستصبح قريبًا السيدة دالتون. رجل كالسيد دالتون لم يكن ليفعل ذلك دون نية واضحة. إذاً، قلبه لا بد أنه ملكها.
قالت في نفسها محاولةً إقناع عقلها:
«لقد سأل حتى كيف يكون زوجًا صالحًا. لابد أنه يحب الآنسة لانس حقًا.»
كان هذا منطقيًا في عقلها، لكن قلبها كان يمتلئ بالحزن.
سكبت الحليب في كوب شايها وحركته ببطء. حركتها كانت رشيقة بسيطة، وعيناها الجامدتان مثبتتان على السائل الغائم. لقد ظلّت مهاراتها في التمثيل، التي صقلتها أيام المجتمع الراقي، درعًا واقيًا حتى في هذه الحياة الجديدة.
قالت:
«لا أظن أن السيد دالتون سيبقى أعزب إلى الأبد.»
قالت السيدة ستار بلهفة:
«هل تعلمين شيئًا؟»
فأجابت لورا بحذر:
«اعذريني إن لم أعطِ جوابًا قاطعًا. فأنا طرف ثالث، وأتحفظ في مثل هذه الأمور. لكن أستطيع أن أؤكد شيئًا واحدًا: حين يكتمل كل شيء، فإن السيد دالتون سيخبركِ بكل شيء بنفسه، بعد أسرة دنڤيل بارك مباشرة.»
صفقت السيدة ستار بيديها فرحة مثل فتاة صغيرة:
«يا إلهي! إذن السيد دالتون واقع في الحب!»
شعرت لورا بالقلق من حماسها. كانت تعلم أن هذه المرأة اللطيفة بعيدة عن الحذر وقريبة جدًا من حب نشر الأخبار.
فقالت:
«حتى لو وجد قلبه نصيبه، فليس هناك ضمان أن يكتمل. فالحب كزورق قديم، قد يتعطل قبل أن يبلغ الشاطئ.»
ضحكت السيدة ستار ولوحت بيدها:
«لا تقلقي! أنا لا أنشر القيل والقال ولا أفسد الأمور. لكنني في غاية السعادة! لقد كنا مدينين لسعادتنا للسيد دالتون، والآن هو أيضًا ينال سعادته!»
أومأت لورا بتفهم. فهي تعلم أن سبب حصول القس ستار على منصب مناسب في سن مبكرة يعود إلى توصية السيد دالتون، وإلا لطال انتظار زواجهما.
وقالت السيدة ستار بحماس، ووجنتاها متوردتان مثل الخوخ:
«آه، تخيلي مقاعد عائلة دالتون في الكنيسة ممتلئة بهم جميعًا! يا له من زفاف! قولي لي، أي سيدة هذه التي أسرت قلب هذا الرجل المتطلب؟ أعطيني تلميحًا صغيرًا فقط… صغيرًا جدًا! نعم؟»
لكن لورا، التي كانت مثالًا للحذر، لم تجب إلا بابتسامة وهي تحتسي شايها. لقد قررت ألا تنطق بكلمة إضافية. فكل كلمة ستزيد ألمها، وإن لم يكتمل زواجه فسوف يلطخ سمعته.
واستمرت السيدة ستار في ملاطفتها وإلحاحها كجرو مرح يحاول استمالة صاحبه.
ابتسمت لورا لها برفق. كانت تعلم أنها تجسد سحرًا يذيب حتى قلوب النساء.
وبينما كانت السيدة ستار تواصل إظهار دلالها، دوى طرق على باب غرفة الاستقبال. أجابت الخادمة الممتلئة وهي تتلعثم:
«السيد دالتون من وايتفيلد قد حضر.»
ارتجف جسد لورا. أسرعت ترتب ثيابها وشعرها الذي لم يعد مرتبًا.
التعليقات لهذا الفصل " 91"