⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
“إذًا.”
رفع خالي طرفي شفتيه وتكلّم بثقة:
“أي شخص يزور وايتفيلد ولو لمرة واحدة، لا يسعه إلا أن يقع في حب هذه الأرض. إنها أجمل مكان في العالم. وإذا أحببتِ هذه الأرض، فستحبينني أنا أيضًا، مالكها، بطبيعة الحال.”
م.م: الثقة ↗️↗️↗️↗️↗️ لكن أتفق
نظرت أوليفيا إلى خالها بعينين متشككتين:
“لقد اعتدتُ زيارة وايتفيلد كثيرًا، لكنني لا أحبك يا خالي.”
“إذًا من الذي تقدّم لي بالزواج عندما كان في السابعة من عمره؟”
احمرّت وجنتا أوليفيا خجلًا. أما إيان فاكتفى بابتسامة خفيفة.
“لا تتوتري يا أوليفيا. كل ما عليكِ فعله هو أن تجلبي معلمتكِ إلى وايتفيلد باستمرار. كلما قضينا وقتًا أطول معًا هنا، انفتح قلبها دون أن تشعر. ومعكِ في الوسط، سيتراجع حذرها. وبعد شهر أو شهرين، قد يرغمها الطقس على المبيت هنا ليلة أو ليلتين. بل وقد تتمكنين من ترتيب مواقف تستضيف فيها مأدبة، أو تعتني بي إذا أصابتني الإنفلونزا.”
أمالت أوليفيا رأسها:
“دعك من المآدب العامة، فخالي لم يُصب بالبرد في حياته قط. لطالما تباهى بأن بنيته تمنعه من الإصابة حتى بأخف نزلة. فكيف يمكنه الاعتناء به إذا مرض؟”
“ستتظاهر فقط بأنك مريض.”
فكرت أوليفيا قليلًا، ثم شبكت كفيها وقد بدت عليها علامات الفهم:
“أنت عبقري يا خالي.”
حدّقت أوليفيا في خالها بإعجاب:
“إنها خطة مثالية. امرأة طيبة مثل معلمتي، سيثير ذلك في نفسها غريزة الحماية عندما تراكَ تتألم. وستشعر بشفقة كبيرة عليك، مدركة كم أنت وحيد. وسيتحول هذا الشعور بسهولة إلى حب. وبحلول الوقت الذي تتعافى فيه، ستكون متلهفة للبقاء إلى جانبك. وإذا تقدمتَ في تلك اللحظة بالذات، قائلاً: “بينما كنتَ تعتنين بي، وُلد الحب في قلبي. أرجوك، ابقَي هنا من أجلي في وحدتي.” فأنا متأكدة أنها ستوافق.”
“تخمين جيد.”
ابتسم إيان لابنة أخته الذكية.
“هذا الشتاء، من المتوقع أن أمرض أكثر من عشرة أيام. بالكاد أتحرك، متأرجحًا على حافة الموت، لكن دون أن أسبب مشقة كبيرة لمن يعتني بي. وعندما أتعافى تمامًا، سأقف تحت نافذة حجرتها، ممسكًا بيدها. سيكون مشهد وايتفيلد المغطى بالثلوج غاية في الرومانسية. سأجثو على ركبتي وأسألها أن تكون زوجتي. لن أستطيع المقاومة. سأكون شاحبًا، جائعًا، وأذرف بضع دموع.”
أُعجبت أوليفيا ورفعت إبهامها بصمت.
انتهى عرض لورا. صفقت لها أوليفيا وإيان بحرارة. شكرتهم لورا بامتنان، غير مدركة لما دار بينهما. وسرعان ما أخذت أوليفيا إلى البيانو. جلستا جنبًا إلى جنب وعزفتا معًا دويتو ليوهان شتراوس.
دقّت الساعة الذهبية الضخمة في نهاية ممر قاعة وايتفيلد الخامسة مساءً. أنهت لورا العزف وأغلقت غطاء البيانو.
“حان وقت الرحيل.”
جلست أوليفيا بجانب معلمتها بأسى خفيف:
“سيدتي، هل يمكن أن نعزف أغنية أخيرة قبل أن نذهب؟”
“لقد وعدتُ والدتكِ أن نعود قبل العشاء.”
“إنها ساعة واحدة فقط. العشاء في السادسة والنصف، أي لدينا ثلاثون دقيقة إضافية.”
مسحت لورا على شعر أوليفيا الأشقر:
“صحيح أن الطريق من وايتفيلد إلى دنڤيل بارك يستغرق ساعة. لكن الثلاثين دقيقة ضرورية تمامًا يا آنسة فيرفاكس، لتُودعي خالكِ، وتعودي للمنزل، وتلقي التحية على والدتكِ، وتغيري ملابسكِ، وتغسلي يديكِ.” كانت مُحقة.
نهضت أوليفيا عن مقعد البيانو.
خرج السيد دالتون مع السيدات لوداعهن. ابتسم بلطف للآنسة بندلتون التي كانت جالسة قرب النافذة.
“الآنسة بندلتون، شكرًا لحضورك. كنتُ أشعر بالوحدة الشديدة، وقد جعلتِ يومي أكثر بهجة.”
“بل أنا من يجب أن يشكرك على كرم الضيافة. لقد كانت وايتفيلد رائعة حقًا. وسأحلم الليلة بالتجول بين غاباتها البيضاء من شجر البتولا.”
“أنا أقدّر دائمًا ثناء الآنسة بندلتون. فهي دافئة القلب لدرجة أنها لا تفوّت فرصة لتمدح شيئًا.”
هزّت لورا رأسها بجدية:
“لا أعلم بشأن كل شيء، لكن لا تشك في مديحي لوايتفيلد. لقد أبهرتني بالفعل.”
“حقًا؟”
“نعم. كنت قد سمعت الكثير من المديح ورأيت صورًا له، فخشيت أن أصاب بخيبة أمل عندما أراه. لكن مخاوفي كانت بلا أساس. يا سيد دالتون، لقد أسرني من اللحظة الأولى التي وصلتُ فيها. و…”
اضطربت أنفاس لورا قليلًا.
“شعرتُ أن هذه الأرض جميلة ونقية تمامًا مثل مالكها.”
قالت ذلك، وارتبكت. لقد أفلت لسانها.
كان هو الآخر مرتبكًا. فقد كان ثناؤها موجهًا له بقدر ما كان لوايتفيلد. نقي وجميل. وايتفيلد… وهو.
خفق قلبه بقوة.
مدّ السيد دالتون يده إليها، فوضعت يدها الصغيرة بحذر بين يديه. انحنى وقبّلها.
وبعد لحظة بدت أطول مما تحتمله قبلة بروتوكولية، ابتعد ببطء، وحدّق مطولًا في الآنسة بندلتون.
“الليلة، في أحلامي، سأراكِ متوَّجة بالياقوت والحرير. أتمنى لكِ رحلة آمنة.”
احمرّ وجه لورا قليلًا. ابتسمت بخجل وسحبت يدها.
“وداعًا.”
“وداعًا.”
تحرّكت العربة مبتعدة.
الراحلة والمُوَدِّع. رغم اختلاف موقفيهما، كان لدى السيدة والرجل ذات الفكرة في ذهنيهما:
“ما كان ينبغي أن أقول ذلك.”
لم يمضِ أسبوع على زيارة لورا إلى وايتفيلد، حتى وجدت نفسها مع أوليفيا في عربة أخرى عائدة إلى هناك. فقد وصلت دعوة من السيدة ستار، زوجة القس.
وبصوت بهيج شبه مُرن، دعتهم لتناول الشاي في بيتها المتواضع الملاصق للكنيسة. ذهبت لورا، ترافقها أوليفيا التي كانت مكسوة بالدانتيل والحرير، إلى بيت الرعية في كنيسة وايتفيلد.
كان البيت يعجّ بالفتيات، أعمارهن بين الثانية عشرة والثامنة عشرة. كلهن من جوقات الكنيسة، وبنات مزارعين وأصحاب متاجر.
كانت لورا قد أعدّت نفسها، متوقعة أن تُذكر صداقتها مع السيد دالتون أكثر من مرة على مائدة الشاي. لكنها كانت مخطئة. فقبل أن تخطو إلى البيت، كانت السيدة ستار قد أخبرتهن جميعًا أن لورا صديقة مالك وايتفيلد.
اضطرت لورا إلى قضاء ظهيرة غير مريحة، محاطة بالسيدة ستار التي قدّمت لها الشاي والكعك بحماسة مفرطة، وبالفتيات البريئات اللواتي لم يجرؤن على محادثتها، فاكتفين بالتحديق إليها بعيون متلألئة كدرب التبانة، وبأوليفيا التي راحت تبالغ بفخر في الحديث عن مهارات معلمتها في اللغات الأجنبية والعزف على البيانو.
ثم جاءت دعوات السيدة ستار. وبصراحة، لم تكن لورا متحمسة لها. لكنها قبلت بدافع الاحترام لصاحبة الدعوة، وبشعور من الصداقة تجاه السيد دالتون.
وهناك التقت بعمال المزارع ذوي الأيدي الخشنة والقلوب الدافئة، وزوجات التجار الجادّات من نادي السيدات، وبالأطفال ما بين التاسعة والحادية عشرة الذين يجتمعون أسبوعيًا لدراسة الكتاب المقدس. جميعهم كانوا يعرفون أن لورا صديقة السيد دالتون. وهذا وحده كان كافيًا ليجعلها شخصية محترمة في أعينهم.
استقبلوها بابتسامات دافئة. سألتها النساء عن حالها باهتمام، وازدحم الأطفال حولها يسألونها عن لندن. وعندما غادرت، كانت ذراعاها ممتلئتين بهداياهم البسيطة.
سرعان ما أدركت أنهم جميعًا أناس طيبون ودافئون. ولاحظت أيضًا أن الجميع، من الأطفال إلى الشيوخ، يكنّون احترامًا عميقًا للسيد دالتون. صريح، عادل، ومهذب هكذا كانت سمعته.
تلاشى تدريجيًا تحفظ لورا من زيارة بيت الرعية. بدأت تميل إلى أهالي وايتفيلد الذين التقتهم هناك، واعتادت مرح السيدة ستار، وبفضل السيد دالتون أصبحت ممتنة بدلًا من الشعور بالإحراج.
حرصت على أن تُحسن التصرف دائمًا، لئلا تسيء إلى سمعة السيد دالتون. كانت دقيقة في سلوكها، تقابل الكرم باللطف، والود بالتواضع.
وكان أداؤها رائعا. التوقعات التي ربما عقدها أهل وايتفيلد المحبون للسيد دالتون تجاه صديقته، كانت دائمًا تُقابل بالإعجاب والقبول.
وبعد عدة زيارات لبيت الرعية، كان التوقف التالي قاعة وايتفيلد. إذ لم تكن سوى خمس عشرة دقيقة بالعربة، فكان من الطبيعي أن تتوقف أوليفيا ولورا هناك.
مررن عبر الغابات السحرية من شجر البتولا، وعند الوصول إلى وايتفيلد، كنّ دائمًا يجدن السيد دالتون بانتظارهن. وبعد أن سمعت لورا سمعته الطيبة بنفسها في بيت الرعية، لم تستطع إلا أن تُعجب به أكثر. كانت تعرف أنه مالك مسؤول، لكن رؤيته بعينيها في بيته جعلته يبدو أكثر إعجابًا بما لا يُقارن.
كان دائمًا كريمًا مع أوليفيا ولورا، يسمح لهن باستخدام مكتبته بحرية، ويُريهن الزهور الجميلة في دفيئته. وفي الأيام الصافية، كان يأخذهن إلى حديقة المتاهة والأشجار المشذبة بدقة، وأحيانًا يقطف التفاح الأحمر الناضج من أشجاره المزروعة كهواية، ويملأ به تنانير الفتيات.
أحبت لورا كل لحظة قضتها في قاعة وايتفيلد. جمال القصر الراقي أسر حواسها، والمكتبة بكتبها الوفيرة كانت جنة حقيقية لها كعاشقة للكتب. كان الخدم دائمًا لطفاء معها، والوجبات والحلويات لا تُضاهى.
لكن أعظم ما أحبته في قاعة وايتفيلد كان اللقاء بالسيد دالتون. الجلوس وجهًا لوجه معه، والتحادث معه، كان أسعد وأكمل أوقات حياتها.
التعليقات لهذا الفصل " 89"