⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
ابتسمت لورا وهي تحدّق في العروق البارزة على جبين السيد دالتون. كانت تجد متعة في ذلك دائمًا، إذ كان يثير إعجابها حين يغضب.
قالت:
“بهذا المعنى، أوستن كاتبة واقعية بحق. فمعظم الناس في الحياة الحقيقية مليئون بالعيوب. لكنك أغفلت السيدة إليانور داشوود والسيدة بيني برايس. ماذا عن هاتين السيدتين؟”
أجاب:
“السيدة بيني برايس هي السيدة المفضلة عند الآنسة بندلتون، لذا سأستبعدها من النقد.”
قهقهت لورا قائلة:
“أتمنى أن تأتي الآنسة برايس إلى حديقة دنڤيل لتناول الشاي عربون تقدير. والآن، حدّثني عن السيدة إليانور داشوود.”
قال:
“إنها سيدة رصينة تتصرّف دائمًا بلباقة. لكن لباقتها لا تنطبق على الحب. فقد عانت من ألم القلب بسبب أحمق متردّد مثل إدوارد فيررز.”
اعترضت لورا فورًا:
“تقول إن إدوارد فيررز أحمق متردّد؟ أعتقد أنه رجل نبيل للغاية.”
ردّ:
“وأين هو الآن؟”
قالت:
“لقد ضحّى بحبه الحقيقي ليحافظ على وعده للسيدة التي ارتبط بها في شبابه. لقد فعل الصواب، إذ لم يسمح للعاطفة بأن تسيطر عليه. لو كان قد فسخ خطوبته مع لوسي ستيل واختار الآنسة داشوود، لشعرت إليانور بخيبة أمل فيه، ولن يستطيع القرّاء أن يتعاطفوا معه.”
أجاب دالتون:
“أتفق معك. إنه أمر مخزٍ أن يتخلى الرجل عن سيدة وعدها بالزواج. لكن، لو لم يكن أحمق منذ البداية، لما خطب امرأة سوقية مثل لوسي ستيل.”
وضعت لورا يدها على فمها لتكتم ضحكتها. حتى لورا، التي كانت عادة متسامحة، لم تستطع إنكار انتقاد السيد دالتون للوسي ستيل. كانت لوسي ستيل تجسيدًا للابتذال الذي لا يمكن مسّه.
قالت لورا متنهّدة بافتعال:
“حسنًا، إذن هذا يوضّح الأمر. إيما وليزي متكبرتان، كاثي ساذجة، وماريان وإليانور رغم اختلاف طباعهما كلتاهما غبيتان. وأما بيني فهي شابة تخفي عيبًا ما؟ يا له من أمر محرج أن أكون صديقة لنساء كلهنّ دون مستوى معايير السيد دالتون!”
أدرك دالتون أن لورا تمزح، فضحك.
لكن أوليفيا، التي كانت تصغي لحديثهما، شعرت بالقلق. خُيّل إليها أن لورا جُرحت بكلامه. ولم يكن الأمر غريبًا، فمفردات خالها كانت لاذعة، ونبرته اتهامية تمامًا.
في الواقع، كانت أوليفيا تشكك في عقل خالها طوال الوقت وهي تستمع. أي رجل عاقل يهين أذواق امرأة يُعجب بها في وجهها هكذا؟ لو كانت هي معلمتها، لسكبت الشاي فوق رأسه.
قالت أوليفيا مقاطعة:
“لكن، لقد قلت إن آن إليوت في الإقناع كانت جيدة. إنها امرأة ناضجة.”
هزّ السيد دالتون رأسه موافقًا على ملاحظة ابنة أخته:
“آن إليوت تجسيد للنعومة في ظاهرها، والقوة في باطنها. إنها ذكية وصبورة وحكيمة. ليس غريبًا أن يقع الكولونيل وينتورث في حبها من جديد.”
مالت لورا برأسها:
“أتعتقد ذلك حقًا؟”
قال: “نعم.”
قالت:
“هذا مثير. آن إليوت تخلّت عن حبيبها الكولونيل وينتورث في الماضي بعد أن استمعت إلى نصيحة السيدة راسل. يبدو ذلك تصرّفًا متردّدًا للغاية.”
أجاب:
“أعتقد أن السيدة راسل قدّمت نصيحة سديدة، وأن آن إليوت كانت حكيمة حين أخذت بها.”
“لماذا؟”
قال:
“كان وينتورث مجرد بحّار معدم. آنذاك، لم يكن يُنظر إلى البحرية كمهنة واعدة. لم أفهم أبدًا كيف يجرؤ رجل بلا أساس مالي أن يتقدّم لآن إليوت. لم يكن بوسعه أن يقدّم للمرأة التي يحب أي ضمان. أن يظن أن امرأة ستختاره بدافع الحب وحده، بينما هو بالكاد قادر على حماية نفسه، لم يكن إلا حماقة. صحيح أنه جنى ثروة لاحقًا من إنجازاته في الحرب، لكن لو أن مدفعًا قد أخطأ وأحرق أسطوله، لما حصلت آن إلا على جثة زوجٍ بارد.”
قالت لورا:
“يا للمفاجأة! كنت أظنك رجلًا لا معيار له سوى الحب. هذا النوع من التفكير يليق بامرأة أنانية مثلي.”
ابتسم وقال:
“أنا أؤمن بقوة الحب وأرغب أن أعيش مُسترشدًا بتلك العاطفة السامية، لكن ذلك لأني رجل ميسور الحال. النساء محرومات اقتصاديًا، ومعرّضات لتأثير السمعة. إن اخترن الحب وحده وانتهين إلى الإفلاس، فلن يجدن وسيلة لإنقاذ أنفسهن. لذا ينبغي على النساء أن يكنّ متعقّلات في الزواج. أما رجل مثلي، صاحب مصالح ثابتة، فلا يمكنه أن يلوم امرأة تختار بعقلانية.”
م.م: واو 👏👏👏👏 إيان يرتفع في ترتيب شخصياتي المفضلة
ثم اقترب منه خادم، وأخبره أن أحد المزارعين المستأجرين يطلب لقاءً عاجلًا. اعتذر السيد دالتون من السيدتين وغادر.
جلست لورا تنتظره وتشرب الشاي مع أوليفيا. ولسبب ما، بدت أوليفيا متحمّسة للتفاخر بثروة خالها ووسامته. ادّعت أن نصف يوركشاير ملك له، وأنه أجمل رجل قابلته في حياتها.
ظنّت لورا أن أوليفيا تتفاخر بخالها، فاكتفت بهزّة رأس فاترة. لكن ذهنها كان مشغولًا، فلم تلاحظ أن أوليفيا لا تخفي نفاد صبرها، وأن خلف ذلك النفاد خوفًا من أن يكون خالها قد فقد مكانته عند المعلّمة.
على عكس توقّعات أوليفيا، لم تُصب لورا بأي إهانة. فقد قالتها بوضوح: هي امرأة تميّز بين ذوقها واعتزازها بنفسها. بل إنها أحسّت في قرارة نفسها أن اليوم الذي ستبغض فيه السيد دالتون لن يأتي أبدًا.
فهي تعرفه كرجل لا يكترث بما لا يحب، بل يغرق فيما يحب، ويحافظ على برودة تامة تجاه كل شيء آخر.
م.م: صح صح ومن أفضل الصفات الموجودة فيه
وكونه قد قرأ الروايات الست الكبرى لجين أوستن، فهذا يعني أنه يكنّ إعجابًا عميقًا بها. ورجل يعشق جين أوستن؟ لم يكن ممكنًا ألا تحب لورا السيد دالتون.
همست لنفسها وهي إلى جوار أوليفيا، التي كانت تتفاخر بخفّة بأن خالها أفضل رامٍ في المنطقة:
“يا لها من نعمة أن يكون السيد دالتون صديقي.”
عاد بعد أقل من نصف ساعة، تمامًا مع دقات الساعة الثالثة. واقترح أن ينتقلوا:
“لقد برد الشاي، والحلويات بدأت تجذب الذباب. فلنذهب إلى غرفة الموسيقى. هناك بيانو مضبوط جيدًا، وسأدعو الآنسة بندلتون للعزف.”
ردّت لورا بمرح:
“إذن يمكنني أن أستسلم وأُظهر مهاراتي.”
تمتمت أوليفيا بضيق:
“وسأتمكّن أنا من التذمّر لخالي وهو يعزف.”
ظنّت لورا أن أوليفيا منزعجة لأن السيد دالتون ابتعد طويلًا، فربّتت على كتفها لتهدئتها.
انتقل الثلاثة إلى غرفة الرسم، حيث أخرج السيد دالتون خمس أو ست قطع موسيقية. وقفت لورا إلى جانبه عند البيانو، يتأمّلان النوتات معًا ويختاران قطعة للعزف.
جلست أوليفيا على الأريكة، تراقب ظهريهما. كانا يبدوان مثاليين، يقفان معًا كزوجين جديدين عاشقين. كم كان رائعًا لو أن المعلّمة تستقر هنا وتصبح زوجة لخالها، تبقى فردًا من العائلة إلى الأبد! لكن الخال، الذي كان من المفترض أن يفوز بقلب المعلمة، بدا غير راغب بذلك إطلاقًا. كل ما فعله أمامها هو التفاخر بلقبه المضحك “الآنسة هاويشام”، والسخرية علنًا من كاتبتها المفضلة. جالسًا إلى جوارها، لم يحاول أن يغويها بكلمة عذبة، فماذا كان يفعل؟ شعرت أوليفيا بالغضب.
م.م: إيان يشبه الآنسة هاويشام أو لا؟
بدأت لورا العزف على البيانو، وكان المقطع الثاني عشر من سوناتا لموزارت. جلس السيد دالتون بجوار ابنة أخته، يراقب لورا وهي تعزف. حدّقت أوليفيا في وجه خالها، فإذا به مشدوه.
م.م: وصف مشدوه يُستخدم للإشارة إلى شخص فُوجئ بشيء غير متوقع أو انغمس في جمال أو غرابة موقف ما، لدرجة أنه جُمِّدت حركته أو فقد القدرة على التعبير أو الاستجابة بسرعة.
كانت عيناه مسمّرتين على الآنسة لورا بندلتون الجالسة عند البيانو الكبير، والابتسامة تعلو شفتيها. بدا مأخوذًا تمامًا، عيناه ضبابيتان، وبشرته محمرّة قليلًا. كان تعبيرًا لم تره أوليفيا من قبل على وجه خالها.
فكّرت في نفسها:
“أوه، إنه واقع في حبك حقًا، يا معلمة.”
شعرت أوليفيا بوخزة غيرة من المعلّمة التي انتزعت هذا التعبير من خالها. نظرت إلى البيانو، حيث جلست معلمتها، ترتدي أقراط الياقوت التي استعارتها منها، تضرب المفاتيح برموشها الطويلة المتدلّية، تحت خصلات شعرها الكستنائي وبشرتها البيضاء الناصعة وملامحها الجميلة.
تلاشت غيرة أوليفيا ببطء.
وقالت لنفسها بصراحة:
“حتى لو كنت مكان خالي، لما استطعت إلا أن أحبك.”
كانت لورا امرأة تفوقها كثيرًا، ولم يكن أمام أوليفيا سوى الإعجاب بها. الغيرة التي شعرت بها قبل لحظة لم تكن سوى سعال جاف، عادة متبقية من مرض زال، أما الحقد على المرأة التي خطفت قلب خالها فقد انقلب حبًا لها.
كانت أوليفيا خاسرة شريفة، تعرف كيف تقبل الهزيمة.
نادته بخفوت:
“خالي…”
كان غارقًا في متابعة لورا عند البيانو، لم يسمع نداءها. نادته ثلاث مرات أخرى، ثم اضطرت لقرص يده.
نظر إليها أخيرًا:
“هاه؟ ماذا هناك، أوليفيا؟”
اقتربت من أذنه وهمست:
“لديك خطة، أليس كذلك؟”
قال:
“أوه، سأعطيك فرصة للعزف. انتظري حتى تنهي الآنسة بندلتون.”
قطّبت أوليفيا حاجبيها:
“ليس ذلك. خطتك للفوز بقلبها.”
أعاد النظر إليها باستغراب.
قالت:
“خالي، لم تكتب شيئًا في رسالتك سوى أن أحضر المعلمة اليوم. ما خطتك؟”
أجاب باطمئنان:
“قضاء وقت ممتع سويًا في وايتفيلد.”
“حقًا؟”
“نعم. مجرد أن أُريها وايتفيلد والبيت يكفي.”
شعرت أوليفيا بالذهول، بينما بدا السيد دالتون في غاية الهدوء.
قالت:
“يا لها من ثقة مفرطة! أتظن أن مجرد الأرض والقصر سيجعلان معلّمة متبصّرة تقع في حبك، يا خالي؟”
م.م: احم هي وقعت بدون أية أموال أوليفيا بس بسبب شخصيته المختلفة 🤭🫂
التعليقات لهذا الفصل " 88"