⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
عند وصولهم إلى ضفة البحيرة، اختار كلٌّ منهم أحجارًا مناسبة للرمي على سطح الماء. بدأ الصبيان في اللعب، بينما تقدَّم السيد دالتون، الذي كان يراقب بصمت، ليشرح لهما عن الوقفة الصحيحة وزاوية الرمي. في جوٍّ جاد للغاية، أطاع الصبيان تعليمات خالهما بإخلاص.
كانت لورا تراقب دانيال وجورج عن كثب. في البداية ظنَّت أنهما يطيعانه بدافع الخوف من خالهما الصارم، لكن حين تأمّلت أكثر رأت غير ذلك. كانا يرمقانه بين الحين والآخر بنظرات حذرة، كأنهما يتحسَّسان مزاجه. كان الخوف والقلق يسيطران عليهما، لكن مع كل إيماءة صغيرة من خالهما تحمل اعترافًا أو تشجيعًا، تلمع أعينهما للحظة. لاحظت لورا أن في أعينهما إعجابًا وحنينًا لرجل بالغ أكبر وأذكى وأقوى منهما بكثير.
بدأا برمي الحجارة كما علَّمهما خالهما، فقفزت فوق سطح الماء مرارًا. انشغلا باللعبة حتى غرقا فيها تمامًا.
تراجع السيد دالتون قليلًا وانضم إلى لورا. وقفا سويًا يراقبان الصبيين من بعيد: ظهراهما المنحنيان وهما يلقِيان الحجارة إلى النهر، وتموّجات الماء اللطيفة التي تتسع مع كل ارتطام.
كان السيد دالتون أول من قطع الصمت:
“هنا رميتُ أول حجر لي.”
“في هذه البحيرة؟”
“نعم، مع ويليام. أعتقد أنني كنت في الثامنة.”
“أصغر من دانيال وجورج الآن. هل علّمك أحد حينها، كما تفعل معهما الآن؟”
“صهري هو من علّمني. كان مولعًا بالصيد آنذاك كما هو الآن، لكنه أولاني اهتمامًا حين كنت أزوره. بطريقته عاملني كأخٍ صغير.”
“لا بد أن العودة إلى دنفيل بارك تشعرك وكأنك تعود إلى طفولتك.”
“صحيح. لدي هنا ذكريات أكثر من تلك التي أملكها في وايتفيلد.”
ظلا صامتين يتأملان الصبيين الصغيرين وهما يلعبان. حاولت لورا أن تتخيّل إيان دالتون صغيرًا، لكن كان صعبًا، خصوصًا بوجود الرجل البالغ بجانبها، أطول منها وبكتفين عريضين. ثم رسمت ملامحه كما لو كان في حجم جورج، بشعرٍ أسود قاتم، عينين داكنتين، بشرة عاجية صافية، ووجه رقيق محبوب. صبي هادئ قلّما يبتسم. لكنها تخيّلت أنه حين كان يرمي الحجارة مع ويليام، بدا تمامًا كطفل في الثامنة.
“لابد أنه كان لطيفًا.”
فكّرت بذلك، وأطبقت شفتيها خشية أن تفلت الفكرة. ومع ذلك، ارتسمت ابتسامة لا إرادية على وجهها.
سألها فجأة:
“لماذا تبتسمين هكذا؟”
“آه… كنت أتخيّل رجلين صغيرين يرميان الحجارة مثل هذين الطفلين. أنا لم أعرف السيد فيرفاكس ولا السيد دالتون إلا وهما رجلان محترمان. فكرة أنه كان لهما وقت كالأطفال… أشعر بشيءٍ يضحكني.”
“فتاة مهذبة بشعر مضفور من الجانبين، لا تسقط فتاتًا على ثيابها. هادئة، تفضّل البقاء في غرفتها للقراءة بدل اللعب في الغابة مع صديقاتها. خجولة، تحب الحيوانات الصغيرة، لكن تخاف من الكبيرة كالأحصنة. هل تخيّلي صحيح؟”
“واحد فقط.”
قالت بصوت خافت: “كنت خائفة من الأحصنة. وما زلت كذلك. لهذا لم أتعلم ركوبها أبدًا.”
“وماذا عن البقية؟ أخطأت في كل شيء؟”
“كنت دائمًا ألطّخ ثوبي بعد الوجبات الخفيفة، فأقف عند النافذة لأهزّ أطرافه وأتخلص من الفتات. في كل مرة، تتجمع الطيور عند نافذتي. ورغم أنني أحب الكتب، لم أرفض اللعب في الخارج. كنت أحب الجري، بل كنا نلعب الكريكيت في رحلات المدرسة.”
“حتى الكريكيت؟”
“ألا تصدقني؟”
“صراحة، لا أستطيع أن أتخيّلك هكذا.”
“لكنه حقيقي. فقط لم تتح لي فرص كثيرة.”
“وماذا عن الحيوانات الصغيرة؟”
“لم أكرهها. أحيانًا أطعم القطط الشاردة، وأراقب الكتاكيت. لكنني كنت أحب المواشي على المائدة أكثر من الحيوانات الحية.”
ضحك السيد دالتون بخفة، وضحكت معه لورا.
“كنت أظن أني أعرفك. بما أنك سيدة مثالية الآن، توقعت أن تكوني كذلك منذ طفولتك.”
“الجميع يفعل. حتى أنا تخيّلت طفولة السيدة دالتون استنادًا إلى مظهرها الآن.”
“وكيف تخيّلت طفولتي؟”
سردت له تخيّلها، فأصغى ثم ابتسم برفق: “لقد أصبتِ في كل شيء تقريبًا… إلا شيئًا واحدًا.”
“ما هو؟”
“لم أكن لطيفًا.”
قهقهت لورا: “أنت تمزح! تخجل من الاعتراف بأنك كنت طفلاً جميلاً.”
“لا، حقًا. لم أكن لطيفًا أبدًا.”
لكنها نظرت إليه بشك. فقال: “إن لم تصدقيني، تعالي إلى وايتفيلد. لدي صور طفولتي هناك، سترين بنفسك.”
“طريقة غريبة لدعوة الناس، يا سيد دالتون.”
“وإلا لما استطعت أن أدعوك.”
“ترى من خلالي، أليس كذلك؟”
سكتا مجددًا. ربما كان الموقف محرجًا مع غيره، لكن مع دالتون بدا مريحًا. بل شعرت لورا براحة عميقة بوجوده قربها، كأنه يمنحها دفئًا غريبًا لم تعرفه من قبل في دونفيل بارك.
عند الغروب، طلبا من الصبيين العودة، فأطاعا ووضعا الحجارة جانبًا. عبروا الحديقة وعادوا إلى القصر. ذهبت لورا والصبيان إلى غرفهم للاغتسال وتبديل ملابس العشاء الرسمي، بينما بقي إيان وحده يسير في الممر حتى وصل إلى نافذة القاعة.
خارج النافذة، كانت الشمس تغيب، السماء ملونة بوهج برتقالي دافئ. شعر إيان بإحساس غريب؛ مكان يعرفه كبيته منذ أكثر من عشرين عامًا بدا مألوفًا كما هو… إلا أنه مختلف.
ذلك الاختلاف كان وجودها. لورا بندلتون.
تخيّلها الآن في غرفتها، تتهيأ للعشاء. قلبه خفق بقوة، لم يصدق أنها تعيش هنا، في المكان الذي نشأ فيه.
“مرحبًا، أخي؟”
انتفض إيان عند سماع الصوت المألوف، ثم أجاب بفتور: “مرحبًا، أختي.”
كانت السيدة فيرفاكس، ملفوفة بشال سميك رغم منتصف الصيف، تبتسم ماكرة.
“لماذا تقف هكذا متأملاً؟ هل تفكر: ‘المرأة التي أحبها تعيش في القصر الذي نشأت فيه، يا له من سحر!’؟”
“أتظنينني طفوليًا إلى هذا الحد؟”
حاول التهرب، لكنها ضحكت وسحبته إلى غرفة المعيشة، حيث جلست بجوار المدفأة وسألته:
“لماذا تأخرت يا إيان؟ ظننت أنك ستأتي إلى دونفيل بارك يوميًا.”
“لو جئت مباشرة بعد وصولها، لأثرت الشبهات.”
“مع ذلك، ربما كانت ستفطن.”
لم يستطع إيان منع نفسه من السؤال الذي عذّبه لأيام:
“كيف حال الآنسة بندلتون؟”
فأخبرته أخته بما حدث خلال الأيام الماضية: لعبها مع دانيال وجورج في الغابة، لقاءها بالصغير إيان، وحتى تعليمها أوليفيا الفرنسية.
وأضافت مبتسمة: “في البداية كنت قلقة. ظننت أن فتاة رقيقة كالغصن ستسقط مع هؤلاء الصبية المشاغبين، لكنها فاجأتني. تخيّل! لقد تسلقت تلك الشجرة الضخمة، نفس الشجرة التي كنت أنت وويليام تتسلقانها كل يوم وأنتم صغار.”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 76"