⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
حلّ الليل، وأغمضت الآنسة بندلتون عينيها على السرير بجانب الآنسة هايد. كان النوم أكثر راحة بكثير من غرف النُزل التي أقامت فيها خلال الأيام الماضية. الفراش كان ناعمًا، وحتى وقع الخطوات المتقطّع في الممر لم يكن يوقظها.
ومع ذلك، لم تستطع الآنسة بندلتون أن تغفو مع امتداد الليل. نهضت من السرير وجلست بهدوء على الأريكة.
رأسها كان مثقلاً بالصداع. لم يتوقف عرض السيد دالتون الذي تلقّته في النهار عن إرباك تفكيرها. قصر “دنڤيل بارك”. الإشراف على المشاغبَين، آل فيرفاكس. الحياة الجديدة التي سيفتحها لها هذا العمل.
تذكرت ما قاله ذات مرة عن دنڤيل بارك: طرق الركوب الجميلة، الشوارع الواسعة المظللة بالأشجار، الحدائق التي تزدهر في كل الفصول. عائلة فيرفاكس، بيت أخته، الأشخاص الذين وصفهم كانوا جميعًا طيبين وذوي ضمير، رغم عيوبهم.
راتب جيد ووظيفة مستقرة. كانت إغراءً عظيمًا. صراحةً، وبالنظر إلى وضعها الحالي، كان من السخيف أن تتردّد حتى. كان ينبغي أن تقبل دون تفكير.
لكن العواطف كانت تثقل قرارها. الألم الذي ستشعر به إن رأتْه عن قرب كان محسوسًا. سيُقدِم قريبًا على الزواج، وسترى كثيرًا السيدة دالتون إلى جانبه. هناك روابط قديمة بين آل فيرفاكس وآل دالتون. بلا شك، ستراه كثيرًا.
«السيد دالتون والسيدة دالتون… هل سأستطيع أن أحافظ على رباطة جأشي وأنا أراهما معًا؟»
الألم المتوقع جعلها تتردّد. المشاعر المدفونة في أعماقها كانت تطفو مهما حاولت كبتها. كانت الآن في موقع لا يسمح لها بالارتباط به. وإن كان القرب منه لا يدفن تلك المشاعر، بل يغذّيها، فذلك لن يزيدها إلا بؤسًا.
تخيّلته وهو يتزوج. وهو يقدّم لها السيدة دالتون الجديدة. صورة الزوجة والطفل، عائلة جميلة في وايتفيلد، ملأت قلبها بوخزة ألم.
لكن حكمها العقلاني الحاد سرعان ما رسم صورة أخرى. بعد ثلاثين عامًا، تعيش حياة طويلة بلا لذة. تعاني في سنواتها الأخيرة، بلا مالٍ يكفي علاجها، فتستسلم لمصيرها في دار الفقراء.
لقد شاركت مرارًا مع سيدات في الجمعيات الخيرية، ورأت بعينها ما تكون عليه دور الفقراء: ظروف بائسة، روائح عفنة، جرذان تجوب كل زاوية. الجميع بملابس ممزقة، والطعام شحيح يتسبب في الشجار.
أما العجَزة والمرضى، فكانوا مهمَلين تمامًا. أعداد قليلة من الخدم ترعى مرضى يذبلون أحياءً. أنين وطلب دواء، ولا من مجيب. وهذا ما ينتظرها إن لم تدّخر المال.
شحب وجه لورا. إن كانت صورة السيدة دالتون قد أوجعت قلبها، فإن صورة شيخوختها البائسة جاءت كالدش البارد، لتعيدها إلى رشدها.
اتخذت قرارها. حتى وإن اضطرت أن تراهم من بعيد، زوجين سعيدين، فهذا الآن. لا يمكنها أن تتخلى عن فوائد واضحة أمام عينيها لأجل عاطفة غامضة.
مدّت يدها إلى القلادة اللؤلؤية حول عنقها. كانت القطعة الوحيدة التي لم تبعها للصائغ. مرّرت أصابعها على اللآلئ كما لو كانت تسبّح بمسبحة.
هذه القلادة كانت تذكّرها دومًا بمكانتها. أداة ثابتة تكبح عواطفها. كما ساعدتها في المجتمع، ستساعدها في “دنڤيل بارك” أيضًا. ستعينها على حبس مشاعرها، على إغلاقها، على دفنها.
لقد حسمت أمرها.
كان اليوم الثالث لإقامتها مع الآنسة هايد.
يوم الأحد. استيقظتا مبكرًا، ارتدتا ملابس أنيقة، سرّحتا شعريهما، وتجهزتا للذهاب إلى الكنيسة. قررت لورا أن ترافق الآنسة هايد إلى كنيسة هولبورن، لا إلى كنيسة النبلاء في مايفير التي اعتادت ارتيادها.
وضعت شعرها في شبكة وسألت:
“كم من الوقت يستغرق السير إلى الكنيسة؟”
“حوالي عشرين دقيقة.”
“إذن ستحتاجين إلى حذاء مريح.”
“لا تقلقي. سنذهب بعربة.”
“عربة مستأجرة؟”
“لا. هناك من سيصطحبنا.”
نظرت لورا إليها باستفهام، فاكتفت الآنسة هايد برفع كتابها المقدّس.
خرجتا من البيت، ولم يطل الوقت حتى توقفت عربة أنيقة أمام منزل السكن. أدركت لورا على الفور مَن هو المرافق.
“صباح الخير، آنسة هايد، آنسة بندلتون!”
ترجّل الرجل المألوف من العربة يحييها. ابتسمت لورا وانحنت قليلًا.
“صباح الخير، سيد فيرفاكس.”
ابتسم لها برقة:
“كيف حال حياتك الجديدة؟ هل تأقلمتِ؟”
“بالطبع.”
“هذا جيد. مسرور لرؤيتك بخير. أظن أن الآنسة هايد تعتني بك كما ينبغي؟”
قاطعت الآنسة هايد:
“لا أحد يستطيع أن يعتني بالآنسة بندلتون مثلي.”
“طبعًا، أعلم، آنسة هايد.”
تبادلا النظرات الحانية والابتسامات. اندهشت لورا كيف ظلّت صداقتهما قائمة بعد انسحاب الآنسة هايد من المجتمع. فقد كان بينهما انسجام منذ البداية. أحاديثهما، اهتماماتهما.
وبينما تفكر، نزل رجل آخر من العربة، فتجمد قلب لورا حين تعرّفت عليه.
“أوه، السيد دالتون أيضًا اليوم؟”
حيّته الآنسة هايد بمرح:
“صباح الخير، آنسة هايد.”
خلع قبعته، انحنى لها، ثم التفت إلى لورا. توقّف بصره لحظة عند وجهها، ثم انحنى باحترام كما فعل مع هايد:
“وآنسة بندلتون.”
أجابته بانحناءة خفيفة.
ركب الأربعة العربة. جلست هايد قبالة فيرفاكس، ولورا وجدت نفسها بطبيعة الحال قبالة دالتون. كان يثبت نظره على وجهها بعمق، وكأنه يطالبها بإجابة ما. ربما ردًا على مهلة الأيام الثلاثة.
التفتت لورا إلى فيرفاكس:
“هل تذهب كثيرًا إلى الكنيسة مع الآنسة هايد؟”
“نعم، كل أحد. وبعدها نتناول الشاي ونتحدث.”
“وعن ماذا تتحادثان؟”
“الآنسة هايد تخبرني عن الكتّاب ودور النشر والكتب الجديدة. ممتع جدًا. وأنا أحدثها عن أخبار المجتمع.”
قالت هايد بهدوء:
“وأعرف أخبار والديّ عبر السيد فيرفاكس. فمنذ أن عملت، يتجاهلاني تمامًا. لا يردان على رسائلي، فلا خيار لي سوى السؤال عبره.”
ابتسمت هايد وأضافت:
“ليت الآنسة بندلتون تعمل في لندن. كم سيكون ممتعًا لو ذهبنا معًا إلى الكنيسة كل أحد ونتحدث، أليس كذلك يا سيد فيرفاكس؟”
“بكل تأكيد. أتمنى أن تدوم صداقتي مع الآنسة بندلتون دائمًا. لكني أعلم أن ذلك طمع. هناك منصب عظيم بانتظارها.”
ثم التفت إليها:
“آنسة بندلتون، سمعت أن صديقي إيان عرض عليك منصب المعلمة لدى عائلة أخي.”
“نعم.”
“أتدرين ما قلت له حين أخبرني؟ قلت له إنها أول مرة في حياته يفعل شيئًا مفيدًا لعائلة أخته. إيان لا يفعل سوى دفع أولاد أخته هنا وهناك دون أي تعليم حقيقي.”
قال دالتون بفتور:
“ويليام، أنا هنا في العربة.”
لكن فيرفاكس تجاهل، وأكمل مبتسمًا:
“آنسة بندلتون، أتمنى لو أترك أولاد أخي بين يديك. فأنتِ أذكى امرأة عرفتها، وذات شخصية رائعة. إن اقتدى بك أولاد أخي، فسيكبرون رجالًا عظماء.”
احمرّ وجه لورا قليلًا لهذا الإطراء الصادق.
“شكرًا، سيد فيرفاكس.”
نظرت إلى إيان، فوجدته يحدّق من النافذة، يسند ذقنه إلى يده. شعرت بالارتياح. تمكنت من التحدث مع أصدقائها براحة، دون أن تظلّ في توتر بسببه.
وصلت العربة إلى الكنيسة، ودخل الأربعة. كانت مزدحمة بالتجّار وأبناء الطبقة العاملة، جميعهم بملابس بسيطة نظيفة. الرجال حليقي الوجوه، والنساء بزينة متواضعة.
بعد انتهاء القداس، اقترح فيرفاكس، وقد مرّ وقت طويل على اجتماعهم، أن يتمشوا في الحديقة القريبة. وافقوا جميعًا.
الحديقة كانت مكتظة بالناس يستمتعون بعطلتهم. الزحام لم يسمح لهم بالسير جميعًا بجانب بعض. فتقدمت هايد مع فيرفاكس متشابكي الأذرع، يتحادثان بهمس عن الموعظة وأعمالهما الأخيرة، فيما بقيت لورا ودالتون خلفهما بخطوات.
كان الصمت يخيّم بينهما. فقطعته لورا بسؤال خفيف:
“كيف حال المجتمع هذه الأيام؟”
هز كتفيه:
“جيد.”
“أتساءل عن الآنسة لانس. وعن السيدات الأخريات أيضًا. هل توصّل لها سلامي؟ أرسلت إليها رسالة، لكنها لم ترد لتخبرني، فخشيت أن تقلق.”
“لم أتواصل معها مؤخرًا، لذا لست متأكدًا.”
أمالت لورا رأسها باستغراب.
لماذا؟ ألم تكن تسمع أنهما مقرّبان جدًا، يتزاوران دائمًا على الشاي؟
قال أخيرًا بنبرة هادئة:
“آنسة بندلتون، جئتُ أسمع ردك على العرض الذي قدمته لك.”
رفعت رأسها إليه، وعرفت أنه حان وقت كشف قرارها.
ابتسمت قليلًا وقالت بثبات:
“سأقبل عرضك بكل امتنان.”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 65"