⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
لقد تخلّت بالفعل عن اسم عائلة بندلتون، لذا لم يعد الأمر يعنيها، لكن كان لديها أصدقاء يهتمون بها حقًا.
سحبت أوراقًا من صندوقها وبدأت في كتابة رسائل لأصدقائها. كانت قصيرة، فقط لتطلعهم على حالتها بشكل يطمئنهم.
كتبت لما يقارب عشرة من أصدقائها المقربين. وبينما كانت تختم كل رسالة، كان اسم إيان دالتون يطفو في ذهنها. لكنها تجاوزته، معتقدة أنها سترسل الرسالة أيضًا إلى السيد فيرفاكس، فيعرف هو بالأمر طبيعيًا.
ثم خرجت وأرسلت الرسائل في مكتب البريد.
في طريق العودة، كان الغروب يقترب، والمتاجر بدأت تُغلق. سارت لورا في الشارع، وسط جموع الناس المتدفقة من محطة القطار عائدين من أعمالهم. رجال أشيبون بملابس رثة وشوارب، نساء يحملن أطفالًا، وأحيانًا تمر عربة هنا أو هناك.
وجدت نفسها تمتزج مع الحشود العادية التي لم تكن تراها إلا من خلف مقعد فاخر في عربة. كان إحساسًا غريبًا وغير مألوف، أشبه بالانغماس في لوحة لطالما أعجبت بها من وراء إطار.
إحساس غريب ووحيد، لكنه في الوقت ذاته منعش، رفع من معنوياتها.
وبحلول عودتها إلى النزل، كان المطعم يعج بالناس. قصدت غرفة الطعام مباشرة، إذ لم تتناول الغداء وكانت في أمسّ الحاجة إلى الطعام. اكتفت بطبق سمك باهت وصحن سلطة، ثم صعدت بهدوء إلى غرفتها.
كانت الغرفة معتمة بالفعل. أشعلت عود ثقاب وأوقدت الشمعة المتبقية، التي لم يتبق منها إلا قدر إصبع. أنارت الغرفة قليلًا. قضت ما تبقى من اليوم وهي ترتب إيصالات البنك وتفرز محتويات صندوقها المزدحم بالأشياء.
شيئًا فشيئًا، خمدت أصوات الخطوات في الممرات. حلّ الليل.
جلست صامتة إلى مكتبها، تحدق في الشمعة الوحيدة. أخذت تسترجع يومها: استيقاظها في غرفة فندق غريبة، تجوالها في لندن، وتناولها وجبات ذات طعم باهت.
كل شيء تقريبًا سار أسوأ مما توقعت: رواتب هزيلة لوظائف التدريس، مجوهرات بيعت بأقل من نصف قيمتها، شوارع لندن التي مشتها حتى تألمت ساقاها لتقتصد في أجرة النقل.
ولن يكون صادقًا أن تقول إنها لم ترتجف من الوحدة في هذا الجو الغريب حيث لا تعرف أحدًا. لحظات كثيرة من الخوف والتوتر، خيبات أمل نفسية وإرهاق جسدي أنهكاها.
ومع ذلك، جلوسها أمام الشمعة جعل عقلها هادئًا تمامًا. لمَ؟ لقد كانت قلقة ومتعبة وخائبة أمل طوال اليوم، ومع ذلك لم تنزلق للحزن. كان أمرًا غريبًا حقًا.
تأملت ذلك، ثم أدركت أنها لم تُجبر نفسها على ابتسامة واحدة طيلة اليوم. لم تتصنّع اللطف، ولم تهتم بما يظنه الآخرون. كل ما فعلته أنها عملت بجد لتعيش.
شعرت بالارتياح. وكأن الكورسيه الذي كان يخنق خصرها طوال اليوم قد انفك أخيرًا.
تجلّى لها أن لقب “بندلتون” كان قيدًا. حياة “شيلدون” فقيرة وقاسية، لكنها خالية من الألم الذي كانت تجلبه حياة بندلتون الفاخرة.
وإذا كان غياب الألم هو السعادة، فهي الآن سعيدة.
لكن كم سيدوم هذا التحرر؟ فكرت في حياتها كمعلمة. حياة عمل بلا حرية، تدخل أصحاب العمل في تعليم أبنائهم، وساعات مقيدة بالكد.
لكن لن يكون هناك بعد الآن تلك الألقاب العائلية الثقيلة ولا التزامات لقب بندلتون. بإمكانها أن تطالب باحترام أدنى من أصحاب عملها، وإن لم يحترموها يمكنها أن ترحل. كانت حرة.
الحرية. كررت الكلمة في ذهنها. لم تعد تثير حنينًا لزمن مفقود. هي الآن في قلب الحرية. كانت حرة. حرة تمامًا.
وهذه الحرية لم تكن كحرية طفولتها، حرية يمكن أن تُسلب بالظروف أو الآخرين. بل حرية تستطيع حمايتها والمحافظة عليها. فهي راشدة، قادرة على العمل كما تشاء والعيش كما تشاء.
لم يتبق من الشمعة إلا بوصة. أخرجت إنجيلها من الصندوق، وضعته على المكتب، وضمّت يديها فوقه ودعت:
«أتمنى أن تكون جدتي التي رحلت قد التقت بأمي في الجنة، وأشكرك لأنك أعنتني على اجتياز هذا اليوم دون مكروه. أرجو أن ترزقني عملًا مناسبًا في أقرب وقت ممكن. وأخيرًا… شكرًا لأنك منحتني الحرية. آمين.»
خلال الأيام التالية، زارت الآنسة بندلتون وكالات توظيف أخرى، لكن لم تختلف النتائج عن وكالة “ويستواي”. كانت الوظائف كلها متواضعة: عروض كثيرة، لكن الأجر زهيد.
وبعد أربعة أيام من بحثها، خرجت من وكالة أخرى محبطة، فعادت تسير في شوارع لندن المزدحمة بالباعة والمخابز. كانت قد اعتادت بعد أيام قليلة على التنقل سيرًا بلا عربة، لم يكن شعورًا سيئًا تمامًا.
“آه، لو أجد وظيفة مناسبة فقط، لاستمتعت بحياتي الجديدة أكثر.”
لكن بينما تقترب من النزل، رأت هيئة مألوفة لرجل أمامها. توقفت خطواتها، وهبط قلبها.
شعر أسود قاتم. قامة رشيقة نحيلة. وجه حاد الملامح بلون عاجي.
التفت وجه الرجل نحوها. كان إيان دالتون. إنه هو.
بمجرد أن رآها، اندفع بخطوات سريعة ووقف أمامها.
“الآنسة بندلتون.”
انحنت لورا قليلًا غريزيًا، بانضباط رسمي.
“ما الذي جاء بك، سيد دالتون؟”
ظل صامتًا، كأنه عاجز عن الكلام. عينيه تجولتا بين قبعتها البسيطة وحقيبتها الجلدية الخشنة وحذائها المغبر من طول السير. شدّ فكه، وكأنه يضغط على أسنانه.
“ما الذي حدث بحق السماء؟”
لم تجد لورا الكلمات. كان ما جرى يحتاج ثلاثة أو أربعة أيام لتقصّه.
“…لقد قرأت رسالة السيد فيرفاكس، أليس كذلك؟ الأمر كما فيها تمامًا. لم أستطع البقاء مع خالي، فخرجت. أنا هنا أبحث عن عمل كمعلمة. لكن… كيف وجدتني؟ لم أذكر عنواني في الرسالة…”
“رأيتك وأنت تسيرين وأنا في عربة.”
أومأت لورا. لم يكن متوقعًا ولا مرحبًا أن تلتقيه في مثل هذا الوضع. فهو صديق من مجتمعها الراقي السابق. وكان من المحرج أن تكشف حالتها هكذا بلا استعداد.
هي لم تعد آنسة من طبقة عليا. بل امرأة عادية تبحث عن عمل. هذا لم يغيّر مشاعرها تجاهه، لكنها لم تدرِ ما الذي تغير في مشاعره.
تأملت وجه دالتون. كان ينظر إليها بتعبير يصعب قراءته، خليط من الغضب والحزن. لكن ما لم تجده فيه كان الغثيان الذي كانت تخشاه.
شعرت براحة عميقة. كانت تعرف أنه ليس من هذا النوع من الرجال، لكن لو أظهر ضيقًا من مكانتها الاجتماعية المنخفضة، لكان ذلك مؤلمًا.
التعبير على وجهه، إن كان يدل على شيء، فهو الحزن. هل كان يشفق عليها؟ هل أصبحت موضوعًا لشفقة؟ إن كان كذلك، فقد أضاعت حسن نيته.
“آنسة بندلتون، تعالي معي.”
مد يده نحوها.
“هناك غرفة ضيوف لك في بيت ويليام. سيخرج الخادم أمتعتك. تعالي معي إلى العربة.”
أدركت لورا يقينًا أنها أصبحت موضوع شفقة. ابتسمت بمرارة.
“سيد دالتون، لن أذهب.”
“لماذا؟”
“لأني لم أعد لورا بندلتون. لست مؤهلة لأن أكون ضيفة عند أمثال السيد فيرفاكس.”
“مؤهلة؟ أنتِ أفضل أصدقاء ويليام. وبالنسبة لي…”
“سأبقى صديقتكم دائمًا. لكن عليّ أن أعتاد مكاني الجديد. أن أكون ضيفة عند شخص مثل فيرفاكس؟ هذا جنون.”
نظرت عبر كتفه نحو النزل الرخيص حيث تقيم. “أنا أبذل جهدي لأعتاد حياتي الجديدة. فلا تعيدني إلى الآنسة بندلتون. لا أحتمل أن أعود إليها. أخيرًا…”
ابتلعت كلماتها، تخشى ألا تقنعه بأنها باتت تنعم بحرية حلمت بها طويلًا.
رمقها دالتون. ثيابها البالية. بدت محطمة تمامًا. لم تكن هي الآنسة بندلتون التي عرفها. لم تختلف عن بائعة أو خادمة.
لكن الغريب أن وجهها كان أكثر إشراقًا. بشرتها الشاحبة عادة اكتسبت لونًا صحيًا، وبدت أكثر حيوية. على عكس الماضي، حين كانت تبدو على وشك الانهيار في أي لحظة. بل الأغرب أنها بدت أكثر راحة.
سحب يده بعيدًا عنها، ثم قال بنبرة عملية:
“آنسة بندلتون، هل تتذكرين الوظيفة التي عرضتها عليك آخر مرة؟”
كان يقصد على الأرجح وظيفة معلمة لبناته التي ذكرها قبل أيام، في آخر حفل.
“نعم.”
“هل ما زلتِ تفكرين بها؟”
“كنت مضطربة جدًا وقتها فنسيت الأمر تمامًا.”
“إذن، رجاءً خذيها بجدية من الآن. أعتقد أنك ستكونين معلمة ممتازة لأولاد أختي من نواحٍ عديدة.”
غرقت لورا في التفكير. كانت قد فكرت في طلب عمل من أصدقائها في المجتمع، لكنها أرجأت ذلك للنهاية. لم تشأ أن تثقل كاهلهم، وكانت تتوقع الصعوبات التي ستنشأ إذا عاشت شخص من طبقة متدنية في بيت صديق قبل سقوطه.
كان على صديقتها أن تتغاضى عن أوامرها الطبيعية كصاحبة عمل في تعليم أبنائها من أجل الصداقة، وكان عليها أن تعامل من كانت تضبط ثيابها كصديقتها بوصفها مشغّلتها. وضع حتماً يجرّ مواقف محرجة.
“خمس ساعات يوميًا. اللاتينية واليونانية الأساسية. الحساب والتاريخ. ركزي على ذلك فقط. بقية الوقت لكِ حرية استخدامه. وسأمنحك يوم إجازة كاملًا أسبوعيًا، لا الأحد فقط.”
“انتظر، سيد دالتون. أنا…”
“إذن، مئة وخمسون جنيهًا في السنة. ما رأيك؟”
حدقت لورا فيه مذهولة للحظة. مئة وخمسون جنيهًا؟ في السنة؟
م.م: إيان والله مافي مثلك 😭😭😭
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 63"