⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
ابتلعت لورا ريقها وهي تحدق في اللافتة.
لقد شعرت بالقلق مرات كثيرة في حياتها، لكن هذه كانت المرة الأولى التي تواجه فيها تحدياً جديداً كهذا. لم يسبق أن شعرت بهذا القدر من التوتر حتى حين دخلت المجتمع لأول مرة.
مرّرت يدها على شعرها لتصفيفه، وعدّلت ياقة ثوبها، ثم خطت إلى الداخل.
بمجرد دخولها، وجدت نفسها في غرفة انتظار. كانت الغرفة مشرقة ومضاءة جيداً، لكن الأثاث وورق الجدران منحاها جواً كئيباً بعض الشيء. صف طويل من المقاعد كان مصطفاً بمحاذاة الجدران، وجلست عليه عدد من الفتيات الشابات المتواضعات الملبس، بانتظار دورهن.
تقدمت لورا إلى السيدة الجالسة خلف المكتب في غرفة الانتظار، وأخبرتها أنها جديدة وتبحث عن عمل. حدّقت فيها المرأة لبرهة، متفحصة وجهها وملابسها، ثم أشارت لها بالجلوس على مقعد الانتظار.
جلست لورا، وقلبها يخفق بقوة. كان العرق يتصبب من يديها حتى ابتلّت قفازاها البنيّان. سرعان ما نودي على عدة أسماء، فتوجهت الفتيات الجالسات إلى المكتب خلف الطاولة.
انتظرت بصبر حتى جاء دورها. وعندما خلت غرفة الانتظار، سمعت اسمها ينادى:
“الآنسة لورا شيلدون.”
نهضت لورا فوراً ودخلت المكتب.
كانت الغرفة أكثر أناقة بكثير من غرفة الانتظار. ورق الجدران والخزائن نظيف وجديد، والمكتب القوي المصنوع من خشب الزان وعليه لوحة نحاسية تحمل اسم “آني ستوفر” أضفى شعوراً بالفخامة.
رحبت بها صاحبة المكتب، السيدة ستوفر، وهي امرأة في منتصف العمر، بلباقة:
“أهلاً بك يا آنسة شيلدون. جئت تبحثين عن عمل كمعلمة خصوصية، أليس كذلك؟”
ابتسمت لورا ابتسامة مترددة:
“نعم.”
“هل سبق أن مارست هذا العمل من قبل؟”
“لا.”
“إذن ليس لديكِ توصية. وهذا شرط أساسي للحصول على وظيفة جيدة. حسناً، ما الذي يمكنك تدريسه؟”
“كل ما يُدرّس في المدارس العادية.”
“الحساب، الجغرافيا، الأدب، التاريخ، الفرنسية، الألمانية؟ وقليل من الرسم والموسيقى؟”
“وأيضاً اللاتينية واليونانية.”
تحدقت السيدة ستوفر بها بدهشة:
“اللاتينية واليونانية؟”
“نعم.”
“وماذا تعرفين عنهما تحديداً؟”
أخرجت لورا بعض الدفاتر من حقيبتها. تصفحتها السيدة ستوفر، ورأت صفحات مكتوبة باللاتينية مع ترجمة كاملة للعهد الجديد أسفلها. ثم قلبت في دفتر آخر، فإذا به يحتوي على الأوديسة، الملحمة اليونانية الشهيرة، مترجمة إلى الإنجليزية.
“من أين تعلمتِ كل هذا؟”
“سبع سنوات في مدرسة جرانت للفتيات.”
“مدرسة جرانت! إنها مدرسة مرموقة.”
ظلت السيدة تحدق فيها، وهي تعبث بشحمة أذنها.
“أنتِ في حداد. هل فقدتِ أحد أفراد عائلتك؟”
“نعم، جدتي.”
“هل لهذا علاقة بعملك كمعلمة؟ ولو قليلاً؟”
“لا أستطيع أن أنكر ذلك.”
تأملت السيدة ستوفر للحظة، ثم قالت:
“لقد تخرجتِ من مدرسة مرموقة، وأنت في التاسعة والعشرين من عمرك، لكن بلا خبرة. هل أنتِ ربما سيدة نبيلة اضطرتها الظروف المالية إلى دخول سوق العمل؟”
هزت لورا رأسها بوجه خالٍ من التعبير.
ابتسمت السيدة ستوفر باقتناع وقالت:
“بغض النظر عن صحة الأمر، عليك أن تجيبي هكذا دائماً، أمام أي شخص. لا أحد يريد أن يوظف فتاة من طبقة النبلاء تعمل متطوعة كمعلمة. والآن… لنبحث عن وظيفة للآنسة الكفؤة لورا شيلدون.”
بدأت تقلب في ملفاتها.
“حسناً، بإمكانك أن تجدي مكاناً جيداً في أسرة مختلطة. لكن… بصراحة، أفضل معلماً ذكراً لتعليم ابني. حتى وإن كان المنهاج واحداً، فالرجال يُنظر إليهم بثقة أكبر. لكن المعلمين الذكور مكلفون. وأنت، بما أنكِ تجيدين اللاتينية واليونانية، فأي عائلة ذات دخل محدود ستفتح لكِ أبوابها. هنا، مثلاً، وظيفة عند السيد رازِن، لتعليم سبعة أطفال، براتب خمسين جنيهاً سنوياً. ما رأيك؟”
هزت لورا رأسها. خمسون جنيهاً هو الراتب المعتاد لمربية، لكن ليس لتعليم سبعة أطفال.
لاحظت السيدة ستوفر ترددها، فواصلت البحث في الملفات:
“وهنا رسالة من السيدة دينيس، تبحث عن معلمة لطفليها الاثنين، وكلاهما صبيان. يريدان من يساعدهما في التعليم الأساسي، ويسعدان بتوظيف معلمة تجيد اللاتينية واليونانية. يعرضان ستين جنيهاً في السنة.”
“هذا فوق السعر المعتاد بعشرة جنيهات.”
“صحيح. لكن عليك الحذر من هذه العائلة. فدينيس بخيلة للغاية. قد تُرهقك بالعمل، ثم تماطل في الدفع. حدثت مشاكل مع معلمة سابقة، لكنها خسرت قضيتها. يا له من رجل!”
لم تفهم لورا ما المضحك في الأمر، لكنها التزمت الصمت.
توالت العروض: ستين جنيهاً، خمسة وخمسين، خمسة وأربعين… لكنها كلها إما لعائلات ذات سمعة سيئة أو لأطفال كُثر لا يُحتمل تعليمهم.
وقفت لورا مذهولة، وهي ترى الغيوم السوداء تخيم على مستقبلها المهني.
وأخيراً، ظهر عرض لتعليم ثمانية أطفال لدى عائلة رولاند، براتب خمسة وستين جنيهاً، لكن المطلوب أيضاً أن تقوم بالطهي والتنظيف ورعاية الأطفال. وظيفة تجمع بين المربية والطاهية والخادمة.
بدت السيدة ستوفر محرجة وهي تقلب الملفات الفارغة. عندها قالت لورا إنها ستعود في الأسبوع المقبل، وغادرت وكالة التوظيف.
خرجت وهي مكتئبة، فاستقلت عربة أجرة من جادة ويست إند متجهة نحو محطة واترلو. وما إن وصلت شارع نيو كورت المزدحم بالباعة المتجولين حتى نزلت، وشقت طريقها بصعوبة وسط الحشود، ثم دخلت زقاقاً تصطف فيه سبع محلات للذهب والفضة.
زارتها كلها، وباعت مجوهراتها قطعة قطعة. لم تُر هذه الحلي يوماً في حفلة أو جلسة شاي، ومع ذلك لم يدفع لها أي صائغ أكثر من ثمانين جنيهاً. وبعد ساعات من المساومة، خرجت بمبلغ 83 جنيهاً.
ذهبت بها إلى البنك وأودعتها بالكامل. فأصبح صافي ثروتها 583 جنيهاً، بعد خصم الجنيه الواحد وبعض العملات الصغيرة في محفظتها.
لكن لا أمل في زيادة هذا المبلغ قريباً. الوظائف المطروحة لا تتجاوز قيمتها بين خمسين وخمسة وستين جنيهاً في السنة.
سارت عائدة إلى نُزلها ببطء. كانت الرحلة تستغرق ساعة، لكنها ترددت في دفع حتى بنسات قليلة لعربة أجرة.
وبينما كانت تخطو متثاقلة، جلست على المقاعد العامة أو درجات المنازل كلما تعبت.
وحين وصلت أخيراً، كانت منهكة. لم تعتد أن تمشي مسافة طويلة كهذه. رغم أن الوقت كان ما يزال بعد الظهر ولم تتناول الغداء، فقد ألقت بثوبها جانباً واستلقت على السرير.
وقعت عينها على شق يشبه الزجاج المكسور في سقف الغرفة. أغمضت عينيها وفكرت:
قيمة حالية: خمسون جنيهاً. عشر سنوات عمل = 500 جنيه. عشرون سنة = 1000 جنيه.
بهذا المعدل، من المستحيل أن أصل إلى 3000 جنيه قبل بلوغي الخمسين.
م.م: الوظيفة لا تشتري لك بيتا 🥹 للأسف
ضحكت بسخرية. لابد أن خالها كان يعلم قيمة إرث جدتها (5000 جنيه)، ولهذا استولى عليه رغم الخسارة الفادحة.
“لابد أنك سعيد الآن وأنت ترى معاناتي.”
تذكرت كيف كان غاضباً يوم غادرت بيت آل بندلتون، بسبب وصية جدتها، وبسبب انسحاب السيد برايس من استثماره. صبّ كل غضبه عليها، لا يريد أن يعترف بأن الخطأ كان في أحكامه الطائشة وسوء تقديره.
هزت لورا رأسها. ذلك الإرث، وذلك الخال، لم يعودا يعنيانها. لقد صار الماضي وراءها، وقررت ألا تفكر فيه مجدداً.
لكنها لم تصب بالزهايمر كي تنسى كل ما عاشته كـ “الآنسة بندلتون”. كانت هناك أشياء ثمينة تركتها خلفها، أهمها: جنازة جدتها.
“لابد أن الجنازة قد بدأت الآن في بيت القسيس. وربما أُنزل التابوت بالفعل إلى القبر.”
تخيلت الغطاء يُغلق على التابوت، وهو يُنزل إلى حفرة عميقة، والثرى يُسكب فوقه.
“لم أتخيل يوماً أنني لن أكون بجانب جدتي في لحظتها الأخيرة.”
شعرت بألم في قلبها، فنهضت وجلست إلى مكتبها.
لم تستطع حضور الجنازة، وكان ذلك كافياً لإثارة فضول نساء المجتمع من حولها.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 62"