⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
زيّ المعلمة الخاصة كان زيًّا غامضًا. عليه أن يكون أكثر أناقة من زيّ الخادمة، لكنه في الوقت نفسه أبسط من زيّ أسياد البيت.
لم يُسمح بارتداء الحُليّ اللامع، كما مُنعت الفساتين التي تُظهر عظم الترقوة أو تُبرز الوركين.
وقفت “آن” في حيرة.
فـ”الآنسة بندلتون” كانت أكثر اقتصادًا من غيرها من بنات المجتمع، لكنها مع ذلك تبقى سيّدة أرستقراطية اعتادت حضور صالونات لندن.
أغلب ملابسها كانت فساتين رسمية تخصّ طبقة النبلاء:
فساتين عشاء، فساتين للكرات المسائية، أخرى لحفلات الشاي والنزهات.
لم يكن بينها شيء يخلو من الفخامة، حتى القبعات والقفازات.
من بين عشرين فستانًا تملكها الآنسة بندلتون، لم تستطع آن أن تختار سوى ثلاثة تصلح لمقام المربية:
فستان رمادي بسيط مُطرّز بحبال سوداء على الحواف.
فستان أخضر سادة من قماش الترتان.
فستان حرير بني بدا جريئًا قليلًا، لكنه مع رداء قصير (كاب) عادي قد يكون مقبولًا.
وضعت آن هذه الملابس في الصندوق، فامتلأ نصفه. أما النصف الآخر فملأته الآنسة بندلتون برسائلها، كتبها الخاصة، إنجيل باللاتينية، كتابًا من الشعر الملحمي اليوناني، كتابًا في الفلسفة الألمانية، وبعض المقالات الفرنسية.
ثم أوصت آن بحرق الأوراق والرسائل غير الضرورية، وتوجّهت نحو منضدة الزينة.
طوت شبكات شعرها المفضلة وأخفتها في جيوبها.
جمعت كل حليّها في كيس قماشي صغير وأخفته في عمق الصندوق.
أخذت قفازات عادية، بعض الأحذية، شالات، وتعمّدت وضع شال دانتيل أبيض ناصع معها.
عادت آن بعد أن أحرقت الأوراق، فألقت الآنسة بندلتون نظرة أخيرة على الغرفة لتتأكد أن شيئًا لم يُترك.
قالت آن بقلق:
“إذن ستأتين إلى الجنازة؟”
هزّت الآنسة بندلتون رأسها نفيًا.
“وعندما تُعلن الوصية؟”
ابتسمت ابتسامة مريرة:
“لن يكون لي ميراث.”
“لماذا؟”
“خالي غيّر الوصية… أو بالأحرى زوّرها. ما أملكه الآن لا يتعدى ما يوجد داخل هذا الصندوق.”
صرخت آن:
“هذا غير ممكن! لقد كان هناك محامٍ وكاتب عدل!”
أجابت بهدوء:
“أغناهم خالي. دفع لكل واحد منهم عشرة آلاف جنيه.”
ارتجفت آن من الغضب:
“هذا جنون! أي ظلم هذا؟”
لكن الآنسة بندلتون اكتفت بجمع دفاتر وأقلام من مكتبها.
قالت آن برجاء:
“ارفعي قضية، آنستي! قضيّة! خطيبي محامٍ. صحيح أنه لم يمضِ على عمله أكثر من عام، لكنه بارع وذكي. ربح ثلاث قضايا حتى الآن ولم يخسر واحدة. لو علم بما حدث، لن يتردد في الدفاع عنك!”
اقتربت الآنسة بندلتون منها، وضعت يدها على كتفها بلطف وقالت:
“شكرًا لك يا آن.”
لكن آن لم تتوقف:
“لا تقولي ذلك! لقد كنت دائمًا عطوفة معي. سامحتِني على أخطائي عندما بدأت خدمتك، وأكرمتِني بمبالغ إضافية في زفاف أخواتي رغم أنك لم تعرفيهن… والآن، حين تُعلن الوصية، سأشهد بنفسي بما سمعت!”
“آن…”
رفعت آن نظرها إليها، لكن الآنسة بندلتون أومأت نافية:
“يا صغيرتي، لا فائدة. تزوير الوصية جريمة فعلًا، لكن خالي لن يخسر. تذكّري معركة جدتي معه منذ عشرين عامًا: جرّها لسبع سنوات من المحاكم، بعشرات المحامين، حتى استنزفها تمامًا. جدتي كانت غنية ومع ذلك استسلمت. خطيبك بارع، نعم، لكن هذه القضية ستُدمّره. ستؤجل زواجك خمس سنوات، ربما عشرًا.”
قالت آن بإصرار:
“لا يهم! أفضل أن أؤجل زفافي على أن أراكِ مظلومة.”
لكن الآنسة بندلتون هزّت رأسها مرة أخرى:
“مهما حدث، النتيجة خسارة. حتى إن كسبت، فلن يتبقى شيء بعد دفع أتعاب المحاماة. الأفضل أن أكرّس نفسي لتعليم الأطفال. فهذا المال لم يكن يومًا مالي أصلاً. انسَي الأمر.”
لكن آن ضربت الأرض بقدمها وهي تبكي:
“هذا غير عادل! غير عادل أبدًا!”
راقبتها الآنسة بندلتون بعينين حانيتين.
هذه الخادمة التي نادرًا ما اهتمت بنفسها، والتي اعتبرت العمل أولويتها دائمًا، كانت في حقيقتها أعزّ صديقة لها.
قالت بابتسامة مطمئنة:
“أنا بخير يا آن. لدي مدخرات. وفي رأسي علم لن تجديه عند أي معلمة في لندن. سأعيش بمفردي. لذا توقفي، أرجوكِ. لا تحطّمي قلبي ببكائك.”
م.م: 😭😭😭😭😭
هدّأت الآنسة بندلتون صديقتها، وبقي من الساعة المحددة عشر دقائق فقط.
طلبت منها توزيع الفساتين الفاخرة، القبعات، القفازات، والأحذية على الخادمات كهدايا وداع. كما أعطتها ظرفًا لتوزيع جنيه واحد على كل خادم من الرجال.
فانفجرت آن بالبكاء مجددًا، لرؤية سيّدتها تؤدي واجبها حتى آخر لحظة.
نزلت الآنسة بندلتون الدرج مرتديةً رداءً أسود فوق ثياب الحِداد وقبعة سوداء بسيطة. كان البيت خاليًا من الخدم، كل واحد منهم غارق في حزنه.
مرّت في الردهة بصمت، حتى وقفت فجأة وسألت آن:
“هل يمكنك أن تحضري لي لوحة وايتفيلد من غرفة الاستقبال؟”
ركضت آن نحو الغرفة، وفي تلك اللحظة سُمعت خطوات ثقيلة على الدرج. كان جيرالد بندلتون.
قال بصرامة:
“انتهت الساعة. اخرجي حالًا.”
قالت بهدوء:
“نسيت شيئًا يا خالي.”
ردّ بازدراء:
“لا يهمني. اخرجي قبل أن أدعو الخدم ليرموا بكِ خارجًا!”
لم تتحرك من مكانها. فصرخ جيرالد بالنداء، وخرج الخدم مترددين.
قالت بصوت ثابت:
“لن تمنحني حتى دقيقة كرامة. فهمت نواياك. لن أستعطفك بعد الآن.”
رفعت الصندوق الثقيل، فارتجفت عضلات كتفيها من الحمل. حاولت جره إلى الخارج، فاقترب أحد الخدم ليساعدها، لكن صرخة جيرالد دوّت:
“من يمدّ لها يدًا سيُطرد حافي القدمين!”
توقف الجميع.
وفي تلك اللحظة عادت آن تحمل اللوحة، فأسرعت لتساعدها قائلة:
“سأحملها عنكِ، آنستي.”
لكن جيرالد زمجر:
“ابتعدي! اتركي الحقيبة!”
رفعت آن عينيها الحمراء نحوه وصرخت باكية:
“لقد تجاوزت كل الحدود! أي قسوة هذه؟”
لكن الآنسة بندلتون أشارت لها أن تصمت. العصيان يعني الطرد الفوري.
أخذت اللوحة من يد آن، وجرّت صندوقها بنفسها، وغادرت شارع بندلتون.
وهكذا، بعد اثنتي عشرة سنة، خرجت الآنسة بندلتون سيدة أرقى منزل في جروفنر ستريت، أرقى شوارع لندن مطرودة بلا خدم يودّعونها، ولا أحد يمد لها يد العون.
سارت الآنسة بندلتون في شارع جروفنر بخطوات ثقيلة، حاملة صندوقها بكلتا يديها. كان الشارع هادئًا مع حلول الليل. اتجهت نحو ميدان جروفنر.
جلست على مقعد في الحديقة الخالية، وضعت الصندوق بجانبها، وضمّت جسدها داخل ثوب الحِداد الأسود.
كان هذا أول مرة ترتديه. أعدّته قبل زمن، متوقعة أن تحتاجه يومًا.
وها قد جاء اليوم.
اليوم الذي وجدت نفسها فيه وحيدة في هذا العالم.
كانت تملك جدّتها، خدمًا ينتظرون أوامرها، ومعارف في المجتمع، وأصدقاء. لكنها، حين تتأمل ماضيها، تشعر أنها لطالما كانت وحيدة.
كغبار عالق في الهواء. لا وجود ولا عدم. دائمًا مطالَبة بأن تثبت قيمتها لشخص ما.
عاشت اثنتي عشرة سنة من الصداع العصبي، لا يزيد وزنها مهما أكلت، بلا راحة كاملة ليوم واحد. كانت استراحتها الوحيدة أن تتخيل حريتها بعيدًا عن آل بندلتون. لكن حتى تلك الراحة كانت لحظات عابرة.
وحين تحقق الحلم أخيرًا، شعرت كأنها تسقط في بئر مظلمة لا قرار لها.
رحلت الجدة التي جعلتها “بندلتون”. وطُردت من بيتهم بعد اثنتي عشرة سنة.
انفصلت عن مجتمعها، ولم يعد يحق لها حتى حمل اسمهم. شعرت كأنها بلا وطن، كنبتة اقتُلعت من جذورها.
ضمّت نفسها أكثر، فراغ بارد ينهش أحشائها.
تساءلت إن كانت الجدران التي سجنتها، كانت في الحقيقة الأسوار التي حمتها. طالما اشتاقت إلى الحرية، لكن الآن، وقد نالتها، شعرت كسمكة تُنتزع من الماء، تختنق.
استنشقت بعمق. هواء يونيو البارد ملأ صدرها. حمدت الله أن الرحيل جاء في الصيف، لا في قسوة الشتاء.
بقيت منكمشة فترة. بلا دموع. كأن الحياة نزفت منها.
رفعت رأسها نحو الميدان الغارق في العتمة، وضحكة باهتة خرجت من شفتيها. يا للسخرية.
لقد جاءت بخطواتها إلى هذا المكان الذي كانت تتجنبه دومًا طوال اثنتي عشرة سنة.
إلى الحدث القديم. أوّل حب. الفضيحة التافهة التي نسيها المجتمع الراقي منذ زمن.
لكنها في قلبها حيّة كالأمس.
كلما حاولت النسيان، طاردتها في الأحلام.
تلك الذكرى، مع القلادة اللؤلؤية المعلقة حول عنقها، كان الختم الذي أغلق قلب لورا إلى الأبد.
م.م: من أكثر الفصول الحزينة التي ترجمتها لحد الآن
كيف حالكم بعد هذا الفصل، على كل التنزيل سيكون كل خميس، أردت أن أصل لحدث الجدة لأن الفصول القادمة مشوقة و أبدأ بالتنزيل الأسبوعي، طبعا الفصول تنزل أولا على الواتباد، اسم المستخدم sel081
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"