⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
لكن الآنسة بندلتون لم تفقد ابتسامتها المرحِّبة أبدًا. ابتسامة كدمية، كتمثال، كحيوان محنَّط لا يزال يبتسم.
لقد علَّمها المجتمع كيف تخفي اضطراب مشاعرها بابتسامة.
ما إن خطا تشارلز خارج العربة حتى التفت للداخل ومدّ يده. فخرجت يد مرتدية قفازًا بلون البيج، أمسكت بيده، ثم نزلت امرأة نحيلة ترتدي فستانًا بلون اللؤلؤ.
وحين وطئت الأرض كليًا، تكشفت ملامحها: شعر أحمر داكن، عينان خضراوان واسعتان، وجه نحيل وذقن حاد. كانت فاتنة الجمال. وفوق ذلك، كان قوامها ممشوقًا يقارب طول خطيبها.
عرفت الآنسة بندلتون فورًا أنها جوان جنسن، خطيبة تشارلز بندلتون. لم يكن ذلك بسبب ثقتها الظاهرة وهي تمسك بذراع تشارلز، ولا بسبب فستانها الغريب عن الذوق البريطاني. بل لأنها أدركت أن أحدًا لا يمكن أن يجسّد لقب “الوريثة الأمريكية الموعودة بالثروة الطائلة” مثلها. قبعتها، فستانها، حذاؤها، ومجوهراتها كلّها تشع بريقًا. إطلالتها وحركاتها تنضح ثقة وحيوية آسرة. كانت جمالًا نادرًا متألقًا في إنجلترا.
رفعت رأسها، شبكت ذراعها بذراع خطيبها، وأخذت تتفحص واجهة قصر بندلتون، ثم ابتسمت بمكر وأومأت له.
انفجر تشارلز ضاحكًا، مأخوذًا بنظرة خطيبته الراضية، حتى كاد يتجاهل الرجل المسنّ أحدب الكتفين الذي نزل خلفهم.
وبمساعدة أحد الخدم، نزل الرجل أخيرًا إلى الأرض، ثم رفع بصره إلى القصر كما فعل الثنائي. عندها تمكنت الآنسة بندلتون من رؤية وجهه بوضوح.
ملامحه كانت حادة وخشنة. شعره وحاجباه خليط من الأسود والأبيض، لكن صرامة قسماته بقيت كما عرفتها في شبابه.
قلبها يخفق والتوتر يضغط على معدتها، حاولت أن تركز على ظهره المنحني وتجاعيد وجهه. لتتذكر كم مضى منذ آخر لقاء، كم شاخ هو، وكم نضجت هي.
لم يعودوا كما كانوا: ربّ البيت الشاب الذي كان يعذّب ابنة أخته المشردة وعائلتها. أصبحت لورا الآنسة بندلتون امرأة ناضجة في التاسعة والعشرين، بينما هو رجل متقدّم في السن بحاجبين شائبين. قصر بندلتون في لندن أصبح منزلها، وهم ضيوفها. حاولت أن تذكّر نفسها بذلك. تقدمت ثلاث خطوات نحوهما.
– “أهلًا بكم، سادتي.”
توجّهت أعين الضيوف الثلاثة إليها. بابتسامة واسعة انحنت قليلًا، فانحنى الخدم خلفها جميعًا في انسجام.
– “اعذروني أن أحييكم بالنيابة عن مضيفتكم السيدة أبيغيل بندلتون. سأهتم بكم طوال إقامتكم.”
بدت الدهشة على وجوه الثلاثة. وكان ذلك مبرَّرًا، فالآنسة بندلتون كانت مثالية. شعرها، ملبسها، وقفتها، وتعبيرها كلّها تدل على سيدة رصينة ومضيفة راقية.
من خلال تعابيرهم، التقطت الآنسة بندلتون ومضات أفكارهم: بدا تشارلز وكأنه يرى ابنة عمته للمرة الأولى، بينما ابتسمت الآنسة جوان غائرة الخدّ بابتسامة رضا. أما عمها جيرالد بندلتون فحدّق فيها بملامح جامدة كتمثال. لكنها قرأت في عينيه شعورًا مألوفًا، رغم مرور أكثر من عقد: الاحتقار.
أخذت الآنسة بندلتون يدها في صمت وهي مستغربة. وفقًا للذوق البريطاني، من غير اللائق أن تعرّف السيدة بنفسها دون تقديم، فضلاً عن المصافحة عند اللقاء الأول.
– “أنا لورا بندلتون.”
ضغطت جوان على يدها الصغيرة وقالت بمرح:
– “أعرف. أنتِ ابنة عمة تشارلز وابنة شقيقة جيرالد. شكرًا على استضافتك، آنسة بندلتون. كنت أتطلع لزيارة آل بندلتون في لندن. يقول تشارلز والسيد بندلتون إنه أجمل منزل في لندن.”
ابتسمت لورا بهدوء مجيبًة:
– “لا أستطيع أن أوافق على ذلك بسهولة. فهذا بيت جدتي وبيتي، ومن واجبي أن أقدّم التواضع قبل الفخر. لكن حين تزوريننا يا آنسة جنسن، سأريك كل ركن من أركان البيت، لتقرري بنفسك إن كان أجمل منازل لندن فعلًا.”
ازدادت غمازتها عمقًا ثم انفجرت ضاحكة بضحكة صافية مدوّية، حتى ارتجفت كتفا لورا من الدهشة. لكنها لم تكن ضحكة جارحة، بل ضحكة مليئة بالفرح الخالص.
وحين خمد ضحكها، شدّت على يد لورا قائلة:
– “شكرًا لكِ. لم أكن أعلم أنكِ لطيفة إلى هذا الحد. أحببتك. آنسة بندلتون، هل تمانعين أن ندخل الآن لتناول فنجان شاي؟ أرغب في رؤية غرفة الاستقبال أيضًا.”
– “حسنًا، آنسة جنسن. تفضلي بالدخول.”
لكن في تلك اللحظة أمسك تشارلز بذراعها برفق قائلًا:
– “آنسة جنسن، علينا التوجّه إلى السيدة نايْسلي. والدك الروحي، السيد برايس، سيكون في انتظارك.”
– “لا يا تشارلز. إنه يعلم مسبقًا أنني سأتأخر.”
– “لكن لا بد أنكِ متعبة اليوم. ألا تفضلين الدخول للراحة؟”
– “أوه تشارلز، أنت الذي أُرهقتَ وأنت تحمل الدلو طوال الرحلة البحرية. أما أنا فلست متعبة إطلاقًا.”
– “لا. من واجبي أن أعيدك للسيد برايس سالمة في إنجلترا. لذا فلنذهب إلى السيدة نايْسلي.”
بدأت ابتسامة جوان تخبو وهي تردّ بعناد:
– “لا داعي لأن تكون عبدًا لأوامر والدي الروحي. لا يهمه إن جئت مبكرًا أو متأخرة.”
– “لكن…”
– “توقف يا تشارلز! لا تتصرف كخادم عند قدميه.”
ارتبك قليلًا، لكنه تذكّر أنه ابن جيرالد بندلتون. فحاول استعادة كبريائه قائلاً بصوت مرتجف:
– “لـ-لـ-ليس الأمر فقط بسبب أوامره… يحق لي أن أوصي بما أراه أفضل لك!”
– “ومن منحك هذا الحق؟ لا أذكر أنني منحته لك. هل أعطاك والدي هذا الحق من وراء ظهري؟”
– “لا، لكن… لا أعلم عن أمريكا، أما في إنجلترا فالمرأة المخطوبة يُفترض أن تطيع خطيبها. هكذا هي تقاليدنا.”
م.م: هههههه خلونا نضحك مع بعض 🤣🤣🤣
– “حقًا؟ آنسة بندلتون، هل هذا صحيح؟”
فكرت لورا لحظة ثم أجابت بصدق:
– “لا وجود لمثل هذا التقليد، آنسة جنسن.”
– “إذن لا يوجد، يا تشارلز؟ فلماذا لا تترك ذراعي إذن؟”
تردّد تشارلز في الكلام، ثم صمت وتراجع. شعرت لورا بالحرج من المشهد. صحيح أن إصرار جوان على الدخول في أول لقاء خرقٌ للأعراف، لكن موقف تشارلز في منْعها لم يكن خطأً تمامًا.
ومع ذلك، أهانت الآنسة جوان خطيبها علنًا أمام ابنة عمته التي لم تلتقها من قبل. والأسوأ أن تشارلز لم يغضب، بل كان يتصبب عرقًا ويراقبها بقلق. والأدهى أن خالها جيرالد ظل واقفًا طوال الوقت صامتًا كأنه كومة قش.
ثم قال مبتسمًا بخجل:
– “آنسة جنسن، آن أوان العودة. ستجدين ابنة أختي لورا تخدمك بنفس اللطف في زيارتك القادمة. فلا أريد أن أتسبب بإرهاقك منذ أول يوم في إنجلترا. ماذا سأقول لتوم الذي ائتمنني عليكِ؟”
تركَت جوان ذراعه مترددة، وأخبرته أنها ستأتي مع والدها الروحي السيد برايس على العشاء مساءً، ثم صعدت إلى العربة.
لوّحت بيدها، وأرسلت قبلة في الهواء إلى آل بندلتون، ثم انطلقت إلى بيت السيدة نايْسلي حيث يقيم السيد برايس.
وحين غابت العربة عن الأنظار، التفت الرجلان إلى لورا. ارتسمت على وجهيهما نظرة متعجرفة متعالية.
– “هل غرفة الضيوف جاهزة؟”
– “نعم يا خالي. لقد أعددت غرفتين متقابلتين في الطابق الثالث. سيأخذكم الخدم إليها…”
لكن جيرالد قاطعها ودخل القصر دون أن يكترث بكلامها.
تبع تشارلز والده، لكنه توقف لحظة خلف لورا، وألقى نظرة متفحصة على أصغر خادمة بين الست عشرة خادمة، ثم أطلق صفيرًا ساخرًا.
عبست لورا من تصرفه، لكنه ضحك بخفة وتبع والده إلى الداخل. لم تكن تتوقع منه الكثير، لكن أخلاقه كانت أسوأ من أبيه.
اكتفت لورا بزفرة، ثم دخلت هي الأخرى. ذهبت مباشرة للتشاور مع الشيف جيرمان حول عشاء فاخر لإكرام الضيوف. ومع زيارة آل بندلتون لأول مرة منذ عقود، ووجود الآنسة جنسن، التي تزور عائلة أرستقراطية لأول مرة منذ قدومها من أمريكا، كان لا بد أن يكون العشاء على أعلى مستوى.
بعد الاتفاق على أصناف المشويات وأنواع النبيذ التي ستُجلب من القبو، خرجت من المطبخ، وسألت الخادم المكلّف بمرافقة الضيوف إن كانوا قد دخلوا غرف الضيوف. فأجاب بأنها لم تُستعمل، بل توجّهوا مباشرة لتحية السيدة الكبيرة.
ارتفع نبض قلبها وهي تسرع صاعدة السلم بخطوات مضاعفة عن المعتاد.
لقد كان هذا أول لقاء لها مع ذلك الخال المكروه وابنه. ماذا لو هبّت رياح الماضي مجددًا؟ هل ستستطيع حماية جدتها منه؟ لقد كان قلب الآنسة بندلتون يخفق بشؤم.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"