⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
بعد عقودٍ قضاها في مجتمع نيويورك، استيقظ في داخلي حنينٌ جارف لوطني. حنين للسيدات البريطانيات، للنساء البريطانيات اللواتي كنّ أكثر وقارًا وجمالًا ورقةً من أي نساء في بلد آخر. وهكذا، متذرّعًا بالاحتفال بالذكرى الفضية لزواج أخي، هرعت إلى هنا بلا تردّد.”
“وكيف وجدتها يا سيد برايس؟ هل لبّت السيدات البريطانيات توقعاتك؟”
“لا. يؤسفني أن أقول إن الفرق الوحيد بين النساء الأميركيات والبريطانيات كان في أزياء اللباس وأذواقهن في الأوبرا.”
“يا إلهي، يؤسفني سماع ذلك يا سيد برايس.”
ردّت الآنسة بندلتون بلطف، محاوِلة أن ترفع يديها عن مفاتيح البيانو لتقلب الصفحة. لكن فجأة نهض السيد برايس من الأريكة واتجه بخطوات واثقة نحو البيانو، وقام بنفسه بقلب الصفحة.
أومأت له الآنسة بندلتون بإيجاز وأكملت عزفها. غير أنّه، بدل أن يعود إلى مقعده، وضع يده على طرف البيانو وانحنى إلى الأمام.
رغم أنّ المكان كان صالة استقبال عامة، يدخلها الخدم ويخرجون، فقد بقيت لحظةً خاصة بينهما فقط. ووجود هذا الرجل، وهو ما يزال ضيفًا غريبًا، قريبًا منها بهذا الشكل، جعلها تشعر بانزعاج عميق.
وحين أنهت المقطوعة، صفق لها وأثنى عليها بخفوت.
لو كان رجلاً عاديًا، لما دعته الآنسة بندلتون مجددًا لأي مأدبة رسمية. لكنها لم تستطع قطع العلاقة؛ فهو صديق مقرّب لخالها، وعرّاب زواج ابن خالها، ورفيق العائلة.
في تلك الأمسيات، اعتاد أن يجول بالقرب منها، يستمع لعزفها. وفي إحدى الليالي، بعد أن انصرف الضيوف باكرًا، وجدت نفسها وحيدة في مواجهته. كانت تكرر الصلاة الربانية في ذهنها مئات المرات، فيما أصابعها تطرق المفاتيح بقوة. فجأة، أمسك برايس بيدها وهي تعزف.
ارتجفت الآنسة بندلتون، صرخت من الفزع، ونهضت فورًا. خُيّل لها أن اللحظة المشؤومة قد حلّت. لكن ما حدث لم يكن كما توقعت: فقد جثا الرجل العجوز على ركبته بجانب مقعد البيانو، وأمسك يدها وهو يرفع رأسه نحوها بنظرة متوسلة وصوت مرتجف:
“آنسة بندلتون! لا تخافي. أرجوكِ، أزيلي تلك النظرة المصدومة، وأصغي إليّ للحظة!”
غطّت فمها بيدها وهي تحدّق فيه مذهولة. لم تفهم لمَ تصرف بهذه المفاجأة، لكنها أدركت على الأقل أنه لا يحاول إهانتها.
في تلك اللحظة، سُمِع صوت آن من مدخل الصالة:
“آنسة… ما الذي يحدث…!”
كانت الخادمة قد هرعت على إثر الصرخة، لتجد المشهد غير المألوف: رجل عجوز ذو شعر أبيض جاثٍ أمام شابة أصغر منه بأربعة وعشرين عامًا. بدا الأمر فاضحًا بحق.
لكن بندلتون تداركت الموقف بسرعة وقالت:
“لا شيء يا آن. يمكنك الانصراف.”
وضعت الخادمة يدها على فمها وعادت أدراجها بخطى بطيئة.
بمجرد خروجها، أطلق برايس الكلمات التي كان يكتمها طويلًا:
“قلت لكِ مرة إن النساء الأميركيات والبريطانيات لا فرق بينهن سوى في الأزياء والأوبرا. كنت أؤمن بذلك. لكن في كل حفلة أو مأدبة حضرتها في لندن، لم أرَ سوى نفس النسوة المتصنعات اللواتي عرفتهن في أميركا. خاب أملي. ظننت أنّي سأجد صورة لزوجتي الراحلة، إليانور برايس، السيدة الجنوبية التي تركتني مع أولادي. لكن ظني كان سابقًا لأوانه. ففي مأدبة آل بندلتون، رأيت ظلّها مجسدًا… آنسة لورا بندلتون، سيدة الجمال والنعمة والموهبة والخلق!”
كانت ملامح بندلتون تزداد شحوبًا كلما ارتفع صوته، فيما كان وجهه يزداد احمرارًا من الحماسة.
“آنسة بندلتون، كوني زوجتي! دعينا نذهب إلى أميركا ونبدأ حياة جديدة معًا. ليس عيبًا عندي أنك تجاوزت ربيع العمر؛ لقد شبعتُ، ولست من أولئك الذين يطمعون في فتاة في الثانية والعشرين. كل ما أريده امرأة فاضلة تدفئ سريري. آنسة بندلتون، تقبّلي عرضي!”
م.م: ربيع العمر؟ احترم حالك يا عجوز
لهث بعد كلامه، فشغفه كان شابا، لكن رئتيه لم تطيقا ذلك.
أما هي، فنظرت إليه بوجه حائر. نعم، كان ضيفًا موقرًا لدى العائلة، ورفضه قد يجلب تبعات كثيرة، لكنها في قرارة نفسها رأت شيئًا آخر: حاجباه المشيبان، عيونه المحتقنة بالدموع، كلها استثارت شفقة في نفسها. لم يكن يغازلها، بل يطلبها حقًا زوجة.
لكن لو كان قرارها مبنيًا على الشفقة وحدها، لكانت منذ زمن زوجة لرجل آخر. حاولت أن تسحب يدها من قبضته بصعوبة، وقالت بحزم:
“سيد برايس، أشكر عرضك، لكن لا يمكنني قبوله. لا أملك ذرة حب تجاهك، ولن أملك. أرجو أن تسامحني على هذا الرفض.”
انحنت له برسمية ثم أسرعت إلى الطابق العلوي.
منذ تلك الليلة، لم يعد واردًا دعوتُه إلى أي مأدبة. حتى لو كان صديقًا للعائلة، فالمجتمع يمنح السيدة حق رفض عرض الزواج، ويمنحها اعتبارًا مساويًا للرجل. لذا سحبت الدعوة بلا تردد.
لكن برايس لم يكن رجلاً ييأس. في اليوم التالي مباشرة بدأ يرسل لها الورود. أصابها الذهول حين وصلها باقة ضخمة من الورود الحمراء. فكرة أنه اختارها بعناية من أجلها جعلت رأسها يدور. كتبت رسالة لبقة ورفضت الهدية، لتصبح عادة يومية أن تُعيد الزهور مع رسالة اعتذار حذرة.
إلا أن برايس، بخبرته الطويلة، كان مصرًّا. وإن لم يُدعَ إلى الولائم، فقد عرف دومًا كيف يلتقي بها، مستفيدًا من اتساع معارفه، جامعًا الفتات من الشائعات ليعرف أين ستكون في تلك الأمسية.
اضطرت بندلتون إلى ترك معظم حياتها الاجتماعية، مكتفية بحفلات الشاي النسائية.
وبدأت الشائعات تنتشر بأن برايس يلاحقها. كان يزور محل الورود يوميًا، ويرسل لها باقات، ويظهر حيثما وجدت. كان الأمر شبه علني.
المثير للدهشة أنّ أحدًا لم يستنكره. فمثل هذه الزيجات بين فتاة في أواخر العشرينات ورجل يكبرها عقودًا لم تكن نادرة في المجتمع الراقي.
بل إن بعضهن رأين في ذلك حظًا لها.
في إحدى حفلات الشاي، قالت السيدة لانس بحسم:
“ربما هذه آخر فرصة للآنسة بندلتون. ستبلغ الثلاثين قريبًا، وما عاد للزواج أمل كبير. من حسن حظها أن السيد برايس مهتم بها.”
م.م: رح تشوفي كيف رح ترجع عليك….
ووافقتها النساء الأخريات.
قالت إحداهن: “صحيح أن السيدة أبيغيل بندلتون ما تزال حية، لكن كم ستعيش بعد؟ لقد أوصت بأن تؤول ممتلكاتها كلها إلى الابن الثاني للعائلة. نصيب لورا لن يتعدى بضع حليّ وأدوات مطبخ. ستبقى بلا شيء حين ترحل الجدة. لو عرفت ذلك، لما أبدت نفورًا من اهتمام برايس.”
وأضافت أخرى: “لكن هل تستطيع؟ برايس رجل صعب، وسعيه وراءها واضح للعيان. أليس كل قصده أن يأخذها إلى أميركا ويجعلها أمًا لأولاده الصغار؟”
فقالت السيدة لانس باستهزاء:
“وهل هي في موقع يسمح بالاختيار؟ لو كانت تملك شيئًا من الواقعية، لكانت وجدت هذا الطريق منذ زمن. بدلًا من تزويج الآخرين، كان عليها أن تجد رجلاً مثل برايس ينقذها.”
وبينما تبادلن الجدال، أجمعت النسوة أن على بندلتون أن تقبل به. وفي قلوبهن، ازداد الخوف على بناتهن من مصير مماثل، فبدأن يحثثن بناتهن على الإسراع بالزواج، كي لا ينتهي بهن المطاف كالعانس بندلتون.
لكن الآنسة لانس، ابنة السيدة نفسها، لم ترَ في الأمر سوى الشفقة.
“لا يمكن أن ينتهي الأمر بالآنسة بندلتون مع برايس. إنهما يفصل بينهما أربعة وعشرون عامًا. كيف تتزوج رجلاً في عمر والدها؟”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"