⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
وصلت دعوةٌ إلى عشاءٍ رسمي من آل بندلتون إلى منزل السيدة نايْسلي، حيث كان السيد برايس يقيم. وما إن وصلت، حتى جاء الرد سريعًا بخطٍ أنيقٍ متقن يعبّر عن سروره بالمشاركة.
ناقشت الآنسة بندلتون قائمة الطعام مع المسيو جيرمان، وبينما كانت تُعِدّ الطاولة في قاعة الطعام، أخذت تفكر في الضيوف الآخرين الذين يمكن أن يُسلّوا ضيف الشرف. جدتها على الأرجح لن تستطيع الحضور، وهي شعرت أنها وحدها لن تكون كافية لإضفاء الحيوية على الأمسية.
قيل إن السيد برايس، ضيف الشرف، رجل بسيط الطبع، سريع الغضب، وكثير الكلام. لذلك بحثت عن أصدقاء ينسجمون مع شخصيته. تذكّرت الأخوين فيرفاكس، اللذين عُرفا بحسن الاستماع، وكذلك الآنسة هايد، ذات الفضول الكبير لأي قصة جديدة. ثم خطرت ببالها بعض الأزواج من الطبقة الوسطى الجديدة المنفتحة. أرسلت إليهم دعوات، فقبلوها جميعًا دون تردد.
في يوم العشاء، بقيت الجدة كما هو متوقع في غرفتها، فيما جلست الآنسة بندلتون بكامل أناقتها في قاعة الاستقبال بانتظار الضيوف.
كانت الآنسة هايد أول الواصلين. دخلت مرتدية بلوزة بيضاء بسيطة، سترة سوداء، وتنورة مرجانية غير مزخرفة. زيّ نظيف بعيد كل البعد عن الزينة المبالغ فيها التي يفرضها المجتمع عادة. بدت كموظفة مكتب عادية. فقد بدأت العمل مؤخرًا في دار نشر، واليوم بالذات كان يومها الخامس عشر في الوظيفة.
وضعت حقيبتها جانبًا، وتجاوزت الانحناءة الرسمية، ثم عانقت عنق الآنسة بندلتون بحرارة. رحّبت بها بندلتون بفرح، فرؤيتها مسرورة كان برهانًا على سعادتها.
بدأت الآنسة هايد تسرد تفاصيل أيامها في المكتب والأدوار التي تعلّمتها أثناء تسلّم العمل. كانت مجرّد كاتبة بسيطة في قسم التحرير، عملها الأساسي صياغة العقود، استقبال الكتّاب، وترتيب المواصلات. لكن خلال أسبوع واحد فقط أدركت أن عملها الحقيقي هو الاستماع إلى محررٍ مرحٍ مدخّن، يقضي وقته في الثرثرة عن الكتّاب وتقليد أعمالهم. قالت إنها وظيفة غريبة ومضحكة، لكنها بدت سعيدة بها بشكل لافت.
لم ترَ الآنسة بندلتون صديقتها هايد بهذا القدر من التألق من قبل. لقد كانت متحمسة حقًا لحياتها الجديدة. شعرت بندلتون بالفخر لرؤيتها تبدأ مسارها بهذه السرعة.
وصل السيد برايس في الموعد تمامًا. كان مرتديًا معطفًا أسود مكويًا بإتقان، يصفر بخفة، ودخل قاعة الاستقبال برفقة الخادم. انحنى بأدب أمام السيدتين.
قال مبتسمًا:
“سعيد بلقائكما. توم برايس.”
عرّفت به الآنسة بندلتون نفسها وصديقتها:
“شكرًا لحضورك. أنا لورا بندلتون، ابنة شقيقة السيد جيرالد. وهذه الآنسة جين هايد، الابنة الثانية لعائلة هايد.”
انحنى مجددًا، ثم اقترب منهما بمرح وقبّل ظهر يديهما.
قال بمرح:
“لقد سمعت الكثير عنكما من جيرالد أعني، من إيرل بندلتون. أنتما تعيشان في منزل رائع بحق. وأنتِ يا آنسة هايد، جمالك يليق بسيدة من سيدات لندن! أشعر أنني سألتهم هذا العشاء بشهية مضاعفة لمجرّد أنني أتناول الطعام برفقة سيدتين بهذا البهاء. وبالمناسبة، أسلوب لباسك مميّز جدًا عملي وأنيق.”
أخبرته بندلتون أن الآنسة هايد تعمل ككاتبة في مكتب. فضحك بحرارة وصفق لها:
“في أمريكا، الكثير من النساء يدخلن سوق العمل، لكن في بريطانيا الأمر أندر. وها أنا ألتقي بسيدة عاملة رائعة! هل لديك نية للزواج؟”
أجابت هايد بثقة:
“أبدًا. سلكت هذا الطريق هروبًا من الزواج.”
قال وهو يهز رأسه بإعجاب:
“اختيار رائع!”
سألته هايد بفضول ممزوج بالمرح:
“وعلى أي أساس ترى أنني مميزة؟ لقد سمعت العكس طوال حياتي، خصوصًا مع تقدّم سني.”
ابتسم برايس بخبث:
“لأن الآنسة هايد تعرف السرّ الذي لا يخبرون به السيدات. إنهم جميعًا يتآمرون لخداعك أنتِ وبقية الفتيات المؤهلات للزواج.”
رفعت حاجبها متسائلة:
“وما هو هذا السر يا سيد برايس؟”
ضحك قائلًا:
“الزوج عبء على المرأة!”
ابتسمت بندلتون، وقالت بنبرة خفيفة:
“إن لم يكن في الأمر إساءة، فقد فهمت أنّك متزوج منذ زمن طويل، أليس كذلك؟”
ردّ برايس بجديّة مبالغ فيها:
“نعم يا آنسة بندلتون. وأنا أتحدث من تجربة طويلة. كل رجل عرفته كان عبئًا على زوجته الطيبون والسيئون على حد سواء.”
ثم أطلق تنهيدة درامية وأضاف:
“لقد أحببت زوجتي إلى درجة أنني كنت أخشى ألا أكون جديرًا بها. فكرّست حياتي كلها لأكون زوجًا صالحًا. عندما طلبت النجوم، قدّمتها لها؛ وعندما طلبت القمر، أحضرت القمر. بالطبع كنت أعيده إلى مكانه قبل حلول الليل! لكن حين فارقت الحياة، أمسكت بيدي باكية وقالت: (يا إلهي! أنقذني من هذا العناء!).”
انفجرت هايد ضاحكة، فيما اكتفت بندلتون بابتسامة محرجة أمام حسّه الساخر.
…
وبعد أن اكتمل وصول الضيوف، بدأ العشاء الرسمي. الجو كان مرحًا للغاية. قاد برايس الأمسية كلها بروحه المرحة، منتقلاً من الدعابة إلى الحكايات التي جمعها خلال أكثر من ثلاثين عامًا من خبرته في المجتمع الأمريكي.
كان ضليعًا بشكل خاص في الحديث عن مجتمع نيويورك الراقي، حيث قضى عشرين عامًا مع زوجته. وكانت قصصه عن الأمريكيين الذين يقلّدون الأوروبيين في الأثاث والملابس والآداب وحتى في طرق الخيانة، محطّ إعجاب الجميع.
وبعد العشاء، انتقلوا إلى قاعة الاستقبال حيث عزفت الآنسة جانيت والآنسة بندلتون على البيانو، فيما قضى الباقون وقتهم بالاستماع أو لعب الورق. لكن هايد أصرّت على سماع المزيد من قصص أمريكا من برايس، ولم يمانع هو في ذلك، فظلّ يحكي لها حتى نهاية الأمسية.
كان العشاء ناجحًا بكل المقاييس. أُعجب الضيوف جميعًا، أما السيد برايس فقد بدا في غاية الرضا وهو يصرّح للآنسة بندلتون قبل مغادرته:
“لم أرَ يومًا في أمريكا عشاءً بهذا الكمال.”
تنفست بندلتون الصعداء، وقد سرّها أن ضيف الشرف خرج راضيًا، رغم أن صخبه وحسّه الفكاهي المبالغ فيه سبّبا لها صداعًا مؤلمًا في نهاية الليل.
ومنذ ذلك اليوم، صارت تستضيفه مرارًا على العشاء. وكانت اللقاءات دائمًا مليئة بالمرح، يترك في نهايتها قبلة على يدها ويثني بحرارة على حسن ضيافتها.
لكن شيئًا غريبًا بدأ يتسرب إلى قلبها. أول خيط ظهر خلال زيارته الرابعة، حين حضرت الجدة على غير عادتها العشاء الرسمي. تأثرت بشخصيته المرحة، وبادلها هو بكل ما يملك من ظرفٍ وحديثٍ مسلٍّ ليخفف عنها. ومع حلول الطبق الرئيسي، كان قد صار مقربًا منها بما يكفي ليقول لها:
“الآنسة بندلتون هي سلوى عظيمة لليدي أبيغيل. ستشعرين بحزن عميق حين تتزوج.”
أجابت الجدة بهدوء:
“هذا أمر لا مفر منه. إن سعت ابنتي الصغيرة نحو سعادتها، فكيف أمنعها؟”
هزّ رأسه موافقًا:
“هذا صحيح. الانفصال قدر لا مفر منه بين الآباء والبنات. وحين تتزوج، سيكون على الأهل أن يتحملوا الألم كي تسعد بناتهم. وإلا لتمسّكوا بهنّ وحرمُوهنّ من حياتهن. لقد كنت كذلك مع ابنتي، حين ارتدت فستان زفافها، أردت أن أتوسل إليها لتبقى معي عامًا آخر فقط.”
ابتسمت الجدة بمرارة:
“لو غادرت لورا، سأشعر وكأن قطعة من قلبي انتُزعت.”
أجابها برايس بتعاطف:
“لكن يجب أن تتحملي الألم… لأن ألم الوالدين هو ما يصنع سعادة الابنة.”
…
بعد أن أُعيدت الجدة إلى غرفتها من شدة التعب، وجدت بندلتون نفسها وحيدة مع برايس. استمعت إليه بصبر، ثم عزفت على البيانو بطلبٍ منه. جلس يراقبها بعينين حادتين جعلتها مضطربة، لكنها واصلت العزف.
قال فجأة:
“عندما وطأتُ مجتمع لندن أول مرة، سألت عنك يا آنسة بندلتون.”
فاجأها السؤال:
“أخبرك خالي عني؟”
ابتسم قائلًا:
“نعم. أو بالأحرى، إيرل جيرالد بندلتون لم يتوقف عن التباهي بك. كان يقول إنك أجمل الفتيات وأكثرهن فضيلة، وإنه لا يبدّلك بعشر نساء أميركيات.”
لكن لورا في سرّها لم تجد في مدح عمّها ما يبعث على الاطمئنان… فهو لم يرها منذ كانت في العاشرة. فكيف عرف إن كانت جميلة أو فاضلة؟ ثم إن كلماته لم تبدُ لها صادقة تمامًا.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"