⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
الآنسة بندلتون أسندت ذقنها إلى يدها وحدقت في الرسالة، شاردة في أفكارها للحظة. وبعد برهة، نهضت واتجهت إلى الطابق العلوي.
فتحت الآنسة بندلتون باب غرفة جدتها، فظهر المشهد الخافت. كانت الجدة ممددة على السرير، تستمع إلى الخادمة وهي تقرأ سونيتة بينما تداعب قطتها “آني”. السيدة أبيغيل، التي كانت مريضة في الآونة الأخيرة، لم تعد قادرة حتى على الجلوس بشكل صحيح وكانت مستلقية دائمًا.
صرفت الآنسة بندلتون الخادمة أولًا، ثم شرحت بإيجاز محتوى الرسالة لعمها.
“إذن، السيد برايس صديق جيرالد؟”
“نعم.”
“وجيرالد سيأتي إلى لندن مع تشارلز؟ لزيارة هذا المنزل؟”
أومأت الآنسة بندلتون برأسها.
صمتت الجدة قليلًا. وقفت الآنسة بندلتون هناك وقلبها يخفق خوفًا من أن تنفجر جدتها غضبًا في أي لحظة. لكن السيدة أبيغيل قالت شيئًا لم تكن تتوقعه أبدًا.
“أعدّي أفضل غرفة للضيوف. وأخبري الخدم أن يعاملوهم بأقصى درجات الاحترام.”
اتسعت عينا الآنسة بندلتون دهشة. الكلمات التي خرجت من فم جدتها لم تكن سوى سلسلة من المفاجآت.
“وأولًا، علينا أن نعامل السيد برايس باحترام بالغ. أرسلي له دعوة لعشاء رسمي واطلبي من مسيو جيرمان أن يُظهر مهارته. صديق ربّ العائلة يستحق أن يُكرَّم في هذا البيت.”
لاحظت السيدة أبيغيل ارتباك حفيدتها. مدت يدها نحوها لتدعوها للجلوس قربها. جلست الآنسة بندلتون بجانب جدتها وأمسكت يدها، فبدأت الجدة تمسح على يدها.
“هل يزعجك هذا؟”
“… نعم.”
“وأنت تكرهين الأمر، أليس كذلك؟ أن نطلب منه معاملة جيرالد الذي عذبك كثيرًا بكل هذا الاحترام.”
هزّت الآنسة بندلتون رأسها.
“لا أكرهه. إنه ربّ عائلة بندلتون.”
“إذن لا تمانعين؟”
“أنا فقط… متوترة قليلًا يا جدتي.”
“لورا، هل أستطيع أن أطلب منك معروفًا؟”
“أي معروف؟”
“هل تتحملين لبضعة أيام فقط؟ من أجلي.”
لو كان عليها، لفعلت. فهي لم تكن ممن يهربون مما يجب عليهم فعله، خاصة إن كان ذلك رغبة جدتها.
لكن الآنسة بندلتون لم تستطع الرد بسهولة. لم تستطع قراءة ما يدور في ذهن جدتها. بل لم تكن متأكدة حتى إن كانت جدتها في كامل وعيها عند اتخاذ هذا القرار.
فهمت السيدة أبيغيل معنى تردد حفيدتها، وقالت بصوت خافت:
“… لم يتبقّ لي وقت طويل. السيد ويبستر يصر على أنني سأعيش حتى المئة، لكنني لست ساذجة. لن أعيش لما بعد هذا العام. أنا واثقة من ذلك. وقبل أن يحين أجلي، أريد أن أتصالح مع خالك. أريد أن أرى ابني الوحيد… وحفيدي.”
تفاجأت لكنها تماسكت وسألت:
“هل حقًا تريدين التصالح مع خالي، جدتي؟”
“نعم.”
دهشت الآنسة بندلتون. جدتها أرادت التصالح مع ابنها. أرادت أن ترى وجه حفيدها بقدر ما تمنت ذلك.
نظرت الآنسة بندلتون إلى وجه جدتها للحظة. الظلام جعل التجاعيد تبدو أعمق وأكثر سوادًا بلا نهاية. حين رأتها أول مرة لم تكن سوى امرأة شامخة ذات شعر أبيض متفرق، شابة في وقارها، لا مثيل لها.
نعم، مرّ وقت طويل. الآن أصبحت جدتها بعيدة كل البعد عن تلك السيدة في منتصف العمر التي احتضنتها أول مرة. أصبحت ضعيفة. مريضة. وتوشك على الموت.
“ما هو واجبي؟”
“فقط استمري كما كنتِ. قومي بدورك كمضيفة. ليس فقط تجاه عائلة بندلتون، بل أيضًا تجاه الآنسة جينسن والسيد برايس. يبدو أنهما مهمان بالنسبة لجيرالد.”
أومأت الآنسة بندلتون.
“حسنًا. فهمت. سأجهز كل شيء.”
أمسكت السيدة أبيغيل يد حفيدتها.
“آسفة أن أطلب منك هذا يا لورا.”
هزّت الآنسة بندلتون رأسها.
“لا تعتذري. أنتِ تستحقين ذلك مني. كنتِ أمًا لي عندما كنت شبه يتيمة. سأُريهم كيف ربيتني جيدًا. سأعاملهم بكل الاحترام.”
قضت فترة ما بعد الظهيرة تخطط لكيفية استقبال خالها وابنه تشارلز عند مجيئهم. خططت للغرفة التي سيقيمون فيها، والخدم الذين سيخدمونهم، والطعام والعربة التي تناسب ذوقهم. بل قررت إكمال كل الإصلاحات المؤجلة في المنزل حتى لا يثير شيء امتعاضهم.
وبدأ التنفيذ فورًا. سرعان ما انشغلت الآنسة بندلتون انشغالًا محمومًا.
تنظيف شامل للقصر، إصلاح الدرج والسقف، شراء أثاث جديد لغرفة الضيوف، كلها أبقتها مشغولة طوال النهار.
لم يكن أي من الخطط لينجح دون إشرافها وتوجيهها. عشرات الخدم والعمال كانوا يلجأون إليها، وكان عليها أن تعمل بلا كلل لإنجاز كل مهمة في وقتها.
وبعد يوم طويل من الكدح، كانت تعود إلى غرفتها منهكة، بالكاد قادرة على الوقوف. لكنها لم تكن تنام بسهولة.
بعد أن تُقصَّ شعر “آني”، وتبقى وحدها بملابس النوم، تقف أمام النافذة شاردة. قلبها ينقبض خوفًا من اقتراب خالها.
إنه تناقض. تمضي يومها كله في الاستعداد لاستقباله، لكنها تشعر بالخوف من قدومه؟
ومع ذلك، لم تجد في الأمر تناقضًا. فهي تعرف الحقيقة في داخلها، الحقيقة التي ازدادت وضوحًا مع اقتراب موت جدتها.
لو كان عليها أن تختار شخصًا واحدًا تحبه أكثر من أي أحد في العالم، فستكون جدتها، السيدة أبيغيل بندلتون.
أمها الثانية، التي ربتها بدلًا من أمها التي توفيت قبل أن تتمكن حتى من النطق. المحاربة التي وقفت في وجه خالها من أجلها. والسند الذي سمح لها أن تعيش كسيدة. لقد أحبت جدتها حقًا، المرأة التي منحتها كل شيء.
لكن، ما إذا كانت الحياة التي منحتها لها جدتها سعيدة فعلًا… فذلك أمر آخر.
كانت تحمل سرًا لم تخبر به أحدًا. حقيقة همست بها فقط في قلبها.
لقد كانت الآنسة بندلتون أكثر سعادة قبل أن تعيش الحياة التي وفرتها لها جدتها.
في ذكرياتها حياتها مع والدها، الرسام المتجول. الطريق الذي سلكته يدًا بيد معه طوال طفولتها.
رحلات القطار الطويلة حيث كانت تسند رأسها عليه، تحيك بالخيط وتعزف على الهارمونيكا. المعارض الصغيرة والكبيرة التي زارتها لتبيع لوحاتها. القصور التي دخلها والدها ليرسم صورًا مقابل المال. الطرق الريفية. أرصفة المدن البالية. الغرباء. المدن المجهولة.
كل تلك الدروب التي مشت فيها بجوار والدها ما زالت حية في ذهنها.
لم تلمس يومًا والدها لأنه سلّمها لعائلة بندلتون. فقد كانت حياة طفلة صغيرة مليئة بالقيود. ولتنشأ ابنته نشأة سليمة، كان لا بد لها من بيت ويد حانية. كانت تعلم أن قرار والدها إرسالها إلى عائلة بندلتون كان أفضل قرار.
ومع ذلك، كثيرًا ما تساءلت عمّا كان سيحدث لو لم يتركها والدها مع آل بندلتون. ربما لم تكن لتتعلم الكثير أو تعيش في بيئة مريحة، لكنها على الأرجح كانت ستصبح أكثر سعادة.
كثيرًا، أو بصدق، في كل مرة واجهت فيها صعوبة، كانت تفقد نفسها في مثل هذه الأفكار. تتخيل نفسها تعيش حياة مختلفة تمامًا.
بينما يرسم والدها، تقرأ هي كتابًا بهدوء بجانبه، أو تجلس مقابله في عربة الطعام بالقطار تحتسي القهوة، أو بينما يرسم بورتريه في قصر أحد النبلاء، تخرج هي للتجول بحرية في الريف، تصادق من تشاء. كانت ستسير حيثما قادتها قدماها، تصبح جزءًا من المشهد.
حياة حرة. كيف سيكون شعورها؟
كانت تغرق في مثل هذه الأفكار حتى يقطع صوت الخادم نداءه عليها، فتعود إلى الواقع. وكان أول ما تشعر به هو الذنب.
كانت تشعر بالأسف تجاه جدتها. فقد ضحّت بالكثير لتمنحها حياتها هذه. تخلّت عن معظم ثروتها، واختارت القطيعة مع ابنها، وتخلّت عن حياتها الباذخة مع آل بندلتون.
وفي منزل أقل من نصف حجم قصرها، عاشت فقط من أجلها، من أجل حفيدتها. أحبتها حبًا عظيمًا. لكنها…
عملت الآنسة بندلتون بجهد أكبر لتخفي مشاعرها الحقيقية. محاولة أن تكون حفيدة أفضل، فكانت تحضر الحفلات، والعشاء، والحفلات الموسيقية، ولقاءات الشاي، تمامًا كما رغبت جدتها.
حاولت أن تجسد “السيدة” التي كانت ستصبحها والدتها لو لم تلتقِ بوالدها. ولعبت هذا الدور جيدًا. كانت فخر جدتها وسلوى قلبها.
لكن الحقيقة، التي لم تستطع إخفاءها، كانت تلازمها كشوكة في جيبها.
الحياة كـ “الآنسة بندلتون” لم تكن حياة سعيدة. كانت موضع نميمة في مجتمع لا يتقبلها، تُعامَل بنصف اهتمام، تعيش على حذر دائم، مجبرة على الابتسام حتى في وجه من يكرهونها.
“كيف سيكون شعوري لو عشت فقط كـ لورا؟”
أحيانًا كانت الآنسة بندلتون تفكر في ذلك، وهذه الأفكار تتحول إلى خيال، ثم إلى ريح، سرعان ما تصير حلمًا.
وقبل أن تدرك، صار ذلك الحلم على وشك التحقق. للأسف، بوفاة جدتها الحبيبة.
فإن رحلت، فلن تبقى في بيت آل بندلتون. خالها لن يأويها. ولم يكن ذلك ما أرادته هي. لقد تمتعت طويلًا بما لم يكن لها.
ستضطر إلى مغادرة منزل آل بندلتون ومعها بضع ثياب فقط. كان سقوطًا مأساويًا في نظر الجميع: ابنة نبيلة تُلقى في الشوارع بلا مال. لكن بالنسبة لها، كان ذلك بداية لحياة جديدة، لا كـ “الآنسة بندلتون”، بل كـ “لورا”.
لقد استعدت الآنسة بندلتون طويلاً لذلك اليوم. راجعت ما تعلمته لتكسب رزقها، بل وبحثت في وكالات التوظيف للتقديم على وظائف.
حتى استعدادها لاستقبال خالها جيرالد كان جزءًا من استعدادها لحياة جديدة. فمهما كانت تعاستها، فقد عرفت فضل جدتها.
أرادت أن تساعد جدتها، التي أحبتها كابنتها، أن ترحل بسلام. أرادت أن تتصالح مع ابنها وترحل محاطة بوجوه من تحب. عندها فقط، أحسّت أنها ستتمكن من محو ولو قليل من ذنبها، وتبدأ حياة جديدة.
قضت يومها كله مشغولة بالعمل، مستعدة نفسيًا للانفصال عن آل بندلتون. بهدوء ورويّة.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"