⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
لقد كان الشخص الوحيد في لندن الذي يراسل السيد دالتون رسميًا. ولو أنه تواصل معه كثيرًا، لكان إدراج سؤاله عن أحواله في الرسائل أمرًا يسيرًا.
قررت الآنسة لانس أن تفتح باب علاقة مع السيد فيرفاكس. وكخطوة أولى، أقنعت والديها بدعوة أشقاء فيرفاكس إلى عشاء رسمي.
ورغم أن السيد فيرفاكس رجل أعمال كوّن نفسه بنفسه، فإن والدتها كانت مترددة في التعامل معه بسبب صِغَر حجم ضيعته وملكه الريفي. غير أن الآنسة لانس أقنعتها بأنه صهر السيد دالتون، وأن من الضروري كسب وُدّه، فسمحت له بالحضور.
أما السيد لانس فقد وافق بسهولة، خاصة بعدما أشارت ابنته بذكاء إلى أن أشقاء فيرفاكس ينحدرون من عائلة بارزة من نبلاء يوركشاير.
وبالفعل، تمت دعوة الأشقاء فيرفاكس إلى عشاء رسمي في منزل آل لانس. وقد استمتع آل لانس بوقتهم معهم أكثر مما توقعوا. كانوا أشخاصًا جَميلين، طيّبي القلب، مفعمين بالحيوية. وفوق ذلك، أغدقوا على الحاضرين المديح والإعجاب، مما أرضى كبرياء كل فرد من عائلة لانس.
أحبّ آل لانس الأشقاء أكثر من أي وقت مضى. وكان السيد لانس على وجه الخصوص مولعًا بالسيد فيرفاكس، حتى إنه قدّم له سيجارًا فاخرًا بعد العشاء.
وقَبِلَ السيد فيرفاكس بسرور. وعلى عكس السيد دالتون، كان أكثر تسامحًا مع تفاخر الأرستقراطيين.
وقبل المغادرة، طلبت الآنسة لانس من السيد فيرفاكس، الذي قبّل يدها، أن ينقل تحياتها إلى السيد دالتون في وايتفيلد.
وافق فيرفاكس فورًا وساعد شقيقته على الصعود إلى العربة. أما الآنسة لانس فقد تابعت العربة بنظراتها، مبتسمة برضا بعد أن حققت هدفها.
بعد ذلك، توطدت علاقة الآنسة لانس بأشقاء فيرفاكس. فقد كانوا أحيانًا يزورون منزل السيد فيرفاكس في المدينة لشرب الشاي، أو يدعونها إلى حفل موسيقي أو إلى الأوبرا.
ورغم أن هدفها الأول من تلك اللقاءات كان إبقاء إيان دالتون على اطلاع، فإنها شيئًا فشيئًا بدأت تستمتع فعلًا بصحبتهم.
كانت جانيت فيرفاكس فتاة رقيقة ووديعة، ومعجبة مخلصة بالآنسة لانس. كانت تُثني على كل ما تفعل وتوافق على كل رأي تبديه، مما جعل لانس تشعر بالرضا.
أما السيد فيرفاكس، فقد تبيّن أنه صديق أثمن بكثير.
ففي البداية لم ترَ فيه سوى رجلًا طيبًا وسيماً. لكن مع مرور الوقت، اكتشفت أنه أكثر من مجرد شخص لطيف.
لقد كان رجلاً ذا روح رقيقة وعمق حقيقي. يصغي إليها باهتمام، ويُبدي آراءه بحذر. كل كلمة ينطقها كانت تحمل عناية وحكمة.
وبفضل بصيرتها النافذة في الحكم على الناس، أدركت الآنسة لانس بسرعة أن السيد فيرفاكس إنسان استثنائي. وسُرّت حين وجدت أن أفضل أصدقاء السيد دالتون هو شخص بهذه القيمة. ومن ثَمَّ، صارت تستمتع بصحبة الأخوين معًا.
وبينما كانت الآنسة لانس تُكوّن صداقات جديدة وتستمتع بالاجتماعيات، كانت لندن تعيش أزهى أيامها الاجتماعية، حيث الحفلات والكرنفالات يوميًا. وجوه جديدة تأتي وتذهب كالموج.
وفي تلك الأجواء ظهر وافد جديد:
توم برايس.
في البداية لم يكن مميزًا: رجل قصير، غير مرتب، بطنه بارزة وعيناه نافذتان. لكن سرعان ما ذاع صيته حين عُرف أنه سمسار أسهم ناجح جدًا قادم من أمريكا.
وبفضل سحر شخصيته، أصبح سريعًا محط اهتمام المجتمع اللندني.
كان بريطانيًا لكنه يحمل روحًا أمريكية عميقة. يُغامر بمبالغ كبيرة في ألعاب الورق، يربح كثيرًا، ولا يتراجع حتى بعد خسارة فادحة.
وكما يليق برجل أعمال، كان دائم الثقة، عنيدًا، يواجه الناس بنظرات مباشرة. واسع الاطلاع على شؤون العالم، ويمتلك حس دعابة لافتًا.
انتشرت سيرته في مجالس السيدات. وقيل إنه الابن الثالث لقبطان في البحرية البريطانية، هاجر إلى الولايات المتحدة بعد تخرجه مباشرة عقب الحرب الأهلية، وجمع ثروة من تجارة الأخشاب في الجنوب. ثم دخل عالم البورصة وصار من أثرياء نيويورك.
وبعد نجاحه، تزوج سيدة جنوبية جميلة وأنيقة. دام زواجهما 25 عامًا وأنجبا سبعة أبناء.
الكبيران منهما بلغا سن الرشد وتزوجا أو بدآ أعمالهما الخاصة. أما الخمسة الآخرون، بين الثالثة عشرة والسابعة، فكانوا يعيشون في الولايات المتحدة مع المربيات والمعلمين الخصوصيين.
عاد إلى بلاده لأول مرة منذ ثلاثين عامًا لحضور ذكرى زواج أخته الفضية، وبقي في لندن فترة طويلة ليقضي وقتًا مع عائلته.
لكن الناس بدأوا يتهامسون أن تردده المتكرر على المجتمع اللندني لم يكن فقط من أجل زيارة أقاربه. ربما كان ما يزال أسير ذكرى زوجته الراحلة، ويبحث عن امرأة أخرى تملأ الفراغ.
صار حديثه مادة مثيرة، يُستحضر في كل مجلس. ولم تكن حفلات آل بندلتون استثناءً.
لكن الآنسة بندلتون لم تُبدِ اهتمامًا به. ثروته وطباعه الحادة، التي جذبت الآخرين، لم تُثر فضولها بل جعلتها حذرة منه.
غير أن حدثًا ما جعلها مضطرة للاهتمام به… وكل ذلك بدأ برسالة.
جلست الآنسة بندلتون في مكتبها كعادتها، تُفرز الرسائل التي جلبها الخادم من مكتب البريد. الدعوات والفواتير على اليسار، رسائلها الخاصة بجوارها، أما رسائل الأصدقاء والأقارب الموجهة لجدتها فكانت توضع على اليمين.
وكانت قد اعتادت على ذلك منذ اثنتي عشرة سنة، حتى غدت تعمل كآلة.
وضعت دعوة أنيقة إلى نزهة على الجانب الأيسر، لكنها جمدت فجأة حين رأت اسم المرسل على الظرف الأبيض التالي. قرأت الاسم مجددًا. كانت الحروف واضحة لدرجة أنها لم تصدق عينيها:
جيرالد بندلتون.
«خالي…»
ارتجف جسدها. سارعت لتتحقق من اسم المرسل إليه: لورا بندلتون. لقد أُرسلت إليها هي بالذات.
لو كانت الرسالة باسم جدتها، لما كان الأمر صادمًا. لكن القشعريرة امتدت من عمودها الفقري إلى كتفيها وذراعيها، فارتعشت دون إرادة.
وضعت الرسالة أمامها في الوسط، لا مع اليمين ولا مع اليسار، ثم أكملت فرز بقية البريد.
ولما فرغت، فتحت رسالة خالها بيد مترددة. لم تصدق بعد أن خالها، الذي لم يرسل لها بطاقة حتى في عيد الميلاد أو رأس السنة، يكتب إليها الآن.
كانت تتوقع أن تجد نعيًا لأحد أفراد الأسرة.
لكن الرسالة بدأت مباشرة بلا تحية، بلا أي مجاملة أو عاطفة. ومع ذلك، سرعان ما فهمت مقصده.
كان يتحدث عن السيد برايس، زميله في الجامعة.
قبل ستة أشهر، زار هو وابنه الثاني تشارلز الولايات المتحدة، وهناك التقوا بالسيد برايس. وقد قدم لهم عرّابته، الآنسة جوان جنسن، وريثة ثروة أمريكية. وسرعان ما نشأت علاقة حب بينها وبين تشارلز، وأعلنا خطبتهما.
وخلاصة الرسالة: بعد حفل الخطوبة، وصل السيد برايس إلى لندن لحضور ذكرى زواجه الفضي، وأنه وابنه سيأتيان لاحقًا، ويجب على آل بندلتون استضافة برايس والاعتناء به حتى وصولهما.
واختُتمت الرسالة بنبرة آمرة باردة، تلزمهم بترتيب الإقامة دون تأخير.
وضعت الآنسة بندلتون رأسها على يدها وأغمضت عينيها. شعرت وكأن عقلها يُعصر بعشوائية. ذكريات مشوشة وآفاق مُقلقة داهمتها.
فقد كان خالها سيأتي قريبًا إلى بيت بندلتون. ومنذ أن غادرته إلى المدرسة الداخلية في سن العاشرة، لم تره منذ عشرين عامًا تقريبًا. لكن الذكرى لم تُمحَ. مجرد تذكره جعلها تشعر وكأنها طفلة مذعورة في السابعة، تختبئ في غرفة اللعب بانتظار أن تختفي خطواته.
ومع ذلك تماسكت. فقد اعتادت خلال عشرين عامًا على مواجهة القيل والقال والهمز واللمز، واكتسبت عادة التماسك والقيام بواجبها مهما اشتدت الظروف.
كانت تقول لنفسها: إذا أديت دوري كما يجب، فسيدرك أنني نضجت. عندها لن يتكرر ما مضى.
لكن ما أقلقها أكثر هو لقاء خالها وجدتها. هل ستسمح له بالدخول أصلًا؟ وإن سمحت، ماذا سيحدث؟
فلم يتبادلا أي رسالة منذ عشر سنوات بعد نزاع قانوني مرير. الضغينة ما تزال قائمة، فماذا لو التقيا وجهًا لوجه؟ وجدتها الآن عجوز واهنة لا تكاد تقوى على الجلوس.
«ماذا لو تشاجرا وأدى ذلك إلى تدهور حالتها؟»
ارتجف قلبها من القلق، وبرُدت أصابعها. تذكرت ما قاله الطبيب وبستر في زيارته الأخيرة:
«لن تعيش طويلًا. تحتاج إلى استقرار تام. لا تدعوها تنفعل. اجعلوها مطمئنة، وامنعوا عنها أي قلق. والأهم أن تمنحوها أملًا دائمًا. قولوا لها إنها ستعيش طويلًا، كما أفعل أنا في كل زيارة.»
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"