⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
حين أخبرت آن، بناءً على طلب الآنسة، ذلك السيد بأنها ترفض استقباله، بدا وكأنه كان يتوقع منها ذلك، وطلب منها أن توصل رسالة، لكنه انسحب في النهاية تاركًا فقط بطاقة زائر. كان يتسكع حول المنزل لساعات قبل أن يغادر.
لم يكن غريبًا على آن، التي راقبت الموقف، أن تخمن بأن شيئًا ما قد جرى بينهما أثناء النزهة.
لهذا السبب لم تستطع آن كبح فضولها بشأن الرسالة.
ماذا يمكن أن يكون مكتوبًا فيها؟ تحية عابرة؟ إن كان الأمر كذلك، فلا سبب يجعل الآنسة تبدو بهذا الاكتئاب. أم اعتراف بالحب؟ عرض زواج؟ إن كان هذا صحيحًا، فالأمر أشد غموضًا: لماذا إذن هي مستاءة إلى هذا الحد؟
«آه! لو أن الآنسة مثل الفتيات الأخريات اللواتي يروين لخادماتهن كل حكايات الحب!»
كتمت آن تنهيدة وأخذت تمشط شعر الآنسة بعناية. إن كانت منزعجة فستبوح بذلك من تلقاء نفسها. مشطت شعرها كله وربطته ضفيرة فضفاضة كي لا يزعجها عند النوم.
لكن صبر آن لم يضع هباءً. إذ تكلمت الآنسة باندلتون:
ــ «آن، السيد دالتون تقدم لي بعرض زواج.»
ــ «بالطبع!»
هتفت آن في سرّها، لكنها تظاهرت بالمفاجأة.
ــ «حقًا؟ هل اعترف بمشاعره؟»
ــ «لا. قال شيئًا يمكن استنتاج مشاعره منه.»
ــ «سيدتي، لست متعلمة كثيرًا، لا أفهم كلمات صعبة مثل “استنتاج”، لكن يبدو من كلامك أنه تحدث بشكل غير مباشر لا مباشر.»
ــ «أشبه بذلك.»
ــ «وهذا سبب امتناعك عن استقبال الزوار مؤخرًا؟»
ــ «نعم. لا بد أنه استغرب من ادعائي المرض لفترة. هل لاحظتِ ذلك؟»
ــ «نعم.»
ــ «كنت أعلم. لا يمكنني خداع عين آن الفاحصة.»
ــ «إذن أنتِ تتجنبين السيد دالتون منذ أن تقدم لكِ؟ هل… تنوين رفضه؟»
أومأت الآنسة برأسها.
ــ «لكن يا سيدتي، له شروط محددة… لا، لا، القرار قرارك وحدك… لكن الاختباء هكذا تصرف أحمق. لكِ الحق في القبول أو الرفض، وليس من اللائق أن تتصرفي كمن ارتكب ذنبًا. إذا كان للرجل حق التقدم، فللمرأة حق الرفض.»
ــ «آن، أنتِ محقة تمامًا. من الناحية النظرية.»
ــ «لا أفهم ما تقصدين بكلمة “نظرية”، لكن أظنها تعني شيئًا مثل “في عقلي”، صحيح؟»
ــ «نعم. كما توقعت، أنتِ تجيدين فهم السياق. إذن ستفهمين الغموض في الموقف. من الوقاحة لامرأة مثلي أن ترفض عرض رجل مثل السيد دالتون.»
ــ «امرأة مثلكِ؟ ماذا تقصدين؟»
ــ «امرأة بلا مهر، وقد تجاوزت سنّها المناسب.»
ــ «لكن السيد دالتون يعرف ذلك، ومع هذا فهو معجب بكِ.»
ــ «أنا ممتنة لإعجابه، لكن الزواج أمر آخر.»
ــ «لماذا؟»
ــ «لأنه زواج مصلحة. ليس لي ما أقدمه له سوى نفسي. وحتى لو رضي بي وحدي، فذلك حين يكون حبه في ذروته فقط.»
ــ «لكن قد يدوم حبه مدى الحياة. أنتِ جميلة وذات خلق. إن لم يكن طبعه دنيئًا فسيظل وفيًا لكِ، وإن كانت ذائقته راقية فلن يملّ منكِ.»
ابتسمت الآنسة باندلتون بسخرية وأجابت:
ــ «أنتِ دائمًا ترفعين من شأني، لكن الذوق لا علاقة له بالأمر.»
أرادت آن الرد، لكنها كتمت كلماتها وأكملت ربط الضفيرة.
وقفت الآنسة وتوجهت نحو النافذة. تناولت آن الشال عن كتفيها، وضعت يدًا على كتفها، وسألت بصوت خافت:
ــ «وماذا عنكِ، سيدتي؟ ألا تحملين أي مشاعر نحوه؟»
صمتت الآنسة لحظة. كان صمتًا ذا معنى.
ــ «آن، هل تعلمين ما أعظم ميزة في أن أكون عانسًا؟»
ــ «ما هي؟»
ــ «أنني أستطيع الاستمتاع بصداقة مع رجال شباب بلا أي توتر. لقد اعتمدت كثيرًا على هذه الميزة. لهذا أساء فهمي. لا أحمل له أدنى حب، آن.»
استشعرت آن في ذلك الصمت القصير ترددًا واضحًا. أدركت أن كلمات الآنسة لم تكن صادقة تمامًا.
لكنها لم تستطع إقناعها أكثر. فهي تعرف أن سيدتها لا تُقنع بسهولة، وأن قضايا الرجال والنساء لا تُحل بتدخل طرف ثالث.
أنهت آن تمشيط شعرها، تمنت لها ليلة هانئة، وغادرت الغرفة.
بإغلاق الباب، تُركت الآنسة بندلتون وحدها. أخذت تمشي ذهابًا وإيابًا. جلست على السرير، ثم وقفت، اقتربت من النافذة ثم ابتعدت، جلست على الكرسي الهزاز ثم نهضت ثانية…
كان ذهنها مضطربًا، مشتتًا. توقفت خطواتها أخيرًا عند منضدة الزينة، وامتدت يدها تلقائيًا نحو الرسالة الموضوعة هناك.
فتحتها، وبدأت عيناها تتتبعان الخط الأنيق. الكتابة منسقة. المحتوى مهذب. أن يكتب رسالة كهذه وسط انشغاله ويأتي بالهدية الموعودة؟ إنه رجل نبيل حقًا.
لكن حين وصلت عيناها إلى الجملة الأخيرة “إيان دالتون”، حُبس نفسها. آخر مرة رأت فيها وجهه ارتسمت في ذاكرتها.
ذلك النظر. تلك العاطفة التي اخترقت قلبها كرمح.
سقطت الرسالة من يدها. انحنى جسدها، وارتجفت كتفاها قليلًا.
مشاعره كانت قوية لدرجة أنها أرعبتها. كانت ملموسة، حادة، مخيفة.
لو أنه تحدث إليها في منزلها أو في مكان عام لربما استطاعت أن تتعامل مع الأمر بلطف. لكن كان في الغابة. غابة خالية. لقد فرت خوفًا من أن يحدث شيء ما.
ثم أخذ يزورها مرارًا، وحتى حين رفضت مقابلته ظل يتسكع حول المنزل. كان ذلك دليلًا على أن مشاعره يوم الغابة لم تكن وهمًا من جانبها أو اندفاعًا عابرًا.
قضت الآنسة باندلتون أسبوعًا بائسًا تتساءل: متى بدأت مشاعره حقًا؟ فشهر كامل من صداقتهما كان بريئًا ومريحًا.
لم تفكر فيه يومًا كرجل، وكانت تعتقد أنه لم يفعل كذلك. كانت ترى نفسها غير مؤهلة لتكون شريكة زواجه. ربما كانت مطمئنة أكثر من اللازم اعتمادًا على تلك الحقيقة.
نظرت ثانية إلى الرسالة. أخبار رحيله إلى وايتفيلد.
تنفست الصعداء. تمنت أن يهدأ في ضيعته. لعلّهما يعودان صديقين بعد أن يضبط مشاعره. فرغم إدراكها لمحبته، فهي ما زالت تقدره. كصديق.
«لا»، تمتمت لا شعوريًا. «لا تخدعي نفسكِ يا لورا. أهذا كل ما لديكِ أمام مشاعره؟»
عضّت الآنسة شفتها. عادت يدها إلى الرسالة. قال إنه سيعود. انقبض قلبها عند تلك الجملة، ثم انفرج، ثم انقبض من جديد.
لقد رحل. لكنه سيعود. وذاك ما أسعدها. كانت أكثر سعادة بعودته المرتقبة من رحيله. أكان ذلك مجرد صداقة؟
لا، سيكون كذبًا. لم ترغب أن تكذب على نفسها. لقد افتقدته طوال الأسبوع. غيابه، وهو الذي اعتادت زيارته اليومية، ترك فراغًا ووحدة في قلبها.
واليوم، حين عرفت أنه سيرحل عن لندن، شعرت بارتياح متناقض، لكنها عادت لتقرأ مرارًا الرسالة التي وعد فيها بالعودة. فتلاشى شعور الوحدة قليلًا.
لم يكن تهاونها مجرد سبب لوقوعه في حبها، بل سمحت حتى لقلبها أن يميل نحوه.
طوت الرسالة مجددًا، وارتجفت أصابعها، واشتد خفقان قلبها. كانت تدرك أنها تعيش شعورًا لا ينبغي لها احتماله. شعور لم تعرفه منذ زمن طويل. زائر مزعج وغير مرحّب به.
كان مسعى عقيمًا، أملًا لن يتحقق، وإحساسًا لا يجلب سوى الألم. عرفت ذلك من تجربتها. ولم ترد أن تخوضه مجددًا.
«هو يريدني. أليس ذلك كافيًا؟»
تزلزل قلبها للحظة عند هذه الفكرة. إن كان قلبه وقلبي واحدًا، فما الذي أحتاجه أكثر؟ لماذا أعقد الأمر؟
لكن، حتى وهي تفكر في ذلك، وجدت يدها تتحسس القلادة اللؤلؤية التي اعتادت ارتداءها. نزعتها. وفي وسطها، المرصع بحبات لؤلؤ صغيرة، قلادة بيضاوية من فضة، مزخرفة بنقوش بنفسجية دقيقة.
مرت بأطراف أصابعها على حافة الزخرفة الفضية، فشعرت بزر بارز. ضغطت عليه.
انفتح الغطاء المنقوش بصوت خافت. بداخلها ظهر وجه امرأة. صورة مرسومة بريشة دقيقة. عينان رماديتان، شعر أحمر، بشرة فاتحة وملامح رقيقة. دولوريس بندلتون، أمها.
التي لم تعش سوى ثمانية عشر عامًا، ها هي محبوسة على الورق، ترافق ابنتها في قلادة صغيرة. مررت بأصابعها على إطار الفضة الذي يحتضن صورة والدتها.
لو عاشت، لكانت اليوم امرأة في منتصف العمر إلى جانبها. لكنها ماتت. ماتت في كوخ بعيد عن لندن، بعد ولادة عسيرة أنهكت جسدها، والفقر منعها من تلقي العلاج.
أعطاها هذا العقد والدها حين تركها في منزل جدتها وهي في السابعة. رحل بعدها، ولم يترك سوى وعد بالعودة يومًا. وكان ذلك آخر عهدها به. صارت أمها وأبوها مجرد صورة داخل هذا القلادة الصغيرة.
رافقتها هذه القلادة طوال نشأتها. كثيرًا ما فتحتها لتحدق في صورة والدتها.
وهي طفلة، لتنسى حزنها. في سنوات المدرسة الداخلية، لتواسي وحدتها. وفي سنوات الشباب الأولى حين دخلت المجتمع، لتبحث عن شخص يشاركها شعورها.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 24"