أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
في صباح اليوم التالي، تناولت لورا الإفطار مع السيدتين. بينما كانت السيدة لوتيس تقرأ الصحيفة وتدخّن السيجار، قادت الآنسة هايد لورا إلى الغرفة التي كانت تتقاسمها السيدتان.
غرفة السيدة لوتيس كانت لها أبواب تنزلق على الجانبين. أمسكت هايد بالمقبض الذهبي ودفعته، فكشفت عن غرفة تغمرها الألوان الداكنة: سرير ضخم مغطى بالدماسك الأحمر والمخمل الأسود، شمعدان نحاسي، مكتب من أجود خشب السنديان، ولوحات يابانية أوكيّو-إه تملأ الجدران.
تأملت لورا المشهد الغامض مأخوذةً بجماله، قبل أن تطلق فجأة صرخة لم تكن صغيرة.
«يا إلهي، كان يجب أن أخبرك مسبقًا! أعتذر، آنسة بندلتون.»
اعتذرت الآنسة هايد بسرعة وقد أدركت ما أرعب لورا. لكن الأخيرة لم تستطع الرد، إذ تجمّد لسانها خوفًا.
فبدلًا من الستائر، كان يعلّق على الباب الزجاجي الكبير المؤدي إلى الشرفة جلد أسد ضخم، وقد بُسطت قوائمه الأربعة، وفمه مفتوح مكشوف الأنياب.
كانت لبدته تلمع كما لو كانت حيّة، وأسنانه البيضاء الحادة تشبه سكاكين تتهيأ لافتراس طريدة.
«هـ… هذا… مزيّف؟ صحيح؟»
«إنه حقيقي. لقد اصطادته السيدة لوتيس بنفسها في إفريقيا وجلدته بيديها.»
«اصطادته؟»
«نعم. السيدة لوتيس بارعة في الرماية، خصوصًا في صيد الحيوانات الكبيرة. لقد اصطادت الجاموس والفهود والفيلة… كل شيء تقريبًا. وبطبيعة الحال، قامت بسلخها بنفسها. لكن لم يكن بوسعها حمل كل تلك الجلود في ترحالها، فأهدت معظمها إلى من حولها، ولم تحتفظ إلا بأغلى جلودها: هذا الأسد.»
كان من الصعب تخيّل ذلك. فهي صغيرة الحجم وتعرج قليلًا… كيف لامرأة مثلها أن تقتل جاموسًا بريًا؟
أمسكت الآنسة هايد بيد لورا وقادتها نحو الجلد، ثم مدّت يدها ومسحت على رأس الأسد كما لو كان كلبًا أليفًا.
«لا تخافي. انظري، لقد مات تمامًا.»
وبالفعل، لم يتحرك الأسد تحت لمستها. لكن بالنسبة للورا، لم يكن الأمر مهمًا إن كان ميتًا أم حيًا؛ فهي تخشى الحيوانات الكبيرة منذ طفولتها، ولهذا لم تتعلم ركوب الخيل يومًا، على خلاف معظم السيدات.
«آه… لو أستطيع أنا أيضًا أن أصطاد أسدًا…»
تمتمت الآنسة هايد بتمنٍّ لم تستطع لورا مشاركتها فيه.
تذكّرت لورا أن هايد فارسة ماهرة، وأنها في مواسم صيد الثعالب كانت تحمل البندقية أحيانًا لترافق أخاها في المطاردات. وكان السيد فيرفاكس مولعًا بها إلى حدّ أنه ظل يتبعها لأشهر.
«السيدة لوتيس، ألا تنوين العودة إلى إفريقيا؟ أتصوّر أنك ستأخذين الآنسة هايد إلى الأسود.»
«لا، رحلاتي الإفريقية ولّت. لقد قضيت هناك زمنًا طويلًا. وجهتي القادمة ستكون اليابان.»
قالت هايد بصوت مليء بالتطلع:
«وهل ستأخذينني معك، سيدتي؟»
«نعم، ما لم تقرري أنتِ طردي من وظيفتي!»
انتقلتا بعدها إلى غرفة هايد. كانت فسيحة وأنيقة لا تقل شأنًا عن غرفة السيدة لوتيس. وبينما كانت لورا تتأمل المكان، وقعت عيناها على أوراق مبعثرة على المكتب، مغطاة بخط هايد النشيط وكأنها سيل من الحبر.
لاحظت هايد نظرات لورا، فقفزت بسرعة لتقف بين المكتب وبينها.
«هل هو دفتر يومياتك؟»
هزّت رأسها، ووجنتاها قد احمرّتا.
«… إنه رواية.»
شهقت لورا بدهشة.
«آنسة هايد، هل تكتبين رواية؟»
«في الواقع، بدأت أدوّن بعض الأشياء عندما كنت أعيش في بيت الطالبات، لكنني هنا صرت أكتب بجدية…»
«هل تسمحين لي بقراءتها؟»
«لا!»
هزّت رأسها بقوة.
«سأريك إيّاها لاحقًا، عندما تكتمل أكثر.»
ثم أدارت ظهرها بسرعة وشرعت في جمع أوراقها بعجلة.
لم تلحّ لورا أكثر. فقد احمرّت أذنا هايد كالجمر.
واكتفت بأن تتأمل الغرفة في صمت. وتذكّرت أيام هايد في بيت الطالبات البسيط، الذي كان عمليًا ومرتبًا لكنه متواضع للغاية مقارنة بهذه الغرفة الفاخرة. لقد جمعت هايد شجاعتها لتغادر غرفة ضيقة في بيت مستقل، ثم عبرت محطة بيت الطالبات، وها هي الآن تعيش في فندق رائع كهذا. وكل انتقال جعلها أقرب إلى ما تطمح إليه.
تأثرت لورا بهذا النمو الثابت. صحيح أنها ساعدتها في البداية، لكن هايد هي من اختارت طريقها وسارت فيه. وكان واضحًا أن نموها لم يتوقف بعد… بل بدأ للتو.
ربما يومًا ما، ستنطلق بعيدًا، مثل حجرة ماء ألقتها هايد في النهر، لتتجاوز الأفق.
عند الظهر، قصدت السيدات مطعمًا فرنسيًا.
كانت الطاولة محجوزة لشخصين، لكنها اتسعت لكرسي ثالث أضافه النادل، فجلست لورا بين هايد والسيدة لوتيس.
قالت لورا وهي تنتظر الطعام:
«لقد أدهشني منظر جلد الأسد في غرفتك، سيدتي. هل قتلته بنفسك؟»
أجابت لوتيس، وهي تضع عصاها جانبًا وتحتسي نبيذها بهدوء:
«مرّت أربع سنوات منذ رحلتي الإفريقية. كانت فترة انتعاش بعد أزمة مررت بها.»
«أزمة؟»
ضحكت بخفة:
«كان ذلك بعد أن التهم الحريق مزرعة البن التي كنت أملكها. كانت خسارة كاملة.»
حدّقت لورا في هايد بدهشة، لكن هذه الأخيرة ابتسمت ابتسامة عارفة، ثم أومأت للسيدة لوتيس لتتابع.
«كنت الوريثة الوحيدة لثروة عمّتي الكبرى. حصلت على مئتي ألف جنيه وأنا في الثامنة عشرة. كان الجميع يظن أنني سأدخل مجتمع لندن لأصطاد زوجًا. لم يتخيّل أحد أنني، بعرجي وعصاي، سأصعد على متن سفينة متجهة إلى إفريقيا.»
أضافت هايد بفخر:
«لكنها فعلت.»
«نعم. زرعت البن هناك، وفي المواسم الخالية كنت أخرج للصيد في البرية، لا في محميات إنجلترا الصغيرة. لم أشعر بالحياة كما شعرت هناك. لو بقيت في المزرعة أندب ساقي، لكنت قد انهرت بعد إفلاسي.»
تابعت بهدوء:
«كنت أعلّق جلود الحيوانات التي اصطدتها في غرفتي. كانت تذكّرني بقوتي. فشلتُ كمزارعة، لكن لم أفشل في الحياة. ومن ثم بدأت أكتب. كتبت عن زراعة البن، لكن أعمالي لم تُقبَل. أما مذكراتي عن رحلاتي في إفريقيا فقد نشرتها دار كبرى وأصبحت من أكثر الكتب مبيعًا في إنجلترا.»
هتفت لورا بانبهار:
«رائع! وهكذا أصبحتِ كاتبة رحلات؟»
«نعم. طفت مصر والهند والصين، أكتب بلا انقطاع، من عربات وخيول وحتى جمال. إخفاقي في الزراعة كان حظًا حسنًا. إفريقيا أرض آسرة، لكن المزارع لا يملك حرية كاتبة رحلات.»
وصلت أطباق المحار والعجل المشوي والروبيان.
لكن لورا لم تستشعر طعمها. كانت قصّة المغامرات العجيبة تدوي في رأسها، فطمست حواسها.
سألتها هايد:
«هل الطعام غير لذيذ؟»
أجابت وهي تهز رأسها:
«بل أنا مندهشة فقط. لقد عشتِ حياة مدهشة، سيدتي.»
ابتسمت لوتيس:
«وحياة خطرة أيضًا. كدت أموت مرات عدة.»
«ماذا حدث؟»
«غرق قاربي في إعصار، وواجهت قطاع طرق في مصر. أما في الصين، بعد الحرب مع فرنسا، فقد كان رجال أسرة تشينغ يقتلون أي غربي. حملت مسدسي طوال الوقت، حتى أثناء النوم.»
ضحكت قليلًا وأضافت:
«ميزة إنجلترا أنها بلد لا تحتاج فيه إلى سلاح كي تبقى على قيد الحياة. أما العالم الآخر… فلا فضل له علينا.»
ثم انهمكت في تناول لحم العجل بشهية. بينما آثرت لورا أن تلتزم الصمت وتتناول طبق الروبيان.
وبعد الوجبة، افترقن عند باب المطعم. فقد رتّبت لوتيس موعدًا لشرب الشاي مع ناشر يقيم في باث، ورافقتها سكرتيرتها هايد.
جلست لوتيس في العربة، وأمالت ذراعها على النافذة بابتسامة جذابة وقالت للورا:
«استمتعي بباث كما يحلو لكِ، آنسة بندلتون.»
وأطلت هايد من جانبها قائلة:
«هنا ستجدين كل ما تتمنين!»
ابتسمت لورا بخجل:
«يا لروعة هذا المكان. لعلّي أجد فيه السكينة التي طالما حلمت بها.»
«ستجدينها إذا بحثت عنها!»
تحركت العربة مبتعدة، وتركت لورا تسير في شوارع باث.
المباني الرخامية من القرن السادس عشر، النوافير، واجهات المتاجر التي تشبه اللوحات، الرجال والنساء الأنيقون… كلها جعلتها تدرك سحر هذه المدينة.
لكنها، كما في لندن، لم تستطع طرد شعور الغربة عنها. بدا وكأن السلام الذي تنشده ليس موجودًا هنا، لا في هذه المصايف المترفة، ولا حتى في غابات دنڤيل بارك ووايتفيلد.
غاص عقلها في ذكرى الغداء قبل قليل.
لم يسبق أن رأت امرأة مثل السيدة لوتيس: شجاعة، رائدة، مولودة بشرارة استثنائية في قلبها.
امرأة خُلقت لتوسّع آفاق النساء وتُلهم الآخرين.
«على عكسي أنا…»
فكرت لورا بهدوء، بلا مرارة أو جلد للذات.
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 116"