أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
في صباح اليوم التالي، وُضعت أمتعة لورا في العربة.
خرجت عائلة “دنفيل بارك” بأكملها إلى أمام القصر لتوديعها. قبّلت لورا إخوتها الصغار، الذين كانت وجوههم منتفخة من شدّة البكاء، وعانقت “أوليفيا” التي ابتسمت لها ببهجة، وأوصتها أن تستمتع بوقتها. ثم انحنت بأدب أمام السادة وزوجاتهم قبل أن تصعد إلى العربة.
وبينما كانت العربة تبتعد، أخرجت لورا رأسها من النافذة. كانت عائلة “فيرفاكس” تلوّح بيديها للعربة المغادرة. ولوّحت هي الأخرى حتى غابوا عن نظرها.
شعرت لورا بوخزة حزن في قلبها. أدركت أن عائلة “دنفيل بارك” قد أصبحت بمثابة أهل لها، مريحة وقريبة إلى قلبها.
غير أنّه كلما ابتعد القصر واختفت غابات “دنفيل بارك” خلفها، اجتاحها شعور بالسلام. فمع أنها تركت من أحبّتهم، إلا أنها في الوقت نفسه كانت تبتعد عن أكبر مخاوفها.
“لن أرى السيد دالتون لبعض الوقت.”
ارتجفت لورا بارتياح.
فمنذ تلك القبلة في العربة، أصبح لقاؤه ثانية أشدّ ما تخشاه بعد الموت. ففي اللحظة التي تشبّث بها وبكى، مبلّلاً فستانها بدموعه، انكسر الغطاء الذي كبَتت به مشاعرها لسنوات طويلة، وتطاير من مكانه.
م.م: أحسن 🤭
ومع سقوط ذلك الغطاء، اندفعت المشاعر من قلبها كالسيل: الحب، والحنين، والرغبة، والرقة، والحلاوة التي لا يمنحها سوى الحب. وكأنها أميرة من أسطورة لُعنت بنوم أبدي، ثم أيقظها فارس بقبلة، فانبعثت الحياة في روحها وصارت أسيرة لهذا الشعور.
لم يعد خداعه أو محاولاته المتهوّرة للفوز برضاها ذات أهمية. لقد أرادت أن تمنح نفسها له بالكامل. أن تكون له إلى الأبد. أن تحبه، وتنجب له، وتمنحه حياتها إن اقتضى الأمر.
ذلك الشعور كان جديدًا تمامًا على حياة لورا.
فلو رأته مجددًا، لما استطاعت أن تقاوم. لم تكن لتجرؤ على رفض طلب زواجه، بل حتى لو أجبرها على ارتداء الخاتم ثانية فلن تقدر على نزعه. من دون أي تهديد بالموت، بل بمجرد طلب بسيط منه، كانت ستتبع رغبته، ترتدي فستان الزفاف، وتقف أمام القس لتُقسم أن تكون زوجته.
لكنها فكرت: لن أستطيع أن أجعله سعيدًا.
لو أصبحت زوجته، لكانت هي سعيدة، ستحيا في دفء حبه، تبني معه بيتًا جميلاً، وتتقاسم حياتها معه. كان ذلك سيكون معجزة.
لكن وجودها بجانبه سيجلب له الخزي. سيُشار إليه وإلى أولاده بالعار بسببها.
ولو امتلكت شيئًا يعوّض ذلك، كالثروة الطائلة، أو مكانة كالدوقة، لربما وجد شجاعة ليتحمّل العواقب. لكن لم يكن لديها سوى جسدها البسيط.
م.م: مكيش مكبرتيها 😒
وفي النهاية، كان سيندم على زواجه منها.
إنه إنسان أيضًا. ومهما كان يحبّني، حين تخبو ناره، وتستمر المنغصات، ولا يكون هناك مكسب يُعوّض، سيندم. وسيرغب بالعودة إلى حياته قبل الزواج.
الحب حلم، أما الزواج فهو واقع. ذلك كان استنتاج لورا بعدما رأت مئات الأزواج في لندن.
ولم تكره يومًا فقرها وقلة ما تملك كما كرهت الآن.
انكمشت لورا حزنًا، ثم هزّت رأسها لتستعيد تماسكها وجلست مستقيمة تنظر من النافذة. تجاوزوا تلًا هادئًا ترعى فيه الأغنام بين الصخور والعشب الجاف.
خلال ساعتين ستصل إلى محطة القطار. وفي “باث”، ستنشغل حياتها مجددًا: وجبات دسمة، قراءة كثيرة، ونزهات متكررة.
تذكّرت كلمات السيدة “فيرفاكس”: البعيد عن العين بعيد عن القلب. وتمنّت أن تصدق تلك المقولة معها أيضًا.
تنهدت، ثم أخرجت ساعة جيبها لتتفقد الوقت. لكن قبل أن تبعد عينيها عن النافذة، لمحت عربة ذات أربع عجلات يجرّها حصان أسود نحيل عند التل المقابل.
“آه…”
غطّت لورا فمها بيدها. فقد رأت من بعيد شعار عائلة “وايتفيلد” منقوشًا على العربة.
خفق قلبها قلقًا وهي تراقب العربة تبتعد. لمحت من خلال النافذة وجهه وهو يسند ذقنه إلى مرفقه على الإطار.
بدت العربة متجهة إلى “دنفيل بارك”. والسبب واضح: ليعرض عليها الزواج مرة أخرى. يا لها من نعمة أنه لم يرَ عربتها.
وحين غاب عن نظرها، تنفست الصعداء. وأوهمت نفسها بالراحة.
حتى مع خفقان قلبها وإحساسها بقبلة ما زالت مطبوعة على شفتيها، أرادت أن تصدّق أنها بخير.
واستمر ذلك حتى وصولها إلى المحطة وركوبها القطار المتجه إلى “باث”. حتى بعد أن أكلت طبقين من لحم الضأن في عربة الطعام، وحاولت أن تشغل نفسها بالحديث مع الركاب، ظلّ احمرار غريب يتسلل إلى وجهها.
كان يخيل إليها أن السيد دالتون أمامها. كأنه يلف ذراعه حول خصرها، يجذبها إليه، ويقبّلها.
حاولت أن تنساه، لكن دون جدوى. كان قلب لورا قد أصبح ملكًا له بالكامل.
م.م: أقبلي مالا 😭😭😭
توقفت العربة أمام قصر “دنڤيل بارك”. كان السيد دالتون يجلس بداخلها، يرتب ربطة عنقه. بدا أنيقًا في بذلته الخضراء الداكنة ووجهه الحليق، وقد اختفت منه علامات الإرهاق التي لازمته الأيام الماضية.
كان وجه عاشق تلقى أول قبلة من حبيبته، وتأكد من حبها.
مرر يده على شعره المرتب بعناية، وتمتم بالجملة التي كان يكررها في داخله طوال الأيام الأخيرة:
“لورا تحبني.”
شعور بالبهجة اجتاح جسده. خفق قلبه بقوة، وبطنه امتلأ بالرضا كما لو تناول وجبة دافئة بعد جوع طويل.
م.م: إيان الخفيف 😂😂😂
فتح السائس الباب وأنزل الدّرج.
أخذ إيان هديته التي أعدها لحبيبته: باقة ضخمة من الزهور، وصندوق خشبي من خشب الورد منقوش عليه زهور الصباح.
كان قد قطف الزهور بيديه من الدفيئة بعد انصراف الضيوف أمس، وصنع منها تلك الباقة الكبيرة. ورغم عدم خبرته في تنسيق الزهور، بدت الباقة رائعة وكأنها صُنعت بيد محترف، بفضل قوة الحب.
م.م: متتتت 🤣🤣🤣
أما الصندوق، فكان يحوي مجموعة مفاتيح تفتح كل غرف “وايتفيلد”. لم يكن يملكها سوى هو وخادمه “رامسويك”، وجاء بمفتاحه الخاص ليهديه إلى لورا. ولم ينسَ الخاتم الماسي الذي يناسب إصبعها تمامًا، إذ كان يخبئه في جيب صدره.
ترجّل إيان من العربة ممسكًا بالهدايا بكلتا يديه، ثم خطا بخطوات سريعة نحو القصر مبتسمًا.
دخل غرفة المعيشة باحثًا عن شقيقته. فوجد “دانيال” و”جورج”، اللذين كان ينبغي أن يكونا في الخارج يلعبان، ممددين على الأريكة ووجهيهما منتفخين.
“ماذا تفعلان هنا؟”
قفز الصغيران واقفين عند رؤية خالهما، لكن إيان أدرك أنهما كانا يبكيان.
“ألم تعطكما أمكما حلوى؟”
هزّا رأسيهما.
“إذن ماذا؟”
فجأة انفجر “جورج” بالبكاء. أمّا “دانيال” فعضّ شفته محاولًا كبح دموعه، لكن الدموع سالت من عينيه.
لم يكونا من النوع الذي يبكي هكذا، فقلق إيان أن يكونا قد أصيبا بمرض خطير.
“دانيال، ما بك؟”
سأله بوجه عابس. فتح الصغير فمه متقطعًا وسط نحيبه.
“ا… أ… أ.. الأُستاذة…”
“الأستاذة؟”
تغيّر وجه إيان فجأة.
“قل بوضوح، ماذا بها؟”
لكن “دانيال” لم يستطع الكلام وسط بكائه. فتقدّم نحوه إيان وأمسك بكتفه يهزّه بعنف:
“قل لي! ماذا حدث؟ هل مرضت؟ هل أصابها مكروه؟”
“ذهبت! تركتنا… رحلت!”
وانفجر “دانيال” في بكاء أعلى من جورج.
ألقى إيان بالباقة والصندوق أرضًا، وانطلق مسرعًا خارج الغرفة. صعد الدرج أربع درجات في قفزة واحدة حتى وصل إلى الطابق الثاني، ثم اندفع إلى غرفة شقيقته الخاصة.
كانت السيدة “فيرفاكس” جالسة على كرسي هزّاز أمام المدفأة، تدفئ نفسها بالنار، ولم تُبدِ اندهاشًا من دخوله المفاجئ.
“كنت أتساءل متى ستأتي.”
“لورا رحلت؟ هل هذا صحيح؟”
“نعم.”
نظر إليها مشوشًا.
“لماذا لم تمنعيها؟ كان عليكِ أن تخبريني برحيلها!”
“لتفعل ماذا؟ تحمل مسدسًا حقيقيًا هذه المرة وتضعه على رأسك لتقوم بمسرحية انتحار كاملة؟ أتتوقع أن تبقى بعد فعلتك، أيها الأحمق البائس؟”
“…لا. لم ترحل… إنها تحب…ني…”
“ماذا تقول؟”
“إنها تحبني! تأكدت من ذلك في العربة من وايتفيلد إلى دنڤيل بارك. لقد قبّلتني!”
نظرت إليه السيدة “فيرفاكس” بارتياب.
“ألم تُجبرها بالتهديد؟”
“لقد مسحت على رأسي وقالت إن قلبها يتألم لرؤيتي أبكي!”
“أوه… هذا ربما يُصدق؟”
كان إيان على حافة الجنون. كيف ترحل بعدما أكّدا حبهما لبعضهما؟ لم يتبقَ سوى أيام ليعيشا معًا بسعادة، فلماذا؟
تقدّم بخطواته نحو كرسي شقيقته وأمسك بكتفها المغطى بشال من فرو الثعلب.
“أين ذهبت لورا؟”
“ولو كنت أعلم؟”
“سأعيدها.”
قطبت السيدة “فيرفاكس” حاجبيها.
“ستُجبرها على العودة؟”
“سأقنعها. حتى لو توسلتُ وركعتُ أمامها…”
“وإذا لم ينفع؟ هل ستلوّح بالانتحار مجددًا؟”
“لن أفعل ذلك مرة أخرى.”
“حتى لو لم تفعل، فلن أخبرك.”
“لماذا!”
قبضت السيدة “فيرفاكس” على ياقة إيان وصرخت:
“لأنك لا تكفّ عن جرح أفضل امرأة في العالم، أيها الأحمق!”
هزّت ياقة سترته بعنف، حتى تمزقت ربطة عنقه التي رتّبها بعناية، وانفكت أزرار قميصه.
“بسبب غزلك الأرعن، هربت الآنسة شيلدون! بكت كثيرًا وأحرقت قلبها! طلبتُ منك أن تتزوجها لا أن تعذّب امرأة مسكينة!”
دفعها إيان بعيدًا عنه.
“هل تلومين نفسك؟ أم تلومينها؟ ولماذا؟”
“لأنها أسرت قلبك وهي مُربية! وإن كانت تحبك فعلًا، فهي لا بدّ تشعر بذنْب كبير حيال ذلك الحب.”
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 112"