تمتمت في سرّها: «اللهم اغفر كذبي، واجعل كلماتي تنعكس عليه كحقيقة.»
ثم قالت بصوت ثابت: «لا.»
استُجيبت صلاتها. وجهه انهار في يأس عميق.
«إذن هذه هي الحقيقة… أنتِ لا تحبّينني. لا تشعرين تجاهي سوى بالصداقة. أجل، لو كنتِ تحبّينني لاعتبرتِ ألسنة الناس التافهة بلا قيمة. لا، بل لَما استطعتِ أن تبقي متجمدة المشاعر أمام قلبي بهذه البرودة. أجل… أنتِ لا تحبّينني. أعلم ذلك الآن.»
تنهدت لورا في داخلها. لقد نجحت في خداعه.
«الآن سيتخلى عني. فلا رجل نبيل سيواصل تعلّقًا بامرأة رفضته بهذه القسوة… ربما حتى قد ملّ مني.»
كان بإمكانها أن ترى نهاية علاقتهما. صحيح أنّها نهاية موجعة، لكنها سلّت نفسها بأنها كانت حتمية.
وفجأة، مدّ السيد دالتون يده إلى جيب سترته وأخرج شيئًا لامعًا.
قال: «آنسة بندلتون، قلتِ ذات مرة إنّ الصداقة، لا الحب الجامح، هي الأليق لحفظ الزواج. فالحب يجلب الرغبات المفرطة، وإذا لم تُشبع، نبت الإحباط والكره. لم أوافقك يومها، لكنني حين فكّرت مليًا، وجدت أن زواجًا مؤسسًا على الصداقة قد لا يكون أمرًا سيئًا.»
اجتاح لورا شعور مشؤوم. العلبة الصغيرة في يده لم تكن غريبة عنها.
فتحها ببطء، فأضاء بريق خاتم ماسي عينيها.
«تزوجيني، آنسة بندلتون.»
جفّ حلق لورا. شعرت بالذهول، بالسخف، بالريبة… وحتى بالخوف.
«لماذا يعاود خطبتي بعدما رفضته بهذه القسوة؟ ماذا ينقصه؟»
كاد الغثيان يعلو صدرها وهي تحدق في خاتم الماس الدقيق. من حجمه وزينته، كان واضحًا أنه خاتم زواج عائلي.
ظلّ متجمّدًا. فأعادت برجاء: «سامحني على قسوتي… لكن أرجوك أبعد هذا الخاتم.»
ردّ بصلابة: «لا أستطيع.»
وتابع بصوت يفيض يأسًا: «هذه الأيام القليلة من إهمالك جعلتني أدرك أنّ حياتي مرتبطة بكسب حبك. إن تركتِني، سأموت موتًا بطيئًا، جحيميًّا. ولتجنّب هذا الموت، يجب أن أربح قلبك.»
رفعت بصرها إلى وجهه. كان شاحبًا، مكدودًا، مُثقلاً بالعذاب. بدا بائسًا، متوسلًا حبها.
لكنها لم تستطع أن تقول أكثر من: «آسفة يا سيد دالتون… لا أستطيع الزواج بك.»
ارتعشت عيناه. واسودّت قزحيتاه الجميلتان بالدموع.
قال بصوت عميق: «إن فقدتك… سأموت. لن أستطيع النوم، ولا الأكل، ولا إدارة شؤوني. سأظل أشتاق إليك إلى أن ألحق بالسماء. ومع ذلك… ستتخلين عني؟»
أومأت برأسها إيماءة صغيرة.
أطرق رأسه. بدا الأسى متجليًا على محياه.
تألّم قلب لورا. كرهت نفسها لأنها جرحته بهذه القسوة.
«عليّ أن أقدّم له بعض العزاء…»
بحثت عن كلمات تخفف ألمه، لكن عقلها خلا. وإن كان صادقًا، فقد صار كالميت الحي.
وفي لحظة، باغتها، إذ سحب يدها اليسرى بعنف وأدخل الخاتم في إصبعها.
صرخت: «آه!»
وعندما حاولت أن تدفعه، كان قد سبقها. ارتسم البريق على إصبعها.
قال بنبرة يائسة، عينيه غارقتين بالدموع: «لن أدعك تذهبين. يجب أن تتزوجيني.»
كان صوته أشبه بصوت طفل متشبّث بثوب غالٍ يرفض إفلاته.
قالت وهي تحاول التماسك: «…لا تفعل هذا. أطلق يدي لأعيده إليك.»
ابتسم بمرارة: «لو أفلت يدك، ستنزعين الخاتم فورًا… لذا سأبقي يدي ممسكة بك إلى الأبد.»
أجابت ببرود: «حتى لو أمسكتني للأبد، فلن يخرج من فمي الجواب الذي تريده. حتى لو جُررت إلى الكنيسة وأُجبرت على نطق عهود الزواج، فلن أقول سوى كلمة واحدة: (لا).»
ارتجفت يداه قليلًا.
«حتى لو متّ؟»
اتسعت عيناها رعبًا.
تابع بنبرة قاتمة: «إن نزعتِ هذا الخاتم، فسأجد مسدسًا وأطلق رصاصة في رأسي. حتى لو هربتِ، حتى لو قلت (لا) أمام القس.»
تجمدت لورا: «…هل أنتَ جاد؟»
«نعم.»
شحب وجهها.
غطّى يدها بكلتي يديه وأطبق عليها. كان تصرّفه أقرب إلى نزوة صبي مدلل منه إلى غرامٍ ناضج.
عصف بها الغضب. «كيف يجرؤ أن يهدد حياته، أثمن ما يملك، من أجلي؟»
م.م: اقبليييي ماااااالاااا باه ميموتش 😤
انتزعت يدها فجأة… ثم صفعت وجهه بكل قوتها.
صفعة أولى. تبعها ثانية أشد وقعًا.
ارتج وجهه. شقّت الدماء شفته.
م.م: الله يكسر ايديكي 😭 ليش ضربتيه!!!
لم يكن الألم أعظم من صدمته بأن لورا قد مدّت يدها عليه. كأن قوانين الطبيعة انقلبت.
وبينما استعاد وعيه، كانت صفعتها قد أيقظته.
قالت بحدة: «خيّبت أملي حقًا يا سيد دالتون. تهدد حياتك لمجرد الفوز بمحبتي؟ ألا تخجل من نفسك كمواطن في أمة مسيحية؟»
كانت كلماتها حادة كالسكين. لكنه، رغم جرحه، لم يندم. فقد كان يائسًا بحق.
مسح الدم عن فمه بظهر يده، وعاد إلى وقاره المعتاد: «استحقرتني بحق. لكن قلبي لم يتغير. لا أستطيع العيش بلا حبك. وإن لم تقتلي جسدي، فغيابك سيقتلني رويدًا.»
ردّت ببرود: «استفق. لستَ بطل ميلودراما. الفقد يوجع القلب، يجعلك تظن أنك ستموت، لكن لا أحد يموت من الحب. قد يظن بعضهم ذلك، لكنهم يقتلون أنفسهم بضعفهم، أو بالانغماس في الوهم. إنما هو حماقة.»
قال محتجًا: «كيف تستهينين بالحب هكذا؟»
«لأن العالم يبالغ في تقديره. الحب رفاهية عاطفية، وهم جميل كلوحة مائية. لكنه لا يحمي من إفلاس أو سوء سمعة أو قسوة الحياة. لو كنتُ رأيت حبًا حقيقيًا يتجاوز كل شيء، لربما صدّقت غير ذلك.»
تجهم وجهه. كانت كلماتها تمسّ جراحها أكثر مما تمسّ العالم.
فقال: «أفهم سبب قولك هذا. أعلم أن جراح طفولتك مع والديك جعلتك تشكين في الحب. لكن معنا لن يتكرر ذلك. سنكون زوجين شرعيين، وأولادنا سيرثون اسم عائلة دالتون. وحبي لن يتغير.»
هزّت رأسها بمرارة: «كلمة (إلى الأبد) بحد ذاتها دليل أنك غارق في الوهم. أنا لورا بندلتون… ابنة غير شرعية قبل الزواج، وصمة في عائلة عريقة. أطفالي سيعانون بسببي. قد يحميهم اسم دالتون قليلًا، لكن ابني سيسمع الإهانات في المدرسة، وابنتي ستُنبذ في سوق الزواج.»
قال متحديًا: «إن كان ذلك يزعجك، فلن ننجب أطفالًا.»
«وماذا عن وريث اسمك؟»
«لا بأس إن لم يكن هناك وريث.»
«هذا واجبك، كابن البكر الذي ورث كل ثروة العائلة. كيف تتجاهله؟… ثم، هل ستتزوجني فعلًا وتحتضنني؟»
كانت أول مرة تذكر الأمر بوضوح. احمرّ وجهه.
م.م: 🤭🤭🤭🫣
قال مرتبكًا: «قلتُ لكِ… إن رغبتِ يمكننا أن ننام في غرف منفصلة…»
قاطعتْه بصرامة: «لكن مما رأيتُه منك الآن، ستقتحم غرفتي بالقوة في الشهر الأول من الزواج.»
زفرت بعمق: «فلنضع حدًا لهذا الجدال. لأجل أولادي في المستقبل، لن أتزوج أبدًا من رجل من طبقة ملاك الأراضي. سأقبل لطفك، وأحفظ صداقتك كذكرى ثمينة… لكن هذا كل شيء.»
نزعت الخاتم الماسي من إصبعها وأعادته إليه. نظر إليه طويلاً، متألمًا.
ثم أعاده إلى علبته ببطء.
وقال بصوت منكسر: «وماذا سيؤول بنا الآن؟»
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 109"