أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
مع حلول الغسق، عاد الرجال الذين خرجوا للصيد إلى القصر حاملين صيدهم.
اجتمع السادة والسيدات، ببدلات السهرة وفساتين الأمسيات، في غرفة المعيشة بعد مأدبة فاخرة. تجمعوا في حلقات صغيرة، يتبادلون الأحاديث، يحتسون النبيذ، ويقضون أمسية مترفة بلعب الورق والعزف على البيانو.
جلست الآنسة لانس في ركن قصي.
كانت صديقتاها قد مضتا إلى غرفة البلياردو للقاء عائلي، فبقيت وحدها. والجلوس وحيدة في مثل هذا المحفل كان ليُعَد أمرًا لا يُطاق عادةً، غير أنها الآن وجدت فيه راحةً وسرورًا.
فبعد مغادرتهم “المعرض الطويل”، بدأت صديقاتها يشتبهن بجدية في العلاقة بين الاثنين. فإذا ما وُجدت أي مشاعر متنامية بين السيد دالتون والآنسة بندلتون، فإن الأمر سيكون كارثيًا؛ سيعني أن صديقتهن تُسلب زوجها على يد عانس لقيطة عديمة القيمة.
م.م: ليس زوجها لم يقدم لها أية وعود حتى 🤬🤬
لكن الآنسة لانس صدّت مخاوفهما ببرود، ونهرتهما عن الكلام. أطاعتا أمر “الملكة”، غير أنها كانت تعلم أنهما الآن لا بد أن تتجولا أمام طاولة البلياردو، العصا في اليد، تتبادلان علنًا ما كتمتاه من تكهنات أمامها.
جلست الآنسة لانس متوارية خلف الستائر، غاصت أعمق في الأريكة، وثبّتت بصرها على المرأة التي تراقبها منذ حين.
ارتدت الآنسة بندلتون فستان سهرة أزرق، ناعمًا وبريئًا، كأن قطعة من سماء الخريف قد نُسجت قماشًا. تدلّت أقراط ياقوت أزرق كبيرة من أذنيها، وزيّنت معصمها سوار ماس لامع.
كانت تتحدث بهدوء مع من يقترب منها مبتسمًا، تلقي نظرات عابرة حول القاعة لترى إن نفد النبيذ، أو إن بدا الضجر على أحد، أو إن كان الخدم يؤدون عملهم كما يجب.
حوّلت الآنسة لانس بصرها إلى السيد الواقف عند نافذة الصالون. كان متكئًا على الجدار مرتديًا بدلته الرسمية، محاطًا بشبّان. أميرها، إيان دالتون، الذي طالما تاقت إليه طوال شهور، حالمةً بلقاء يعيد وصالها به.
كان يتبادل الحديث مع الشبان، لكنه بين حين وآخر يرسل نظرة عبر القاعة إلى الآنسة بندلتون، التي كانت واقفة بظهرها له. وما إن تقع عيناه عليها حتى يرتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة.
هوى قلب الآنسة لانس في صدرها.
سرعان ما اعتذرت الآنسة بندلتون عن الانسحاب من الحديث، واقتربت من الخدم لتلقي عليهم تعليمات سريعة. فانحنوا احترامًا، وغادروا مسرعين. ولم تمضِ لحظات حتى كان مسرح صغير قد أُقيم ارتجالًا في الصالون.
تجمّع الضيوف، وقد بدأ الملل يتسلل إلى أمسيتهم، حول المسرح. وبدأت لعبة التمثيل الصامت.
أطرقت الآنسة لانس ببصرها. كان كل ما تراه يُثبت يقينها المتزايد: الآنسة بندلتون هي الآن سيّدة هذا البيت. وسلطتها هذه لم يهبها إياها سوى السيد دالتون نفسه. ومعها فستان والدته أيضًا.
“كيف؟”
كانت لدى الآنسة لانس فكرة عامة عن علاقتهما. ثمة دلائل أوحت أن الصداقة قد نمت إلى عاطفة. ولكن حين كُشف عن أصل الآنسة بندلتون، تخلّى عنها السيد دالتون.
م.م: انت التي تخلى عنك 🤷🏻♀️
بعدها طُردت من العائلة، وسرعان ما عُيّنت مربيةً في بيت آل فيرفاكس. سمعت الآنسة لانس الإشاعة وظنت أن السيد دالتون هو من دبّر لها ذلك العمل بدافع الندم على ما اقترفت يداه بحقها. وقد بدا ذلك شبيهًا بأخلاق السيد دالتون النبيلة وحنانه المعروف.
لكن ها هي الآنسة بندلتون تؤدي دور السيدة في منزله، ترتدي فستان والدته، وتتحلّى بالمجوهرات الفاخرة. لم تستطع الآنسة لانس استيعاب الأمر. ربما طلب منها المساعدة في تهيئة الضيوف؟ أجل، لكن لو كان كذلك، لكان الأولى أن تعينه من خلف الستار لا أن تجرّ إلى قلب المشهد. أو ربما أراد أن يُظهر عطفه، باعتبارها ابنة معلمته منذ الصغر. غير أنه في تلك الحال، كان الأجدر بالآنسة بندلتون أن ترفض. أن تجرؤ على الظهور بمثل هذا المظهر المهيب، وأن تتصرّف كسيدة البيت، أمر وقح حد الفضيحة.
حدّقت الآنسة لانس في ملامحها الطبيعية الواثقة، فأثار ذلك في نفسها شكًا قبيحًا. شك اقترن بغيرتها فأفضى إلى استنتاج صاعق:
“أيمكن أن تكون… الآنسة بندلتون عشيقة السيد دالتون؟”
كان ذلك احتمالًا واردًا. بل شائعًا في مجتمع لندن. كم من النبلاء اصطحبوا عشيقاتهم إلى المحافل الاجتماعية بفخر، بل ودعوهم إلى بيوتهم الخاصة ليقمن بدور المضيفة! أمر لا أخلاقي، لكنه مألوف حد الاعتياد بين علية القوم.
“يا للعار… أيمكن أن يكون السيد دالتون والآنسة بندلتون قد…؟ أن يفعل رجل نبيل مثله، وفتاة فاضلة مثلها… أمر لا يُصدق!”
حاولت الآنسة لانس إنكار الأمر، لكنها لم تجد تفسيرًا منطقيًا آخر. لم يخطر ببالها يومًا أن رجلاً مثل السيد دالتون قد يتخذ من الآنسة بندلتون زوجة رسمية.
“آه… اتضح أن السيد دالتون فاسق ماجن. استغل ضعفها ليظفر بجسدها. لم يرد زواجًا، بل أرادها جارية لرغباته… فقادها إلى مخدعه!”
م.م: لانس دراما كوييين 🤣🤣
ارتعدت الآنسة لانس رعبًا. اشتعل اليأس والغيرة في قلبها كالنار.
تلاشت أوهامها عن السيد دالتون بعض الشيء. لم يكن ذاك الفارس النبيل، بل رجل غير أخلاقي، تجاوز حدود ما يليق بامرئ من طبقة السادة.
ومع ذلك، ظلّت كراهيتها متجهة صوب الآنسة بندلتون.
تأملت وجهها المبتسم وهي تتابع عرض التمثيل الصامت، وشدّت على أسنانها.
“كيف لامرأة اختبرت دهاليز المجتمع أن تسقط في مثل هذا الفخ؟ كيف استسلمت بهذه السهولة لإغراءاته؟ أما تدري أن النساء دائمًا يخسرن أكثر؟”
اختنق صدرها بمزيج من الشفقة والازدراء.
“هل وعدك بالزواج؟ أم وعدك بالنفقة ولو نبذك؟ أيًّا كانت وعوده، لم يكن عليكِ أن تذعني. بل كان الأجدر بك أن تحزمي حقائبك وتغادري فورًا حين حاول إغوائك. أن تنحدري إلى هذا المستوى، بعدما كنت تُعدّين سيدة مجتمع… سمعتكِ الآن خراب!”
تذكرت الآنسة لانس والدة بندلتون: تلك الشابة النبيلة التعسة، التي غادرت بيتها في السابعة عشرة، وأنجبت طفلاً بلا زواج، ثم ماتت. يا لسخرية القدر! ها هي ابنتها تعيد ذات المأساة.
“ماذا لو حملت بطفل؟”
ارتعش جسدها كله مع هذه الفكرة. أيمكن أن تجد نفسها مضطرة لتربية لقيط الآنسة بندلتون؟!
م.م: مو زودتها 😤😒
ذلك أيضًا أمر شائع بين الطبقة العليا؛ أن ترعى الزوجة ابن عشيقة زوجها. عادة ما يُمدح صبرها على هذا الفعل بوصفه فضيلة، لكن أي امرأة تفتخر بمثل تلك الفضيلة؟ ابن غير شرعي ليس سوى عدو في المهد، جدير بالإغراق!
نظرت الآنسة لانس إلى خصر بندلتون النحيل بارتياب. لا يزال رشيقًا، بالكاد تقبض عليه كف، لكن ربما كان في أحشائها بالفعل طفل السيد دالتون.
“لا. أبدًا!”
قبضت الآنسة لانس كفيها. من أجل زواجها المستقر المرتقب من السيد دالتون، كان لا بد لها من التدخل. عليها أن تُنهي هذه العلاقة الآثمة وتفرق بينهما.
لكن وضعها لا يزال غامضًا. لو تقدم إليها بخطبة سريعة لكانت في موقع قوة، إلا أن مكانة بندلتون مدعومة بعائلة مرموقة من يوركشاير، وكانت تخشى أن تقدم على خطوة طائشة.
وبعد تردّد، قررت أن تسلك الطريق الذي أشارت به إليها بندلتون ذات مرة: التلميح الخفي إلى الخطيئة.
مع تقدّم الليل، بدأ الضيوف يتفرقون. اقترب السيد دالتون من الآنسة بندلتون وشرع يحدثها.
نهضت الآنسة لانس من مقعدها وسارت نحوهما.
وما إن اقتربت حتى سمعت همسًا رقيقًا. كانا يتحدثان عن خطط الغد. وقد بديا، متقابلين، كزوجين متكاملين تمامًا، حتى غلت دماؤها.
قطع حضورها حديثهما.
“الآنسة لانس. لقد مضى وقت منذ التقينا آخر مرة. لم نحظَ بحديث مطول اليوم.”
قالت بندلتون بلطف. فأجابت لانس بكلمات آلية، تُخفي وراءها غيظًا متأججًا لم تستطع إظهاره أمام دالتون.
“الآنسة بندلتون، بل آنسة شيلدون… مر وقت طويل. هل ترغبين بمحادثتي في الشرفة تحت النجوم، نستعيد ذكرياتنا؟”
بدا الارتباك على بندلتون. فالحقيقة أنهن لم يكنّ من النوع الذي يتفرغ للثرثرة إلا لسبب. لكنها أومأت سريعًا.
“أعددت هذه خشية أن تشعر السيدات بالبرد. ارتديه إن لم تمانعي، يا آنسة لانس.”
لان نظرها القاسي، وذاب في عطف مؤقت. لقد كانت بندلتون دائمًا طيبة. في لندن كانت كذلك، وها هي لم تتغير.
ربما كان سقوطها نابعًا من هذه الطيبة نفسها. ربما انساقت خلف دالتون، مثقلة بذنب رفضه.
شرعت لانس تتحدث بنبرة ألين مما قصدت.
“أدهشني اختفاؤك المفاجئ من لندن. لم تتركي حتى كلمة وداع. قاسية كنتِ.”
“اعذريني، لقد كانت الظروف ملحّة ولم أجد وقتًا للالتفات.”
“وكيف هي حياتك هنا؟”
استمر الحديث في رواية صريحة عن عيشها الريفي. غير أن الآنسة لانس كانت تقرأ ما وراء السطور، مقتنعةً، دون ذرة شك، أن علاقة غرامية مع السيد دالتون كانت تتخلل حياتها الجديدة.
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 102"