أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
لقد خمّن أنّه على الأرجح الابن الأكبر لكونتٍ أو مركيزٍ ثري، وأنّ اليوم الذي ستسير فيه في درب الزفاف لم يكن بعيداً.
لقد شعر بذلك بفضل تلميحٍ من شقيقته الصغرى جانيت. فقد كانت مشغولة في الآونة الأخيرة، بعيدة عن الدوائر الاجتماعية، ومن الطبيعي أنّها لم تكن تولي اهتماماً للقيل والقال كالشائعات عن علاقةٍ غرامية. ثمّ تلقّى دعوةً لحضور حفلة الصيد في وايتفيلد.
كان مشغولاً، لكن كان لديه أيضاً ما يريد مناقشته مع إيان، ولم يشأ أن يترك شقيقته تذهب وحدها، فقرّر التوجّه إلى وايتفيلد.
ثمّ سألته الآنسة جانيت، وهي منهمكة في توضيب أغراضها:
“أخي، إن طلب منّي أحدهم أن أكون وصيفة شرف، هل أوافق؟”
“بالطبع. لقد أصبحتِ في السن المناسب لتكوني وصيفة شرف. بالمناسبة، من هي بطلة مسيرة الزفاف؟”
“لست متأكدة بعد، لذا لن أقول.”
“من هي؟ ها؟”
سألها السيد فيرفاكس مازحاً، وهو يعلم أنّها سترغب في أن يواصل الإلحاح. فقهقهت الآنسة جانيت.
“إنّها صديقة لنا. لها وجه ملائكي وتتقن العزف على القيثارة. إنّها الأناقة بحدّ ذاتها بين سيدات لندن.”
لم يكن ذلك مختلفاً عن القول بأنّها الآنسة لانس.
“سأكتفي بهذا. لم يُعلن الأمر رسمياً بعد، لكنّه شبه محسوم. فالقيل والقال يعمّ لندن كلّها.”
لم يسأل السيد فيرفاكس عن شخصية الآنسة لانس، إذ شعر بعدم الارتياح من التدخل في الحياة الخاصة لامرأة قريبة منه. لكنه كان قد خطّط بالفعل لرسالة التهنئة ونوع الباقة التي سيرسلها حين يُعلن الأمر رسمياً.
نظر إلى الآنسة لانس التي كانت تتحدث بحماس أمامه، وأخذ يتمتم في نفسه:
“ليكن الرجل الذي تختارينه رجلاً صالحاً. ولتظلّ براءتك مصونة، وتصبحي زوجةً وأماً سعيدة، أيتها الآنسة لانس.”
بعد النزول من القطار، توجّه الشقيقان فيرفاكس إلى متنزه دنفيل.
وانضمّت الآنسة لانس تلقائياً إلى صديقاتها. استقلّين عربة كانت بانتظارهن في المحطة متوجّهات إلى وايتفيلد.
ساد جوّ من الحماس بينهن. فكونهنّ مدعوّات إلى قاعة وايتفيلد الشهيرة كان أمراً ثانوياً. ما أقنعهنّ بالحماس حقاً هو أنّ السيد دالتون سيطلب يد الآنسة لانس في هذا اللقاء.
لقد كانت شائعات حبّ السيد دالتون والآنسة لانس قد انتشرت بالفعل في أنحاء لندن. بدأت تلك الشائعة في قاعة رقص عائلة لانس، وكان لها من التأثير ما جعلها تمتدّ حتى وصلت إلى حدّ القول إنّ الاثنين قد حدّدا بالفعل موعد الزفاف.
اختارت الآنسة لانس بعناية ملابسها وإكسسواراتها لزيارتها إلى وايتفيلد. وكانت والدتها قد خاطت لها ثوباً جديداً خصيصاً، وهدّدت وهي تتنهّد أمام فاتورة متجر الأزياء بأنها لن تعود إلى البيت إن لم تحصل ابنتها على عرض زواج.
لكن الآنسة لانس بقيت واثقة. لم يكن هناك أي احتمال أن لا تتلقّى عرضاً. فلو لم يكن مهتماً بها، لماذا فتح أبواب قصر آل دالتون، الذي طالما تجنّب المجتمع، أمام أهل لندن؟ لقد استدعاها من كلّ ذلك البعد ليُعلن خطوبتهما ويطلب يدها.
توالت العربات بالتوقّف أمام قاعة وايتفيلد. نزلت منها سيدات بأبهى حلّة، ورجال تغمرهم الحماسة لاكتشاف ميادين الصيد الجديدة.
أُعجبت الآنسة لانس وصديقاتها بجمال القصر الخارجي وأناقة تصميمه. لم يكن مبالغة القول إنّه أجمل قصر في إنجلترا.
همست الآنسة ويلكس للآنسة لانس: “ستصبحين سيّدة هذا المكان قريباً يا دورا. يا إلهي، أنا أموت من الغيرة!”
احمرّ وجه الآنسة لانس، لكنّ ابتسامةً متفاخرة ارتسمت على شفتيها.
م.م: منتظرة رد فعلها لما تعرف الحقيقة…
كان السيد دالتون، بملابسه المرتّبة، يحيّي الضيوف واحداً تلو الآخر. كان ذلك عملاً ينبغي أن تتقاسمه معه السيّدة المضيفة، لكن مع غيابها، تحمّل هو المسؤولية.
نظرت إليه الآنسة لانس بعينين لامعتين مترقّبتين. فابتسم لها ابتسامةً بريئة وقال: “مرحباً بكِ، آنسة لانس.”
وكان ذلك كافياً. فابتسامة عابرة قادرة على أن تملأ قلب سيّدةٍ غارقة في أحلام العشق بتوقّعٍ صادق للمستقبل.
حمل الخدم الأمتعة ووجّهوا كلّ ضيف إلى غرفته المخصصة. ثم نزلت الآنسة لانس بزيّ الغداء الخاص إلى قاعة الطعام استعداداً للوليمة.
كانت البطاقات تحمل أسماء الضيوف موزّعة على الطاولات. جلس المقرّبون من عائلة أو أصدقاء أو شركاء في الأعمال معاً، بينما وُضع ذوو العلاقات المتوترة بسبب فضيحة أو مشاكل تجارية متباعدين قدر الإمكان.
تساءلت الآنسة لانس في نفسها: كيف استطاع السيد دالتون أن يعرف تفاصيل علاقات أهل لندن ويُرتّب المقاعد بهذه الدقة؟ لا بد أنّه تلقّى مساعدةً ما.
دخل الجميع إلى قاعة الطعام، وكان السيد دالتون آخر من دخل.
ولدهشتها، كانت إلى جانبه امرأة: لورا بندلتون.
دخلت لورا بندلتون القاعة متأبّطة ذراع إيان دالتون. كانت ترتدي ثوباً بنفسجياً أنيقاً يبرز قوامها، وتزيّنت بأقراط من الألماس.
همس الحاضرون بدهشة. الجميع كانوا يعلمون أنّها قد طُردت من عائلة بندلتون وأصبحت مربية. فكيف تظهر هنا، وقد هبطت إلى مرتبة الخدم، بهذه الهيئة الفاخرة في قصر وايتفيلد؟
ألقى السيد دالتون نظرة واثقة على القاعة، مفعمة بالهيبة.
وقال: “أشكركم على قدومكم إلى هذا الملاذ المنعزل، في أعماق الريف. وبفضل الآنسة لورا شيلدون، التي ترافقني، استطعنا أن نفتح هذا المكان، الذي طالما تجنّب الغرباء وظل بعيداً عن الأنظار، أمام ضيوف متميّزين مثلكم.”
شيلدون. ثبُتت أنظار الحاضرين الفضولية على الاسم الغريب.
وأضاف: “لقد طلبت مؤخراً من هذه السيدة، وهي امرأة عالية الثقافة والمعرفة، أن تكون مربيةً لابنة أخي. لقد كانت الآنسة شيلدون معلّمة رائعة وقدوة مثالية في الأشهر الماضية. ثم اكتشفنا حقيقة مدهشة: إنّها ابنة أستاذي في الفن أيام الطفولة، الرسام العبقري لويس شيلدون.”
شهق الحضور بدهشة.
“إنه قدرٌ عجيب أن تصبح امرأة محسنة لعائلتين جمعت بينهما روابط عميقة عبر الأجيال. نعتبر ذلك إرادةً من الله، وقد قرّرنا أن نرحّب بها كعضو من العائلة، لا كموظفة. لذا أود أن أقدّمها إليكم من جديد: الآنسة لورا شيلدون، عضوة في عائلتي فيرفاكس ودالتون في يوركشاير.”
م.م: ااااه هو ميت مشان يقول كلمة زوجتي 😭😭
صفّق الحضور وقد ارتسمت على وجوههم علامات الارتباك.
تورد وجه لورا الهادئ عادةً قليلاً.
قال السيد دالتون: “على الجدار يمين مدخل المعرض الطويل في الطابق الثاني من القصر، تُعلّق أعمال السيد شيلدون في حياته. لا تتردّدوا في مشاهدتها. والآن…”
قاد السيد دالتون لورا إلى رأس الطاولة. جلس هو في الطرف، وجلست هي إلى يمينه.
دخل الخدم يحملون الصحون، وبدأ العازفون يعزفون على الجانب.
بدأ الضيوف يتناولون الطعام، يتهامسون بخفوت.
لقد كان مشهداً مدهشاً، لكن لم يشك أحد في صدقه. فقد كان الجميع يعلم أنّ الآنسة بندلتون أوصيت كمربية لعائلة فيرفاكس، ثم ما الذي قد يدفع إيان دالتون للكذب من أجلها، وهو بذلك يعرّض سمعة العائلتين للخطر؟
ألقى النبلاء نظراتٍ نحو لورا، مليئة بالفضول لكن بلا عداء. فهي لم تعد تلك الابنة غير الشرعية الفقيرة التي تخلّى عنها والدها. بل صارت لورا شيلدون، محمية من أعرق عائلتين في يوركشاير. فمن ذا الذي يجرؤ على ازدرائها الآن؟
بعد العشاء، توجّه الرجال للصيد في أراضي وايتفيلد، فيما تفرّقت السيدات بين المعرض الطويل، وغرفة الاستقبال، وغرفة البلياردو.
كانت الآنسة لانس، التي سيطر عليها شعورٌ بالقلق طوال الوليمة، تتجوّل مع صديقاتها في القصر.
ورغم أنّ قصر وايتفيلد، الذي طالما راودها الفضول نحوه، كان أمام عينيها، إلا أنّها لم تر شيئاً. فما زال مشهد الآنسة بندلتون واقفة إلى جانب السيد دالتون يلوح في ذهنها وحده.
أما ثرثرة صديقاتها فلم تزدها سوى تشتيتاً. فقد كنّ غاضبات من ظهور الآنسة بندلتون المفاجئ تحت حماية السيد دالتون، وحاسدات لها لجرأتها على أن تقف موقف مضيفة القصر المرتقبة وتتلقى كل الاهتمام.
“عضوة في عائلتي دالتون وفيرفاكس؟ ها! لكنها مجرد ابنة أمريكي مغمور، أليس كذلك؟”
“تماماً! طفلة غير شرعية قبل الزواج، وعانس تعمل في بيوت الآخرين!”
“تظاهرت بالتحفّظ والحياء، ثم تظهر هنا هكذا! لو كنت مكانها لما جئت…”
“كفى يا فتيات.”
قاطعتهم الآنسة لانس وقد عجزت عن تجاهل الأمر. فنظر إليها الاثنتان.
كانت تضغط أصابعها على صدغيها.
“هل تؤلمك رأسك؟”
لم تجب الآنسة لانس، لكنّهما تبادلا نظراتٍ صامتة ثم سكتتا، وقد أدركتا أخيراً انزعاج “الملكة”.
تجوّلن بلا هدف، وعند مرورهن بغرفة الآلات، والمكتبة، وغرفة البلياردو، وصلن إلى المعرض الطويل.
وكانت الآنستان ويلكس وأورسون تراقبان الآنسة لانس. ورغم حديثهما السابق عن الآنسة بندلتون، إلا أنّ الفضول راودهما تجاه لوحات لويس شيلدون، والدها.
وكان الفضول قد استبدّ بالآنسة لانس كذلك. فوقفت تقود صديقاتها إلى المعرض الطويل.
كانت عشرات السيدات يتجوّلن بحرية يتأمّلن اللوحات. ومن بين مئات اللوحات، استقطبت لوحة المنظر الطبيعي المعلّقة قرب المدخل الاهتمام الأكبر.
تقدّمت الآنسة لانس ومجموعتها وسط الزحام حتى وصلن أمامها.
أخذتهنّ الدهشة ما إن وقعت أعينهن على اللوحة. ألوانها الساحرة سلبتهنّ فوراً. وكلهنّ، وقد تعلّمن فنون الذوق الرفيع، أدركن فوراً قيمتها الفنية.
لكن همسات بعض السيدات الواقفات هناك اخترقت مسامع الآنسة لانس:
“الآنسة بندلتون أو بالأحرى الآنسة شيلدون كان والدها رجلاً استثنائياً، أليس كذلك؟”
“صحيح. كنا نظنّه مجرد رسام أمريكي تافه. لو لم يمت صغيراً لكان علماً من الأعلام. وكانت الآنسة شيلدون ستكون ابنة ذلك المشاهير. لكن قولي لي، أيمكن لابنة تلميذ وأستاذ أن يلتقيا هكذا؟ لقد كانا مقرّبين منذ لندن.”
“حقاً. حتى لو كانت رواية لما صدّقناها. أليست هذه قصة حب قدريّة؟”
“مهلاً، أليس السيد دالتون حبيب الآنسة لانس؟”
“وما شأنك؟ لم يعلنا خطوبتهما بعد.”
تراجعت الآنسة لانس إلى الخلف، وقد تبعتها صديقاتها المحبطات بعيداً عن اللوحة.
قالت إحداهن: “آه، لا شيء مميز.”
وأضافت الأخرى مرتبكة: “صحيح… ما فائدة الموهبة الفذّة؟ تبدو كما لو رسمها صبيّ في الخامسة عشرة.”
لكنهنّ كنّ جميعاً يعرفن أنّ كلامهنّ مجرد تفريغٍ للغيظ.
كانت الآنسة لانس تسير ببطء في المعرض الطويل، بعينين غائمتين. حتى وقعت على لوحة أخرى.
كانت بورتريهاً لامرأة أنيقة كزهرة ماغنوليا، بشعرٍ داكن وعينين سوداويين. فتوقفت الآنسة لانس واقفة رغماً عنها. فقد كان السبب ثوب المرأة في اللوحة.
ثوب بنفسجي أنيق خالد الطراز من الساتان. كان هو نفسه الثوب الذي ارتدته الآنسة بندلتون في قاعة الطعام قبل قليل.
تعرفت الفتيات الثلاث إليه فوراً. فأشارت الآنسة أورسون إلى الخادم الواقف عند المدخل وسألته عن صاحبة البورتريه.
“إنها السيدة دالتون الراحلة”، أجاب.
فبُهتن جميعاً.
م.م: متتتتتت 🤣🤣🤣🤣
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 101"