أستغفر الله العظيم واتوب اليه ⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
زارت لورا قصر وايتفيلد كل يوم. كانت تتفقد كل غرفة من غرف القصر، وتجول في القاعة، وتقيّم حجم العمل المطلوب من الخدم.
الخدم البسطاء القادمون من الريف، الذين لم يعرفوا سوى التنظيف والغسيل والطهو، أصيبوا بالذهول. أما كبير الخدم رامسويك، فلم يكن أقل حيرة منهم.
أعطت لورا رامسويك تعليمات دقيقة، شاركت معه جدولًا مفصلًا، وأشارت إلى المهام التي يجب أن يُسندها لكل خادم.
قام رامسويك بتوزيع الأدوار بعناية متناهية، كما لو كان يقود جيشًا. الخدم جنود، رامسويك ضابط أركان، ولورا هي القائدة.
كانت لورا تصل إلى وايتفيلد حوالي الساعة العاشرة صباحًا. تجولت مع رامسويك في القصر، خصصت غرف النوم للضيوف، وتفقدت الستائر المزخرفة والخمور التي وصلت حديثًا.
وما إن ينتصف النهار، كان السيد دالتون بنفسه يرافقها أينما كانت. يذهبان معًا إلى المطعم ويتناولان الطعام وجهًا لوجه. المطعم المطل على مشهد بديع من وايتفيلد منح الجلسة جوًا من الألفة والراحة.
بعد العشاء، كانا يأخذان جولة قصيرة في محيط القصر، ثم يعود كل واحد إلى مهامه. هو إلى مكتبه، وهي إلى المكتب الذي خصصه لها.
وحسبما قال كبير الخدم رامسويك، كان هذا مكتب السيدة دالتون الراحلة. استطاعت لورا أن تلمح ذوقها الرفيع من خلال الأثاث الفاخر.
هناك، خططت لورا قوائم الطعام وأجرت مقابلات مع الموسيقيين.
وعند الرابعة تقريبًا، كان السيد دالتون يدخل إلى مكتبها وهو يدفع عربة محمّلة بالمرطبات. كان مشهدًا صادمًا أن يقوم رب البيت بأعمال خادم، لكنه لم يُعر الأمر أي اهتمام.
سكب لها الشاي، وقطع لها قطعة من الكعك، ثم سحب كرسيًا وجلس بجوارها، وبدأ يثرثر.
لم تدرك لورا قط أن إيان ثرثار إلى هذا الحد. لكنها خمّنت أنه ربما كان وحيدًا يفتقد صديقًا مقرّبًا.
أصغت لورا باهتمام إلى حديثه، ثم روت له تفاصيل ما فعلته في ظهيرة يومها. كان يصغي بدوره بانتباه بالغ، حتى لأتفه القصص، ومع ذلك كان يبتسم ابتسامة عريضة.
وبين حديث وضحك، اقترب موعد العشاء، فعادا معًا إلى المطعم، ثم عادت لورا أدراجها إلى منتزه دنڤيل بعد أن ودعته.
بهذه الوتيرة، أصبح وايتفيلد مألوفًا لديها كما دنڤيل بارك. حفظت أسماء الخدم، وألفت ممرات القصر، وصارت مقربة من رامسويك، بل ووجدت راحتها في التحدث مع الطاهي فيليب. أما بفضل ثرثرة السيد دالتون، فقد عرفت تفاصيل روتينه اليومي.
كانت كل أيامها هناك كالحلم، تجربة سعيدة تنبض بالسكينة.
كان وايتفيلد مكانًا بديعًا. حتى لورا، التي تغلب عقلانيتها على عاطفتها، وجدت نفسها متأثرة. أحبت التجول في القصر، وأحبت أن تشارك يومها مع السيد دالتون. تمنّت لو أن هذه اللحظة تدوم إلى الأبد.
لكن الزمن لم يتوقف، وسرعان ما اقترب موعد حفل الصيد.
حزمت لورا حقائبها لأسبوع كامل، واصطحبت معها فساتين الحفلات.
وفي اليوم السابق للصيد، استدعتها السيدة إلى غرفة ملابسها. فتحت الخزانة وقدّمت لها مجموعة من الفساتين الحريرية. كل واحد منها كان أنيقًا دون بهرجة. حتى لورا، التي اعتادت رؤية عشرات الآلاف من الفساتين في مجتمع الطبقة الراقية، وجدتها آية في الجمال.
كانت هذه فساتين تركتها السيدة دالتون الراحلة لابنتها بعد وفاتها. أصرت السيدة فيرفاكس أن ترتديها لورا في الحفل القادم.
رفضت لورا في البداية، لكن السيدة فيرفاكس أصرّت، بل وأعارتها مجوهرات والدتها أيضًا.
قالت لها: “تألقي واعتني بإيان جيدًا. إنه فتى طيب، لكن لستِ وحدك القادرة على كل شيء. هذا لا يعني أن تنهكي نفسك بالعمل طول الوقت. لا تخجلي واستمتعي.”
ولعلمها أن الرفض سيكون وقاحة، قبلت لورا الفساتين، ووعدت بأن تعيدها نظيفة.
وفي اليوم التالي، صعدت لورا إلى العربة. تركت خلفها آل فيرفاكس وهم يلوّحون بابتسامة، والصغار يتذمرون من غياب معلمتهم أسبوعًا كاملًا، وزاد تذمرهم أكثر عند علمهم أنها ذاهبة إلى بيت خالهم المخيف أكثر من الأشباح. وهكذا، اتجهت نحو قصر وايتفيلد.
قرقعة، قرقعة.
كانت مناظر السهول حيث ترعى الأغنام تمر متلاحقة خلف نافذة القطار.
الآنسة لانس، التي كانت تحدّق إلى الخارج، ابتسمت. فقد كانت مقيمة في لندن، وها هي تستمتع برحلة طال انتظارها إلى الريف. ملأت عينيها بالخضرة، واستمتعت حتى بصداع خفيف سببه تمايل القطار.
وصل إلى مسامعها صوت همهمة. التفتت نحو مصدره، فرأت رأس جانيت وقد انحنت إلى الأمام، غارقة في النوم، تُصدر شخيرًا متكررًا.
ابتسمت الآنسة لانس، ونظرت إلى السيد فيرفاكس. التقت عيناهما بابتسامة متبادلة.
قالت: “لا بد أنها مرهقة جدًا.”
أجاب: “نعم، لم تستطع النوم من فرط حماسها للذهاب إلى وايتفيلد.”
أسند رأس شقيقته التي كانت تتمايل مثل سنبلة قمح تحت الريح على كتفه. ثم، معتذرًا للآنسة لانس، أسدل الستائر.
قالت مبتسمة: “أنت أخ عطوف للغاية.”
امتلأ قلب الآنسة لانس بالرضا وهي ترى السيد فيرفاكس يلف بطانية حول كتفي شقيقته.
كانت تخطط في البداية للجلوس مع ثلاث من صديقاتها، لكن بعدما خُطبت فيكتوريا ويلكس لجورج أورسون، شقيق ديزي أورسون، أصبح آل أورسون عائلة واحدة، وجلسوا جميعًا معًا.
أما صديقتها الوحيدة، سوزان دونوفان، فقد ذهبت لزيارة خالتها، على أن تلحق بها لاحقًا.
جاء عرض جانيت، حين سألت بخجل الآنسة لانس إن كانت ترغب في مشاركتهما مقعد القطار، في وقته المناسب.
قضوا وقتًا ممتعًا، لعبوا الورق، وتناوبوا على سرد قصص طريفة، وحتى ألقوا أبياتًا من مجموعاتهم الشعرية. لكن بعد نصف يوم تقريبًا، بدأ الحماس يخفت، وخيّم الصمت، لا يقطعه إلا صوت شخير جانيت.
قالت الآنسة لانس: “كم مضى عليك منذ آخر مرة زرت يوركشاير يا سيد فيرفاكس؟”
“عامان تقريبًا، بسبب العمل والانشغال. لا أعرف كم كبر أولاد إخي. ربما لم يعودوا يتذكرونني.”
ابتسمت قائلة: “لا بد أنك عم عطوف. فأنت عطوف جدًا على أختك الصغيرة.”
ابتسم بخجل وهو يضيّق عينيه، فازداد وجهه وسامة.
تابعت: “يبدو أنك تحب الأطفال.”
ثم أضافت مبتسمة: “عجيب أنك لم تتزوج بعد.”
تذكرت في نفسها أنه قد هُجر من قِبل الآنسة جاين هايد قبل ستة أشهر. ورغم أن الخبر كان مجرد ثرثرة عابرة نسيها معظم الناس، إلا أن الجرح قد يكون لا يزال طريًا. لكنها فوجئت أنه لا يزال يبتسم.
قال: “لم أجد المرأة المناسبة بعد. لكني أدعو كل ليلة أن يرزقني الله بزوجة صالحة.”
سألته: “وهل تفكر بالزواج حقًا؟”
أجاب بثقة: “بالطبع. لستُ عازفًا عن الزواج. الناس تظن أن الشاب الأعزب، الذي يدير عملًا في لندن، يفضّل الاستمتاع بحريته وتأجيل قيود الزواج قدر الإمكان. لكني دائمًا اعتبرت هذه الحياة مؤقتة.”
ثم تابع بصوت أهدأ: “أنا بحاجة إلى عائلة. زوجة أقضي معها بقية حياتي، وأطفال ينادونني أباهم. حياتي الحقيقية ستبدأ حين أتزوج. أؤمن أن أن يكون الرجل زوجًا وأبًا هو جوهر الحياة.”
م.م: ويليام يستاهل كل خير 💜
كانت فكرة سليمة للغاية، فأُعجبت الآنسة لانس.
“وإذا تزوجت، هل ستترك حياتك في لندن؟”
قال: “إن رغبت زوجتي أن نبقى، فسأواصل العيش في منزل المدينة، لكني أريد الانتقال إلى الريف. لدي هناك منزل ريفي صغير في سومرست، أؤجره الآن.”
وبمهارة، استدرجته بأسئلة غير مباشرة عن حجم المنزل. فأجابها ببساطة أنه منزل حجري من طابقين، بين القصر والكوخ. له حديقة واسعة بها كشك، وإطلالة رائعة على التلال والبساتين، وبجواره سوق كبير يسهل نقل المؤن.
دهشت الآنسة لانس. أن يجمع الابن الثاني، الذي لا يرث الكثير بموجب القانون الإنجليزي، هذه الثروة في التاسعة والعشرين، أمر مثير للإعجاب.
عادت في ذهنها صورة الآنسة جاين هايد، امرأة نحيفة جذابة، لكن بعيدة عن الجمال. لقد رفضت السيد فيرفاكس لتصبح كاتبة على الآلة. لم تستوعب الأمر. كيف ترفض امرأة زوجًا واعدًا كهذا لتعمل بمهنة بسيطة؟
قالت وهي تنقر لسانها: “فتاة لا أفهمها أبدًا.”
ثم شعرت بالسرور، لأن السيد فيرفاكس الذي هو حتمًا قريبها رجل راسخ وقدير.
واصل القطار مسيره. وبينما كانت جانيت غارقة في نومها، واصل السيد فيرفاكس الحديث أكثر من عادته ليبقي الآنسة لانس مستمتعة.
وجد متعة في مراقبتها وهي تثرثر بمرح. كانت فتاة جذابة بحق. لم يكن يعرفها إلا من بعيد، يراها جميلة فحسب، لكنه بعد أن اقترب منها اكتشف نفسه ينجذب إليها أكثر فأكثر.
كانت بريئة وصريحة، مفعمة بالحيوية والخيال. قد يراها البعض صريحة أكثر من اللازم أو غير ناضجة، لكنها كانت نقاءً خالصًا.
لم تكن هي مثاله الأعلى للزوجة. كان يريد امرأة ذكية ذات قناعات واضحة. لكنه أدرك أن امرأة ساحرة مثل الآنسة لانس ستكون الزوجة المثالية لأي رجل من رجال لندن.
وفكر في نفسه: “من سيكون الرجل المحظوظ الذي ستصبح هذه السيدة زوجته؟”
م.م: أعطوني توقعاتكم؟ وهنا نصل إلى نهاية الدفعة اليوم، تقريبًا أكثر من 20 فصل، أدعولي ارتاح لأني تعبانة شوي ❤️🩹
Sel للدعم : https://ko-fi.com/sel08 أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 100"