3
وفي هذه الأثناء، كانت إيفيلين لا تزال في مواجهةٍ مرهِقةٍ داخلَ عربةِ دوقِ ريفيس.
“كانَ دخولُكِ إلى عربتي وأنتِ تبكينَ استراتيجيَّةً جديدةً تمامًا. ما هي خطَّتُكِ التَّالية؟ هل ستغوينني؟”
“…ماذا؟”
لم تستطع إيفيلين إلا أن تشعرَ بالدهشةِ الشديدةِ، حتى أنها توقَّفت عن البكاء.
على الرغم من أن الشخصِ أمامَها كان وسيمًا للغاية، إلا أنه بدا وكأنَّ فمَه مجرد فمٍ جميلٍ يخرجُ منه الهراء فقط.
‘تمامًا كما قيلَ عنه في الشائعات، شخصٌ غريبٌ ومجنونٌ.’
“لا، لم أفكر في ذلك.”
“آه، لقد فهمت.”
عندما أنكرت إيفيلين ذلك، ابتسمَ دوقُ ريفيس كما لو أنه كان يعلمُ كلَّ شيءٍ. رغم أن ابتسامته كانت جذَّابةً للغاية، إلا أن إيفيلين كانت تجدها مزعجةً في تلك اللحظة.
“لذا فأنتِ تخططينَ للإنقضاضِ عليَّ على الفور بدلًا من إغوائي؟”
“ماذا؟”
لم تكن إيفيلين تستطيع تصديق تصرفاتِه.
وكانت تلومُ نفسها على ركوبِ هذه العربةِ بلا تفكيرٍ.
‘كيف يمكنني أن أكون غيرَ محظوظةٍ إلى هذا الحد؟’
كانت قد رأت هذا النوع من الرجال الوسيمين عدة مرَّاتٍ في بعض الرواياتِ التي كانت تقرأها كثيرًا.
سيستمرون في فعل التصرفاتِ المجنونةِ وبالنهايةِ ينتهي بهم المطاف أن يكونوا دمى مخلصة في يَدِ البطلةِ.
لكن هذه ليست روايةً، وعندما رأت هذا الشخصَ المجنونَ أمامَها، أصبحَ الجمالُ الذي يمتلكه بلا قيمةٍ، وأصبحَ كلَّ ما تريده هو الابتعادَ عنه.
‘في هذا النوعِ مِن الرواياتِ، البطلةُ التي تتحلى بالصبرِ مع هذا النوعِ من الشخصياتِ تكونُ أكثرَ إثارةً للإعجاب.’
لكن إيفيلين لم تكن بطلةً في إحدى الرواياتِ، ولم تكن تتحلى بالصبرِ لذلك.
“دوق، كلامُك أصبحَ قاسيًا جدًا.”
“آه، لقد فهمت.”
ابتسمَ دوقُ ريفيس مرةً أخرى وكأنه يعلمُ كلَّ شيءٍ.
‘لماذا يبتسمُ بسخريةٍ؟’
كان هذا ما تفكر فيه إيفيلين، وكانت تنتظر اللحظة المناسبة للخروجِ من العربةِ.
“هل ستهربينَ الآن بعد أن كُشِفت استراتيجيتكِ؟”
قال دوقُ ريفيس مبتسمًا ابتسامةً خبيثةً.
“هاه…”
حاولت إيفيلين أن تبقى هادئةً بينما كانت تأخذُ نفسًا عميقًا.
‘تحلِّ بالصبر، يجب عليّ التحلي بالصبر. الخصم هو دوق ريفيس الذي يعدُّ عدوًا لوالدي… لا تتورطِ دون داعٍ، عليّ فقط التركيز على الخروجِ من هذه العربةِ.’
بينما كانت تحاولُ التحكم في أعصابِها، فجأةً، انتشرت رائحةُ صابونٍ عطرةٍ.
“هاه.”
فجأةً، اقترب وجهُ دوقِ ريفيس منها حتى أصبحَ قريبًا جدًا.
‘إنه أكثر وسامةً عن قرب.’
على الرغم من تصرفاته المجنونةِ، كان من المستحيلِ إنكارُ وسامته. بالفعل، كان أحدَ الرجالِ الثلاثةِ الأكثرِ وسامةً في الإمبراطوريةِ.
وبينما كانت إيفيلين منبهرةً بوسامتهِ، أسقط دوق ريفيس قنبلة أخرى.
“يا إلهي، إنكِ تتنهدينَ بعمقٍ. يبدو أن خيبَّةَ أملكِ بسبب فشلكِ في إغوائي عميقةٌ للغايةِ.”
“آآه، لا أستطيعُ تحمل هذا بعد الآن!”
فوجئت إيفيلين بإندفاعها، فغطت فمها.
فمهما كان مجنونًا، كان الطرف الآخر لا يزال دوقًا وابن شقيق الإمبراطور. كان ينبغي لها أن تتحلى بمزيد من الصبر!
ومع ذلك، على عكس مخاوف إيفيلين، فإن عيون الدوق ريفيس الزرقاء الجميلة كانت تتألقُ بالفعل.
“لا تترددي، الآن بدأتُ أشعرُ بالإهتمامِ قليلًا بما ستفعلينه بعد ذلك، آنستي.”
وفي مواجهة إيفيلين، التي فقدت كُلَّ ما تبقى من صبرها، أضاف دوق ريفيس المزيد من الوقود إلى النار.
“هيا، افعلي ما تريدين.”
وأخيرًا، وصلت إيفيلين إلى حدها الأقصى.
“أنتَ شخصٌ مجنون…! آآه!”
كانت تلك الكلمات قد خرجت منها دون أن تستطيعَ منعَ نفسها، ثم أسرعت لتغلق فمها.
‘لا، لا! حتى لو كان مجنونًا، إذا سمع أنني نعته بالمجنون، فسيغضب!’
لكن على عكس توقعاتها، كان وجهُ دوقِ ريفيس جامدًا تمامًا الآن.
“…مجنون؟”
عندما شاهدت إيفيلين دوق ريفيس يرمش ويكرر الكلمة ببطء، أغلقت عينيها بقوة.
‘لقد انتهى أمري الآن.’
كان هذا يومًا سيئًا بشكلٍ لا يُصدق.
بما أن لقائها مع الفيكونت قد فشل، فلا يمكنها الآن أن تتركَ دوقَ ريفيس يغضبَ بسببها.
بينما كانت تأخذُ نفسًا عميقًا وتحاولُ تبريرَ نفسها، قال دوقُ ريفيس فجأةً:
“هذا مثيرٌ للإهتمام.”
“…ماذا؟”
كان دوقُ ريفيس ينظرُ إليها بجديةٍ وهو يضعُ يده تحت ذقنه.
“لم أواجه شيئًا كهذا من قبل، أن يتم شتمي وجهًا لوجه.”
“لا، لم أقصد ذلك…”
لم تستطع إيفيلين أن تفهمَ لماذا كان يأخذُ هذا بجديةٍ.
يبدو أن دوقُ ريفيس كان يعتقدُ أن ذلك كان أحدَ أساليبِ الإغواءِ.
على الرغم من أنها كانت لا تفهمُ إن كان هذا جيدًا أم سيئًا، إلا أن إيفيلين كانت تشعرُ ببعضِ الارتياحِ لأنه لم يغضب.
“إذن، من هو؟”
سأل دوقُ ريفيس فجأةً وهو ينظرُ إليها.
“ماذا؟”
“من هو الشخصُ الذي جعلَ الآنسة تبكي.”
على الرغم من اعتقادِها أن الأمر كان غريبًا بعض الشيء، وجدت إيفيلين نفسها تتحدث كما لو كانت مفتونة بموقف دوق ريفيس الجاد بشكل غير عادي.
“كان الفيكونت بيرث…”
“آه، بيرث.”
ردَّ دوقُ ريفيس بنبرةٍ مألوفةٍ وكأنه كان يعرفه.
إذا كان دوقُ ريفيس اللامبالي يعرفه، فهذا يعني أن الشائعاتِ عن مدى سوء سمعة الفيكونت بيرث قد انتشرت بشكلٍ كبيرٍ.
“هل هو لا يزال بالداخل؟”
“ربما.”
نظرًا لأنها ضربتهُ بقوةٍ، وكان في حالةِ سُكرٍ شديدٍ، فمن المحتمل أنه لم يتمكن من التحركِ بسهولةٍ.
عندما أومأت إيفيلين برأسها، نهضَ الدوقُ ريفيس وفتحَ البابَ بسرعةٍ ونزلَ من العربةِ.
تحت أشعة الشمس، بدا أطولَ وأكثر وسامةً مما كان عليه في العربةِ.
مع نزوله، بدأ الناسُ من حوله ينظرون إليه.
حتى إيفيلين التي كانت لا تزال في العربة، شعرت بتلك النظراتِ، لكن دوقُ ريفيس بدا غيرَ مبالٍ تمامًا.
“ولكن لماذا تنزلُ من العربة؟”
“لتلقين أحدِهم درسًا.”
“ماذا؟ أنا؟”
نظر إليها دوقُ ريفيس وكأنها تقول شيئًا سخيفًا.
“بالطبع، أقصد الفيكونت بيرث.”
“…ولكن لماذا تريدُ فعل هذا أيها الدوق؟”
بعدَ كُلِّ شيءٍ، لم يكن هناك سببٌ يدعو دوق ريفيس؛ زعيمُ الفصيل الإرستقراطيِّ، إلى مساعدة إيفيلين، التي تنتمي إلى عائلةٍ في فصيل الإمبراطور.
“لقد سمعتُ شيئًا جديدًا، لذا يجبُ أرد الجميل بشكلٍ مناسبٍ.”
“…لكنني نعتُك بالمجنون.”
أضافت إيفيلين متسائلةً عما إذا كان ربما لم يفهم الإهانة بشكلٍ صحيحٍ. ولكن دوق ريفيس ابتسم بشكلٍ غريبٍ.
“إذن.”
لماذا هو سعيدٌ جدًا لأنه يُلقب بالمجنون؟
كان من الصعب فهم تفكيرِ هذا الشخص.
بعد لحظةٍ، فتح دوقُ ريفيس فمه وقال:
“هل يعجبكِ الفيكونت بيرث؟”
“كلامُك قاسيٌ جدًا.”
كانت إجابةُ إيفيلين مرضيةً لدوقِ ريفيس، حيث ابتسم ابتسامةً راضيةً جدًا.
‘آووه، إنه ساطعٌ للغايةِ على عيناي.’
قبل لحظاتٍ، كان يبدو مجردَ رجلٍ جميلٍ، ولكن تحتَ ضوءِ الشمس، بدا كأنه ملاكٌ سقطَ من السماء.
“لقد سألتُكِ فقط لأن هناك شائعاتٍ كثيرةً حوله. الآن، انتظري هنا لفترةٍ قصيرةٍ.”
نظرت إيفيلين إلى دوقِ ريفيس وهو على وشك المغادرة، لكن شعرت فجأة أن هناك شيئًا غير طبيعي.
“هنا؟”
“أين تريدين أن تنتظري؟”
عندما رأت إيفيلين الدوق ريفيس يميل رأسهُ وينظرُ إليها بفضولٍ، تخلت عن الجدال، وشعرت أن المزيد من المحادثة سيكون بلا جدوى.
“لن يستغرقَ الأمرُ وقتًا طويلًا. عندما أعودُ، سنرى كيف ستقومين بإغوائي.”
وجدَ دوق ريفيس تعبير إيفيلين المذهول مسليًا، فابتسمَ وهو يتوجهُ إلى الداخل.
“ماذا حدث للتو؟”
تركت إيفيلين وحدها في العربة، وكان كلُّ شيءٍ غيرَ واضحٍ بالنسبة لها.
بالرغم من أنه كان غريبًا بعض الشيء، إلا أنه كان أولَ شخصٍ يقفُ إلى جانِبها بشكلٍ حقيقيٍّ.
هل سيتصرفُ أخاها آريس أو حتى والدها بنفس الطريقة؟ بالطبع لا.
هل كان آريس؛ شقيقها التوأم، ناهيك عن والدها، ليفعلا شيئًا كهذا من أجلها؟ آريس المتبجح دائمًا لن يتدخل إلا إذا كان الأمر يضر بسمعته.
‘لا، تمالكي نفسكِ.’
هزَّت إيفيلين رأسها، محاولةً تصحيح حكمها الذي ظلَّ غامضًا.
على أيَّةِ حالٍ، كان هذا الشخص غريبًا بالفعل. ليس غريبًا فحسب، بل خطيرًا أيضًا!
من على وجه الأرض يكافئ شخصًا قد أهانهُ؟ إلا إذا كان ذلك انتقامًا.
تذكَّرت أن والدها ذكر ذات مرة أثناء مروره أنه إذا تُرك الدوق ريفيس دون رادع، فقد يخطط للتمرد.
تذكَّرت أنها سمعت والدها يخبر آريس أنه على الرغم من كونه ابن شقيق الإمبراطور، إلا أنه منشق وقد يطعن العائلة الإمبراطورية في الظهر في أيِّ لحظةٍ.
‘قد تكون هذه هي فرصتي للمغادرة.’
إذا عادت إلى المنزل على هذا النحو، فمن الواضح أن والدها سيصاب بخيبة أملٍ فيها. وهذا هو الوضع الذي لم تكن إيفيلين ترغب فيه حقًا.
فكرة أن والدها يخاطبها بعيون باردة ونبرة صوت باردة – لم تستطع أن تفقد التوقعات التي تلقتها للتو بهذه الطريقة.
‘إذا فكرت في الأمر، فإن أبي وآريس تحدثا ذات مرة عن وثائقِ الدوق ريفيس.’
تذكَّرت أنها سمعت محادثة بين آريس ووالدها أثناء مرورها بمكتب والدها. هل يمكن أن تكون هذه الوثائق هنا؟
على الرغم من أنها لم تتمكن من عقد اجتماعٍ سلسٍ مع الفيكونت بيرث، إلا أنها إذا تمكنت من العثور على الوثائق وإعادتها، فقد ينظرون إليها بشكلٍ مختلف.
مع مشاعر متبعثرةٍ، بدأت إيفيلين بالنظر حولها داخل العربة.
***
في تلك اللحظة، وعلى الرغم من أنه لم يكن على علمٍ بأن إيفيلين كانت تفتش عربته، كان دوق ريفيس، أو بالأحرى تيرون، ينظر إلى الرجل المنهار على الأرض.
على عكس الاهتمام الواضح في عينيه عندما كان ينظر إلى إيفيلين في وقتٍ سابق، أصبحت نظراته الآن خاليةً من أي عاطفة.
“يبدو أنك قد تلقيت ضربةً بالفعل.”
كان الفيكونت بيرث ملقى على الأرض وكانت شفتاه متورمتان وتنزفان، لكن تيرون لم يبدو مهتمًا عندما داس على معصم الفيكونت بحذائه المصقول جيدًا.
“آآآه…!”
خرج تأوه مؤلم من الفيكونت بيرث.
“دوق ريفيس، اقتحمت المكان فجأة والآن ماذا تفعل…!”
انحنى تيرون أمام الفيكونت بيرث وابتسم.
كانت ابتسامة غير متوافقة على الإطلاق مع الموقف، لكن وجهه كان جميلًا للغاية حتى أنه يمكن وصفه بأنه ملاكٌ سقط عن طريق الخطأ من السماء.
حتى الفيكونت بيرث كان مفتونًا للحظةٍ بوجهِ تيرون الذي يشبه التمثال، ونسي لفترةٍ وجيزة الألم الذي شعر به عندما داس أحدهم على معصمه.
ولكنه سرعان ما استعاد إحساسه بالواقع بسبب الكلمات التي خرجت من فم التمثال الحي.