1
“ذلك الرجل… يقولون إنه يأكل البشر. آكل لحوم البشر.”
“وحشي. غير متحضر.”
ظلت أصوات الناس وهم يثرثرون عنه تتردّد في أذنيّ، تركب الريح قبل أن تتلاشى بعيدًا.
رفعتُ نظري إلى الرجل الذي يقف أمامي.
ظله الضخم، الملقى على الأرض بفعل الشمس خلفه، غطّى ظلي بالكامل.
رياح قاسية تقصّفت حولي، لدرجة صعوبة الوقوف بثبات، فترنحت كتفيّ تلقائيًا.
“اشربيه.”
دفع نحوي وعاءً، كأنه يلح عليّ أن أسرع وأتناوله.
جبينه، الذي حدّقتُ فيه بلا وعي، كان مبللًا بالعرق الممزوج بقطرات دم.
وجهه ويداه وملابسه كلها مبللة بالدماء.
وبالاعتبار، حتى في هذا العاصفة الثلجية القارسة، كان يلبس زي خفيف ويتعرق.
‘ألا يشعر بالبرد؟.’
أما أنا، فقد ارتديت طبقات من الملابس الحرارية وأحكمت نفسي بالفرو السميك لأصدّ الريح، ومع ذلك كنت أرتعش. شعرت بالضعف الشديد مقارنةً به.
وأنفي يسيل، نظرت إلى الوعاء الذي عرضه عليّ.
“قبل أن يبرد. أسرعي.”
يداه الملطختان بالدم، والوعاء المنقوع تمامًا.
لم أرغب، لكنني خلعت قفازي الفرويّين وقبلت بالوعاء.
“آه…”
الشعور الغريب الذي لامس يديّ جعل جسدي كله يرتجف، ولم أتمالك نفسي عن إصدار تنهيدة خافتة.
سائل لزج وغريب القوام انساب بين أصابعي، متساقطًا على الأرض المغطاة بالثلج.
القطرات الحمراء لطخت الأرض البيضاء كبتلات زهور متناثرة.
ولا يزال البخار يتصاعد من السائل المقرف المملوء في الوعاء.
ألمحت نحو المذبح القائم خلفه على الأرض المتجمدة.
هناك كان التضحية، شيء كان أبيض كالثلج، الآن ملفوف بالكامل بقطعة قماش مشبعة بالدماء.
ماذا قد يكون تحت تلك القماشة؟.
كنت فضولية، لكنني لم أرغب في التفكير فيه.
“عليكِ شربه قبل أن يبرد. هذه الطريقة الوحيدة لنجاحه.”
حثّتني رئيسة الخدم من الخلف، غير صبورة.
ولا زلت ممسكة بالوعاء، نظرت حولي. الجميع كانوا يراقبونني.
بعضهم ابتسم بمرح، وآخرون ارتسم على وجوههم ازدراء.
“لن تشربه.”
“الأميرة المدللة من الجنوب؟ أجل، بالطبع.”
“من المحتمل أن تنتهي بالتوسّل للعودة إلى القصر الإمبراطوري، باكية عينيها.”
“ماذا ستفعل هذه الجنوبية الضعيفة هنا إذا لم تستطع حتى مواجهة هذا؟.”
حدّقت في الوعاء.
يجب أن أشربه.
هم لا يعلمون أنني لم أكن يومًا زهرة رقيقة نمت في دفيء الجنوب.
كنت عشبة ضارة في القصر الإمبراطوري، تم الدوس عليها مرارًا حتى اقتُلعت نهائيًا.
الآن، سأأخذ هذا الدم غذاءً لي، وسأثبت جذوري بعناد في هذه الأرض القاحلة.
سأزهر كالنبتة السامة.
مسمومة بالسموم المميتة، جاهزة لالتهام العالم.
بعيون مفتوحة على مصراعيها، رفعتُ الوعاء إلى شفتيّ. أردت مواجهة هذه اللحظة وجهًا لوجه، لا الهروب منها.
الرائحة الكريهة، والملمس المثير للاشمئزاز على لساني، والطعم الحديدي النيء الذي لم أختبره من قبل… كل ذلك جعلني أرتجف وأكاد أختنق.
لكن في النهاية، شربت كل قطرة.
لو كنت سأنكسر أمام شيء مثل هذا، لما تزوجت هذا الرجل من الأساس.
مسحت الدم المتساقط على زاوية فمي بظهر يدي.
وأغلقت أسناني لألا أرجع كل ما شربته، وحدقت فيه بعينين حادتين.
“أحسنتِ.” قال مبتسمًا إليّ من أعلى.
“واه…”
بدأ الأمر همسًا بالإعجاب.
“واه!.”
“يا إلهي!.”
انفجرت الهتافات حولي.
رفعتُ الوعاء الفارغ عاليًا ليراه الجميع.
“تحيا الماركيزة!.”
ترددت أصوات المديح في الأرجاء الثلجية.
سأثبت جذوري في هذا المكان.
وسأنتقم.
من أولئك الذين أحببتهم حبًا عميقًا، أولئك الذين دمروني تمامًا.
التعليقات لهذا الفصل " 1"