لماذا كانَ على ليلي أن تتشاجرَ معه إلى حدّ مغادرة القصرٓ الإمبراطوري؟
حتّى لو كانَتْ هناكَ مشكلةٌ في الحديث، لم يبدُ أنّ ليلي قد تقولُ شيئًا من فراغ.
وجاد، الذي عادةً ما يتبع رأي ليلي، لم يكن ليقاطع الحديث فجأةً و يذكر سببًا دون مقدّمات.
‘لا، حتّى لو تجاوزنا كلّ شيء، يبدو أنّ هذا شيء لا ينبغي أن يُقال مطلقًا…’
مهما فكّرتُ، لم أجد أيّ سبب للتّشاجر حول أهليّة الإمبراطورة.
“كلامكِ صحيح. إلى هذه النقطة، لا توجد مشكلة.”
“…..”
“النبلاء، بما فيهم جاد، يريدونَ بشدّةٍ إعادة قبيلة هوبسي إلى إلكيوم، أكثرَ من أيّ أقليّة أخرى.”
كانتْ الأقليّات جميعها تقريبًا من السّكّان الأصليين، لكنّهم استقلّوا عن إلكيوم في الماضي و عاشوا بشكلٍ مستقلّ.
لكنّهم، مع عدمِ انتمائهم رسميًا للدولة، حافظوا على علاقة غامضة، فدفعوا للهجرة مجدّدًا إلى إلكيوم، و تقدّمت العمليّة مع معظم الأقليّات باستثناء قبيلة هوبسي.
لكنّ قبيلة هوبسي غيّرتْ موقفها.
و.هنا كانتْ المشكلة الأكبر.
دولة مجاورة للحدود عرضتْ على قبيلة هوبسي الهجرة إليها بنفسِ الطّريقة.
كانوا يطمعون في قدراتهم. تحدّثنا عنْ هذا خلال العشاء مع كايروس.
في اجتماع النبلاء، انقسمتْ الآراء إلى نصفين.
فريقٌ يريد إغراء هوبسي بمزيدٍ من الامتيازات للانضمام، و فريق آخر يريد القبض عليهم جميعًا لمنع أيّ تواطؤ و إزالة الخطر من جذوره.
كانَ هناك أيضًا من يدعو إلى الإبادة.
“منذُ القِدم، كانتْ هذه القبائل جزءًا من إلكيوم، وكما تعلمين، قوّة النبوءة عظيمة. لقد كانت موثّقة في التاريخ، لذا من الطبيعيّ منعهم من الهجرة إلى مكان آخر. لكن…”
و كانَ الإمبراطور و الإمبراطورة في صدارة هاتين الفئتين.
كانتْ هذهِ هي الشّرارة التي أدّت إلى انهيار الأمور كالدومينو، فانفجرت المشكلاتُ غير المحلولة سابقًا دفعةً واحدة.
حتّى الأمور التي بدت محلولةً أثارت استياءً، فنشأ صراع بينهما، و تطوّر إلى جرح المشاعر.
لم يصلْ هذا الشعور إلى النبلاء الآخرين، فبدا الأمر عاديًا، لكنّ ليلي كانت تعاني من تراكمِ الضغوط.
“من الطبيعي تحمّل هذا، لكنّني أجدُ ذلك صعبًا. لماذا؟ كنتُ بخير حتّى الآن.”
اقتربتُ أكثر و مسحتُ ظهرَ ليلي برفق.
“عندما أبديتُ إرهاقي، قال إنّه يمكنني التوقّف و الراحة، لكنّ ذلك بدا و كأنّه يطلبُ منّي التنحّي. ربّما بسبب الخلاف. لا، ربّما لأنّه يعتقد أنّني لا أستحقّ.”
“ليلي.”
“سأبقى يومًا واحدًا فقط ثمّ أغادر. لم أجد مكانًا أذهب إليه لأنّني لا أريد أن يراني أحد.”
لم أستطع قولَ لا لها وهيَ تتحدّث هكذا.
بعد مواساتها طويلًا، جهّزتُ غرفة الضّيوف لتبقى ليلي.
كانَ الوقتُ قد اقترب من منتصف الليل.
بعد أن أفرغتْ ليلي كلّ مَا في قلبها وقالت إنّها تريد أن تكونَ وحدها، أغلقتُ البابَ و خرجتُ.
اعتذرتْ عن دلالها، لكنّني طمأنتها لأنّها لم تفعل ذلك كثيرًا، و كانت هذهِ المرّة الأولى التي أراها فيها هكذا.
كنتُ أخشى أن تتألّمَ أكثرَ إن لمْ أفعل.
‘لا، لكن حتّى لو كانَ الأمر كذلك، لا يمكن ألّا يعرف جاد أنّها هنا.’
قد يتشاجران، بالطّبع.
لقد مرّتْ سنواتٌ على زواجهما.
لكنّه لم يأتِ للبحثِ عنها حتّى انقضى اليوم، ممّا يعني أنّ جاد يعاني بدوره.
وقفتُ في الردهة، أضعُ ذراعيّ متقاطعتين، و أنا غارقة في التفكير.
مَهما كان، اقتراح إبادة أقليّة هو أمرٌ مبالغٌ فيه.
“هوبسي…”
لماذا يبدو هَذا مألوفًا؟
على أيّ حال، بدا أنّ ليلي تعتقد أنّ جاد سيأتي للبحثِ عنها غدًا، فغيّرت كلامها و قالت إنّها ستبقى يومًا واحدًا فقط.
طلبتُ من الخادمة و السيّدة تيني الاعتناء بليلي جيدًا حتّى لا تشعر بالإزعاج.
عندما دخلتُ غرفة النوم، نهض كايروس كأنّه كانَ ينتظرني.
“ألم تنمْ؟”
“كيفَ أنامُ و أنتِ لم تأتي؟”
“قلتُ إنّني سأتأخّر.”
“لا يهمّ. هل انتهى الحديثُ بشكلٍ جيّد؟”
التفّت ذراع كايروس حولَ خصري خلسة.
شكرتُه لأنّه كانَ متعاونًا طوال المساء، فتركتُه يفعل ذلك رغمَ علمي.
“إلى حدٍّ ما. أعتقدُ أنّ الانتظار هو الأفضل الآن.”
“الإمبراطورة هنا، و هوَ يعلمُ ذلك. لقد طلبت يومًا واحدًا فقط.”
“كنتُ أعلم. لكن لماذا لم يأتِ فورًا؟”
“قال إنّه سينهي بعض الأمور أوّلًا.”
“ينهي؟ آه، إذا جاءَ جلالة الإمبراطور، لا تأخذه إلى ليلي. هي مَنْ طلبتْ ذلك.”
أنا في صَفّ ليلي.
ضحكَ كايروس بهدوء عندمَا أضفتُ ذلك.
“حسنًا، سأفعل كما تقولين، يا زوجتي.”
“بالمناسبة، أينَ إستيل؟”
“نامتْ مبكرًا. كانتْ تنتظر لتخبركِ بشيء.”
“آه، مَاذا أفعل؟”
“يمكنها إخباركِ غدًا. قلتُ لها إنّها ستخبركِ غدًا، فلا داعي للقلق.”
أومأتُ برأسي وتنهّدتُ بعمق.
أتمنّى أن يُحلّ الأمرُ غدًا بطريقةٍ ما…
* * *
في اليوم التالي، استيقظتُ مبكرًا جدًا.
كما توقّعتُ، جاء جاد ليأخذَ ليلي في الصّباح الباكر.
ربّما لم يرغبْ في إزعاج أحد، جاءَ بأقلِّ عدد ممكن من الحاشية، كما لوْ كانَ في لقاءٍ سرّي.
باستثناء الخدم المقرّبين، لا أحد يعلمُ أنّ الإمبراطور و الإمبراطورة تركا القصر و جاءا إلى الشّمال.
لو اكتُشف الأمر، سيُقلب القصر رأسًا على عقب.
منذُ الصّباح، شعرتُ بصداعٍ ينبض في رأسي.
“جلالة الإمبراطور.”
رحّبتُ بجاد بأدب.
كانَ يرتدي زيّه الرّسمي، لكنّه بدا متعبًا و مبعثرًا.
كأنّه كانَ يتجوّل هنا وهناك علَى عجل.
“أين ليلي؟”
تجاهلَ كلّ شيء، حتّى مكانته، و دخلَ مهرولًا يسأل عن ليلي.
“إنّها نائمة في غرفتها. نامت في الفجر بصعوبة، لذا لم يمضِ وقت طويلٌ على نومها. و قالت جلالتها إنّه حتّى لو جئتَ أنتَ ، ألاّ أفتح الباب لكَ.”
قالت الخادمة إنّها أحضرتَ الماء في الرابعة فجرًا، لذا ربّما نامتْ لساعتين فقط.
عندما أخبرته بذلك، أصبحَ وجه جاد أكثر شحوبًا.
“لماذا فعلتَ ذلك؟”
“أعلم، لا داعي لتخبريني. أنا المخطئ. لذا أرجوكِ، هايزل، لا، سيّدتي الدوقة. أنتِ صديقتي أيضًا، أليس كذلك؟ افتحي الباب لأرى ليلي و هي نائمة.”
كادَ جاد أنْ يتوسّل إليّ.
كانَ على وشكِ الرّكوع، فاضطررتُ إلى اصطحابه إلى غرفة ليلي.
لأنّ طلبَ ليلي لم يكن حقًا بعدم فتح الباب.
كانتْ تريدُ من جاد أن يُظهر صِدقه.
دخلَ جاد الغرفة ولم يخرج لفترةٍ طويلة.
بما أنّ الإمبراطور و الإمبراطورة دخلا معًا و لم يخرجا، لم أستطعْ أنا و كايروس، اللذين كنّا مجرّد مواطنين، تناول الإفطار.
كايروس، الذي دائمًا يحرصُ علَى وجبتي كما لو كانت حياته، أرادَ طردهما فورًا، فاضطررتُ إلى تهدئته، ممّا جعلني أشعرُ بالجوع أكثر.
‘حانَ وقتُ خروجهما الآن…’
لم أرَهما إلّا عندما اقتربَ الظهر.
لكنّ منظرهما عند الخروج كان مذهلًا.
خرجتْ ليلي في أحضانِ جاد.
بعد أن جعتُ و انتظرتُ طوال الصباح، سألتُ بابتسامةٍ عن القصّة.
“حللنا الأمر حسب رغبة الإمبراطورة، فلا تقلقي كثيرًا. آسف للإزعاج.”
كانَ وجه ليلي، الذي كانَ مليئًا بالهموم، قد أصبحَ متورّدًا.
“تمَّ حلّ الأمر. شكرًا، هايزل.”
كانَ جاد يعانقُ ليلي و يقبّلُ خدّها و صدغها بلا توقّف.
يا إلهي.
كيف يُحلّ الأمر بهذه السّهولة…..
“هذا رائع.”
ابتسمتُ و عضضتُ على أسناني.
ليلي، التي كانتْ تتألّم بالأمس، كانتْ تبتسم في أحضان جاد و كأنّ شيئًا لم يكن.
يا لكم من ثنائي….حقًا…..
التعليقات لهذا الفصل " 162"