“أيّ أمر؟”
عندما أمَلتُ رأسي، أدارت ليلي بصرها بعيدًا مرّةً أخرى.
“مهما نظرت ، يبدو الأمر مشبوهًا.”
حتى لو كنتُ أسأل بطريقةٍ مريحة كصديقة، فهي تعلمُ أنّني أسأل بصدق.
ومعَ ذلك، إذا كانت تتجنّب الإجابة، فهذا يعني أنّ الأمر شيء صعب قوله حتى لصديقة.
الآن بعدَ التّفكير، بدا و كأنها كانتْ تتنهّد خلسة كلما أدرتُ رأسي بعيدًا أثناء وجودها هنا…
ربّما لم أنتبه جيّدًا لأنني كنتُ قلقةً أيضًا بشأن ما إذا كان كايروس و إستيل يستمتعان بنزهتهما بأمان.
علاوةً على ذلك، كانَ خادمها يبتسم ببراءة كلما التقينا بالعين، ممّا جعلني أعتقد أن الأمر ليس بالمهم.
‘ربّما مجرّد شعور.’
نظرت إلى وجه ليلي مرّةً أخرى وارتشفت الشاي.
بعد وقتٍ قصير، عاد كايروس و إستيل من موعدهما الحميم بين الأب و ابنته.
عندما نهضتْ معتذرةً ، أشارت ليلي بيدها لأذهب بسرعة.
“اذهبي. سأبقى هنا أشرب الشاي.”
“سأتحقّق من إستيل و أعود بسرعة.”
“يمكنكِ إحضار إستيل معكِ عندما تعودين.”
لا يمكنني ترك الضّيفة تنتظر طويلاً، فهرعت إلى المدخل.
“أمي!”
نزلتْ إستيل، التي كانَ شعرها أشعثًا قليلاً، من حضن كايروس وركضتْ نحوي مباشرةً.
كانتْ ربطة شعرها مفكوكة و معاد ربطها، لكن الطرفين كانا بأطوالٍ مختلفة.
كانتْ خصلات شعرها الأمامية تتطاير كما لو أن الرياح لعبت بها.
بالتّأكيد كنتُ قد ربطتها بشكلٍ أنيق في الصباح…
“إستيل، ماذا فعلتِ اليوم؟”
“أشياء ممتعة. أمي، ذهبنا إلى سوق فيراريوم، وإلى النّقابة أيضًا!”
قالتْ ذلك وهي تمدُّ ذراعيها الصغيرتين لتعانق رقبتي.
“إلى النّقابة أيضًا؟”
“نعم!”
كانَ وجه إستيل لا يزال متورّدًا، و خدّاها متوهجان باللّونِ الأحمر.
عندما عانقتني بقوّة، لمحتُ كايروس.
اقتربَ كايروس، الذي كانَ يبدو متعبًا قليلاً بشكلٍ غير معتاد.
كانَ هذا الرجل الذي يبقى بصحّةٍ جيدة حتى بعد أيام من الانغماس في العمل ، يرتدي ربطة عنق مفكوكة قليلاً.
كنتُ أعرفُ السّبب.
على عكسي، انا التي أكون صارمةً عندَ الحاجة، كان كايروس دائمًا يذوب كالجليد تحت الشمس أمام إستيل، و من المؤكّدِ أنه استجابَ لكلّ رغباتها اليوم.
كانتْ إستيل، التي تشبه أحدهم، تفضّل العمل على الكلام.
ما لم تكن في مزاجٍ جيد، كانت تجيب بإيجاز، وغالبًا كنتُ أنا من يبدأ الحديث، لكن تصرفاتها كانت كفتاة شقية.
“رايكا.”
ناديت رايكا، الخادمة التي كانت قريبة، موجّهة صوتي إلى أذن إستيل.
منذ فترة قريبة، شعرتُ أن إستيل بحاجة إلى خادمة خاصّة، فأوصت بها السيدة تيني.
“نعم، سيدتي. لقد جهّزتُ ماء الاستحمام.”
“آه، شكرًا. أرجوكِ اعتني بإستيل. استحمي بماء دافئ و عودي، إستيل؟ ستحكين لوالدتكِ عن اليوم، حسنًا؟”
“أجل! نعم.”
سلّمتُ إستيل إلى رايكا و اقتربتُ من كايروس.
لف كايروس ذراعهُ حول خصري بشكل طبيعيّ.
“تبدو و كأنكَ عدتَ من حرب.”
ابتسمَ كايروس بضعف.
“ربّما أكثرَ من ذلك.”
وضعَ شفتيه على رقبتي و تنفّس بعمق وهو يعانقني.
“لقد وصلت للتّو.”
شعرتُ بالحرج من تعبيره الدرامي و كأنّه عاد إلى الحياة، فوبخته.
“لدينا ضيف. بعد أن خرجتما، جاءت ليلي.”
“الإمبراطورة؟”
“أجل، لكن يبدو أنّ لديها هموم، لذا أعتقد أننا سنتحدث أكثرَ بعد العشاء اليوم.”
“ما الأمر؟”
“لم أسمع بعد، سأستمع لاحقًا.”
عبسَ كايروس، كما لو أنّ الأمر لم يعجبه.
مددتُ يدي علَى الفور و ضغطتُ على تجعيدة جبينه.
“حافظ على تعبيرك الجميل، و اذهب لتستحم و قدّم التحيّة أولاً.”
“لحظة، قليلاً أكثر.”
كأنه لم يشبع، عانقني مرّةً أخرى و خفض رأسه.
دفعته بعيدًا بوضوح.
لدينا ضيف، ما هذا؟
“بسرعة.”
ثمّ دفعته بحزمٍ من ظهره.
* * *
بعد مأدبة العشاء،
جلستُ مع ليلي بهدوء مرة أخرى.
لأنّ ليلي لم تعُد بعد، كانَ خادمها شاحبًا لدرجةِ أن وجهه أصبحَ داكنًا تقريبًا.
لم أستطع تحمّلَ رؤيةِ ذلك أكثر.
بالنّسبة لي، لم يكن يهم إذا تأخرت ليلي هنا، لكن الإمبراطور لنْ يبقى صامتًا بالتأكيد.
لن تُعاقب بشدّة، لكنني خشيتُ أن يعتقد أنني أخذت ليلي بعيدًا و يتصرّفَ بطريقةٍ تافهة.
‘همم، ربّما جاد قد يفعل ذلك حقًّا…’
لذا،
“هيا، قولي الآن.”
“ماذا؟”
“هناكَ خطبٌ ما، أليس كذلك؟”
“قلت إنه لا شيء…”
“لا تكذبي. أعرف أن لديك هموم. كنت تتنهدين طوالَ الوقت، و بالكاد أكلتِ خلال العشاء بينما كنتِ تتحدثين معَ كايروس.”
“ذلك لأنني كنتُ مشغولةً بالحديث. قلت لكِ، نحن نواجه مشكلة مع هجرة الأقليات هذه الأيام. ظننت أن الدّوق قد يقدّم اقتراحات جيدة، فاستغللت الفرصة للتركيز على رأيه. كصديقتكِ، يمكنني الحصول على مساعدة أكبر من الدوق مقارنة بطلبٍ من القصر الإمبراطوري.”
“حسنًا، فهمت. الآن، قولي ما يقلقكِ حقًا.”
عندما سألتُ بحزم على الرّغم من تبريرها الطويل، أغلقتْ ليلي فمها كالمحارة.
إذا كانَ الأمر كذلك، فهناك احتمال واحد فقط.
كما كانَ كايروس يتظاهر بالموت عندما أقول شيئًا، كانَ جاد يفعلُ ذلك مع ليلي.
خاصّةً بعد الزواج، أصبحَ ذلك أسوأ بكثيرٍ ممّا كان عليه أثناء المواعدة.
لذا، كنتُ واثقة أن جاد لن يؤذي ليلي على الأقل.
كانَ السّبب الوحيد لتصرّف ليلي هو جاد.
“ربّما…”
عندما سألتُ بحذر إن كانت مشكلة زوجية، لم تخفِ ليلي تنهيدتها هذه المرة.
“شيء من هذا القبيل.”
على الرّغمِ من أنني توقعتُ ذلك، صُدمت بردّ ليلي.
‘هذا الرجل؟’
لعنتُ جاد في داخلي، لأنني لا يمكنني قول ذلك بصوت عالٍ عن الإمبراطور، و سحبتُ كرسيي أقرب إلى ليلي و سألتها.
“ما الذي حدثَ بالضّبط؟”
“أنا…”
لم تكمل جملتها و تنهّدتْ بعمقٍ مرّةً أخرى.
لاحظتُ أن عيني ليلي بدأتا تمتلئان بالدّموع.
قدّمتُ لها منديلًا بحذر.
ما الذي حدثَ لتظهر دموعها؟
بعد أن حركتْ شفتيها بصعوبة، أخرجتْ ليلي كلماتها بجهد.
“يبدو أنني لستُ مؤهّلةً لأكون إمبراطورة.”
أخفضتْ ليلي رأسها.
فتحت فمي مصدومة، ثم عبست بوجهي.
“ما هذا الكلام؟ مَن قالَ ذلك؟”
لم تُجب ليلي مرّةً أخرى.
هذا جعلني أكثر اقتناعًا بأن الشخص الذي قال ذلك كان جاد.
لم أستطع تصديقَ ذلك.
كانَ جاد هو من يتباهى في كلّ مكانٍ بأن ليلي هي الأنسب لمنصب الإمبراطورة.
بل كنتُ أنا منَ أطلبُ منه الحفاظَ على كرامةِ الإمبراطور.
على الرّغمِ من أنه يتحكّم بنفسه أمام النّاس، كان يعود إلى طباعه في المبالغة عندما نجتمع مع الأصدقاء المقربين في العشاء.
كيفَ يمكنُ لشخصٍ عاقلٍ أنْ يقول شيئًا بهذه القسوة؟
عندما ضغطتْ على ليلي مرة أخرى، أكّدت أن ذلك صحيح.
كانتْ هذه المرة الأولى التي يتشاجران فيها بهذا الحجم، و في حيرتها، لم تفكر إلا بي، فقرّرتْ القدوم إلى هنا على عجل.
علاوةً على ذلك، كانَ سبب الشجار يجعلها غير قادرة على الذّهاب إلى منزل عائلتها.
يبدو أنّ الأمر ليس شيئًا يمكن التغاضي عنه بسهولة.
بمعنى آخر، وجدتـ نفسي متورّطةً عن غير قصد في شجار زوجي……
كنتُ قلقةً على ليلي، لكن هذا الموقف كان جديدًا بالنّسبة لي، مما جعلني مرتبكة.
مدّتْ ليلي يدها و أمسكتْ يدي بقوّة.
“ليلي؟”
“أنا آسفة حقًا، لكن هل يمكنني البقاء هنا لبضعةِ أيّام أخرى؟”
“هنا؟”
بالطبع، هذا ليس مستحيلًا، لكنني تذكرتُ كايروس، الذي كان يلمّحُ طوال العشاء بأنه يتمنى مغادرةَ ليلي.
ومع ذلك، نظرًا لخطورة الأمر، لم أستطع رفض طلب ليلي.
بعد تفكير قصير، تنهّدتُ و قلت
“حسنًا، أخبريني بالتفاصيل أكثر.”
سأحتاجُ إلى إقناع كايروس أيضًا.
ضغطتُ على ليلي لتتحدّث أكثر.
لماذا خرجَ هذا الحديث؟
بدأت ليلي أخيرًا في سرد القّصة.
“تقولين إنكما تشاجرتما بسبب قضية الهجرة؟”
“الأقليات الأخرى كانت على ما يرام، لكن قبيلة هوبسي هي المشكلة.”
“هوبسي؟”
كلمة مألوفة، سمعتها من قبل.
أمَلتُ رأسي متسائلة.
يبدو أنّها ذُكرت من قبل، لكنني لم أتعمق في السؤال، لذا لم أعرف اسم القبيلة، لكنها كانتْ مألوفة بشكلٍ غريب.
أين سمعتها؟
“يقال إنهم يمتلكون عيونًا ترى المستقبل. إنهم أقدم قبيلة، و في الماضي، كانت هناك أوقات تحرّكتْ فيها الأمة بناءً على تنبؤاتهم. لكن ذلكَ كان منذ زمنٍ بعيد جدًا.”
“لكن ما المشكلة؟”
التعليقات لهذا الفصل " 161"