شجار الزّوجين، مِن فضلكما، افعلاه في منزلكما.
اليوم كانَ يوم الموعد الأول بين إستيل و كايروس، كأبٍ و ابنته.
“هل تفكّرينَ في الانضمام إلينا؟”
“قلتُ إنني لن أتدخّل، أليس كذلك؟ اذهبا معًا واستمتعا. مع ابنتكَ. ارتدِ هذه الأزرار. قالت إستيل إنها تريد ربطة شعر بنفسجيّة اليوم.”
عندما قدّمتُ أزرار الأكمام المزينة بحجر بنفسجي صغير، مدَّ كايروس ذراعه نحوي بشكلٍ طبيعيّ.
ثبتُ الأزرار بخفّة، فمدَّ كايروس ربطة عنق نحوي أيضًا.
“…أنتَ تعرفُ كيفَ تربطها بنفسك.”
“لقد نسيتُ.”
“لقد فعلتَ ذلكَ بمفردك حتّى صباح الأمس؟”
“لا أتذكر أنّني فعلتها بالأمس.”
“إذن، ربّما قبل يومين؟ على أيّ حال، لقد فعلتَها منذٌ أيّامٍ قليلة.”
“لا أتذكّر.”
تصرّفَ كايروس بوقاحةٍ مرّةً أخرى.
على الرّغمِ من أنّه يكره ربطها عادةً، كانَ دائمًا يطلب منّي مساعدته في ربطة العنق إذا عرضت مساعدته في ارتداء ملابسه.
واليوم لم يكن استثناءً.
هززتُ رأسي وأشرت له بإصبعي ليخفض رأسه.
انحنى كايروس ليقلّلَ من طوله.
“إذا تصرفت بوقاحةٍ أكثر، سأعاقبك. أنت تُدلّلَ الطّفلة كثيرًا.”
“كلّ ذلك كانَ لأسبابٍ وجيهة.”
“رفضها أكل الفلفل الحلو أو رغبتها فجأةً في تغيير ملابسها بشكلٍ عشوائيّ ليست أسبابًا وجيهة.”
مالَ كايروس برأسه.
“إذن، أنتِ أيضًا…”
“ماذا؟ ماذا قلت؟”
“لا شيء. اربطيها.”
نظرتُ إليه بعينين مرتابتينِ و علقتُ ربطةَ العنق حول رقبته.
لمسة.
قبلَ أن أشدَّ الربطة، خفض وجهه أكثر و قبّلَ جبهتي.
“آه، حقًا.”
“ظننتُ انكِ شددتِها.”
“أعلمُ أنكَ تصبحُ أكثرَ وقاحةً يومًا بعد يوم، أليس كذلك؟”
“مَن يدري؟”
ابتسمَ كايروس بعيونٍ ماكرة، كما لو كان يتباهى.
لم يكنْ ذلك مضحكًا.
كما فعلت في إحدى المرّات، توقفت عن ربط الربطة و حاولتُ خنقه مازحة، لكنّه ضحكَ و كأنه استمتع بذلك، ممّا جعلنِي أشعرُ و كأنّني خسرت.
في النّهاية، ربطت له الرّبطة بعنايةٍ مرّةً أخرى.
“استمتعا.”
“نعم! وداعًا، أمي!”
“و أنتِ؟”
“قلتُ إنني لن آتي. استمتعا بحذر.”
حتّى قبلَ أن يعبر البوابة، حاول كايروس إغرائي بأن نذهب معًا كعائلة، لكنني رفضتُ عمدًا.
كنّا دائمًا معًا كثلاثتنا، لذا شعرتُ أن ذكرى خاصّة بينهما ستكونُ جميلة.
بالطّبع، كانَ هذا الزّوج نفسه الذي أزعجَ موعدنا بين الأم و ابنتها.
وهكذا، خرجَ الأب و ابنته مرتديين ملابس متطابقة و مجوهرات متناسقة.
على الرّغمِ من أن ذلك كانَ مجرّد ملابس سوداء مع أزرار أكمام و ربطة شعر بنفس اللون.
مؤخرًا، و بسبب تغير مفاجئ في ذوقِ إستيل، توقفت عن اختيار الألوان الزاهية و البارزة التي كانت تفضلها، و بدأتْ تختار الملابس ذات الألوان المحايدة فقط.
كانتْ عنيدة للغاية، ترفضُ ارتداء أيّ شيء لم تختره بنفسها، لذا انتهى بنا الأمر إلى السّماح لها باختيار ملابسها…
بدلة سوداء و فستان أسود.
شعر أسود و عيون حمراء ناصعة.
عندما نظرا إليّ هكذا، لم أستطع إلا أنْ أضحك.
“ربما يستمتعان الآن.”
بخلافي، عندما ذهبتُ إلى العاصمة، كانا متجهين إلى فيراريوم.
“لقد أرسلوا خطابًا إليكِ من القصرِ الإمبراطوريّ، سيدتي.”
كانَ اليوم هادئًا نسبيًا، فكنتُ أتناول الشاي ببطء بينما أراجع قائمة مشتريات المواد التي قدمتها السيدة تيني، عندما ناولتني جينجر خطابًا.
“من القصر الإمبراطوريّ؟”
“نعم، هذا شِعار العائلة الإمبراطوريّة، أليس كذلك؟”
كانَ خطابًا من ليلي.
“صحيح. لكن لماذا تراسلني الإمبراطورة… همم؟”
عندما فتحتُ الخطاب، صُدمت بالمحتوى.
“ما الخطب، سيدتي؟”
شككتُ فِي عينيّ.
“…تقول الإمبراطورة إنها تريد زيارة قصر الدّوق اليوم؟”
“ماذا؟ بدون مَوعد؟ هل يمكنني رؤيته؟”
“بالأحرى، الخطاب يسأل إن كنتُ أستطيع دعوتها لزيارة الشّمال اليوم.”
عندما أريت الخطاب لجينجر، عبست.
“…هذا نفس الشّيء. و فِي نفس اليوم؟ نحن لسنا في العاصمة حتّى.”
“بالفعل.”
“هذا واضح، أليس كذلك؟ مِن كلامها ‘سآتي ، فقط وافقي.’ ربما انتهت من التّحضيرات بالفعل؟”
قالت جينجر بنبرة جافّةٍ و مبالغ فيها، ممّا جعلني أضحكِ بينما أميل رأسي متسائلة.
حتّى لو كنا قريبتين، لم تكن ليلي من النّوعِ الذي يتصرّف هكذا.
بالطبع، عندما كانتْ كلّ واحدة ممّا حاملاً ، كنا ندعم بعضنا دون أيّ شروط.
كنتُ قد تسبّبتُ مرّة في أنْ يقتحم كايروس القصر الإمبراطوريّ في منتصف الليل بسببي.
و على العكس، طلبَ القصر الإمبراطوريّ مساعدة عاجلةً في الفجر ذات مرة.
نتيجةً لذلك، نشأت إستيل بصحّةٍ جيدة، و كذلك أطفال الإمبراطور، ابنة و ابن، اللذان وُلدا بصحّةٍ ممتازة.
لكن ذلكَ كانَ في ظروف خاصّة عندما كنا حاملتين.
و مع ذلك، هل كانَ هناك شيء طبيعي بيننا على الإطلاق؟
حتّى الآن، كنا لا نزال ننادي بعضنا بالأسماء بشكلٍ غير رسمي، وهو أمر قد يصدم الآخرين إذا رأوه.
“هل هناكَ شيء ما؟”
بسببِ محتوى الخطاب، بدا الخط نفسه متسرعًا.
تذكرت أن ليلي ذكرتْ منذ فترة أن القصر الإمبراطوري يواجه مشكلةً بسبب قضية هجرة الأقليات المستقلة.
لكن هذه لم تكن قضيّةً يمكنني مساعدتها فيها، ولا شيئًا يمكن لكايروس دعمه، بل كانت مسألة تحتاج إلى الوقت لحلها، لذا اكتفيت بتهدئتها و انتهى الأمر.
إذن، ليس من المحتمل أن يكون هذا هو السبب.
فتحتُ الدّرج و أخرجتُ ورقةً و مغلفًا.
“كيفَ ستردين؟”
“سأدعوها للحضور. يجبُ أن يكون لدى الإمبراطورة سببٌ ما. ليس لدينا شيء اليوم، أليس كذلك؟ سأطلب فتح البوابة تحت الأرض.”
زوجي و ابنتي لن يعودا إلا في المساء.
كتبتُ الرّد بسرعة و سلّمتُ الخطاب إلى جينجر لإرساله فورًا.
* * *
“جلالة الإمبراطورة.”
“همم، شكرًا لدعوتكِ.”
بعد بضع ساعات،
بعد الغداء بوقتٍ طويل، ظهرت ليلي في قصر الدوق برفقة خادم فقط.
بمجرّدِ إرسال الخطاب، فتحنا جميع بوابات النقل، لذا كانَ على ساحر القصر الإمبراطوري فقط تحديد الإحداثيات، ممّا جعل الرّحلة سهلة.
ومع ذلك، لم أتوقع أن تأتي فور استلام الخطاب.
على عكسِ ذلك، بدا وجه ليلي هادئًا تمامًا.
كانتْ تحمل فنجان الشاي بأناقة، دون أيّ علامةٍ على عجلتها.
“جلالة الإمبراطورة، لا يوجد شيءٌ مقلق، أليس كذلك؟”
لإجراء محادثةٍ مريحة، جهّزت مكانًا في الدفيئة الداخلية و طلبت من الجميع المغادرة.
“أي شيء؟”
“لكن لماذا… قلتِ انكِ ستأتينَ اليوم مباشرة، كنتُ قلقةً أن يكون هناكَ أمر كبير.”
“فقط…”
تلعثمتْ ليلي في نهاية جملتها.
عندما أمَلتُ رأسي منتظرة الجواب، تنهّدتْ ليلي بعمق.
“جئت لأنني اشتقت إلى صديقتي، لا يوجد سببٌ آخر. من الأسبوع المقبل، سيكون القصر الإمبراطوري مشغولًا للغاية، لذا لن أتمكّنَ من رؤيتكِ لفترة. فهلاّ تعاملينني براحة؟”
أمسكتْ ليلي بيدي و أخفضت طرفي حاجبيها بحزن.
“هذا ليس صعبًا، لكن هل أنتِ متأكّدة أنّه لا يوجد شيء؟”
“قلتُ إنه لا يوجد. أين الأميرة؟”
كأنّ شيئًا لم يكن، بدأت ليلي تبحثُ عن إستيل.
“خرجتْ للتّو مع كايروس.”
أكّدتْ ليلي أنها جاءت للرّاحة هنا، و بدأت تتحدث عن أمورٍ تافهة.
عندما قالت إنّها تريدُ سماع أخبار الشمال، تخليت عن قلقي و تحدثتُ معها براحة.
قبل أنْ أدرك، كانَ المساء قد حلّ.
كانَ من المفترض أن يعود كايروس و إستيل الآن.
قالا إنهما سيعودان لتناول العشاء.
في الواقع، توقّعتُ عودتهما مبكرًا لأن التعامل مع إستيل صعب، لكن عدم عودتهما حتى الآن يعني أن الموعد ممتعٌ بالتأكيد.
لم تغادرْ ليلي بعد.
لكن كانَ هناك شيء غريب.
وجه ليلي، الذي كانَ مبتهجًا حتّى وقت قريب، أصبح شاحبًا مع مرور الوقت.
عندما سألتها إن كانت تشعر بعدم الراحة، قالت إنه لا شيء.
كانَ خادمها الذي يقفُ بجانبها، مضطربًا، ويلمح بأنه يجب عليهما العودة، لكنها تجاهلته.
الآن بعد أن فكرتُ في الأمر، لم نجلس أبدًا أكثر من ساعتين حتى عندما حددنا موعدًا معًا.
أنا مشغولة بالطّبع، لكن منصب الإمبراطورة ليس من النوع الذي يمكنها تركه بسهولة، و مع وصولها بأقلّ عددٍ من الحراس و الخدم، لم يكن من المتوقع أن تبقى أكثر.
و.كانَ الأمر نفسه عندما أزور القصر الإمبراطوري.
البقاء لفترةٍ طويلة يثير الشائعات بين النبلاء.
بما أنّ الجميع يعرفون صداقتنا، كنّا حريصتين أكثر على التصرف بأدبٍ في الأماكن العامة لتجنب الشائعات حول تفضيل الإمبراطورة لشخصٍ معين.
مهما نظرت إلى الأمر، كانَ هناك شيء غريب…..
“هل هناكَ خطبٌ ما؟”
عندَ سؤالي، أشاحتْ ليلي بنظرها بعيدًا.
التعليقات لهذا الفصل " 160"