هي ترى الألوان؟
“إستيل، ماذا يعني ذَلك؟”
أعاد كايروس حملَ إستيل بشكلٍ أكثر راحة وسألها.
“همم.”
رمشتْ إستيل بعينيها فقط.
“إيدموند، هل تعرفُ ماذا تعني إستيل بكلامها؟”
بما أنّ إيدموند كانَ دائمًا يتولى حماية هايزل و إستيل في قصر الدوق، تساءلَ كايروس عمّا إذا كان يعرف شيئًا و سأله.
“لا، لا أعرف ما تعنيه الآنسة بكلامها. يقولون إنّ الأطفالَ لديهم خيال واسع، فربّما هذا ما تقصده الآنسة.”
“حسنًا، إذن، أي لون ترينه عند والدكِ؟”
“لون دافئ.”
“لون دافئ؟”
“أجل.”
و أضافت، مشيرة بوضوح: “هذا لون كايروس.”
لم تبدُ مستعدّةً لشرح ما هو أو كيف يبدو بالتفصيل.
كانتْ تارّةً تستخدم لغة محترمة، و تارّةً لغة عادية، تناديه تارّة بـ”أبي” وتارّة بـ”كايروس” حسبَ مزاجها، ممّا جعلها تبدو حقًّا كابنته تمامًا دون أيّ مشكلة.
كأنَّ تساؤلات كايروس لا تعنيها، عانقته إستيل بقوّة حول رقبته.
كانَ رينديل قد ذكرَ من قبل أن قوة إستيل السّحرية تنمو بشكلٍ أسرع من نموها الجسدي، فربّما كانت هذه الظاهرة ناتجةً عن ذلك.
“سأسأله لاحقًا.”
في خضم ذلك، شعرَ كايروس بالامتنان لأن إستيل رأتْ لونًا “دافئًا” فيه.
قبل ولادة إستيل، كانتْ هايزل الوحيدة في العالم التي وصفتهُ بالدفء و اللّطف.
والآن، أصبحَ هناكَ شخصان يقولان ذلك.
“إستيل!”
انفتحَ بابُ متجر الملابس.
خرجتْ هايزل مع أحد الموظفين، ونظرتْ حولها قبل أن تستديرَ فجأةً نحو كايروس.
بعد لحظةٍ من المفاجأة، اقتربتْ هايزل وهي تطوي مظلتها و تضعها تحتَ يدها ، كما لو كانتْ تتوقع ذلك.
كانَ كايروس هو مَن تجمّد بعد أن تمَّ اكتشافه.
بـلع.
تحرّكتْ تفاحة آدم في حلقه صعودًا و هبوطًا.
‘ما دام الأمرَ لن يكونَ النّومَ في غرفتين منفصلتين، فلا بأس…’
كانَ مستعدًا لتحمّل التّوبيخ.
“زوجتي، الأمر…”
لكن الخوف يظلّ خوفًا.
“كنتُ أشكُّ فِي ذلك.”
وجّهتْ هايزل نظرةً حادّةً نحوَ كايروس.
انتفضَ كايروس.
تراجعَ إيدموند خطوتين بهدوء لتجنّبِ المسؤولية.
“……”
“كنتُ أتساءل لماذا كانتْ إستيل تقولُ انّ أباها يتبعنا منذُ البداية. هي لم تكنْ تكذب إذن.”
“…كنتُ سأعودُ قريبًا.”
علمَ كايروس أنّ أيّ عذرٍ لن ينفع مع زوجته ، فاستخدمَ إستيل كدرعٍ بمهارة.
“لقد وعدتَ ألا تتبعنا.”
أنا لا أعرفُ شيئًا، سيّدتي.
تراجعَ إيدموند خطوةً أخرى.
“هذا صحيح…”
“إذن مَا هذا الآن؟”
كانتْ هايزل غاضبةً حقًا.
نهضَ كايروس و هوَ يحملُ إستيل.
“كيف لا أنظر إليكما و أنتما ترتديان ملابسَ بهذا الجمال؟ و اليوم الجوّ مشمس أيضًا. كنت سأنظر إليكما قليلاً فقطْ ثم أعودُ للعمل.”
أقسمَ أنّ هَذا صحيح.
استخدمَ كايروس وجههُ الذي تحبّه هايزل كسلاحٍ، محاولًا كسبَ تعاطفها و هو ينظر في عينيها.
“هل هَذا عذر؟”
“كنتُ حقًا سأنظر قليلاً فقط. و بالطّبع، أنا أعترف بخطأي.”
ارتعشَ حاجبا هايزل.
“حقًا؟”
“بالطّبع.”
فِي الحقيقة، كانَ ينوي البقاء حتّى النهاية.
العالمُ مَليءٌ بالمخاطر.
بصراحةٍ ، شعرَ بقليلٍ من الظّلم.
لقد أخذتْ كلّ الحرّاسِ معها لكنها رفضتْ زوجها بشكلٍ قاطع.
“هاه، حقًا…”
لحسنِ الحظ، كانَ الدّرع لا يزال في حضنه.
“كتاب أعطيتني إيّاه يقولُ انّ الخلاف بين الوالدينِ يؤثر سلبًا على استقرار الطّفل عاطفيًا…”
نظرت هايزل إلى كايروس بنظرةٍ تعني “أنتَ مَن بدأ”.
“…سأطلبُ العفو كثيرًا عندمَا نعود إلى المنزل.”
استدارتْ هايزل فجأةً، تاركةً كايروس.
في تلكَ اللّحظة، ظنّ أنّها غاضبة حقًا.
“تعالَ بسرعةٍ مع إستيل. لا يزال هناكَ الكثير لنفعله.”
عندَ هذهِ الكلمات، وقفَ كايروس على الفور بجانبُ هايزل.
عندما اقتربا حتى لمست ذراعاهما بعضهما، انفجرت هايزل ضاحكةً.
“سأفعلُ كلَّ ما تريدينه.”
“حسنًا، مقبول.”
كانتْ زوجته ملاكًا بلا شكّ.
* * *
بفضلِ الضّيف غير المدعو، تحوّلَ الأمر إلى نزهةٍ عائليّة.
كانتْ إستيل تقول دائمًا انّ أمها هي الأفضل في العالم، لكنها الآن كانتْ متعلّقةً بكايروس، تسحب خديه و تثير الفوضى.
كانَ ذلكَ مذهلاً دائمًا.
الرّجلُ الذي يخافهُ الجميع، و الذي كنتُ أراهُ بأنه الأكثر إثارة للخوف بالنّسبة لي، كانَ يحبُّ ابنته بهذا الشّكل.
علَى الرّغمِ من أنّ ملابسَ كايروس كانت غالبًا مبلّلةً بلعاب إستيل، لم يُظهر أيّ علامة انزعاج.
كأنَّ الأمر كانَ مخططًا له، قضوا المساءَ معًا في نزهةٍ ثلاثيّة.
عندَ غروب الشمس، غفتْ إستيل كما لو أنها فقدت وعيها، فحملَها كايروس طوالَ الوقت.
في النّهاية، لم أتمكّنْ من اختيار هديّة ذكرى الزواج.
مع وجودِ كايروس ملتصقًا بي، كانَ مِن المستحيل تقريبًا تحضيرُ هديّة سرًا.
في تلكََ الليلة،
“قالت إنها ترى الألوان؟ آه، ابتعد قليلاً، كايروس.”
حاولتُ دفع ذراعي كايروس اللذين كانا يتشبّثان بي بإصرارٍ و استدرت.
كانتْ يدي مسجونة في يده منذُ البداية.
“يمكننا التّحدث هكذا.”
كانَ يشتكي من أنّه لم يتمكّن مِن إمساكِ يدي بشكلٍ صحيح بسبب حمل الطّفلة طوال اليوم، و بعد الاستحمام، كنتُ في حضنه طوالَ الوقت.
“لا، قد تكونُ مسألةً خطيرة… آه، كايروس، أرجوك!”
عندما عضَّ أذني، خرجتُ من حضنه تمامًا و جلست مقابله ، فظهرتْ نظرةُ أسفٍ في عينيه.
“أجل، قالت إنها عرفتني لأنّها رأتْ لوني.”
“لا أفهمُ ماذا تعني…”
بعد المزيدِ من الشّرح، تمكّنتُ من فهم ما كان يقصده كايروس.
عادةً، كنّا نطلبُ مساعدة رينديل بدلاً من الطبيب في مثل هذه الأمور الخاصة، لكن بما أنه كانَ شديد الحماس، كنتُ متردّدة في السّؤال.
لكن إذا كانَ هذا بسبب قدرات إستيل السٌحرية، فقد يكون من الأفضل اتّباع نهج رينديل.
و بعد بضعة أيّام،
ذهبنا إلى برج السّحرة بسببِ أمر إستيل.
لحسنِ الحظ، لم تكن قصّة الألوان التي أثارت قلقنا مشكلةً كبيرة.
خلال الأيّام التي سبقت تحديد الموعد، كنت أعاني مِن القلقِ المستمر.
حتّى عندما كانت في بطني، كنتُ دائمًا خائفةً من أن يصيبها مكروهٌ بسببي، وكنتُ أخشى أن يتكرّرَ ذلك.
منذُ ولادة إستيل، ازدادتْ مخاوفي.
عندما قيل إنّ ما حدثَ لإستيل هو أمرٌ طبيعيّ يمر به السّحرة الصغار، شعرتُ براحة فورية.
بعد المناقشة مع رينديل، قرّرنا أن تبدأ تعلّم أساسيات استخدام السحر مبكرًا قليلاً.
في اليوم الذي تعلمت فيه إستيل أولى مهاراتها السّحرية،
كانتْ تضحكُ بمرحٍ طوال الوقت، مستمتعة كأنها تلعب، حتّى غفت من الإرهاق.
على النّقيض، كنتُ متوتّرةً طوال اليوم، وعندما وصلتُ إلى المنزل، غفوتُ حتّى المساء دون أيّ كرامة.
بالطبع، لم أحافظْ على كرامة الدّوقة و لو لمرّةٍ واحدة…
استيقظتُ أخيرًا في وقت متأخرٍ من المساء.
“أين ذهبا؟”
لم أرَ إستيل و لا كايروس.
“ليسا في غرفة إستيل أيضًا.”
بعد أن رتّبت نفسي ، ألقيت شالًا خفيفًا و خرجت.
عندما سمعتُ من الخادمة أنّهما أخذا وجبةً خفيفة إلى الدفيئة الداخلية، توجهتُ إلى هناكَ مباشرةً.
كانَ الباب مفتوحًا، و سمعتهما يضحكان بصوت عالٍ حتّى مِن بعيد.
دخلتُ بهدوء، فرأيت إستيل راكبة على كتفي كايروس كمَا لو كانتْ تلعب لعبة الحصان.
يبدو أنّها أرادتْ الوصول إلى زهرةٍ عالية في الدفيئة.
“أكثر!”
“أكثر؟”
“أجل!”
“لا، إنّه خطير. هل ننزلُ الآن؟”
بعد نقاشٍ قصير، عادا للضّحك بمرح.
عندما خطوتُ خطوةً أخرى، نظرَ كايروس نحوي.
“كنتِ نائمةً بعمق، فلم أوقظك.”
“توقّعتُ ذلك. يبدو أنّها تريدُ تلكَ الزهرة.”
كانَت هناك نبتة زهرة الصباح تظهر في سقف الدفيئة تقريبًا.
كانَت مرتفعةً جدًا، فكيف وصلاَ إلى هناك؟
كانتْ هناك زهرة واحدة فقط تتفتّحُ في الأعلى.
“كنز.”
مدّتْ إستيل يدها نحو الزّهرة.
“كنز؟”
“أجل، لأنّها جَميلة.”
“من أين تعلّمتِ هذه الكلمة؟ إستيل، إنّه خطير، فلننزل الآن.”
منعها كايروس مِن مَدّ يدها لأنّها خطرة، لكن في تلك اللّحظة، بدأت زهرة الصباح في السّقف تسقط ببطء.
بشكلٍ عجيب، لم تسقط علَى الأرض، بل هبطت على يد إستيل.
“…..”
نظرت إلى المشهد بعيون لا تصدّق.
كذلكَ فعلَ كايروس.
“إستيل؟”
هل استخدمتْ السّحرَ بالفعل؟
لم يكنْ هناك تفسير آخر.
هل ابنتنا عبقرية حقًا… أم لا؟
“هديّةٌ لأمي.”
نزلتْ إستيل، التي كانت تبذل جهدًا للوصول إلى الزّهرة، من على كتفيه و استلقت في حضنِ كايروس.
مدّتْ إستيل زهرة الصّباح إليّ بلا مبالاة.
تلقّيتُ الزهرة بوجهٍ مصدوم.
“ألم تقولي إنها كنزكَ، إستيل؟ هل يمكنكِ إعطاءها لوالدتكِ؟”
“أجل، لأنَّ أمي أفضل.”
“…..”
ابتسمتْ إستيل بأجملِ ابتسامة رأيتها على الإطلاق.
كانتْ تلك الابتسامة محبوبة لدرجةٍ لا تُطاق.
عانقت كليهما و أنا أمسكُ زهرة الصباح بحذر.
“أمي لديها كنزٌ أيضًا.”
“والدتكِ أيضًا؟”
“أجل، أبي و إستيل هما كنز أمي.”
عندها، ضحكتْ إستيل ببراءة أكبر، وبدا كايروس مندهشًا بعيون مستديرة.
ثم ابتسما لي بنفسِ الوجه تقريبًا.
عانقتهما بقوّةٍ أكبر.
التعليقات لهذا الفصل " 159"