انتظرتُ قليلاً، لكنّ ردَّ كايروس كان يتأخّر.
هل يُعقل أنّه لا زال حقًّا لم يقرّر؟
يبدو أنّ تفكيره امتدّ كثيرًا.
“ماذا لو سمَّيناها إستيل؟ أعتقد أنّ هذا الاسم أصبح مألوفًا الآن و يبدو جيّدًا. نحن من اخترناه أيضًا، أليس كذلك؟ و معناه جميل.”
“…….”
لم يُجب كايروس مجدّدًا.
كانَ هوَ من يُجيب على كلّ كلمةٍ أقولها دون أن يُفوّت شيئًا.
حقًّا، هل الأمر يستحقّ كلّ هذا التّعبير الجادّ؟ انفجرتُ ضحكًا.
حسنًا، حتّى لو تأخّرنا في تسمية طفلتنا، فلن تذهب إلى أيّ مكان.
على الأقل، إذا قُمنا بتسميتها قبل عيد ميلادها القادم، سيكون ذلك كافيًا، أليس كذلك؟
لماذا يجب أن نكون مثل الآخرين؟ ضحكتُ في سرّي و أَنا أنظر إلى كايروس الذي لا يزال وجهه جادًّا.
* * *
مرّ أسبوعٌ آخر.
“إستيل.”
بعد تفكيرٍ طويلٍ من كايروس، و بشكلٍ مضحك، انتهى الأمر بتسمية طفلتنا إستيل، كما كان اسمها عندما كانت في بطني.
بعد نقاشٍ طويل ، قرّرنا ذلكَ أخيرًا.
على أيّ حال، اسمها عندما كانت مجرّد جنين تمَّ اختياره بعنايةٍ فائقة.
“يبدو أنّ السيّدة إستيل في مزاجٍ جيّد اليوم أيضًا.”
“بالفعل، إنّها تبتسم اليوم بجمالٍ أكثر.”
حتّى بين الخادمات، أصبحَ اسم الطّفلة إستيل يُستخدم بشكلٍ طبيعيّ.
لم يكن إيدموند و جينجر، اللذان يزوران الطّفلة مرّةً يوميًّا، مختلفين عن ذلك.
كذلك السّيّدة تيني، و آني التي تَأتي أحيانًا للزّيارة، كانتا تُناديانها بهذا الاسم.
أنا أيضًا ، بعدَ أن ناديتُها بهذا الاسم لفترةٍ طويلة، شعرتُ أنّه صارَ اسمها الحقيقيّ، لذا اقترحتُه على كايروس أوّلاً.
لاحقًا، اعترفَ كايروس أنّ الاسم الذي أطلقناه عليها عندما كانت جنينًا كان يعجبه، ممّا جعله يفكّر أكثر.
على أيّ حال، أصبح لدينا أخيرًا اسمٌ لطفلتنا.
“إستيل.”
نظرتُ إلى وجه الطّفلة الجميلة و هي تُحرّك فمها وأنا أناديها.
هذَا الشّعور الذي يُزيل الهموم بمجرّد النّظر إليها.
إنّني أحمل أثمن شيءٍ في العالم.
من أجل هذه الطّفلة، يُمكنني فعلُ أيّ شيء، هذا الشّعور الغريب.
كنتُ أشعر به في كلّ مرّةٍ أحملها فيها.
“إستيل.”
كنزي.
ناديتُ علَى اسمها مرّةً أخرى.
* * *
مرّ عامٌ منذ وُلدت إستيل.
اليوم أيضًا ، كان جهاز الاتّصال يومض دون توقّف.
منذ أشهرٍ تقريبًا.
لم يكن هناك يومٌ يتوقّف فيه الجهاز.
المصدر كان واحدًا فقط.
رينديل من برج السّحر.
“يبدو أنّه سيد البرج مجدّدًا.”
عندما لمْ أمدّ يدي نحو جهاز الاتّصال بسهولة، قالت جينجر و هي تنظر إلى الضّوء المتلألئ.
“أجل، صحيح.”
“حقًّا، إنّه مُلحّ جدًّا. ألن ينتظر حتّى نطلب منه ذلك في الوقت المناسب؟ السيدة قالت ذلك أيضًا، أليس كذلك؟”
“أجل، لكنّه يبدو طمّاعًا. يقول إنّ التّعليم المبكّر مهمّ أو شيءٌ من هذا القبيل.”
كان سبب اتّصال رينديل بي واحدًا فقط.
إستيل.
بالأحرى ، بسبب القوّة السّحريّة التي تمتلكها إستيل.
و ليست قوّة سحريّة سوداء مثلي، بل قوّة سحريّة نقيّة.
كان ذلك حقًّا مثل بركة.
لم أشعر بالخجل من سحري الأسود أبدًا، لكنّني تمنّيتُ ألّا ترثها طفلتي.
لذا، عندما كنتُ حاملاً بها، و كُنتُ مريضةً، كنتُ قلقةً جدًّا.
الذين يملكون السّحر الأسود غالبًا ما يُنظر إليهم بنظراتٍ متحيّزة.
خاصّةً أنّ قوّة المعبد و الشّيطان، اللذين جرّا الإمبراطوريّة إلى الجحيم ذات مرّة ، كانت تُعتبر سحرًا أسودًا ممّا جعل الأمر أسوأ.
بسبب ذلك، كدتُ أفقد حياتي بعد أن دخلتُ في صراعٍ مع العائلة الإمبراطوريّة، لذا لم أكن سعيدةً بفكرة أن تمتلك طفلتي هذه القوّة.
على أيّ حال، احتمال وراثة السّحر الأسود كان نادرًا للغاية.
قال رينديل إنّ منَ الصّعب جدًّا أن يُولد طفلٌ بقدراتٍ سحريّة من أبٍ محصّن ضدّ السّحر مثل كايروس و أمٍّ تملك سحرًا أسودًا مثلي.
في الواقع، بين السّحرة، ليس من المفاجئ أن يُولد طفلٌ بقوّة سحريّة، لكن في حالاتٍ أخرى، إمّا أن تكون القوّة ضعيفةً جدًّا أو غائبةً تمامًا.
لا أدري إن كانت بركةً ، أو أنّ كلام رنديل كان صحيحًا، أو أنّ أمنيتي تحقّقت، لكنّ الطّفلة، لحسن الحظّ، لم ترث السّحر الأسود.
بدلاً من ذلك، وُلدت بقوّة سحريّة نقيّة، لذا كان من الطّبيعيّ أن يطمع رنديل فيها.
بالطّبع، من النّاحية التّعليميّة، كموهبةٍ.
“إنّها عبقريّة. لم أرَ ساحرًا يستطيع تثبيت السّحر بنفسه قبل ولادته. لذا، يا دوقة، يجب أن تُعلّم الأميرة كيف تتحكّم في السّحر بسرعة…”
حتّى لو وُلد المرء بقوّة سحريّة، فبدون تعليمٍ لن يَعرف كيفَ يستخدمها، و لن تظهر على الفور، بل تحتاج إلى مساعدة ساحرٍ آخر.
لكن إستيل، استوعبت ذلك و هي في رحمي، و جعلت القوّة السّحريّة ملكها بالكامل.
لم يكن من الممكن أن يغيب ذلك عن رنديل، الذي كان يزور قصر الدّوق لفحص صحّتي.
الآن، أدركتُ سبب مرضي الشّديد بعد الولادة.
أوصى رنديل بتجربة التّعليم المبكّر لإستيل.
“صراحةً، هذه الظاهرة لم أراها من قبل. لذا، التّعليم و البحث أكثر أهميّة…!”
لم أرغب في تعليم طفلةٍ تبلغ من العمرِ عامًا واحدًا فقط أمورًا مثل البحث السّحريّ أو الدّراسة.
كان كايروس يشاركني الرّأي، لذا يعرف رينديل أنّ زيارة قصر الدّوق لن تُفيد ، فكَان يتواصلُ معي بالإتصال.
لم أردّ على اتّصالات رينديل لأشهر.
مرّ عامٌ منذ ولادة إستيل، و أصبح مقدار القوّة السّحريّة بداخلها ملحوظًا جدًّا.
بل إنّ هذا المقدار يزداد يومًا بعد يوم.
ومض جهاز الاتّصال ثمّ انطفأ، ثمّ بدأ يومض مرّةً أخرى.
“حقًّا، إنّه مُلح جدًّا اليوم.”
قلتُ لهُ مرارًا حتّى سئمت أذناه أنّني سأرسلها إلى برج السّحر عندما تكبر و ترغب في التّعلّم بنفسها.
هزّت جينجر رأسها.
“يبدو أنّه يرتدي ملابس فوضويّة، لكنّ شغفه بالتّعليم هائل!”
“همم، أسلوبه مبهرجٌ بالفعل.”
تذكّرتُ رينديل الذي يرتدي دائمًا ملابس ملوّنة كقوس قزح.
كَان قد أضاف المزيد من الثّقوب في أذنيه، وصل مجموعها إلى عشرة أقراط كبيرة و صغيرة، و كانت معاطفه دائمًا حمراء أو زرقاء أو ورديّة، أكثر بهرجةً من الحرباء.
إضافةً إلى نظراته المنحلّة نوعًا ما، كانت تضاف إلى أسلوبه.
كان من المدهش أن يكون شخصٌ كهذا جادًّا في أبحاث السّحر، لذا لم يكن غريبًا أن تتفاجأ جينجر.
انطفأ جهاز الاتّصال مجدّدًا.
استغللتُ تلكَ اللحظة و نهضتُ.
لأقلّل من شعوري بالذّنب قليلاً.
على الأقل، يجبُ أن أتظاهر بالانشغال.
“إذا رنّ مجدّدًا، قولي إنّني خرجتُ.”
طلبتُ ذلك من جينجر، ثمّ غادرتُ المكتبة بسرعة.
* * *
“آه، يا سيّدتي الصّغيرة! الرّكض هكذا خطر!”
نهض سِـد فجأةً عندما رأى إستيل تندفع للأمام كالبرق.
إستيل، التي بلغت الخامسة الآن، أصبحتْ خطرًا يختفي بمجرّد أن نغفل عنها.
ركض سِـد بسرعة و وضعَ يديه ذراعي إستيل، رافعًا إيّاها.
تدلّى جسدها الخفيف في الهواء.
“سِـد، أنزلني!”
أبدت إستيل، و هي تتدلّى، استياءها بصوتٍ واضحٍ ونقيّ. نظرت إلى سِـد بعبوس.
ارتجف سِـد و تجمّدَ جسده.
‘كيف يمكن للسيّدة الصّغيرة أن تشبه السّيّد لهذه الدّرجة؟’
شعر إستيل الأسود القصير، الذي كان كحبّة البازلاء، أصبح الآن طويلًا بما يكفي لربطه.
عيناها الحمراءان الطويلتان تشبهان كايروس أكثر فأكثر، و عندما تعبّر عن استيائها أو تكون بلا تعبير، يجعلني ذلك أرتجف دون إرادة.
حتّى سرعة نموّها تشبه والدها تمامًا، فهي تنمو أسرع من الأطفال الآخرين.
“يجب أن تبقي في الغرفة فقط. الخارج خطرٌ جدًا.”
توسّل سِـد و هو يلهث.
لم تمرّ ساعة منذ أوكل إليه المهمة، لكنّه شعرَ و كأنّه ركض مئة متر عدّة مرّات.
و مَع ذلك، من غير المحتمل أن تستمع إستيل إليه.
اليوم، كان على السّيّد و السّيّدة الذهاب إلى العاصمة لأمرٍ مهمّ، و لنْ يعودا قبل المساء المتأخر على أقلّ تقدير، لذا أوكلا لسِـد رعاية الطّفلة.
لكن، بمجرّد أن يغفلَ عنها، كانت تختفي. و هذا ما جعله يتصبّب عرقًا.
في وقت سابق، عندما ذهب لإحضار لعبة طلبتها إستيل، فتحتْ الباب و خرجت.
“ماذا تفعل؟”
دخلتْ إيميلتا حاملةً صينيّةً، و رأت سِـد في حالة ذعر و سألته.
“أنقذيني!”
توسّلَ سِـد إلى إيميلتا بمجرّدِ أنْ رآها.
التعليقات لهذا الفصل " 155"