‘لِماذا الآن بالذّات؟’
كنتُ أعاني مِن هذا الألم أحيانًا، فحاولتُ حماية بطني كَما لو كُنتُ دودة، متكوّرة على نفسها أكثر.
تجمّعتْ قطرات العرقِ البارد على طرف ذقني بسرعة.
كانَ الألم سيتلاشى قريبًا، فلم أرٌد إيقاظ كايروس، وَ حاولتُ كبحَ الألم بهدوء قدرَ الإمكان.
كانَ قد أمضى وقتًا طويلًا في تدليكِ معدتي و قدميّ لأنّني لم أكنْ أنامُ جيّدًا مؤخرًا، و لم تمضِ ساعة حتّى منذ أنْ غفَى.
“آه…”
لكن الألمَ هذهِ المرّة كانَ مختلفًا عن المعتاد.
تحوّلَ الألم الحادّ الذي كانَ يشبه الوخز إلى شيء لا يُطاق.
‘هناكَ شيء غير طبيعيّ.’
شعرتُ بهذا من قبل، لكنّه كانَ محتملًا، وحتّى لو استمرّ قليلًا، كانَ مجرّد إزعاجٍ خفيف يزول خلال دقائق.
لم نَجد السّبب بعد، لكنّنا وضعنا عدّة احتمالات فِي الاعتبار.
كان رأي رينديل هو الأكثر منطقيّة بالنّسبة لي.
قال رنديل إنّ الطّفل، مع نموّه، ربّما يتفاعل مع السّحر الأسود الذي أَمتلكه.
عندما سألته إنْ كان ذلكَ يعني خطرًا محتملاً، وهل يمكننا قمع هذه القوّة لحماية الطّفل، أجاب بالنّفي.
بل قال إنّ الطّفل قد يكون يحاول امتصاص قوتي السّوداء.
بما أنّ لديه نفس القوّة التي أمتلكها، اقترحَ أنْ نراقبَ الوضع أكثر.
لذا، توقّفتُ منذ فترة طويلة عنْ تناول الأدوية التي قد تقمع هذه القوّة ، لأنّها قد تزيد من إزعاج الطّفل.
لكن عندما طالَ الألم خلافًا لتوقّعاتي، بدأ القلق يتغلّبُ على الألم.
في النّهاية، استدرتُ بصعوبة وَ أيقظتُ كايروس.
كانَ يستيقظ عادةً بأدنى حركة، لكنّني نمتُ بعيدًا عنه اليوم عمدًا.
ما إن لمستُ يده حتّى فتح عينيه و كأنّه كان ينتظر.
“هايزل.”
ناداني بصوتٍ عميق و مبحوح وهو ينهض .
“كايروس، أنا…”
عندما عادَ الألم بشدّة و أمسكتُ ذراعه القويّة بقوّة، شعرَ بشيء غريب فاحتضنني و حَاول فحص حالتي.
“هايزل، انظري إليّ. أين تتألّمين؟”
بينما كانَ يسأل، كانت يده الأخرى تسحب حبل الجرس.
“الألم في بطني شديد جدًا… أنا أتألّم كثيرًا… الطّفل، الطّفل في خطر…”
أردتُ أن أطلب منه فعل شيء، أن يستدعي الطّبيب لأنّ الطّفل قد يكون في خطر، لكن الألمَ اشتدّ فجأةً و فقدتُ الوعي.
* * *
بعد ثلاثة أشهر.
ما زلتُ لا أصدّق المشهد الذي أراه يوميًا، لكنّه يبدو مناسبًا جدًا و مضحكًا، فلم أستطع كبحَ ضحكتي.
“توقّف عن النّظر. سيتآكل وجه طفلتنا.”
“سأنظر قليلًا ثمّ أذهب.”
و مَع ذلك، لماذا يحملها مجدّدًا؟
بعد أن جعلتها تنام بصعوبة، ما إن تحرّكت الطّفلة قليلًا حتّى خفتُ أن تستيقظ، حَملها كايروس على الفور، فتذمّرت.
في اليوم الّذي فقدتُ فيه الوعي من الألم، ظننتُ حقًا أنّني سَأموت.
حتّى عندما قاتلتُ الوحوش تحمّلتُ تلك المخاطر، لكن هذه المرّة شعرتُ بالخوف حقًا.
خوفٌ منْ أنْ يُصيبَ الطّفل مكروه.
خوفٌ مِن أنْ أموتَ و أتركَ كايروس.
كنتُ أعلمُ أنّ كايروس لنْ يسمح بذلك أبدًا، لكن قلبي كانَ يشعر بهذا الخوف.
كنتُ خائفة جدًا، وَ حتّى الآن، التّفكير في مشاعر ذلكَ اليوم يرهقني نفسيًا.
“إنّها تحبّ النّوم في حضني.”
كما لو كانتْ تثبت أنّ كلامه ليس كذبًا، نامت الطّفلة بعمقٍ في حضن والدها.
بسبب حجمه الكبير، بدا كأنّه يحمل جندبًا على شجرة عتيقة.
و مع ذلك، كانَ يحرص حتّى على عدم إصدار صوت تنفّس خشية أن يصيبها مكروه.
“بالطّبع.”
في النّهاية، تخلّيتُ عنْ محاولة إيقاف كايروس.
كيف يحبّها بهذه الطريقة، و معَ ذلك قال إنّني الأولويّة، و إنّه يمكن أن يتخلّى عن الطّفل من أجلي؟
إنّه أمر مذهل.
في النّهاية، تعافيتُ، و وُلدت طفلتنا بسلام.
بالطّبع، لم تكن العمليّة سهلة.
كانتْ خطيرة حقًا.
عندما استعدتُ وعيي، كانَ الألم لا يزال مستمرًا، و كانَ حولي كايروس و العديد من النّاس.
لم يكتفوا بأطبّاء بارعين و ثلاثة سحرة من برج السّحر، بل حتّى السّيّدة تيني و كبير الخدم لم يغادرا جانبي.
كأنَّ كلانا أنا و الطّفلة كنّا نرفض بعضنا بعضًا، بدأت القوّة السّوداء تتصرّف بعنف.
“إذا استمرّ الأمر هكذا، قد تصاب السّيّدة بصدمة.”
قال جميع الأطبّاء إنّني و الطّفلة في خطر، و اقترح رينديل تهدئة القوّة الجامحة بهدوء قدر الإمكان.
خوفًا من أنْ أكون على وشك الانهيار، أجبرتُ كايروس، حتّى في تلكَ الحالة، على أنْ يَعدَني بإنقاذ الطّفلة أوّلًا.
“كلّ شيء سيكون على ما يرام. سأحميكما كلاكما، لذا من فضلكِ لا تقولي هذا.”
فقدتُ الوعي و استعدته مرارًا معَ وعده الثّابت.
لا أعرف كيفَ مرَّ ذلكَ الشّهر.
كانَ وقتًا طويلًا لدرجة أنّني لم أستطع إهمال تنفّس واحد.
حضّرْنا كلّ شيء لصالح الطّفلة قدر الإمكان، لكن الألم عاد، و بِسبب تدهور حالتي، وُلدت الطّفلة قبل عشرة أيّام من الموعد المتوقّع.
و معَ ذلك، كأنّما تمّت استجابة أمنياتي، وُلدت الطّفلة بصحّة جيّدة جدًا.
كانت تشبه كايروس تمامًا بشعرها الأسود و عينيها الحمراوين.
“إذا وُلد الطّفل، أتمنّى أن يشبهكِ تمامًا، هايزل.”
“أتمنّى أن يشبهكَ أنتَ. هكذا لن أقلق بشأن مظهره في المستقبل.”
“لا، أتمنّى أن يكون له عينان ذهبيّتان قبل أيّ شيء.”
كايروس كانَ يتمنى للطفل أيضًا بأن يشبهني.
لكن الطّفلة ، و كأنّها تسخر من تلك الأمنية، وُلدت بوجه يشبه والدها تمامًا.
حتّى حاجباها الخفيفان كانا يرتفعان بنفس طريقة كايروس.
“واإ!”
أتذكّر ذلك بوضوح.
ما إن خرجت الطّفلة منّي حتّى بكتْ بصوت عالٍ و كأنّها كانت تنتظر.
كأنّها كانت تصرخ”الحريّة!”، فضحكتُ رغم وعيي المتقطّع.
أمسكَ كايروس يدي طوالَ الوقت حتّى خرجت الطّفلة سليمة، و لمْ يتركها أبدًا.
كانَ معي من بداية ولادة الطّفلة حتّى نهايتها.
عندما وُلدت الطّفلة، بكى كايروس كثيرًا أمامي.
كنتُ سعيدة أنّ دموعه الصريحة لم تكنْ حزينةً بعد الآن.
* * *
ما إن وُلدت الطّفلة ، تعافى جسدي بسرعة مذهلة.
“انظري إلى شكلِ فمها.”
أراني كايروس الطّفلة التي كانَ يحملها.
كانت الطّفل تحرّكُ فمها و كأنّها تحلم.
“إنّها طفلتِي ، لكنّها حقًا جميلة جدًا.”
كانت الطّفلة جميلة لدرجة جعلت كلّ تلك المعاناة تبدو تافهة.
بعد ولادتها، عرفتُ أخيرًا سبب تلك المعاناة.
لم تُولد الطّفلة بسحرٍ أسود .
لكنها لم تكن مثل كايروس الّذي لا يشعر بالسّحر.
بل وُلدت بقوّة هائلة.
“يبدو أنّ السّحر الأسود الذي تمتلكينه لم يعجبها كثيرًا. هذا هو التّفسير الوحيد…”
السّحر الأسود و السّحر العادي يختلفان في طريقة التّعامل و الطّباع، لكن طبيعتهما الأساسيّة متشابهة.
لذلك، وُلدت الطّفلة بقوّة مشابهة لي و لكنّها مختلفة.
لا تزال لا يعرف ماهيّة قوّتها، لكنّها تبتسم بوجهها الجميل.
“في المستقبل، سأدعم الأميرة لتصبحَ موهبة في برج السّحر…”
توقّعَ رينديل إمكانيّات الطّفلة، لكنّه طُرد على الفور.
“ألا يجب أن نختار اسمًا للطّفلة الآن؟ هل ما زلتَ تفكّر؟”
سألتُ كايروس و هوَ منغمس تمامًا في الطّفلة.
على الرّغم من ولادة الطّفلة، قال كايروس أنّ علينا اختيار الاسم بعناية، فأجّلنا الأمر حتّى مرّ شهران.
لا يمكننا الاستمرار في مناداتها بالصّغيرة.
نحن نناديها باسمها المؤقّت إستل، لكن ألا يجب أن يكون لها اسم رسميّ الآن؟
لا يمكن أن يكون لا يزال يفكّر، أليس كذلك؟
كايروس الذي بَدا أكثرَ حذرًا من أيّ وقت مضى كان مضحكًا، لكنّني خشيتُ أنْ يمرّ عام دونَ اختيار اسم.
التعليقات لهذا الفصل " 154"