كيف يمكن أن يخرج مثل هذا الكلام وسط نقاش مهمّ؟
بالطّبع، أعلم أنّ كايروس يكره إيميل بشدّة.
لكنّه ليس شخصًا عاديًا، إنّه ابن أخ كبير الخدم، فلا بأس بإجراء محادثة معه!
وماذا لو شَعر بالغيرة؟
لقد شعرتُ بالإحراج حقًا.
لم يسألني إيميل سوى عن أحوالي.
“أهنّئكِ على حملكِ ، أيتها الدّوقة!”
“شكرًا. سأطلب من الخدم نقلَ الأغراض الّتي أحضرتها.”
“إذا احتجتِ إلى شيء، لا تتردّدي في استدعائي.”
كيف أبدو إذا هاجمه كايروس بوقاحة و أظهر كرهه علنًا؟
كان كايروس دائمًا يحذرُ من الرّجال الّذين يقتربون منّي، لكنّه كان قاسيًا بشكل خاصّ مع إيميل.
لا يزال وجهي يشتعل خجلًا.
أنا الدّوقة، رغم ذلك.
حتّى عندما حاولتُ تهدئة الموقف بابتسامة، هيئته المخيفة أجبرت إيميل على المغادرة دون أن يكمل تحيّته.
في العادة، ربّما كنتُ سأتجاهل الأمر، لكنّني أصبحتُ حسّاسة لأقلّ تغيير في الأجواء، كمن يتأثّر بالفصول، و تتقلّب مشاعري بشدّة.
“هايزل، أنا المخطئ، لكنْ لماذا ذلك الرّجل يتحدّث إليكِ…”
“اخرج، لا أريد الرّد.”
مرّت موجة من البرودة بيننا.
* * *
بعد نصف شهر.
كنَّا نتجادل مجدّدًا لسبب آخر.
“لم أقصد ذلك. لو أصبحتِ في خطر ولو قليلًا…”
كنتُ أعلم أنّ كايروس يحاول تهدئتي بأيّ طريقة.
“لقد بدا لي أنّكَ قصدتَ ذلك تمامًا.”
كنتُ أظنّ أنّ كايروس يشعر مثلي.
حتّى هذا الصّباح، لم يكن الأمر كذلك.
شعور الحزن الّذي سبّبه قراره المتسرّع جرحني.
قبل ثلاثة أيّام تقريبًا، كنتُ أشعر بالذّنب لأنّني كنتُ أغضب منه أو أبكي لأسباب تافهة.
لذا حاولتُ جاهدة تهدئة مشاعري المتقلّبة.
“هايزل، يبدو أنّكِ تعانين مِن الحمّى.”
“أشعر فقط بثقل في جسدي. ربّما لأنّني بقيتُ في المكتبة حتّى وقت متأخّر بالأمس؟ لستُ مريضة.”
لكن حالتي كانت تتدهور تدريجيًا، و منذ اللّيلة الماضية، أصبحت أسوأ بوضوح.
كان جسدي ثقيلًا كأنّه مبلّل بالماء، و شعرتُ بألم خفيف.
لاحظ كايروس ذلك بسرعة و استدعى الطّبيب مرّتين، لكنّ قال في تلك المرّتين إنّه لا يوجد شيء خطير.
“منذ متى وأنتِ تعانين من هذه الأعراض؟”
“منذ ثلاثة أو أربعة أيّام تقريبًا. كنتُ أتحمّلها حتّى الأمس، لكن اليوم أشعر بصعوبة أكبر.”
استمرّ الأمر حتّى اليوم، فاستدعينا الطّبيب الرّئيسي و رينديل مجدّدًا. شعرتُ بالإحراج و الأسف للحظات، لكن تأكّد أنّ حالتي ليست جيّدة.
بعد غثيان خفيف هذا الصّباح، كان وجه كايروس شاحبًا للغاية.
“هل يمكن أن يُعرّضَ الطّفل هايزل للخطر؟”
“قد تكون أعراضًا مؤقّتة، لكن إذا استمرّت…”
“أليس هناك حلّ؟”
“الأفضل الآن هو أن تأخذي قسطًا كافيًا من الرّاحة.”
كانَ ذلك مقبولًا إلى هذا الحدّ.
بما أنّ حالة الطّفل لا يمكن تقييمها بعد ، كان عليهم الحكم بناءً على حالتي.
عندما سمعتُ أنّني سأتحمّل الألم لو تفاقمت الأمور بسبب الطّفل، قَال كايروس فجأة إنّ علينا التّخلي عن الطّفل.
لم يقل ذلك صراحة، لكن كلامه كان يحمل هذا المعنى بوضوح.
“…ماذا قلتَ للتوّ؟”
“لا يمكنني أن أعرّضكِ للخطر.”
“كيف، كيف يمكنكَ قول شيء كهذا؟”
كنتُ أحاول جاهدةً ضبط مشاعري المتقلّبة، لكن إجابته الخالية من التّردد صدمتني وأحزنتني بلا حدود.
كنتُ أظنّ أنّ كايروس ينتظر الطّفل و يحبّه و يعتزّ به مثلي.
قبل الحمل، تحدّثنا كثيرًا و تأكّدنا من رغبتنا المتبادلة.
و مَع ذلك، لا يزال هناكَ مشاعر دقيقة يصعب على كايروس فهمها.
كنتُ أعلم أنّه يحاول أن يتفهّم مشاعري المتنوّعة.
لكن عندما يلوحُ أدنى خطر، يقضي على كلّ شيء عداي لمنع المشكلة من الأساس.
كنتُ أتفهّم ذلك لأنّني أعلمُ أنّ هذه هي طريقته في التّعبير عن حبّه.
إنّه يُحبّني أكثر من أيّ شيء، و في النّهاية، يفعل ما أريده.
لكن الطّفل.
إنّه طفلنا.
كيف يمكنه قول شيء قاسٍ كهذا؟
“أنا آسف. لقد أخطأتُ.”
“رأسي يؤلمني، أريد أن أرتاح قليلًا. بمفردي.”
لم أنظر إلى وجه كايروس في النّهاية.
و دخلتُ الغرفة تاركة إيّاه.
* * *
في وقتٍ متأخّر من اللّيل.
لم أستطع النّوم، فبقيتُ مستلقية على جانبي مغمضة العينين، عندما دخل.
غرق السّرير بثقله خلفي، و رَفع الغطاء الّذي كان عند صدري إلى كتفيّ.
لمست يده الكبيرة بطني بلطف، فارتجفتُ دون وعي.
تحرّكتُ بردّ فعل دفاعي دون قصد.
توقّف للحظة، ثمّ احتضنني من الخلف و استمرّ في تدليك بطني.
أكرهه بشدّة.
لكن يده الدّافئة المألوفة التي كانت تدلّك بطني جعلتني أغمضُ عينيّ.
“أنا آسف لأنّني أحزنتكِ. لقد أخطأتُ حقًا. لم أقل ذلك لأنّني لا أعتزّ بالطّفل.”
“…..”.
بدلًا من الرّد، وضعتُ يدي ببطء فوق يده التي تدلّك بطني.
“أنا….”
“…..”.
“لا أستطيع العيش بدونكِ. لا أستطيع حتّى تخيّل حياة كهذه. مجرّد التّفكير بأنّكِ قد تكونين في خطر، و لو قليلًا، يرعبني…”
توقّف عن الكلام وكأنّ حلقه انسدّ.
“…..”.
“هايزل، سأحميكِ أنتِ و الطّفل. لذا لا تبكي. لقد أخطأت.”
كان يعلم بطريقة ما أنّني أبكي.
عضضتُ شفتيّ، فأمال رأسه قليلًا و دفن وجهه في عنقي.
“أنا آسف، هايزل. إنّها غلطتي.”
“أنا…”
مع عَودة الحزن، حاولتُ كبحَ دموعي فخرجَ صوتي كأنّه نعيق ضفدع.
“كايروس، أتمنّى أن تفكّر بي و بطفلنا بنفس الطّريقة.”
“……”.
“في الحقيقة، لا بأس لو اعتبرتَ الطّفل أهمّ منّي. أعلم كمْ تحبّني.”
“هايزل.”
قد يقول البعض إنّ هذا أمنية بسيطة، لكنّني أردتُ حقًا عائلة.
سياج يحميني تمامًا.
طفلٌ يحملُ دمي داخله.
لذا أردتُ أن يعتزّ بهِ كايروس أيضًا.
أزحتُ ذراعه التي كَانت تحيط بخصري، و استدرتُ لأواجهه.
“لذا لا تقل مثلَ هذا الكلام مجدّدًا، أبدًا. أعلم أنّه صعب. لكنّه طفلنا. طفلنا الثّمين الخاصّ بنا أنا و أنتَ معًا . لذا…”
“…نعم. لقد أخطأتُ.”
احتضنني كايروس أعمق من قبل.
قال إنّه سيحميني أنا و الطّفل بأمان.
طلبَ منّي ألّا أكرهه، و ظلّ يدلّك ظهري طوال اللّيل.
* * *
مرّ شهران.
أصبح بطني ينتفخ أكثر، لكن حالتي الصحيّة كانت تتدهور تدريجيًا.
كنتُ أتقيّأ كلّ ما أتناوله تقريبًا، و لم أعد أهضمه.
منذ الأسبوع الماضي، كنتُ أعاني تقريبًا يوميًا، مع كلّ وجبة.
الوزن الّذي اكتسبته أثناء الحمل بدأ ينقص، حتّى أصبحتُ شاحبة تقريبًا.
كان الجميع في القصر، بما فيهم كايروس ، يبذلون قصارى جهدهم لرعايتي، لكنّ الأمرَ كان كأنّ الطّفل يرفض كلّ شيء، ممّا يزيد من معاناتي.
لم أستطع تناول الأدوية أو استخدام السّحر بشكل متهوّر خشية أن يضرّ ذلك بالطّفل.
كنتُ أفعلَ الحدّ الأدنى، لكنّ الأمر أصبح ثقيلًا عليّ.
أنا أعاني هكذا الآن، لكنّهم قالوا إنّ الطّفل بصحّة جيّدة.
لكنّ السّبب لا يزال مجهولًا.
“هايزل، استرحي قليلًا.”
“…نعم. سأستلقي قليلًا.”
مع انتفاخ بطني، أصبحت الوضعيّات غير مريحة، فاستلقيتُ على جانبي قليلًا.
لم أتناول شيئًا، لكنّ رأسي كان يدور كما لو كنتُ أعاني من التّخمة، و شعرتُ و كأنّ طاقتي استُنزفت.
“أنا بخير، فقط أبالغ قليلًا، لذا لا تعبّسْ هكذا.”
أنا من تعاني، لكن وجهَ كايروس بدا وكأنّه على وشكِ الموت، فوضعتُ يدي على وجهه.
أسندَ خدّه على يدي.
* * *
مرّ شهران آخران.
كانت ليلة قبل الولادة بشهر تقريبًا.
“آه…”
بعد أن غفوتُ بصعوبة، استيقظتُ بعد أقلّ من ساعة بألم حادّ في بطني ، فأمسكته بقوّة.
التعليقات لهذا الفصل " 153"