طق طق.
بعد طرق الباب، سُمع صوتٌ عميق من الخارج.
“سيّدتي، أعتذر. سنتوقّف لحظة ثمّ ننطلق فورًا.”
“حسنًا، لا بأس.”
تبادلتُ النّظرات بسرعة مع جينجر وأجبتُ.
يَبدو أنّ الأمر لم يكن مجرّد اصطدام بحجر.
و قصر الدّوقية على بُعد خطوات.
بعد حياة هادئة و مسالمة، فاجأني هذا الحدث المفاجئ قليلًا.
“أمر غريب.”
لم تبدُ جينجر متفاجئة كثيرًا. بالطّبع، مع وجود إيدموند بالخارج، لا يمكن أن يكون هناك خطر.
“بالفعل.”
“لن يكون أمرًا كبيرًا. من يجرؤ على مهاجمة عربة دوق هاديد؟ ربّما هذا حادث بسيط.”
كان تفكيري مشابهًا، لكن يدي ذَهبت إلى بطني دون وعي.
‘لا بأس.’
هدّأتُ إستل في داخلي بعد أن أصابني الهلع بمفردي.
مجرّد اهتزاز العربة جَعلني أشتاق إلى كايروس.
كان هذا تغييرًا لم أكن أحلم به من قبل.
كُنتُ دائمًا معتادةً على الاعتماد على نفسي. سواء كان خطرًا أو وحدة أو أيّ شيء آخر، كنتُ أحرص على عدم الاعتماد على أحد.
لكن الآن، أجد نفسي أفكّر في كايروس دون وعي.
ربّما أصبحتُ مدمنة على حمايته المفرطة، لدرجة أنّني لا أستطيع العيش بدونها.
خاصّة بعد الحمل، أصبحَ هذا الشّعور أقوى.
أنا المتسرّعة، و هو الهادئ، لذا ربّما حمايته المفرطة هي الأفضل لحماية الطّفل.
مرّت حوالي خمس دقائق.
أصبحَ المحيط هادئًا كأنّه ميت.
سُمع صوت طرق على باب العربة مرّة أخرى، وهذه المرّة كان صوت إيدموند.
في الوقت نفسه، أومأتُ برأسي لجينجر التي تنظر إليّ، ففتحت القفل من الدّاخل.
“كان هناك بعض الأشخاص التّافهين. سننطلق فورًا. أعتذر عن القلق.”
انحنى إيدموند بتحيّة.
“لا بأس. شكرًا على جهودك.”
بدا أنّ جينجر اطمأنّت عندما رأت إيدموند بخير، فتبادلا حديثًا قصيرًا قبل أن يُغلق الباب مجدّدًا.
أرأيتِ؟ لم يكن هناك شيء.
مرّة أخرى، مسحتُ على بطني.
انطلقت العربة مجدّدًا.
ما إن دخلت العربة إلى القصر وتوقّفت، حتّى فُتح الباب فورًا.
في اللحظة التي فتحتُ فيها عينيّ بدهشة، ظهر كايروس.
“هايزل.”
“كايروس؟”
ألم يقل إنّه سيكون مشغولًا جدًا اليوم؟ متى عاد؟
فحصني كايروس من الأعلى إلى الأسفل، ثمّ استرخى تعبير عينيه المتوتّر.
ثمّ مدّ يده إليّ.
أمسكتُ يده بطاعة و نزلت من العربة وسألتُ:
“هل جئتَ لأنّكَ قلق؟”
“علمتُ للتّو من إيدموند.”
يبدو أنّه كانَ ينتظرني هنا وتلقّى تقريرًا من إيدموند للتوّ.
“آه، لم يكن شيئًا. لا مشكلة على الإطلاق.”
جذبتُ يده لأطمئنه.
فجأة، لامست يد كايروس خدّي.
“كان يجب أن أذهب معكِ.”
ضحكتُ بخفّة.
“لسنا جسدًا واحدًا. أقول لكَ إنّه لم يكن هناك شيء. أنتَ قلق أكثر من اللّازم. لكنّني اشتقتُ إليكَ.”
لم يكن هناك شيء حقًا.
فاطمئن. أنا آسفة على التّأخير.
عانقته من خصره مباشرة.
تنفّس كايروس بعمق و هُو يحتضن مؤخّرة رأسي.
“بالفعل، أَنا قلق أكثر من اللّازم.”
“ها، هل أدركتَ ذلكَ الآن؟”
رفعتُ رأسي بحماس و سألتُ.
“كيف كان لقاؤكِ مع الماركيز؟”
بدا أنّه لا يمانع العناق، فسألني وهو يبتسم.
“تحدّثنا جيّدًا. لكن عندما رأيته اليوم، كانت ذراعه وساقه مكسورتين، ولا يكاد يستطيع المشي. حقًا!”
بدأتُ أسرد لكايروس كلّ ما حدثَ اليوم وكأنّني أكتب يوميّات.
“ثمّ ماذا؟”
“نعم، ثمّ؟”
على الرّغم من أنّه قال إنّه بخير، بدا كايروس قلقًا وهو يستمع إليّ ويفحصني في الوقت ذاته.
لقد تغيّرتُ أنا، و تغيّرَ كايروس كثيرًا أيضًا.
عانقته أكثر قليلًا.
أحيانًا تشعر جينجر بالقشعريرة و ترتجف، لكن ماذا في ذلك؟
مع وجود كايروس بجانبي، ذاب القلق الّذي كان يتملّكني كالماء المتلألئ.
لم أُظهر ذلك لكايروس بشدّة، بالطّبع.
“هل أنتِ متعبة؟”
“لا، و لا قليلًا. هل انتهيتَ من عملكَ المزدحم؟”
“إلى حدّ ما.”
“هذا جيّد. هيّا بنا نعد الآن.”
ابتسم كايروس بلطف و أومأ.
“حسنًا.”
* * *
بعد أيّام قليلة.
على مدى يومين، فتحتُ جميع هدايا ديلان و فحصتها.
صندوق موسيقي سحريّ ينبعث منه عطر يمنح الرّاحة. وسادة مسحورة بتعويذة غريبة تحافظ على درجة حرارة الجسم حسبَ الطّقس.
كانت مليئة بأشياء غريبة تحمل طابع ديلان.
كنتُ أعلم أنّ ديلان أصبح مقرّبًا من ريندل بعد تفكيك مؤسّسة الشّمال، و يبدو أنّه طلبَ منه كلّ هذا. كانت أكثر من نصف الهدايا أدوات سحريّة خاصّة.
‘هل أقول إنّ ديلان هو من أعطاني هذه، أم ريندل؟’
كلّ الأدوات السّحريّة الغريبة أعجبتني.
وبالطّبع، كانت هناك أيضًا هدايا كثيرة لإستل.
على الرّغم من أنّها لم تُولد بعد، كان هناك دمى، ملابس، أحذية، و لعب، كلّها بألوان مختلفة.
كانت هناك رسالة تقول إنّه لم يعرف اللّون الّذي ستفضّله إستل، فأحضر الجميع.
كانت هناك هدايا من لوكس و جوش أيضًا.
على الرّغم من أنّ ديلان لم يعد في فرقة الفرسان، لا يزال الثّلاثة معًا.
سمعتُ آخر مرّة أنّهم يلتقون مرّتين أسبوعيًا على الأقل.
و كونهم هم الثلاثة بدون شريك عاطفي لا يزال أمرًا مشتركًا بينهم.
“هل أعجبتكِ هذه الهدايا لهذه الدّرجة؟”
بدت مشاعر كايروس تجاه الهدايا الكثيرة خليطًا من الامتنان و عدم الرّضا.
ربّما غيرة… أو شيء من هذا القبيل.
منذ قليل، كنتُ أعانق وسادة بيضاء مستديرة أعجبتني جدًا و لم أتركها، فسألني.
ربّما لأنّ كايروس وضع الكثير من الوسائد على السّرير مسبقًا لراحتي عندما يكبر بطني، لكنّني كنتُ أعانق هذه فقط.
“تبدو جيّدة. أَنا آسفة عن ما حدث سابقًا.”
“كان خطأي.”
“…أعلم أنّه ليس كذلك. لا أعرف لماذا أنا هكذا.”
دفنتُ وجهي في الوسادة مجدّدًا.
لامست يد كايروس الكبيرة رأسي وكأنّه يدلّكه.
بخلاف غثيان الصّباح الّذي يظهر عادةً في الفجر، كانت هرموناتي تجعل مزاجي يتقلّب عشرات، بل مئات المرّات يوميًا.
في الصّباح، كنتُ أغضب فجأة من كايروس بدون سبب.
في اللّيل، كنتُ أبكي فجأة من فرط العاطفة.
كنتُ أعلم أنّ هذا قد يحدث أحيانًا أثناء الحمل ، لكنّني شعرتُ أنّ الأعراض لديّ كانت شديدة بشكل خاص.
قبل قليل، أثناء العشاء، قال كايروس إنّ عليّ تناول الطّعام بشكل متوازن، شعرتُ فجأة بالإهانة، فتجادلنا، و منذ ذلك الحين كنتُ أعانق الوسادة.
هل كَان طلب تناول الطّعام بشكل متوازن أمرًا يستحقّ كلّ هذا الغضب؟
وبّختُ نفسي داخليًا.
في تلك اللحظة أمام المائدة، لم أستطع كبح غضبي وحزني و لم أدرك ما الخطأ.
‘على أيّ حال، هذا غريب.’
هل هذا مرض؟ استدعيتُ طبيبًا وسألتُ رينديل إن كان هناك مشكلة مع الطّفل.
المشكلة أنّه لا توجد مشكلة، و هَذا ما يجعل الأمر مشكلة أكبر.
ماذا لو استمرّ الأمر هكذا؟
دفنتُ وجهي في الوسادة مجدّدًا.
* * *
بوم!
أغلقتُ الباب بسرعة ودخلتُ الغرفة.
“سيّدتي.”
سمعتُ صوتًا عاجلًا من خارج الباب بفارق ضئيل.
“…..”.
دخلتُ بسرعة دون أن أكترث، و كأنّني لا أسمع.
“سيّدتي، حبيبتي.”
“…..”.
“عزيزتي؟ هايزل. هل يمكنني الدّخول؟”
كان الصّوت من الخارج يبدو مضطربًا وهو لا يستطيع فتح الباب.
“لا! لا تدخل!”
صرختُ بتلك الكلمات و انهرتُ على السّرير فوق الفراش النّاعم.
أمسكتُ الغطاء بقوّة و كأنّني أمزّقه. أغمضتُ عينيّ بشدّة وابتلعتُ الغضب المتزايد.
بعد فترة.
سمعتُ صوت الباب يُفتح بهدوء.
كنتُ لا أزال أدفنُ رأسي في الغطاء. سمعتُ صوت أحذية منخفضة الكعب، ويبدو أنّ كايروس اقترب.
“……”.
تجاهلته عمدًا ولم أردّ. لا، لم أستطع الرّد الآن.
مال السّرير قليلًا بثقل.
“هايزل.”
“……”.
ارتجفتُ. فتنهّد كايروس بهدوء فوق رأسي.
همم، ماذا سيفعل بهذا التّنهد؟
التعليقات لهذا الفصل " 152"