1. لستُ أنا
تقلب.
“…….”
كنت مستلقية و أغمضت عيني بإحكام.
ومع ذلك ، ظل الطعام الذي أشتهيه يتراقص أمام عيني.
وفي هذه الساعة من الليل بالتحديد.
لقد كنت أزعج كايروس كل يوم تقريبًا، مطالبَةً بطعام يصعب الحصول عليه في منتصف الليل، و ذلك منذ أيام قليلة.
فبعد أن علمت بحملي، أصيب كايروس بغثيان الحمل، و كانت فوضى عارمة، ولم يمضِ حتى نصف شهر على تلك الحالة.
ذلك الغثيان انتقل إليّ و كأننا تبادلنا الدور.
لحسن الحظ، لم أصل إلى حد التقيؤ أو فقدان الشهية مثل كايروس.
“آه…”
رغم أنني كنت أشعر ببعض الغثيان أحيانًا.
لكن الطعام الذي أرغب في أكله كان يخطر ببالي بجنون.
و ذلك بعد منتصف الليل في كل مرة.
أستيقظ من نومي. و أشعر أنه يمكنني فعل أي شيء فقط لأتمكن من أكل ذلك الشيء.
لا أصدق كيف يمكن لهذا أن يحدث.
لكنه يبدو مغريًا جدًا… فقط قضمة واحدة.
لو أستطيع فقط أن أتذوق لقمة واحدة.
واحدة فقط ، لا أكثر ولا أقل.
أطلقت تنهيدة وأنا أغمض عيني متألمة.
و بينما كان كايروس نائمًا للحظات ، استدرت في الاتجاه المعاكس و أنا أحاول التحمل، لكن فجأة، امتدت يد كبيرة و لامست خصري و بطني برفق.
“هل تشعرين بعدم الراحة؟”
بفضل يده الدافئة التي تداعب معدتي كل يوم دون انقطاع، خرجت مني تنهيدة ناعمة لا إرادية.
“همم؟ لا، فقط…”
“فقط ماذا؟ هل هذا في معدتك؟ أم ظهرك؟”
ضغط كايروس شفتيه برقة على أذني.
و أخيرًا، حررت يده الكبيرة و استدرت نحوه.
و بعد تردد ، اعترفت بالأمر.
فلو لم أقل له ، لربما قضى الليل بأكمله يبحث عن الطعام الذي أريده.
و قد فعل ذلك سابقًا بالفعل.
“لا، فقط… فجأة ، أردت أن آكل شيئًا آخر.”
ليت الأمر يتعلق بشيء متوفر عادةً في الشمال.
مسح كايروس بيده برفق على خدي.
“همم…”
“همم؟”
“لكنني… لا أعرف ما هو بالضبط.”
“لا تعرفين؟”
“نعم. كان شيئًا تناولته أثناء شرب الشاي مع جلالة الإمبراطورة تلك المرة.”
وكان ذلك منذ عدة أسابيع.
عندما دعتني ليلي لقضاء وقت شاي بسيط، وقدمت لي تلك الحلوى حينها.
منذ ذلك الحين، أصبح الإمبراطور و زوجته يهتمان بنا بإفراط تقريبًا ، آمِلين في إصلاح العلاقة معنا.
وقد اعتذر جاد مرارًا عن أخطائه الماضية نحونا.
في البداية ، ظننت أنه يفعل ذلك لأن ليلي كانت تلح عليه، لكن مع مرور الوقت أدركت أنه صادق.
ومنذ ذلك الحين ، بدأنا بالتواصل معهم أكثر قليلًا.
و كان لكلمات كايروس تأثير على جاد جعله لا يستطيع قول شيء أحيانًا.
لكن من كان ليصدق أن الحلوى الخفيفة التي تناولتها آنذاك سأجدها شهية إلى هذه الدرجة الآن!
“كانت حلوى مقرمشة، تشبه الفطيرة، مليئة بالمكسرات المفرومة، كانت لذيذة جدًا و حلوة. قالت إنها هدية من الخارج ، و إن المكسرات الموجودة فيها لا تُزرع إلا هناك. لكن اسمها…”
وما إن نطقت بذلك ، حتى جلس كايروس فجأة.
فتحت عينَيّ على اتساعهما.
“ماذا؟ لماذا؟ لماذا تنهض الآن؟”
وضع قبلة خفيفة على خدي ، ثم خرج من السرير تمامًا دون أن يظهر عليه أي انزعاج.
“انتظريني . سأعود سريعًا.”
ذات مرة، عندما كنا مستلقيَين نحكي قصة أول لقاء لنا، قلت له إنني أحببته حتى في ذلك الوقت، و منذ ذلك الحين أصبح يتحدث أحيانًا بأسلوبه القديم.
و خاصة عندما يرتكب خطأ أو عندما يطلب شيئًا، يناديني بـزوجتي و يصبح أسلوبه أكثر يأسًا.
أشعر أنه يعرف كم أنا ضعيفة أمام أسلوبه ذاك و يستغله.
نهضت بدوري بسرعة.
“ستذهب؟ إلى أين؟”
“سأعود سريعًا.”
بما أنه لم يحدد وجهته، فلا شك أنه ينوي أن يقتحم القصر الإمبراطوري.
“مستحيل!”
هل فقد عقله؟
الساعة الآن الثالثة فجرًا!
حاولت منعه بكل وسيلة ، لكن بلا جدوى.
“مقارنة بما فعلوه بنا ، فهذا لا يُعتبر شيئًا. فقط خذي قسطًا من النوم، حسنًا؟”
“لا، انتظر…!”
لم يكن بوسعي سوى التحديق في مكانه الفارغ بعد أن خرج مسرعًا، بينما أعض شفتي بشدة.
كان علي ألا أقول شيئًا.
كنت نادمة بشدة.
****
في الفجر، عندما واجه أحد الخدم دوق هاديد، بدا و كأنه صُعق بصاعقة.
“ص، صاحب السمو. ما الذي أتى بسمو الدوق إلى القصر الإمبراطوري في هذا الوقت؟”
كان يرتدي زيه الرسمي بعناية، لكن بسبب استعجاله، لم يغلق الزر الأخير بعد.
بينما كان يغلق الزر الأخير، قال كايروس بهدوء:
“اطلب مقابلة.”
عند سماع تلك الكلمات، فزع الخادم مرة أخرى.
“ما الذي يحدث بالضبط؟”
بعد وقت قليل، رحّـب جـاد بكايروس وهو يرتدي ردائه.
كانت يبدو عليه النعاس ، لكن رغم أن كايروس اقتحم القصر الإمبراطوري في هذا الفجر ، لم يظهر عليه أي انزعاج.
فبسبب ما فعله من قبل ، كان ذنبه عظيمًا جدًا لدرجة لا تتيح له الشعور بالاستياء.
بل إن ليلي في المرة السابقة اضطربت طاقتها الداخلية ، و اضطروا إلى استدعاء هايزل ليلًا لمساعدتها.
وبما أن له سابقة ، فلم يكن ما يجري الآن أمرًا صادمًا جدًا.
‘هممم ، لكن لم أكن أظن أنه سيأتي إلى القصر في الثالثة فجرًا…’
خصوصًا أنه ليس أي شخص ، بل دوق هاديد. إذا جاء في هذا الوقت ، فلا بد أن الأمر عاجل.
“هل حدث شيء ما للدوقة؟”
ربما خطرٌ ما ، كما في المرة السابقة.
أو لعل هناك خطبًا ما في جسدها.
لكن إجابة كايروس كانت مذهلة.
“أعطني هذا.”
قطب جاد حاجبيه.
هذا؟ ما هذا؟
“ما الذي تقصده؟”
سأل جاد مجددًا وهو لا يستطيع استيعاب الأمر مهما فكر فيه.
هل ارتكب خطأ آخر دون أن يدري؟
“…ماذا؟”
“سمعت أن هناك شيئًا تناولته هايزل هنا و أعجبها.”
رمش جاد بعينيه في ذهول.
و تبدّد عنه النعاس في لحظة.
“هل تقصد طعامًا؟”
“نعم.”
وبعد أن استمع لشرح كايروس ، اتضح أنه جاء حقًا من أجل نوع من الطعام.
كان قد سمع أن الدوق عانى من غثيان الحمل، لكن يبدو أن الأمر قد انقلب الآن.
وحين قيل له إنهم يتعبون بسبب ذلك طوال الليل، شعر ببعض التعاطف…
“…ألهذا السبب جئت في هذه الساعة؟”
“هيا…”
صادف أن القصر الإمبراطوري هو المكان الذي فيه ذلك الطعام، لكن بالنسبة لـكايروس، لم يكن يهم لا المكان ولا الشخص.
فـهايزل تريد ذلك الآن.
و لا تستطيع النوم لرغبتها في تناوله.
رغم أنه كان متعجرفًا دومًا، إلا أن جاد ظن أنه أصبح أكثر هدوءًا بعد زواجه بها.
أطلق جاد تنهدًا صغيرًا.
منذ أن عَلِم بحمل هايزل ،تغيّر كايروس أكثر فأكثر، و أصبح يبدو و كأن لا شيء يهمه في العالم سوى هايزل.
“…هاه. مهلاً، لحظة، دوق. انتظر.”
شعر بارتباك لا يمكن وصفه ، لكن بما أنه مدين كثيرًا لهذه العائلة، لم يكن أمامه خيار.
” في المرة القادمة، رجاءً، أعطني إشارة مسبقة. ما هذا الذي تفعله في هذا الفجر؟”
نهض جاد و شرح الأمر لأحد الخدم ، و سأله إن كان يمكن إحضاره الآن.
وبعد وقت،
لحسن الحظ ، تمكنوا من العثور على تلك الحلوى دون صعوبة كبيرة.
“قيل إن ما أكلته في ذلك اليوم كان نوعين، لذا أحضرت الاثنين . أحدهما سيكون هو المطلوب.”
كانت ليلي تحب تلك الحلوى كثيرًا لدرجة أنها صارت تستوردها خصيصًا.
و ما إن وضع الخادم الحلوى ، حتى انتزعها كايروس و كأنه يخطفها.
“لن أنسى هذا الجميل.”
ثم اختفى بالفعل كما لو كان غبارًا.
أما جاد ، الذي استيقظ في الفجر تمامًا ، فلم يتمالك نفسه من الذهول.
و وضع يده على جبهته.
“هذا كله من سوء أفعالي…”
آه.
تنهد جاد مجددًا.
وكانت هذه الحادثة الغريبة في الفجر، أمرًا لم يعلمه أحد لاحقًا،
سوى جاد و الخادم الذي تلقّى طلب المقابلة، و الدوق و الدوقة فقط.
*****
خطوات كايروس عند عودته أصبحت أسرع.
قطع الحلوى قُطّعت مسبقًا، و وضعت على صحن مناسب، و توجّه بها إلى الغرفة.
و رغم معرفته بأنها لا تأكل كثيرًا ، وضع كمية كبيرة.
طَقطَقة
“هايزِل…”
عندما فتح الباب و دخل ، كانت الغرفة هادئة.
لقد نامت هايزل أثناء انتظارها.
كانت مستلقية عند طرف السرير و هي تنظر نحو الباب ، فتوجه كايروس بسرعة إليها.
طَقطَقة.
وضع كايروس الصينية على طرف الطاولة.
فقد تستيقظ لاحقًا و ترغب في الأكل.
ثم حمل هايزل برفق و وضعها في وسط السرير.
و بعد أن غطاها بالبطانية، لاحظ أنها كانت تحرك شفتيها و هي نائمة.
إنها جميلة جدًا ، سأجنّ.
كان من يشعر بالأسف لأنه لم يتمكن من إعطائها إياها فورًا مع أنها كانت ترغب بشدة في أكلها.
سيضطر للعودة بشكل أسرع في المرة القادمة.
أراد كايروس أن يعانق هايزل بشدة إلى صدره ، لكنه امتنع.
فقد تنام بصعوبة وقد يوقظها.
ولم يستطع كايروس أن يرفع عينيه عنها ، و ظل يتأمل وجهها النائم،
غيّر ملابسه إلى شيء ملابس مريحة ، و عاد إلى السرير.
ثم قام بمداعبة شعر هايزل برفق و ظلّ يحدق في وجهها النائم حتى الصباح ، دون أن يعرف كم من الوقت مر.
التعليقات لهذا الفصل " 149"