“لقد بذلتَ جهدًا كبيرًا في الفترة الماضية. خذ إجازة لعدة أيام وارتح جيدًا، وكذلك البقية.”
“شكرًا جزيلاً! لقد بذلت جهدًا كبيرًا أيضًا، يا سيدي!”
انحنى سِـد بعمق وهو يقدم تحيّته بحماس.
بعد أن أنهى جدولًا جحيميًا استمر لأشهر ، استطاع أخيرًا أن يلتقط أنفاسه.
وكان أكثر ما أسعده هو أن الجميع في قصر الدوق، بما في ذلك سيده، بخير.
لقد كان كثيرًا ما يشعر بالغضب لأيام كثيرة لأنه كان يسمع كل شيء ويرى كل شيء بجانب سيده.
اضطر إلى مشاهدة الظلم الذي تعرضت له سيدته المخلصة، و كان على سيده أن يُحتجز لفترة مؤقتة في القصر الإمبراطوري.
لكن الآن، انقلبت الأحوال ، فشعر بالراحة.
فما دام أن العائلة الإمبراطورية لم تتغير تمامًا ، فسيظلون دائمًا يخشون دوقية هاديد.
“همم~♪.”
انطلق سِـد يغني من تلقاء نفسه بينما يمضي بسرعة ليقضي إجازته التي حصل عليها أخيرًا.
انتهى التعب، وبدأت السعادة.
⋆★⋆
ما إن ختم كايروس آخر وثيقة ، حتى تنهد من تلقاء نفسه.
أمال رأسه قليلًا و هو يحرك عنقه، ثم وضع الوثيقة الأخيرة فوق كومة الأوراق إلى جانبه.
كان قد ضاعف العمل في الأيام الماضية ليتمكن من قضاء بعض الوقت مع هايزل دون أن يشغله شيء…
“لقد حلّ الليل بالفعل.”
بل، بما أن منتصف الليل قد مر، فقد كان الفجر.
“هل ستعمل حتى وقت متأخر مجددًا اليوم؟!”
“سأنتهي بسرعة و أعود.”
كان الوقت مناسبًا تمامًا لتغضب هايزل منه.
رغم أنها، على الأغلب، ستقبّلـه وتقول له “أحسنت العمل” عندما يعود.
ابتسم كايروس من دون أن يشعر.
هكذا كان حاله هذه الأيام.
بعد أن مرّا معًا بذلك الخطر ، وعندما فقدت هايزل وعيها ، تمنى لو أنه هو من عانى بدلًا منها.
بغض النظر عما قد تقوله هايزل ، كان يشعر أنه كان عليه حمايتها حتى لو اضطر لحبسها.
كان عليه أن يتقاتل مع نفسه بين العديد من الأفكار و الندم.
“لماذا لم يعمل السوار؟!”
“ذلك الذي صنعته لك يمنع الأضرار القادمة من الخارج، لكنه لا يمنع السقوط الناتج عن الاستهلاك الكبير الـسحر الأسود . هي بحاجة إلى القليل من الراحة فقط. أنا أقول الحقيقة!”
حتى ريندل لم يسلم من انفعاله، و تصرف كالمجنون.
واستغرق الأمر عدة أيام أخرى حتى استعادت هايزل قواها، لكن كايروس ظل طوال تلك الفترة يتألم وكـأن قلبه يُنتزع.
وعندما استعادت هايزل وعيها ، لم يعد لأي شيء آخر أهمية.
“هايزل.”
“…..”
“هايزل.”
“كا…يروس.”
“…شكرًا لكِ لأنكِ استيقظتِ.”
كان ممتنًا للعالم كله فقط لأنها فتحت عينيها.
كرّس عدة أيام فقط للاعتناء بها، ولم يفارقها إلا للحظات قصيرة.
“كايروس، أستطيع حمل الملعقة بنفسي.”
“أردت أن أطعمكِ بنفسي. ها، افتحي فمك.”
“حقًا لا أستطيع العيش هكذا .”
بعد ذلك دفعته هايزل قائلة انها تستطيع الآن أن تأكل و تتحرك بمفردها ، فعاد إلى العمل مرة أخرى.
رغم أنه لم يكن مرتاحًا تمامًا ، إلا أنه بعد أن أنهى الأمور مع القصر الإمبراطوري والمعبد ، شعر أخيرًا ببعض الراحة.
لم يعد هناك ما يزعجه الآن.
كان على وشك أن يتأكد ما إذا كان هناك أي عمل متبقٍ ليقوم به غدًا ليبقى بجانب هايزل ، لكنه توقف فجأة.
فمنذ أن تناولا العشاء معًا قبل قليل ، لم يرها مجددًا…
“أريد أن أراها.”
وما إن نطق بذلك ، حتى نهض كايروس من مكانه.
ثم توجه إلى الغرفة كأن لا شيء بقي ليفعله.
رغم أنه كان يعمل طوال الوقت باستثناء وقت تناول الطعام ، كانت خطواته في الممر سريعة وخفيفة.
“…..”
وعلى عكس دخوله السريع ، فتح الباب دون أن يُحدث أي صوت خشية أن تكون قد نامت.
كانت الغرفة مضاءة بمصباح أو اثنين فقط ، حتى لا تكون الإضاءة قوية.
عندما وجه نظره نحو السرير ، رأى هايزل وقد غفت بينما كانت تقرأ بعض الأوراق متكئة على رأس السرير.
ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتيه.
رغم أنه لم يكن راضيًا عن أنها غفت مرهقة و هي تطّلع علـى الأوراق حتى وقت متأخر.
فهو لا يمانع أن يتعب لأيام و يعمل بجد، لكن ما تمناه دائمًا هو أن تبقى هايزل مرتاحة.
لكنه لم يستطع قول ذلك خشية أن تغضب منه مرة أخرى و تقول انه يعيد نفس الكلام.
اقترب كايروس من هايزل بخفة دون إصدار أي صوت . أخذ الأوراق من يدها و وضعها على الطاولة الجانبية، ثم طبع قبلة قصيرة على جبينها.
ثم وضع يده خلف ظهرها ليجعلها تستلقي ، ففتحت هايزل عينيها.
رغم أنه تحرك بحذر شديد ، إلا أنه أيقظها.
“آه، متى أتيت؟!”
“للتو.”
“أغمضت عيني للحظة أثناء العمل، و يبدو أنني نمت هكذا.”
بدت نبرة صوتها أكثر انخفاضًا و خشونة من المعتاد، و كأنها كانت تغطّ في نوم عميق، مما دفع كايروس لتقبيل شفتيها بلا شعور.
“ما هذا…؟”
“لأن صوتكِ يبدو جميلًا.”
“كنتَ تقول أنكَ ستأتي مبكرًا، هل كنتَ تعمل حتى هذا الوقت؟”
رغم أنها رمقته بنظرة جانبية، إلا أنها حركت جسدها قليلًا و ضربت السرير بيدها تدعوه للجلوس.
“آسف. لكن، بدءًا من الغد، سأكون بجانبكِ فقط، فهل تسامحينني؟”
“حسنًا… سأسامحك.”
كايروس سأل و هو يمرر يده بلطف بين خصلات شعرها
“هايزل، ألا يوجد مكان ترغبين بالذهاب إليه؟ أو شيء ترغبين بفعله؟ أو حتى شيء تتمنينه؟ أي شيء.”
انتظر كايروس جوابها بصبر ، محاولًا أن يقاوم رغبته في تقبيل شفتيها و هي تحرك شفتيها بتفكير.
“ليس مكانًا معينًا، لكن ما رأيك بجولة تفقدية في الدوقية؟ في الحقيقة، لا زلت أشعر ببعض القلق. أظن أننا بحاجة للتأكد مرة أخرى من أن التلوث قد زال تمامًا.”
كايروس كان يفضل لو أنها اختارت شيئًا مثل زيارة فيراريوم الذي تحبه أو الذهاب إلى العاصمة للترفيه، لكن جولة التفقد بدت و كأنها امتداد للعمل، ولم يبدُ متحمسًا لذلك.
فهو كان يتمنى أن ترتاح هايزل تمامًا و تشعر بالأمان.
لكن، بما أن زوجته ترغب بذلك…
“إذًا، هل نتحرك بعد الإفطار؟”
هايزل، و قد تخلصت من النعاس و بدا في عينيها صفاء، أومأت برأسها وهي تبتسم.
“حسنًا.”
كايروس ، الذي لم يستطع كبح نفسه ، طبع قبلة على طرف عينها.
ثم تبعها بقبلات خفيفة على خدها و أنفها وشفتيها، حتى انفجرت هايزل بالضحك في النهاية.
“هذا يُدغدغ.”
“هل استيقظتِ تمامًا الآن؟”
“بالطبع…”
توقفت هايزل عن الكلام فجأة.
ففي تلك الأثناء، تسللت يده الوقحة ببطء تحت الغطاء.
رمقته هايزل بنظرة جانبية خفيفة، لكن كايروس تجاهل الأمر و رفع حاجبه بخفة ثم طبع قبلة أخرى.
فضحكت هايزل مجددًا و كأنها تستسلم له.
مجرد رؤية هايزل و هي تضحك جعلت قلب كايروس يمتلئ مرة أخرى.
لأن هذا كان الشيء الوحيد الذي كان يريده حقًا.
و كـأن هذه هي السعادة التي طالما دار حولها طويلًا، و الآن فقط أصبح يشعر بها كاملة.
كايروس شعر أنه لو توقف الزمن عند هذه اللحظة فسيكون ذلك كافيًا.
حتى لا يمضي الوقت أكثر، وحتى يتمكن من الاستمتاع بهذه اللحظة بالكامل.
⋆★⋆
الوعد الذي قطعاه على نفسيهما بأن ينطلقا بعد الإفطار تحطم تمامًا أمام إغواء كايروس.
و في النهاية، استيقظا متأخرين بعد نوم طويل، ولم يتمكنا من تناول الطعام إلا عند الظهيرة، ثم خرجا للقيام بالجولة.
“أشعر و كـأن رائحة الربيع بدأت تنتشر حقًا. هل من المعتاد أن يتم الشعور بالربيع في هذا الوقت؟”
كنت أتحدث بينما أنا على ظهر الحصان، ملتفةً برأسي إلى الخلف.
خلفي كان كايروس يركب بثبات.
كان قد اقترح أن نذهب بعربة ، لكنني أصررت على ركوب الخيل أولًا.
رغم أن العربة مريحة ، إلا أن سرعتها أبطأ من الحصان، و سنضطر على أي حال إلى النزول منها عند دخول السوق.
كما أنني أردت تفقد أراضي الدوقية بدقة.
“عادةً لا يبدأ الشعور بالربيع هنا إلا في أبريل، لكن يبدو أنه جاء أبكر هذه المرة.”
“هل يشعر الربيع بما مررنا به؟ يبدو أن هذا القدر من البرد مقبول حتى في الشمال.”
الجبال المغطاة بالثلج و الجليد، وأشجار الصنوبر الكثيفة في الشمال كانت مذهلة، لكن البرد القارس كان مؤلمًا حقًا.
رغم أن حمل حجر مانع البرد يحل كل شيء، إلا أنني، بسبب عنادي، لا أستخدمه إلا عند الضرورة، لأنني أشعر أنه يمنعني من التمتع الكامل بالشتاء.
لكن اليوم، رغم أنني أرتدي معطف الشتاء، فإن الشمس الساطعة رفعت من معنوياتي منذ اللحظة الأولى للخروج.
“هل نتحرك؟”
كايروس انحنى من خلفي و همس في أذني.
أومأت برأسي لصوته الناعم الذي دغدغني.
في الواقع، كنت أود التحدث عن الزواج ليلة أمس حين عاد من العمل، لكن لم أفعل.
كنت أنوي التحدث عن الأمر بعد محادثتي مع آني و جينجر حول حفل الزفاف.
سأحاول التحدث عن ذلك عندما أنزل عن الحصان لاحقًا.
“سيدتي!”
عندما بدأ الحصان بالتحرك، سمعت صوت السيدة تيني تناديني من الخلف.
فاستدرت بسرعة.
التعليقات لهذا الفصل "143"