أدرت رأسي بسرعة نحو الباب.
ثم نظرت مجددًا إلى كايروس.
“اذهب بسرعة.”
“سأعود بعد قليل.”
“نادني إن احتجت إلى شيء.”
بدلًا من الرد، طبع كايروس قبلة خفيفة على جبيني وخرج.
حدقت بصندوق حجر التطهير المقدس.
هل هذا هو ما كان يبحث عنه بكل هذا الإصرار؟
في القصة الأصلية، يبدو أن اختطاف ليلي كان بسبب هذه القوة المقدسة.
كنت أظن أنه ليس كذلك، لكن اتضح أنه الجواب الصحيح.
في الماضي، كان يبحث عنه بجنون ، أما الآن فيتركه بسهولة و كأنه لم يعد يحتاج إليه، و كان ذلك مذهلًا بالفعل.
“الماضي؟”
حتى أنا تعجبت من كلمتي.
“هل قلت كلمة ماضي و أنا أقصد القصة الأصلية؟”
بدأت أفكاري تتداخل من شدة التعب على ما يبدو.
ابتسمت بسخرية خفيفة ، وضعت الصندوق على الطاولة، و جلست على السرير.
سأرتاح و لو قليلًا إلى أن يعود كايروس.
من المؤكد أنني بحاجة إلى المزيد من الراحة.
استلقيت على جانبي و أسندت ظهري إلى رأس السرير، و أغمضت عينيّ بنية أخذ قسط من الراحة.
في مساء ذلك اليوم، بدأ الاجتماع من جديد.
عاد فريق الاستكشاف الذي خرج في جولة تفقدية صباحًا و انضم إلى الاجتماع.
“وحوش ضخمة متمركزة حول المذبح الرئيسي من الجهات الأربع: الشرق والغرب والجنوب والشمال.”
“منذ أن أقمنا الحاجز، لم تتجاوز تلك المنطقة، لكن عددها تضاعف مقارنة بالأربعة أيام التي مضت.”
“إذن، من المؤكد أن الوحوش تخرج من داخل المذبح الرئيسي.”
حتى أثناء الاجتماعات السابقة ، كنا نخرج في مهمات باستمرار.
كان علينا أن نغيّر الاستراتيجيات لنقلّل الخسائر إلى أقصى حد.
و بعد عدة محاولات فاشلة ، تمكّنـا أخيرًا من دفع الوحوش نحو المذبح الرئيسي، ونصبنا حاجزًا يغطي المنطقة بأكملها.
لكن الوحوش بدأت بالتكاثر داخل ذلك الحاجز.
تأكدنا أن هناك بوابة إلى عالم آخر تحت المذبح الرئيسي.
كنا نعلم أن الشمال هو نقطة البداية، لكن معرفة الموقع الدقيق جعله يبدو أكثر رعبًا.
“بواسطة حجر التطهير المقدس ، يمكننا إنشاء حاجز طاقة مقدسة لخمس مرات، بمعدل مرة واحدة لكل حجر.”
أومأت برأسي لكلام ريندل.
“يعني أنه يجب إنهاء كل شيء داخل ذلك الحاجز؟”
“نعم، دوقة. يجب إنهاؤه داخله حتى نمنع خسائر فادحة.”
و لأننا لا نملك كاهنًا حقيقيًا، قررنا استخدام حجر التطهير المقدس بأقصى فائدة له من خلال الحاجز المقدس.
في داخل الحاجز، ستتوفر قدرة تطهير معينة مما يؤدي إلى إضعاف قوة الوحوش.
بعد ذلك، بقينا منشغلين طوال الوقت.
مع اقتراب يوم المعركة، تم إطلاق سراح جنود الدعم من الإمبراطورية.
تم إعطائهم حرية اختيار المشاركة أو العودة.
كان بينهم فرسان تدربوا معنا في الماضي، لكن بعد الانفصال عن الإمبراطورية لم نرغب في قبول المساعدة منهم.
لكن…
“سنبقى.”
“أرغب بالعودة بعد تحقيق النصر، حتى لا يتحمل الإمبراطور المسؤولية.”
“سأبقى أنا أيضًا.”
“هل يمكننا الانضمام إلى المعركة؟”
بالطبع، بمجرد فتح البوابة ، هرب بعض الفرسان فورًا، لكن الأغلبية قرروا البقاء و الانضمام إلى القتال طوعًا.
صحيح أن وجودهم في الشمال أدّى إلى خلافهم مع الإمبراطورية و أبقيناهم تحت المراقبة، لكننا لم نمارس القمع عليهم.
عاملناهم كغيرهم من الفرسان، لكن كانت هناك دومًا مسافة تفصلنا بسبب احتمالية تحوّلهم إلى أعداء في أي لحظة.
ومع ذلك، أعلنوا أنهم سيبقون.
بعضهم قرر البقاء بعد رؤية ديلان و جوش و لوكس الذين انضموا إلينا، و آخرون استمدوا الأمل من سحرة برج السحر.
وبعضهم قرر البقاء فقط لمنع الأمور من التوسع أكثر من هذا.
تعهدت مرة أخرى بأن أقود هذه المعركة إلى النصر.
وإلا فإن كل هؤلاء الذين أمسكوا بيدي، سيلتهمهم ظلام أكبر من المسؤولية.
وإن انتهى كل هذا بالنصر، كان هناك هدية أريد تقديمها للإمبراطورية.
أتمنى فقط أن أتمكن من إيصال “ذلك” بنفسي.
⋆★⋆
مر يومان آخران.
وأخيرًا بزغ ذلك اليوم.
فجر لم تشرق فيه الشمس بعد.
بدأت الرؤية تتضح قليلاً، استقر برد الصباح البارد فوق الملابس.
الفرسان الذين حرسوا بوابة القلعة بلا توقف أثناء الاجتماعات، أخذوا قسطًا من الراحة. وبدلًا منهم، وقف فرسان آخرون على الأرض.
ربما لن يعودوا مجددًا.
رغم ذلك، كنا سنعود من الظلام، لا محالة.
كتب الفرسان رسائل خلال الليل، و أرسلوها إلى من يحبون، و ودعوا عائلاتهم قبل أن يعودوا.
و قبل الانطلاق مباشرة، وقفت أمام كايروس الذي اقترب مني.
وضعت يدي على وجهه الجامد أكثر من المعتاد.
وفوق يدي، وضعت يده الكبيرة.
أجبر زاوية شفتيه على الارتفاع، دون أن تبتسم فعلًا.
إنه رجل يتحرك و يمضي في الخطر لأنه يثق بي وحدي.
“سأحميكِ مهما حدث.”
كان بإمكانه منعي عدة مرات، لكنه لم يفعل.
بقي فقط بجانبي، يحرسني بثبات.
“وأنا سأحميك.”
كنت أشعر أنني لن أرتاح إلا إذا نجحنا و ضربنا الإمبراطورية على حين غرة كما ينبغي.
كنت أرغب في إنهاء كل شيء كما يجب.
في النهاية، وضعت جبهتي على صدر كايروس العريض، و أخذت أدعو بحرارة.
أن يبقى بجانبي حتى بعد نهاية هذا الكابوس.
رفعت رأسي بعد الصلاة، فأخذ كايروس يدي.
“لماذا؟”
سألته، لكنه تجاهل سؤالي، ورفع كمّي ، ثم أخرج سوارًا من جيبه و علّقـه في معصمي.
تفحصت السوار، فبدا مشابهًا لما رأيته حين ذهبنا معًا إلى سوق مقاطعة الدوقية لأول مرة.
حينها كان يفكر في شراء سيف أو سوار لي.
“طلبت من ريندل أن يضيف عليه خاصية الحاجز الواقي.”
عندها، رفعت يدي و سحبت ياقة ملابسي.
“كايروس، هل تتذكر العقد الذي أعطيتني إياه في ذكرى زواجنا؟”
“طبعًا أتذكر.”
“أنا أرتديه الآن. أرتدي اثنين من الحلي التي تمنح حاجزًا واقيًا، إذن أنا لا أقهر!”
ضحك كايروس بخفة عند كلامي.
“هذا جيد.”
وبينما كنت أتحدث إلى كايروس، اقترب ريندل.
“يبدو أنكِ استلمتِ السوار.”
“نعم، هذا هو.”
أريته السوار، فتردد قليلًا، ثم تنفس بعمق وقال:
“رجاءً، ارتديـه دائمًا.”
“حسنًا.”
ثم عاد ريندل أدراجه.
ساعدني كايروس في امتطاء الحصان، ثم مضى إلى الأمام.
اقترب لوكس ممتطيًا حصانه بجانبي.
“أما زلتَ لا تشعر بالندم؟”
سألت لوكس.
رغم أن الوقت كان قصيرًا، إلا أننا قاتلنا معًا في الخلف أثناء التدريب ، و كأننا عدنا إلى تلك الأيام.
“هل كنتِ تتمنين ذلك؟”
“نصف نعم و نصف لا؟”
“هيه، بدلًا من أن تكوني ممتنة لأخيك هذا…”
ابتسمت باتجاه لوكس ابتسامة واسعة.
“سأتأكد من أنكَ لن تندم.”
لا أعرف كل شيء، لكنني أعلم كيف انتصر كل من ليلي و جاد في ساحة المعركة الأخيرة.
لهذا السبب شاركت في كل الأوقات التي تم التخطيط فيها للاستراتيجيات.
لأنه لا يمكنني الإفصاح عنها مباشرة، كنت أُسرب المعلومات ببطء أثناء وضع الخطط و تجريبها.
أجريت بعض الاختبارات مسبقًا، لذا كنت واثقة.
وفوق ذلك، على عكس ذلك الوقت، لم يكن ملك الشياطين قد ظهر الآن.
لذا، يمكننا الفوز بالتأكيد.
اعتدلت على ظهر الحصان.
راقبت الفرسان المسلحين بترقب، بانتظار لحظة الانطلاق.
بووو―
مع صوت بوق عظيم يُعلن الانطلاق، تردد صوت الطبول في الأرجاء.
تش، تش، تش، تش.
بدأ التقدم ببطء مع وقع الأقدام المنتظمة.
تسارعت الوتيرة شيئًا فشيئًا، وبمجرد أن غادرنا بوابة القلعة، بدأنا بتشكيل الصفوف كما هو مخطط له.
لا أعلم كم من الوقت مر ونحن نركض.
كنا نسحق الوحوش التي تظهر هنا و هناك، وتقدمنا بثبات نحو المذبح العظيم، حين بدأت الضباب يزحف تدريجيًا حولنا.
غمر الضباب المكان في لمح البصر، و ازداد كثافة حتى بالكاد يمكن رؤية من بجانبك.
كرووووغ!
أصبح الفرسان أكثر يقظة، و بدؤوا باستخدام الأصوات و الأضواء التي أطلقها السحرة للتحكم بحواسهم و قتال الوحوش.
وجدت نفسي، من دون أن أدري، في وسط المعركة بعدما كنت في الخلف.
كان علينا أن نحافظ على طاقتنا حتى الدخول إلى المذبح، لكن إن أصبح الوضع خطيرًا، فعلينا استخدام الوهم المعتمد على الفضاء و الجغرافيا.
الآن أصبح المذبح أمامنا مباشرة.
أثناء تبديل الصفوف مرة أخرى بسرعة، انطلقت فجأة ومضة أرجوانية هائلة من بعيد، و انفجرت كالعبوة النارية.
وفي اللحظة نفسها، توقفت حركة الفرسان.
كنت أستخدم وهم الفضاء لتقييد حركة الوحوش، لكنني توقفت و التفت برأسي.
إنها إشارة سحرية.
ثم انفجر ضوء أبيض ناصع مرة أخرى.
“توقفوا!”
فتوقف جميع الفرسان الذين كانوا يتقدمون.
عادةً ما تُستخدم الإشارات النارية من قبل الفرسان الذين ينضمون متأخرين لتحديد الاتجاه أو الإبلاغ عن الموقع.
لكن لم يكن هناك من سينضم إلينا الآن، لذا كان من الغريب ظهور الإشارة.
كان الجميع في حالة توتر شديد، يحدقون في ذلك الاتجاه.
انطلق ساحر و فارس نحو اتجاه الإشارة للتحقق من أجل الحاجز.
وفي الوقت نفسه، دفع ساحر الرياح الضباب بعيدًا بينما كنا نقوم بإنهاء الوحوش المتبقية.
ثم انفجرت إشارة أخرى، تلاها مرة أخرى ضوء أبيض ناصع.
وبعد قليل، بدأ اهتزاز يشبه الزلزال يهز الأرض.
بدأت الحجارة الصغيرة على الأرض بالارتجاج، وازدادت الاهتزازات شدة.
ظهر الفارس والساحر اللذان ذهبا للتحقق من وسط الضباب.
“إنهم التعزيزات!”
وفي اللحظة نفسها، دوى اهتزاز أقوى، و ظهر عدد لا يُحصى من الجنود، مئات، آلاف، بل لم يعد بالإمكان تقدير عددهم.
التعليقات لهذا الفصل "135"