بـمجرد أن أضاءت البوابة قليلاً، وجدت يدي تنقبض بتوتر دون أن أشعر.
قد لا يكون هو.
قد يكون سِـد الذي خرج صباحًا و عاد الآن، أو ربما شخصًا آخر أرسله كايروس.
ومع ذلك، لم أستطع أن أرفع نظري عن الدائرة السحرية.
وأخيرًا، ظهرت بنية رجل فوق الدائرة السحرية.
أخفضت عيني بخيبة أمل.
“سِـد.”
“س، سيدتي؟ لماذا أنتِ هنا؟”
“يبدو أنه لم يعد بعد.”
عند كلامي، انحنى سِـد برأسه بل وحتى بجسده حتى خصره.
“سيأتي سيدي قريبًا. لقد أتيت لأنني نسيت شيئًا على عجل هذا الصباح. أعتذر لإحباطكِ.”
هززت رأسي نافية.
يبدو أن سِـد أيضًا مشغول للغاية، فقد بدا عليه الإرهاق الشديد.
أصلاً، الجميع كانوا يحاولون نقلي إلى مكان أكثر أمانًا، و كنت أعلم أن الوضع خطير، لكنني انتظرت فقط لأني أردت أن أسمع منه شخصيًا.
“تابع عملك، أنا بخير.”
تلك الليلة.
ذهبت إلى النوم مبكرًا قليلًا.
رغم أنني لم أستطع النوم إطلاقًا، إلا أنني أردت ترتيب أفكاري المعقدة.
كما لو أن الوضع يعكس مخاوفي الحالية، انقطعت الاتصالات مع العائلة الإمبراطورية، وبالطبع لم أتمكن من التواصل مع ديلان أيضًا.
وفوق ذلك، لا يزال تهديد الوحوش السحرية مستمرًا، لذا لم يكن هناك ما يمكن فعله سوى حماية الشمال في الوقت الحالي.
لم أستطع الاستمرار في التصرف كالمغفلـة، لذا بدأت أراجع إن كان هناك ما غفلت عنه.
كما أن الأوهام التي لطالما أربكتني بدأت تظهر أكثر فأكثر، وأصبحت أوضح، لذلك حاولت أن أمعن النظر فيها.
منذ أن وجد كايروس المذبح العظيم و وصف لي شكله، بدأت أتيقن من تلك الأوهام أكثر.
لأن المذبح الذي رأيته في الأوهام تطابق تمامًا مع وصف كايروس له.
كنت على يقين أن تلك الأوهام ستصبح مفتاحًا آخر بالنسبة لي.
لتهدئة توتري، أغمضت عيني وأخذت نفسًا عميقًا.
لا أعلم كم مر من الوقت.
فتحت عيني فجأة و نهضت بسرعة.
ثم خرجت من الغرفة كما لو كنت أطرد نفسي من السرير.
راودني شعور غريب بأن كايروس سيأتي. نزلت بسرعة إلى الطابق السفلي وأنا لا أزال بثياب النوم.
“آه…!”
كادت قدماي تتعثران من استعجالي، فتمسكت بدرابزين الدرج بكلتا يديّ.
تقاطعت أنفاسي، لكنني تابعت النزول بسرعة.
وعندما دخلت إلى الطابق السفلي و فتحت الباب، ظهرت فجأة ومضات خافتة من الضوء في الدائرة السحرية.
توقفت في مكاني.
واشتد وهج الضوء المنبعث من الدائرة السحرية.
بمجرد أن رأيت الجسد الضخم ، شعرت و كأنني أستطيع التنفس مجددًا.
وفي لحظة، ظهر كايروس.
“…….”
وبزوال ضوء الدائرة السحرية، تلاقت أعيننا.
“…….”
شعرت بوجه كايروس المتجمد ببرود مخيف ينهار فجأة.
ولكن هذا كل شيء، ظل واقفًا كما لو كان متحجرًا.
عضضت شفتي من المشهد أمامي.
وفي اللحظة التالية، اقترب كايروس بخطوات واسعة كما لو أن ما حدث قبل لحظة لم يكن.
“سيؤلمك.”
مد كايروس إصبعه ليمنعني من عض شفتي، وعندها، انفجر التوتر الذي كنت أضغط عليه بشدة دفعة واحدة.
تراجعت خطوة إلى الوراء.
“الشخص الذي يقلق عليّ…”
“.….”
“أرسل فقط رسالة، و الآن فقط يظهر؟”
“أنا آسف.”
“…..”
“أنا آسف حقًا. كان هناك أمر عاجل كان يجب أن أرتّبه.”
أمسكت بيده التي اقتربت مني قبل لحظات .
“هل أصبتَ في مكان ما؟”
من خلال عيني ، لم أرَ شيئًا.
وصوته لم يكن مختلفًا كثيرًا سوى أنه كان أكثر هدوءًا قليلاً ، لكنني سألته بدافع القلق.
“لا يوجد شيء من هذا.”
“هل انتهيتَ من كل شيء و عدتَ الآن؟”
“…ليس بعد.”
كتمت تنهيدة كانت على وشك أن تنفجر.
“إذًا أخبرني الآن. لقد انتظرت حتى الآن لأسمع الأمر منكَ مباشرة.”
لماذا لم يستطع المجيء كل هذا الوقت؟
ما الذي حدث؟
لماذا كان الجميع يحاول إقناعي بأن من الأفضل أن أذهب إلى مكان أكثر أمانًا ؟
أيًا كان السبب.
لقد صبرت و انتظرت كل هذا الوقت.
رفعت بصري إليه بنظرة تدل على أنني لن أتنازل عن شيء، فهز رأسه موافقًا على الفور.
⋆★⋆
“كنت أعلم أن الأمر كذلك.”
بصراحة، كنت أعتقد أن كايروس سيتمسك بالصمت.
كان مستعدًا لفعل أي شيء من أجلي، لكنه كان يميل إلى إخفاء الأمور عندما تكون خطيرة حقًا، خوفًا من أن أتحرك معه.
بسبب تلك القناعة الراسخة لديه بأنه من المقبول أن يُصاب هو، و لكن ليس أنا.
كنت قلقة لأنه لم يغير هذا الجزء بعد، لكن كايروس أخبرني بكل ما حدث في القصر الإمبراطوري.
رغم أنه كان من الصعب عليه التحدث، إلا أنه أخبرني أن السبب في كل ذلك هو أنا.
وعندما أنهيت سماع كل شيء، كان الصباح يقترب بخفة.
تحدثنا لساعات طويلة.
رغم أن فترات الصمت كانت طويلة بين الحين والآخر.
“.….”
هل قالوا ان الحدس السيئ يصيب دومًا؟
لذا لم أتفاجأ حتى.
فقط اعتقدت أن ما كنت أتوقعه قد حدث، لذلك لم أشعر أنه شيء سيء للغاية.
مددت يدي و لمست خده و أذنه، اللذين سمعا كل ذلك وجهًا لوجه.
“آسف لأنني تأخرت.”
“إذًا هذا سبب تأخرك.”
كنت أود أن أقول انه كان من الأفضل لو أخبرني في وقت أبكر ، لكني تماسكت ، فحتى هذا التغير منه كان كبيرًا.
“كنت أريد أن أعطيكِ يقينًا بدلاً من القلق. الإمبراطور كان يرسل إليّ أشخاصًا باستمرار ليقترب منكِ بأي وسيلة.”
“آه، إذًا لهذا السبب كان سِـد و جينجر…”
هل هذا هو سبب إصرارهما على أن أذهب إلى مكان آمن؟
ليس فقط هما، بل كان الجميع منشغلين للغاية.
منذ اللحظة التي ظننت فيها أن الأمور قد انحرفت، توقعت خيانة القصر الإمبراطوري، لكنني لم أكن أعلم أنهم استمروا في إرسال الناس بهذا الشكل.
يبدو أنهم، عندما لم يتجه كايروس إلى الشمال، تتبعوا حتى مسار تحركه و تحققوا بدقة مما إذا كنتُ في مكان آخر.
كانت الكلمات “الفيلق التافه و الإمبراطور” على وشك أن تخرج من فمي، لكنني كتمتها بشدة.
بدلًا من ذلك، تنهدت بعمق.
تساءلت إن كان من الطبيعي أن أسمع هذه القصة بهذا الهدوء الآن.
‘أشعر و كأنني أصبحتُ الشرير الأقوى.’
كانت هذه مشاعري الصادقة.
“أنا…”
“همم؟”
أمسك كايروس بيدي.
“…أردت أن أضعكِ في مكان آمن وأحميكِ. شعرت أنني لن أستطيع التنفس إلا بذلك. وكانت تلك دائمًا طريقتي في التعامل مع الأمور.”
حين تقع مشكلة ، كايروس كان يقطع الطريق عليها مسبقًا و يتصرف.
سواء كان ذلك بالقوة أو بأي وسيلة أخرى.
لذلك، كثيرًا ما كنا نتشاجر.
حتى أنه في أحد المرات أصدر أمر حظر الطلاق من تلقاء نفسه.
لكن، ربما الآن، بدأت أعتقد أن طريقته قد تكون الأفضل.
ساعدت جاد من أجل المستقبل، لكن الأمور انقلبت بهذا الشكل، مما جعلني أشعر بالاستياء.
وفي وسط كل ذلك، كنت ممتنة قليلًا لديلان الذي خاطر بنفسه و سعى لمساعدتي ومساعدة كايروس.
لأنني لم أكن أتوقع أن يفعل ديلان ذلك.
“.….”
كنت على وشك أن أقول له ان بإمكانه فعل ما يراه مناسبًا، لكنه سبقني بالكلام.
“لكن، إذا فعلتُ ذلك، فقد تختفي كل الأشياء التي كنتِ تقدّرينها.”
“…وماذا بعد؟”
رفع كايروس رأسه.
“لذا، أردتُ هذه المرة أن أحميكِ بالطريقة التي علمتِني إياها، بالطريقة التي تتبعِينهـا أنتِ.”
أملت رأسي في حيرة، دون أن أفهم قصده.
بطريقتي أنا؟
“لكن، لإقناعهم، احتجتُ وقتًا أطول بكثير مما توقعت. لذلك تأخرت.”
“إقناع من؟”
“سأُريكِ بنفسي.”
حتى بعد قوله لهذا، لم أفهم.
لكن، رغم أنني لم أفهم، فقد شعرت بالراحة فقط لأنه عاد إلى جانبي، فلم أُلحّ بالسؤال أكثر.
ثم، في اليوم التالي مباشرة.
“هايزل.”
مد كايروس يده فجأة و طلب مني أن أتبعه.
تبعته دون أن أفهم ، فرأيت بوابة القصر المغلقة بإحكام.
“لماذا نحن هنا؟”
قبل أن يجيب كايروس ، بدأت البوابة التي كانت مغلقة بإحكام بسبب طبقات الدفاع و مقاومة الوحوش، تفتح ببطء.
ومن خلال الفتحة التي بدأت تتسع، ظهرت صورة أناس مصطفّين بكثافة.
‘جنود…؟’
يبدو أنهم ليسوا من طرفنا.
وأثناء تفكيري بذلك ، فُتحت البوابة بالكامل ، فضيقت عيناي بينما أُمعن النظر في ثلاثة أشخاص يقتربون وهم على ظهور الخيل.
وفي تلك اللحظة، لوّح الشخض الذي كان في المقدمة باتجاهنا.
التعليقات لهذا الفصل "131"