“الفرقة الأولى ستتضرر كثيرًا، وأود أن أعرف السبب. إن لم تكن هناك مشكلة كبيرة، فالعقوبة بالإقامة الجبرية في هذا التوقيت قاسية للغاية.”
“ربما لا نعلم بشأن الآخرين، لكن نائب القائد كان يعمل حتى وقت متأخر أمس، فما هي المشكلة تحديدًا؟”
“لقد أبلغتهم جميعًا بسبب العقوبة، وقد تقبّلوها، لذا ركّزوا فقط على التدريب الأخير. لا وقت لدينا.”
حتى جاد لم يكن مرتاحًا.
لكن بما أن جانب المعبد لم يقدّم هذا الحل من دون تفكير، فلا خيار آخر سوى الامتثال في الوضع الحالي حيث لا حلول أخرى.
رغم تساؤلات الفرسان وتذمّرهم، تجاهلهم جاد تمامًا.
لا يدري لماذا، لكن صورة الثلاثة الغائبين و السيدة هايزل من أيام الفيلق كانت تطفو في ذهنه.
ضغط جاد على أفكاره المعقدة، واستأنف التدريب.
⋆★⋆
“لن يستطيع الحضور لبعض الوقت؟”
يبدو أن جينجر قد سمعت الخبر من سِـد.
وصلها خبر أن كايروس لن يتمكن من العودة للمنزل لبعض الوقت بسبب انشغاله بأمور في العاصمة.
‘بما أنه ذهب إلى هناك، أعتقدت أنه سينهي كل أعماله في العاصمة دفعة واحدة. لكن، ألم يتأخر؟’
كايروس ليس من هذا النوع.
حتى عندما كانت هناك حاجة للذهاب يوميًا من قصر الدوق إلى العاصمة، نادرًا ما ترك القصر خاليًا.
لو كان من هذا النوع، لكان قد فعل ذلك منذ زمن.
الآن و قد عرفت من هو ذلك الرجل، أصبحت تملك هذا اليقين.
هل من الممكن أن الأمور خرجت عن السيطرة؟
“جينجر.”
بعد أن وصلت التعزيزات من القصر الإمبراطوري، لا يبدو أن هناك ما يستدعي حدوث مشكلة كبيرة.
“نعم، سيدتي؟”
“أنتِ كنتِ تتحدثين مع سِـد قبل قليل، أليس كذلك؟”
“عفوا؟ نعم، هذا صحيح، ولكن…….”
“سأتحدث مع كايروس بنفسي. حسنًا، جينجر. تابعي عملك.”
“آه… نعم! حاضر.”
ترددت جينجر قليلًا، ثم انحنت وغادرت.
فتحت على الفور جهاز الاتصال الخاص بكايروس.
لكن لم ينجح الاتصال به، ربما لأنه كان مشغولًا كما قالت جينجر.
“…….”
عضضت على شفتي لساعات، و أنا أنتظر رد كايروس.
ولم أتمكن من التواصل معه بعد ذلك أيضًا.
حاولت الاتصال بديلان، لكن لم أتلقَّ أي رد.
وأخيرًا، تمكنت بصعوبة من التواصل مع ليلي، لكن يبدو أنها لم تسمع أي شيء.
كايروس لم يكن موجودًا، لذا كان علي أن أبقى هنا لحراسة المكان، ولم يكن من السهل اتخاذ قرار التوجه إلى العاصمة.
شيء ما بالتأكيد ليس على ما يرام.
أمسكت جهاز الاتصال الخاص بآني.
وبمجرد أن بدأ ضوء الجهاز يضيء، تم الاتصال فورًا.
“هايزل؟”
“نعم، إنها أنا، آني. هل أنتِ مشغولة الآن؟”
⋆★⋆
تمكن ريندل أخيرًا من لقاء كايروس مرة أخرى.
لم يكن بالإمكان ترك الوضع ينهار بهذه الطريقة، وكان لا بد من إنقاذه.
رغم أن كايروس لم يبدُ أنه يثق به، ودار بينهما جدال قصير، إلا أن إصراره أتى بثماره، وتمكنا من الجلوس وجهًا لوجه للحديث.
“…فخامتك، أود أولًا أن أعبّر عن أسفي لما آلت إليه الأمور. أعتقد أنني فهمت الآن لماذا طرح المعبد هذا القرار على القصر الإمبراطوري.”
“أرادوا أن يوطدوا مكانتهم بهذه الفرصة. من خلال زوجتي.”
قال كايروس بهدوء.
لكن ريندل لم يشعر باستيائه فحسب، بل بغضب أعمق بكثير.
كان كايروس على حق.
“تلك المرأة وحدها تكفي. لا يمكنكم إيقافنا. سنقدمها كقربان حتمًا. لأنها خُلقت لهذا المصير!”
إلى أي مدى كان أولئك الأتباع يراقبونها ؟
إن كان اعتراف فاي مارتن صحيحًا، فإن تقديم هايزل كقربان هو الطريقة الأسرع، والأسهل، والأكثر كمالًا للتخلص من هذا الخطر.
أتباع الطائفة كانوا قد أكملوا كل استعداداتهم، و الإمبراطورية أصبحت مغطاة بظلام كثيف.
لقد حددوا المذبح العظيم كمكان لمجيئه، لكن حتى لو قُدّمت هايزل كقربان في أي مكان ملوث داخل الإمبراطورية فلن يكون هناك فرق.
و إن نجحوا في تقديم كايروس أيضًا كقربان، فسيكون العالم بالكامل تحت سيطرتهم.
كان المعبد يريد أن يستغل هذه الفرصة للقضاء على طاقة الظلام داخل الإمبراطورية بالكامل.
وقد لاقى هذا الاقتراح قبولًا كاملًا في القصر الإمبراطوري.
“أنت لا تنوي خوض حرب فعليًا، أليس كذلك؟ إن حدث ذلك، فلن يكون فخامتك فقط في خطر، بل الجميع أيضاً.”
ريندل لم يكن مقتنعًا بهذه الحالة. وكان بالطبع من المعارضين للحرب.
حتى طفل صغير يدرك أن بدء الحرب في هذه الحالة لن يأتي بمكسب لأي طرف.
لكن لم يكن بإمكانه أيضًا أن يدير ظهره للدوق.
فقد نال الكثير بدعمه، ولم يكن من السهل على برج السحر أن يصل إلى هذا المستوى من دونه.
ما دام قد قرر المساعدة، فلا يمكنه التراجع الآن دون إنهاء الأمور بشكل واضح.
تحدث كايروس أخيرًا بعد صمت طويل.
“إن كان ذلك لحماية زوجتي، فلا شيء مستحيل. وبالطبع، أنا لا أرغب في الحرب.”
إن كان ذلك ضروريًا، وإن كانت حماية هايزل لا تتحقق إلا بذلك، فلا مانع له.
لكن كما قال ريندل، فالحرب ستكون كارثة على الجميع.
وحتى إن تم إنهائها بأمان، فإن أي صدمة قد يتعرض لها أي شخص خلالها سيكون قاسيًا.
لكن كان لا بد من ترسيخ موقف واضح لدى الإمبراطور.
بعد أن تجاوب كايروس معه مرة، بدأ الإمبراطور يتلاعب به و بهايزل حتى فقد صوابه.
حديثه عن خوض حرب لم يكن إلا تحذيرًا أخير بعدم العبث مع زوجته مجددًا.
كايروس كان يعرف جيدًا أن الإمبراطور، الذي يحاول جاهدًا تقليل الأضرار، لن يستمر في الضغط هكذا.
وسيعيد التواصل معه قريبًا، إن لم يكن غبيًا.
أما إذا تصرف عكس المتوقع، فالحرب ستكون حتمية.
وكان هناك ما يجب التحضير له قبل أن يتحرك الإمبراطور.
“ريندل. لدي سؤال.”
“نعم؟”
“الطريقة التي استخدمتها في مهرجان التأسيس… هل يمكن تكرارها؟”
“الطريقة التي استُخدمت في مهرجان التأسيس… ممكنة، لكنها ستتطلب قدرًا أكبر بكثير من القوة السحرية و الطاقة المقدسة مقارنة بما كان عليه الوضع آنذاك. صحيح أن المعبد سيتعاون إذا تحرك القصر الإمبراطوري، لكن…”
أومأ كايروس برأسه.
“طالما أنها ممكنة، فلا بأس. فقد كنت أخطط منذ البداية لدفع القصر الإمبراطوري للتحرك أولًا.”
“عفوًا؟ ما الذي تنوي فعله تحديدًا……؟”
بدت ملامح الحيرة على وجه ريندل.
⋆★⋆
مرت عدة أيام بعد ذلك.
الوضع الذي كان يكتنفه الغموض بدأ يتغير تدريجيًا.
بدأت الشائعات تنتشر.
وبعد أن وصل الخبر متأخرًا إلى الفرسان، خيّم جو كئيب أشبه بجو الجنازات.
فكرة أن هايزل لوف، الدوقة الحالية لعائلة هاديد، يجب أن يتم التضحية بها كانت صادمة.
بل وبدأ يقال حتى ان دوق هاديد العظيم لا يمكنه فعل شيء.
فمهما بلغت قوة الشخص، لا أحد يستطيع أن يقف في وجه القصر الإمبراطوري و الإمبراطورية.
المؤلم فقط هو أن تضحية من يعرفونها جيدًا يجب أن تكون الأساس لحل هذه الأزمة.
لهذا، لم يجرؤ أحد على فتح الموضوع أولًا، وكل ما فعلوه هو التزام الصمت ومتابعة تدريباتهم.
لكن كانت هناك مشكلة.
القصر الإمبراطوري، الذي سمح عمدًا بانتشار الشائعات ليكسب الدعم لقراره، لم يدرك أبدًا أن الرأي العام والوضع بدآ يأخذان منحى مختلفًا عما كان متوقعًا.
⋆★⋆
لم يعد يستطيع تحمل الأمر أكثر، فاقتحم ديلان مكتب جاد.
بعد أن صدرت بحقه أوامر بالإقامة الجبرية ، تم استدعائه للعودة مساء أمس.
كان ديلان ينوي التخلي عن منصبه كفارس، وذهب إلى جاد بهذه النية.
فكلما فكر في الأمر، شعر أنه لا يمكن أن يستمر على هذا النحو.
“سموك، أنت هنا.”
“السير بانكر. الطرق على الباب من أساسيات السلوك. وأنت أدرى الناس بذلك.”
قال جاد وهو ينظر إلى ديلان الذي دخل المكتب فجأة.
“نعم، أعلم. لكن الوضع في الداخل أصبح فوضويًا، فلم أكن واثقًا إن كان الطرق ضروريًا.”
“ما الذي تعنيه بذلك؟”
سأل جاد بحدة.
جاد و ديلان لم يكونا فقط ولي عهد وخادم، بل كانا صديقين أيضًا.
وكانا أيضًا زميلين يقاتلان جنبًا إلى جنب، لذا عندما تولى جـاد منصب القائد، أصبح ديلان نائب القائد، وكان فيلق التنين الأبيض يظهر تناغمًا مذهلًا.
لكن الآن توتر شديد كان يسود بين الاثنين.
“هل ستقوم حقًا بختم هايزل لوف؟”
“لقد تم اتخاذ القرار بالفعل، فلا جدوى من الحديث الآن.”
“كنت أريد أن أسأل ما إذا كان هذا أيضًا رأي سمو ولي العهد. سموك ، هل تعتقد أن هذا هو الصواب؟”
“الأمر من أجل شعب الإمبراطورية.”
“صاحب السمو. ألا تعرف هايزل؟”
“….”
“هل تعرف لماذا يحبها الناس؟ كانت شخصًا يتحمل كل شيء بالإرادة والقوة فقط. أتذكر كيف كانت عندما كانت في الفرسان؟ كانت ضعيفة الجسم، تتعرض لعسر الهضم باستمرار، وتملأ بطنها بالماء ثم تخرج لتقاتل. حتى في الأكاديمية، كانت تبدو كهيكل عظمي جميل يتجول هنا وهناك. في ماذا يفيد إن اهتممنا بها؟ لم تكن تستطيع الأكل حتى.”
لم تكن تأكل، لذا لم يكن لديها طاقة.
ما فائدة امتلاكها للسحر الأسود؟ أليس أساس الفارس هو اللياقة الجسدية؟
كانت لديها إرادة قوية، لكن جسدها كان ضعيفًا.
كانت ضعيفة جدًا لدرجة أنها لم تكن تستطيع حتى حمل السيف، حتى اضطر ديلان إلى طلب صنع سيف خفيف خصيصًا لها.
“ما هذا الشيء. أنا محظوظة لأن لدي صديقًا غنيًا. سأستخدمه جيدًا ”
كان هذا كلام هايزل حينها.
و ذلك السيف هو السيف المتواجد الآن في المكتب.
“كم كانت تملك من المال حتى؟ لقد كانت تأخذ كل ما تكسبه و تتبرع به لدار الأيتام، وكانت تشتري طعامًا وتوزعه على الأطفال الذين أصبحوا كهنة في سن صغيرة لأنها كانت تشفق عليهم. هكذا هي هايزل. ألا تشعر بالشفقة عليها؟ حتى بعد أن تركت الفرسان، ماذا فعلت؟”
“…….”
“عادت و ساعدتنا مجددًا.”
“…أعلم. أنا أعلم كل ذلك.”
قال جـاد و هو يمسح على رأسه بانزعاج.
“انظر إليها الآن. بعد أن تزوجت، بدأت تستعيد بعض الحيوية، و أصبحت تبدو كإنسانة أخيرًا. هل سنستنزفها حتى آخر قطرة ثم نرميها؟ كيف يمكنكَ فعل هذا؟”
“السير بانكر.”
“نعم؟ كانت زميلتنا، وكانت صديقتنا حتى وقت قريب. والآن أخيرًا أصبحت تبدو سعيدة. كانت عينيها سابقًا تبدوان ميتتين، لكنني الآن أصبحت آراهما تتألقان.”
“…….”
“و الآن تريد إرسالها للموت؟ تريد ختمها في أعماق معبد؟ هل هذا هو الحل؟ ما الفرق بينكم وبين أولئك الأتباع الذين يريدون تقديمها كقربان؟”
ضحك ديلان بسخرية. لم تكن هناك أي مجاملة في ضحكته.
“ألستَ من قلتَ سابقًا انها صديقة الأميرة؟ عندما تحتاج إليها، فهي صديقة، وعندما لا تحتاج إليها تختمها؟ أفضّل أن أذهب إلى الشمال و أقاتل هناك بدلًا من ذلك.”
“ديلان بانكر!”
“إذا أغمضتَ عينيكَ الآن. إذا قمتَ بسدّ آذانك الآن.”
“……”
“ماذا ستفعل إذا تم اتهامي لاحقًا بأني أحد أتباع ملك الشياطين، و قرر زميل أن يختمَني؟ هل هذا فعلًا ما تعتقد أنه صواب؟ هل أنت واثق؟”
“فكر بهدوء.”
“اللعنة، كيف يمكنني أن أفكر بهدوء؟ الموت جنبًا إلى جنب ونحن نقاتل أفضل من العيش كجبناء. لا أريد أن أكون جبانًا.”
“هذا هو رأي جلالة الإمبراطور، وقد تم اتخاذ القرار بالإجماع. ليس شيئًا يمكنني تغييره الآن.”
“سموك!!!”
التعليقات لهذا الفصل "129"
ديلان يفوز بأفضل شخصية و أفضل صديق