“أه، حقًا؟”
يا لها من مصادفة في التوقيت.
كنتُ أنتظر اتصالًا، لكن ليس الآن!
“لا مفر من ذلك، على ما يبدو.”
قلت ذلك وأنا أبتسم كما لو كنت أتحدث إلى نفسي، ثم توجهتُ إلى المكتبة على مضض.
ما إن وصلت إلى المكتبة حتى واجهتُ كرة الاتصال المتلألئة.
اقتربت وضغطت عليها، وسرعان ما سمعت صوتًا مألوفًا.
– هل أنتِ مشغولة؟
“اتصلتَ مبكرًا اليوم.”
رددتُ بنبرة جافة على صوت ديلان.
سمِععت ضحكة من الجهة الأخرى من كرة الاتصال.
عند سماع صوته الهادئ، بدا أن الخبر ليس سيئًا على الأرجح.
– أعتذر يا دوقة، كنت مشغولًا جدًا فلم أجد الوقت.
“و لماذا اتصلتَ في يوم موعدي بالضبط؟”
– مع سمو الدوق؟
“مع من غيره برأيك؟”
ابتسمتُ وأنا لا أزال واقفة وأواجه كرة الاتصال.
– إذن، يجب أن أنقل لكِ الأمر بسرعة وأغلق. سموه يرغب بزيارتك للقصر الإمبراطوري لتلقي مكافأتك. الأمير ولي العهد أبلغني بذلك هذا الصباح.
“آه، صحيح؟ وماذا عن حملة القضاء مع كبار الكهنة…”
– ستبدأ التحضيرات الجادة هذا الأسبوع. الإعلان الرسمي سيصلكم خلال أيام.
زفرتُ بارتياح إثر كلمات ديلان الحاسمة.
تمت الموافقة إذًا.
كنت قلقة من التردد المبالغ فيه وأتساءل ما الذي يدور في ذهن الأسرة الإمبراطورية.
“إذاً لا بد أنكم في خضم الفوضى الآن.”
– قليلًا؟ سنبذل قصارى جهدنا، فآمل تعاونكم حتى النهاية.
لعدة أشهر، قدّم نبلاء إلكيوم كل قواتهم لطرد الظلام.
“بذل كل الجهد” لم يكن مبالغة على الإطلاق.
الآن حان وقت استنزاف كل ما تبقى من القوة، حتى آخر ذرة.
كل شيء جرى أسرع مما توقعت. يبدو أن النهاية تقترب وفقًا للتدفق الذي أعرفه.
ما تبقى هو النهاية السعيدة.
أشعر أنني سأتمكن من الابتسام قريبًا.
لم أمُت من الإرهاق، وما زلت على قيد الحياة.
أخبرتُ ديلان بتوقيت اجتماع الأتباع في المذبح العظيم، كما لو كان تخمينا مني.
رغم أنني علمت ذلك من النص الأصلي، إلا أن التوقيت بات مطابقًا تقريبًا الآن.
“سأراقب الوضع من هنا، وإن لاحظت شيئًا مريبًا، سأتصل بكَ فورًا.”
– شكرًا لكِ. إذن أتمنى لكِ موعدًا سعيدًا اليوم، دوقة.
“بالطبع. وأنت أيضًا، سير بانكر، ابذل جهدك.”
وانقطع الاتصال بنهاية عبارتنا المرحة.
خرجت فورًا من المكتبة.
اليوم، مهما كان، سأقضي وقتًا لنفسي!
ما إن خرجت من المكتبة حتى رأيت كايروس واقفًا هناك، مستديرًا بظهره إلى الردهة، ينظر إلى النافذة، يبدو أن جينجر أخبرته بشيء.
ابتسمت بخفة واقتربت منه بخطوات خفيفة.
السجادة في الممر جعلت خطواتي بلا صوت.
عانقت كايروس من خصره.
ضحك بصوت خافت والتفت برأسه قليلًا.
“ما هذا؟ لماذا لم تتفاجئ؟”
“لقد تفاجأت.”
“لقد رأيتكَ تضحك أولًا.”
كايروس مسح ظهر يدي بلطف.
استدار ببطء وضم خدي بين يديه الكبيرتين.
ارتسمت ابتسامة جميلة على شفتيه.
رغم أننا معًا كل يوم، شعرت أنني أرى وجهه بهدوء لأول مرة منذ زمن.
كان هذا معتادًا من قبل.
لم أتوقع أبدًا أننا سننشغل إلى حد أن نأسف على لحظات الخلاف.
“إن نظرتِ إلي هكذا باستمرار، سيكون الأمر محرجًا.”
قال كايروس وهو يقطب حاجبيه قليلًا.
رمشت ثم نظرت إليه بنظرة جانبية.
“الوجهة التي سنذهب إليها ليست غرفة النوم، بل هي فيراريوم.”
“مكان الموعد يمكن أن يتغير في أي وقت، أليس كذلك؟”
لم أسمع هذا الرد الماكر منذ وقت طويل. لكن ليس اليوم!
“لا مجال لذلك.”
عندما قلت بحزم إنه مستحيل تمامًا، انحنى كايروس قليلًا برأسه.
“العربة لا بأس بها أيضًا.”
كنت في أحضانه، ثم ضربته بـقبضتي على صدره.
“آه، حقًا!”
اهتز صدر كايروس وهو ينفجر ضاحكًا.
كان وجهه مفعمًا بالحماس اليوم بقدر ما كان وجهي كذلك.
“إذًا، هل نذهب الآن؟”
“…حسنًا.”
فتح كايروس ذراعه بطبيعية.
ضحكتُ و أنا أتمسك بذراعه.
⋆★⋆
بمجرد أن انتقلنا عبر البوابة، كدت أبكي عند رؤية المشهد المألوف.
ربما لأنني عملت بجهدي الخاص و صنعت من هذا المكان منزلا لي، بدت فيراريوم كأنها موطني الثاني.
حتى منزل البارون ايديت، الذي كان بيت الزوجية، أسعدني رؤيته كثيرًا.
صعدت الدرجات بينما كنت أتلقى تحيات الخدم، وأخذتُ أتفقد منزل البارون.
كان تمامًا كما تركته، دون أن يتغير شيء.
حتى مكتبي، حيث كنت أعمل بجهد على إدارة النقابة، بقي كما هو.
وغرفة النوم التي كنا نقيم فيها، أيضًا كما هي.
“المكان تماماً كما كان.”
كان من المدهش أنه نُظّف بعناية لدرجة أنه يصلح للسكن فورًا، دون وجود أدنى ذرة غبار.
“لأنني اعتقدت أنكِ قد ترغبين بالعيش هنا مجددًا.”
على عكسي، بدا كايروس معتاداً جدًا مع المكان.
مستحيل…
“هل سبق أن جئتَ إلى هنا وحدك؟”
“أمم، حسنا نوعًا ما… كثيرًا.”
“كثيرًا؟”
حين نظرت إليه، بدأ يربت بلطف على جانب عينيّ.
ارتسمت على وجهه ابتسامة بدت محرجة قليلًا.
“عندما لم تكوني تظهرين لي وجهك، كنت أفتقدكِ لهذا كنت آتي إلى هنا. رغم أنني الآن مشغول، لهذا لم أتمكن من المجيء كثيرًا.”
“آه…”
كان ذلك يعني أنه أتى إلى هنا أثناء فتور علاقتنا.
أغمضت عيني للحظة، وتركت يده تلامس خدي.
ثم فتحت عيني ونظرت باتجاه غرفة النوم.
“عندما ينتهي كل شيء، ربما نقضي الصيف هنا فعلًا.”
“بالنسبة لي، كل شيء مرحب به. هل أعجبك المكان مجددًا؟”
“نعم، أظن أن هذا المكان هو الأريح بالنسبة لي.”
لامس خدي مرة أخرى.
“إذا كنتِ ترغبين بذلك ، فأي شيء سـيعجبني.”
“أنت دائمًا تقول ان كل شيء يعجبك.”
شعرت بالحرج قليلًا، فتمتمت بتذمر. عندها ازدادت ابتسامته عمقًا.
انحنى كايروس قليلًا و طبع قبلة خفيفة على شفتيّ.
“هايزل، لأنني أعرف جيدًا الآن أن ما ترغبين به هو ما أتمناه أنا أيضًا.”
وفي اللحظة التي ابتعدت فيها شفتيه، رفعتُ كعبي قليلًا و رددت له قبلة خفيفة أخرى.
في تلك اللحظة، وكأنه كان ينتظر ذلك، أمسك مؤخرة رأسي ولف يده حول عنقي.
تلامست شفاهنا بعمق أكثر.
في قبلة عميقة اشتعلت فجأة، ارتعشت أهدابي قليلًا.
بصعوبة دفعته بعيدًا.
“هـ، همم! إن واصلنا هكذا فلن نتمكن من رؤية كل شيء اليوم! يجب أن أذهب إلى النقابة الآن.”
كم هو وقت ثمين هذا!
ابتعدت عنه بسرعة، و عندما سحبت ذراعي ارتفع حاجب كايروس بانحناءة خفيفة.
وسرعان ما نفث الهواء بابتسامة خفيفة.
“كما تأمر السيدة الزوجة.”
قال ذلك رغم أن كلماته حملت نبرة أسف.
⋆★⋆
عندما خرجنا إلى الخارج، كان الشتاء يوشك على الانتهاء في فيراريوم أيضًا.
لكن بالمقارنة مع الشمال، لم يكن البرد شديدًا. كان الطقس وكأنه لتوه اجتاز بدايات الشتاء.
ربما لأن سيرجال باردة جدًا وكثيرًا ما تتساقط فيه الثلوج.
حين قضيت الشتاء الماضي في فيراريوم، شعرت بالبرد الشديد و ارتديت ملابس ثقيلة.
فجأة، شعرت بوضوح بالفرق الكبير بين طقس ومناظر فيراريوم و سيرجال.
زرت النقابة بعد غياب طويل.
رغم أنني كنت أستلم الأوراق و أراجعها حتى هذا الصباح، إلا أن مجيئي شخصيًا الآن كان الأول منذ فترة طويلة.
بمجرد أن وصلت إلى النقابة، استقبلتنا نيجيلا بحرارة.
“أهلًا وسهلًا، سيدي، سيدتي.”
كانت نيجيلا قد تجنبت لقائي لفترة لأنها شعرت بعدم الارتياح.
لكن بفضل تبادل التقارير اليومي، ومع الملاحظات الصغيرة التي كنت أتركها أحيانًا مثل “أنتِ تقومين بعمل شاق”، بدأنا نتقرب مجددًا شيئًا فشيئًا.
رغم أنني لم أجعلها تستعد ذكرياتها السابقة بعد، إلا أنني كنت أظن أن الحال على هذا النحو أفضل.
فأنا لا أحب أن تشعر نيجيلا بالذنب.
وبما أن معظم الأعمال قد نُقلت إلى مبنى النقابة الجديد منذ وقت، صار المكان أكثر اتساعًا من قبل بكثير.
نظرت بابتسامة صغيرة إلى المبنى الذي أُعيد إليّ.
كنت أفكر أنه بعد هذا الشتاء، ربما أعيد تجديد هذا المبنى و أفتتح متجرا صغيرًا بدلًا من استخدامه كنقابة.
بالطبع، كانت مجرد خطة حتى الآن.
لكن بما أننا على وشك مواجهة آخر المخاطر، راحت تتدفق في ذهني خطط مليئة بالأمل. أريد فعل هذا، وأريد فعل ذاك.
بعد أن تجولنا في النقابة وأكملنا موعدنا القصير، توجهنا إلى الفيلا التي كدنا ننساها.
بمجرد أن توقفت عجلات العربة عند الفيلا، فتحت الباب ونزلت.
لم أكن قد طلبت تنظيف الساحة الخارجية، لكن الفيلا بدت تمامًا كما أريتها لكايروس أول مرة.
ولأنني لم أسمع شيئًا من كايروس عن الفيلا طوال الفترة الماضية، لم أكن أعلم حتى إن كانت تُدار.
هذه المرة، مدّ كايروس يده أولًا وسحبني إلى الفيلا.
في هذا التصرف المألوف، فتحت عيني على اتساعهما و أنا أضع يدي في يده و أتبع خطواته.
وفي اللحظة التي فُتح فيها باب المدخل، شعرت على الفور بدفء شديد.
“…كايروس؟”
لقد فوجئت عند رؤيتي للمشهد أمامي.
التعليقات لهذا الفصل "125"