كنت أنتظر فقط عودة كايروس.
“…لماذا تأخر هكذا.”
هل من الممكن أن يكون في خطر؟
خرج سِـد مجددًا بعد أن أبلغني بخبر العثور على المذبح العظيم.
قال إنه سيعود بسرعة، لكن كايروس لم يعد حتى الليل، فبدأت أشعر بالقلق.
لا بد أنه لا توجد مشكلة.
لأننا لم نكن معًا طوال اليوم، كنت قلقة أكثر من المعتاد.
في الحقيقة، لا يمكنني القول انني كنت أعرف بوجود ذلك المكان منذ البداية.
في الأصل، معظم ما كنت أعرفه من نهاية العمل الأصلي كان يركز على المعارك.
حتى وصف يوم نزول ملك الشياطين اقتصر على القول بأن الأرض الملوثة قد انشقت.
لكن بعد الانفجار العنيف للطاقة السوداء، بدأت بين الحين والآخر تطفو إلى السطح ذكريات لم أكن أعرفها.
بدأ ذلك أولًا من خلال الأحلام. وبسبب تلك الأحلام الواضحة بشكل غريب، بدأت أحيانًا أرى أوهامًا تجعلني أخلط بينها وبين الواقع.
رأيت ديلان بدون ندوب، ورأيت جاد و ليلي بشكل مختلف قليلًا.
بل ورأيت نفسي الميتة من الأعلى.
وبعدها، تذكرت محتوى القصة الأصلية.
لم أجد السبب، لكن الأمر المؤكد أن ذلك ساعدني كثيرًا في بعض الأمور.
ومن ضمنها معرفتي بأن المذبح العظيم يقع في مكان ما من ساحة المعركة الأخيرة.
رنّ جرس ينذر بوصول الجنود إلى بوابة القلعة.
عاد كايروس.
تنفست الصعداء وركضت على الفور نحو البوابة الرئيسية لقصر الدوق.
رأيت كايروس و هو ينزل عن الحصان، ويقترب منا مرتديًا درعه الكامل.
“كايروس!”
ارتسمت ابتسامة رائعة على وجه كايروس الذي كان خاليًا من التعبير.
كنت على وشك أن أرتمي في حضنه، لكنني توقفت في اللحظة الأخيرة.
“الدرع ما زال باردًا.”
تغير مزاجي، فنظرت إليه و عبست شفتي.
“آه، حقًا. لا يهمني ذلك.”
“حتى لو كنتِ جميلة هكذا، لا يُسمح.”
“أريد فقط أن أطمئن أنكَ لم تُصب.”
وضع وشاحا واسعًا أعطته له هيزان التي كانت خلفه، فارتداه بالكامل، وعندها فقط بدا وجهه مطمئنًا.
“من الأفضل أن ندخل أولًا.”
كنت ممتنة لأنه لم يصب بأذى.
ليس فقط كايروس، بل الفرسان الآخرون أيضًا.
اقترب إيدموند من الخلف و انحنى لتحيتي.
بينما كنت أبادله التحية، همست له بمكان وجود جينجر.
ثم سحبت كايروس من يده.
“كما قلت، هيا لندخل.”
دخلت إلى الداخل مع كايروس، شاكرةً على عودتهم جميعًا بسلام.
⋆★⋆
كان المذبح العظيم في أعماق الأرض تحت ساحة المعركة الأخيرة.
مر وقت طويل منذ أن اكتشف كايروس الموقع الدقيق للمذبح العظيم.
تأخرنا قليلًا لأن الفرسان كانوا يراقبون خفية لمعرفة عدد الداخلين و الخارجين من المذبح من أجل اتخاذ قرار دقيق.
كان عدد أتباع الطائفة الذين يدخلون المذبح المخفي بطبقات مزدوجة وثلاثية أقل مما توقعنا.
حوالي عشرة أشخاص فقط.
قُدِّر أنهم مرتبطون ارتباطًا عميقًا بالأتباع الأعلى مكانة أكثر من باقي الأتباع الآخرين، وأنهم ورثوا قوى الظلام مثل فاي مارتن.
وبعد عدة أيام،
تم إجراء فحص شامل لجميع الموجودين في قصر الدوق بسبب حادثة فاي مارتن.
لم نرد أن تظهر ضحية أخرى مثل أنجيلا.
وبفضل التعاون السلس من الجميع، تأكدنا من أنه لا يوجد أحد على صلة بهم.
وبما أن جسد أنجيلا كان.لا يزال محجوزًا في برج السحر، لم تُقم لها جنازة بعد، لذا تم الدعاء لراحتها في قصر الدوق.
حاولنا العثور على جثة فاي مارتن، لكن تأكدنا من أنها لم تكن حتى في المذبح العظيم.
كنا نُخمِّن فقط أنها قد تكون في مذبح آخر، أو ربما قُدِّمت كقربان.
وبحسب قول ريندل، فإنه لا يمكن إعادتها، وعلى الأرجح أنها أصبحت جسدًا ميتًا بالكامل لا يصلح حتى كقربان.
مرّت عدة أيام أخرى.
وأخيرًا وصل الجنود المساعدون الذين وعدت بهم العائلة الإمبراطورية.
رغم أن الإمبراطورية لا تزال تعج بأتباع الطائفة والوحوش السحرية، إلا أن الوضع أصبح أفضل بكثير.
وفوق ذلك، ومنذ مهرجان التأسيس، يبدو أنهم أصبحوا أكثر حذرًا، فالعاصمة بدأت تستقر بعض الشيء منذ أكثر من نصف شهر.
وفي هذا الجانب، كنا نستعد لتسليم بعض المعلومات حول المذبح العظيم إلى العائلة الإمبراطورية وتفويض الأمر لهم بالكامل.
أما بخصوص فاي مارتن، فقد قررنا الانتظار قليلًا، لأن هناك أمورًا أهم.
لكن، كانت أخبار ديلان تتأخر أكثر مما توقعنا.
⋆★⋆
لم يستطع ديلان مغادرة عمله حتى وقت متأخر، فعاد مجددًا إلى المكتب.
كان في حالة سيئة للغاية، فقد مرّت عدة أيام لم ينم فيها إطلاقًا.
“العمل لا ينتهي أبدًا.”
تمتم ديلان وهو يدلك عنقه المتصلب.
دام احتفال التأسيس لمدة ثلاثة أيام، وقد انتهى كل شيء بسلام.
بدأ الهجوم الأكثر خطرًا في اليوم الأول، وحين اكتمل الحاجز من خلال عملية مشتركة بين السحرة والكهنة، انقسم الفرسان إلى ثلاث فرق.
فريق مهمته جذب الوحوش السحرية إلى الأطراف والتعامل معها.
فريق يتولى حماية المواطنين بدور الدرع الواقي.
والفريق الأخير كان يُعرف بـ”فريق الألعاب النارية”، مهمته تضليل أعين و آذان المواطنين.
تولّـى ديلان و ولي العهد جاد قيادة الكتيبة الأولى، التي كُلِّفت مع الكتيبتين الثانية والثالثة بجذب الوحوش السحرية والتعامل معها.
كووووونغ―
في اللحظة التي اكتمل فيها الحاجز وظهرت الوحوش السحرية.
فلاش! فففففف! كوووونغ.
انفجرت في أنحاء العاصمة ألعاب نارية ضخمة لم يرَ أحد مثلها من قبل.
و بالتحامها مع الضوء المقدس لحاجز التطهير، ازدادت بريقًا وجمالًا.
“ووااااااا!”
وفورًا، ومع أنغام الآلات الموسيقية الخاصة بالعرض، دخل مواطنو الامبراطورية في موجة من الحماس الشديد.
“يعيش الإمبراطور!”
“المجد لإلكيوم!”
رغم أن بعض الناس لاحظوا الخطر، إلا أن أنظارهم شُغلت ببالونات ضخمة و مجسمات طافية هنا وهناك، فتلاشت الفوضى سريعًا.
تم تنسيق كل ذلك بتوقيت مثالي.
وكانت البداية في هذا المخطط من اقتراح قدمه ريندل، أحد سحرة برج السحر و مدير فيه، إلى دوق هاديد و زوجته، مقترحًا استعارة قوة هايزل.
فهايزل كانت تتحكم بقوتها بدقة و مهارة أكثر من أي ساحر أسود أو ساحر أوهام آخر.
وكانت هايزل وحدها تعادل خمسة سحرة سود آخرين.
لذا، كانت هايزل الشخص الوحيد تقريبًا القادر على صد القوة المقدسة القوية لنائب الكاهن الأعلى.
‘وفوق ذلك، ما قالته هايزل في النهاية ساعدني كثيرًا.’
خطة السحرة ببناء الحاجز، ثم إنشاء حاجز مقدس آخر تحته لإبطال قوة الوحوش السحرية والتخلص منها بقيت كما هي.
لكن، لتقليل الخطر، كان لابد من طريقة لجذب الوحوش إلى مكان واحد، وقد ساعدتهم هايزل في ذلك.
ومن المدهش أنهم نجحوا كما لو كانوا يستعرضون ذلك أمام الجميع.
كل الخطط البديلة “ب” و “ج” و “د” أصبحت بلا فائدة، لكن كان ذلك أكثر الأيام بهجة في مواجهة الوحوش السحرية.
وبعد أن عمّ التوتر ساحة المهرجان لفترة، سرعان ما امتلأت مجددًا بصيحات الفرح والاحتفال.
وبذلك تم إحباط خطة الوحوش السحرية و الأتباع الذين تسللوا إلى وسط العاصمة، وتم إخراج الباقين إلى الخارج بنجاح.
ومع ذلك، لم يسترخي الفرسان حتى النهاية.
فحتى بعد أن عاد معبد النور و برج السحر و دوق و دوقة هاديد، الذين ساهموا بأكبر قدر في نجاح الخطة، استمر الاحتفال بتأسيس الإمبراطورية.
حتى أن الفرسان لم يتذكر أي منهم حفل الختام من شدة انشغالهم بالحفاظ على السلامة حتى اللحظة الأخيرة.
وطبعًا، حتى ديلان نفسه بدا كمن فقد وعيه في نهاية الاحتفال .
كان الإرهاق يغمر جسده بالكامل، لكنه ابتسم برضا وهو يتجه إلى مكتبه، متذكرًا ختام احتفال التأسيس الناجح.
الآن لم يتبقَّ سوى إنهاء مسألة هايزل، كما طلب دوق هاديد…
ما عدا الوثائق التي أراها لدوق هاديد، فقد تم تسليم البقية إلى القيادة العليا.
قال دوق هاديد انه سيكسب الوقت، لكن ديلان كان يبحث بنفسه عن شهود أو أدلة يمكن أن تُثبت براءة هايزل.
جمع كل إنجازات هايزل عندما كانت ضمن الفرسان، سواء كبيرة أو صغيرة، وذهب بالأمس حتى إلى الأكاديمية التي تخرجت منها، ليفحص سجلاتها.
لأنه شعر أن إثبات مدى اجتهادها في الحياة و إخلاصها للإمبراطورية في الماضي قد يُعزز من موقف براءتها.
فهايزل التي يعرفها، كانت ترفض حتى أنشطة النوادي في فترة دراستها، مكرّسة وقتها فقط للدراسة.
وكما توقع، لم تكن هناك أي علامات مريبة في سجلاتها، بل كانت مليئة بالحياة الأكاديمية المثالية.
أراد أن يردّ الجميل هذه المرة، بعد أن تلقى منها عونًا كبيرًا.
وكان يفكر في كيفية إقناع ولي العهد قائد الفرقة، لأنه الشخص الذي يمكنه أن يقدم أكبر دعم.
ورغم أنه لم يكن متأكدًا من موقف الإمبراطور، كان يؤمن تمامًا بأن ولي العهد سيفهمه بلا شك.
فوليّ العهد هو الآخر تلقى منها الكثير من المساعدة، وكان يعلم أكثر من أي شخص آخر أنها بريئة تمامًا.
فتح ديلان باب مكتبه و دخل.
“أخيرًا وصلت.”
لكن الغرفة التي كان يجب أن تكون مظلمة كانت مضاءة تمامًا.
كان هناك زائر.
ولأن الغرفة لا تطل على نافذة ممر، لم يكن يعلم أن الضوء مشغل.
“سموك؟!”
لقد كان ولي العهد جاد.
التعليقات لهذا الفصل "123"