نظرت هايزل إلى ديلان و كايروس بالتناوب عند ذلك السؤال.
“آه… الاثنان؟ فقط أنتما؟”
على ما يبدو، لم تكن قد فكرت في هذا الجزء على الإطلاق.
لفّ كايروس ذراعه حول خصر هايزل عندما قرأ نظرة القلق في عينيها.
“يبدو أنني بحاجة إلى التحدث مع صديقكِ المقرب لبعض الوقت.”
حتى وهو يطبع قبلة قصيرة على جبين هايزل بنبرة ودودة، كانت نظرات كايروس مركزة على ديلان.
نظرات صامتة تعني: لا تجعلها تشعر بالقلق.
حتى تلك النظرة القصيرة جعلت ديلان يشعر بهيبة لا يمكن تفسيرها.
فهم ديلان على الفور أن المقصود بـ “الصديق المقرب” ليس السيد بانكر بل هو.
“ألا ينبغي أن يتحدث الرجال مع بعضهم البعض؟ لقد تحدثت كثيراً مع الدوقة، لذا أود هذه المرة الحديث مع صاحب السعادة الدوق.”
حتى وإن طلبت هايزل منه أن يتصرف بأريحية، لا يمكنه التصرف هكذا أمام كايروس.
أومأ كايروس برأسه عند كلمات ديلان اللبقة و المحترمة .
عندها اختفت علامات القلق من وجه هايزل.
“إذن، سأعمل قليلاً ثم أخلد للنوم. همم، سيكون من الجيد إن أصبحتما مقربين أكثر.”
قالت ذلك براحة و طمع خفيف في صوتها.
ضحك كايروس بخفة وطبع قبلة أخرى على جبين هايزل.
“سأفعل كما قلتِ. لا ترهقي نفسك كثيراً.”
“فهمت. ديلان، أخبرت الخادم بشأن الغرفة، لذا إن شعرت بأي انزعاج فأخبره له.”
“نعم، دوقة.”
أجاب ديلان ممازحاً.
وبمجرد أن استدارت هايزل وابتعدت، جف الجو فجأة.
“اتبعني.”
⋆★⋆
انتقلا إلى مكتب كايروس.
إن كان مكتب هايزل دافئاً، فإن مكتب كايروس كان يشبه الدوقية نفسها.
جلسا متقابلين على الأريكة براحة، لكن الجو كان مشحوناً و غريباً. مهما حاول أن يسترخي، وجد نفسه يتخذ وضعية جلوس رسمية.
“يبدو أنك الأقرب إليها من بين زملائها.”
كان كايروس هو من كسر الصمت أولاً. بينما كان يعبث بخاتم زواج من دون أن ينظر إلى ديلان.
“نعم. تخرجت مع الدوقة من الأكاديمية وانضممنا معاً إلى الفرسان. هناك العديد من الزملاء في الفرقة الأولى تحديداً.”
قال ديلان مبتسماً ابتسامة خفيفة وهو يدلك عنقه.
“أعلم ذلك.”
نظر ديلان بصمت إلى كايروس.
يبدو أن الشخص الوحيد القادر على تخفيف هذا الجو الثقيل هو هايزل.
سيبدآن الحديث الآن حول موضوع لا بد أن يكون جاداً، لذا من الأفضل كسر الجليد قليلاً أولاً.
“آه، هل تود أن تعرف كيف كانت الدوقة في ذلك الوقت؟”
فمن الطبيعي ألا يكون كايروس يعرف كيف كانت هايزل سابقاً.
ظن أنها طريقة مناسبة لبدء الحديث، لكنه قُطع فور أن بدأ بالكلام.
“لا، لا داعي.”
“… ألستَ فضولياً؟”
“لا أرغب بسماع ذلك من فم شخص آخر. هي كما هي الآن تكفيني.”
بهذا الرد القاطع، لم يكن هناك ما يُقال.
هل هو مجرد شعور؟
لماذا يبدو الأمر وكأنه يقول أنه لا يجب عليه أن يتحدث عن هايزل بودية؟
“آه، همم، هكذا إذن.”
ضحك ديلان ضحكة محرجة.
وبما أنه لا يستطيع اختراق جدار الدوق الصلب بوسائل عادية، قرر التراجع.
وحان الوقت الآن للدخول في صلب الموضوع.
“إذن، سأدخل في الموضوع مباشرة، أظن أن هذا يناسب سموك أكثر.”
“فكرة جيدة.”
أخرج ديلان ظرفًا من داخل سترته، وهو ما حاول مراراً تقديمه إلى هايزل منذ وصوله إلى قصر الدوق، لكنه لم يستطع.
ثم فتح الظرف المطوي إلى نصفين ووناوله إلى كايروس.
بعد تفكير طويل، اختار فقط الأجزاء الأهم منه.
“أرجو أن تطّـلع عليه أولاً، سمو الدوق هاديد.”
حتى أثناء إخراجه للوثائق، لم يستطع منع التوتر من التسرب.
الوثائق التي قدمها ديلان يمكن أن تُعد وصمة عار على العائلة.
إضافة إلى أنها تحتوي على معلومات تتعلق بأماكن و تصرفات الدوقة الحالية، هايزل.
إجراء الحوار بشكل آمن كان ممكناً فقط بوجود هايزل.
صراحة، كان ديلان مستعداً حتى لاحتمالية أن يُهدد بالسيف على رقبته.
أخذ كايروس الظرف بصمت.
وحين فتحه، ثبت نظره للحظة على أول كلمة ظهرت على الصفحة الأولى.
لكن حتى عندما بدأ يقرأ البقية، لم تظهر عليه أي علامات اضطراب.
“…..”
“علمت بما حدث للدوقة قبل يومين. كان خطأً واضحاً من جانبنا، ونحن نتحمل المسؤولية عنه. وسنتحملها بالكامل حين يُنقل الأمر إلى الجهات العليا.”
وضع كايروس الوثائق جانباً.
ورد على ديلان بإضافة وكأنه يجيبه.
“لا يبدو أن هناك مشكلة في الوثائق.”
اتسعت عينا ديلان.
“سموك، ماذا تقصد…!”
“الوثائق التي جلبتها لا مشكلة فيها. ولقد أجبتَ بصدق، لذا سأرد بالمثل.”
“…..”
كان ذلك اعترافاً بأن والدي الدوق الراحلين كانا من أتباع ذلك المذهب حتى وفاتهما.
بل من القادة فيه.
وحين تلقى ديلان التأكيد من الدوق الحالي، شعر بالخذلان.
“لكن للأسف، لا يوجد من يمكن تحميله المسؤولية هذه المرة.”
فوفاة دوق ودوقة هاديد السابقين كانت غامضة منذ البداية.
رغم قِصر المدة، إلا أن ديلان لم يستطع معرفة السبب مهما بحث.
وبعد رؤية ردة فعل كايروس، بدا له أنه فهم السبب الحقيقي لتلك الوفاة.
“أفكر بنفس الطريقة، لكن قد تُوجه سهام الاتهام إلى سمو الدوق الحالي في أي وقت.”
“هكذا هو القصر الإمبراطوري.”
ضحك كايروس بسخرية.
كانت سخرية واضحة تجاه القصر الإمبراطوري.
“نعم، حسناً. في النهاية أنا أيضاً فارس في القصر الإمبراطوري. لذا أرجو أن تسمح لي بطرح سؤال رغم وقاحته.”
“تحدث”
“هل يمكن أن تخبرني عن وفاة الدوق السابق؟”
كان سؤالاً للتأكيد على جواب قد توصّل إليه بالفعل.
كايروس لم يُجب.
“…إذن، أرجو أن تعذرني مرة أخرى، لكن أودّ أن أطرح سؤالاً آخر على سموّك.”
“…..”
“…هل كان لسموّك علاقة بوفاة الدوق السابق؟”
لو كانت الظروف عادية، لكان هذا سؤالًا كافيًا لطرد ديلان فورًا، أو حتى لوضع السيف على عنقه، لكنه لم يكن يملك خيارًا سوى أن يسأل.
لأنه كان بحاجة إلى تأكيد.
لأن سبب قدومه إلى هذا المكان هو لمساعدة صديقته.
كايروس حدّق في ديلان بعينين هادئتين. ثم فتح فمه المغلق .
“ليس لديكَ أي دليل، فهل ستعني إجابتي شيئًا لك؟”
عندها، وضع ديلان بهدوء يده على سترته مرة أخرى.
ثم أخرج مستندًا آخر.
“على الأقل يجب التأكد. إذا لم يكن سموّك ضحية كاملة، فلن أتمكن من فعل شيء لإيقاف ما سيحدث.”
وضع ديلان المستند على الطاولة ودفعه باتجاه كايروس.
حدّق كايروس في المستند الجديد لفترة أطول بكثير مما فعل في السابق.
تغيّر تعبيره قليلًا بين حاجبيه، لكنه لم يُظهر اضطرابًا كبيرًا.
“……”
ردة فعله كانت باهتة مقارنة بالصدمة التي منعته من النوم عندما واجه ديلان هذا المستند للمرة الأولى.
“هل تدرك ما أعنيه؟ أقول لك ان تَجمّع الوحوش في الشمال ليس صدفة. لأنهم يستهدفون سموك أنت و الدوقة معًا.”
ما علمه ديلان من المستند الذي وجده في معقل الطائفة لم يكن فقط حقيقة أن دوق و دوقة السابقين هاديد كانا من الأتباع.
ألأتباع كانوا قد قدّموا عددًا لا يُحصى من الناس كقرابين لاستدعاء قوة الظلام.
آلاف من القرابين البشرية.
وربما أكثر من ذلك.
لكنهم لم يتمكنوا من استدعاء ما يسمونه بالظلام أو حتى الملك الشيطاني إلى هذا العالم.
وبعد محاولات فاشلة عديدة، أدركوا أنهم بحاجة إلى وسيطين لتحقيق هدفهم النهائي.
أولا، شخص يحمل قوة سحر الأسود بأقصى طاقته، و يصلح ليكون الوعاء الذي يتقبّل تلك القوة.
الجسد الذي سيتجلّى فيه الملك.
الثاني، كائن خاص يعمل كـمحفّز، قادر على احتواء قوة الظلام كاملة .
الجسد الوحيد القادر على تحمل و الصمود أمام أي قوة ظلامية دون أن يتمزق.
وكان هذان الاثنان يشيران هايزل لوف و كايروس هاديد على التوالي.
أما عن هايزل، فقد اقتنع ديلان بذلك بسهولة نسبية.
فهي واحدة من أبرز السحرة السود في الإمبراطورية.
إضافة إلى براعتها في استخدام سحر الأوهام، و تفوقها الملحوظ في أنواع أخرى من السحر.
من حيث القدرات، كانت أقرب إلى أن تكون وحشًا.
كانت حقًا شخصية يستهدفها أولئك القوم.
لكن ما أثار حيرته هو كايروس هاديد.
لم يفهم كيف يكون هو المحفّز، الجسد الوحيد الذي لا يتمزق مهما بلغت قوة الظلام.
شخص يبدو أنه تم إعداده منذ وقت أطول بكثير من هايزل.
ما الذي يعرفه دوق كايروس؟
ما نوع الحياة التي عاشها؟
أخفى ديلان كل تساؤلاته للحظة وتحدّث بهدوء.
“بمجرد أن يغادر هذا المستند يدي، سيتم استدعاءكما إلى القصر الإمبراطوري.”
لم يكن القصر ليسمح بوجود كائنين يشكلان مثل هذا الخطر.
لكن ديلان لم يكن يملك خيار عدم تسليم هذا المستند أيضًا.
ولذا، في هذه اللحظة.
لم يكن أمامه سوى أن يمنح كايروس وقتًا ويطلب منه أن يقدّم حلاً.
في النهاية، تغيّر تعبير كايروس قليلًا.
وانسابت ضحكة خافتة من بين أسنانه.
التعليقات لهذا الفصل "120"
و الله ان ديلان صديق حقيقي 💘