“….لا شيء.”
“ما الأمر؟ هل أرهقتَ نفسك بالمجيء إلى هنا لدرجة أنكَ نسيت حتى ما كنتَ ستقوله؟”
“هل أبدو لكِ ضعيفًا مثلك؟”
قلبت هايزل عينيها.
“حتى أنا بدأت أشتم رائحة الاحتراق الآن بعد أن خرجت. لم ألاحظها من قبل لأنني كنت في الداخل طوال الوقت. من الأفضل ألا نبقى أكثر من ذلك.”
“همم، أجل. كما قلتِ، من الأفضل أن نعود.”
كتم ديلان كلامه مرة أخرى.
و بينما كان يعود إلى الداخل و يتلقى الإرشاد، نظر ديلان إلى هايزل بطرف عينه.
المكان الذي قادته إليه هايزل بعد أن أرشدته في قصر الدوق لفترة طويلة كان مكتبها الخاص.
واصل ديلان طرح الأسئلة أثناء سيره معها وجهًا لوجه.
مع ذلك، بدت هايزل غافلة تمامًا عن أنها حتى خلال فترة خدمتها في فرقة الفرسان، كان أتباع الطائفة يتعقبونها أو يراقبونها.
حتى في نظره، كانت تبدو مكتئبة أحيانًا خلال فترة خدمتها، لكنه اعتقد أن السبب هو كثرة العمل، و لم يكن هناك ما يشير إلى مشكلة أخرى.
لم تتغيب عن العمل قط، و كانت تؤدي كل المهام بإتقان تام.
حتى الآن، كانت هايزل تبذل كل ما في وسعها للقضاء على الوحوش الشمالية و أتباع الطائفة.
إلى جانب زوجها دوق هاديد.
‘هل يمكن ألا يكونا على علم بأن الدوقين السابقين كانا متورطين بعمق مع الطائفة؟’
كان هذا ما علمه من خلال الوثائق التي وجدها مؤخرًا.
لا يمكن أن يكون دوق هاديد، الذي نشأ في بيت الدوق، يجهل هذه الحقيقة.
عند هذه النقطة، بدأ ديلان يشك في الوفاة المفاجئة للدوق و الدوقة السابقين.
فدوق هاديد السابق كان غامضًا بقدر ما هو الدوق الحالي.
الآن، بفضل هايزل، يستطيع أن يتحدث وجهًا لوجه مع الدوق هاديد، لكن لم يكن هناك أي معلومات عن الدوق السابق أصلًا.
ومع ذلك، لا يمكن القول ان دوق هاديد الحالي قد كشف عن نفسه بالكامل. لا يزال رجلاً يحيطه الكثير من الغموض.
ربما يمكنه معرفة المزيد من خلال هايزل.
على أي حال، تأكد الآن من أن هايزل لم تكن تعلم بأنها كانت تحت مراقبة الأتباع طوال هذا الوقت.
لم تظهر عليها أي نية لإخفاء ذلك، ولم تكن تبدو مشبوهة بأي شكل.
إذًا، لم يتبقَ سوى دوق هاديد.
“تفضل بالدخول. أردت التحدث قليلًا عن العمل قبل العشاء. هل لا بأس بذلك؟ شعرت أنكَ متردد في قول شيء، لذا أنا من بدأ الحديث.”
“هل كان واضحًا أنني لا أرغب بالعمل؟”
رد ديلان بمزاح وهو يتفحص المكتب بنظرة سريعة.
حتى مكتب هايزل كان كبيرًا وكأنه لا توجد غرفة صغيرة واحدة في هذا القصر الضخم.
على أحد الجوانب كانت هناك مكتبة مصطفة، وعلى مكتبها المرتب أوراق بعلو كف اليد.
وعلى الجانب الآخر، كان هناك طاولة صغيرة و أريكة تشبه قاعة استقبال مصغّرة.
ورغم أن قصر الدوق كان يحمل أجواءً باردة كما يُشاع عنه بأنه حصن أبيض عظيم، إلا أن مكتب هايزل وحده بدا دافئًا ومريحًا.
“يبدو و كأنكِ تعملين كثيرًا هنا أيضًا.”
جلس ديلان براحة على الأريكة.
كان يفكر فيما إذا كان سيتمكن من مقابلة دوق هاديد اليوم، حين تكلمت هايزل بنبرة هادئة نوعًا ما.
“ديلان.”
“نعم؟”
“أولئك الذين قبضنا عليهم في مارتن، تمت التخلص منهم جميعًا، أليس كذلك؟”
قطّب ديلان حاجبيه.
فقد كانت واحدة من القضايا المزعجة.
“هل تقصدين فاي مارتن؟”
لوّح ديلان بيده وكأنه يقول: لا داعي للحديث عن ذلك.
حتى لحظة إعدامهم، كانوا يصرخون بشراسة لدرجة أنهم كانوا مصدر إزعاج كبير.
“نعم.”
روى ديلان تفاصيل ذلك اليوم بوضوح وسألها
“أرسلت تقريرًا إلى نقابتكِ يوضح كيف تم التعامل معهم، ألم يصلكِ؟”
تذكر حينها أنه لم يتلقَّ ردًا في ذلك الوقت.
فقد انقطعت الاتصالات فجأة، و كان ذلك غريبًا.
وعندما نظر إليها وكأنه يسأل: لماذا تسألين مجددًا؟، أصبح وجه هايزل أكثر جدية مما كان عليه قبل قليل.
“…أظن أن فاي مارتن لم يتم التعامل معها بالشكل المناسب.”
“ماذا؟”
“بالطبع لا أعتقد أن ذلك كان عمدًا.”
بهذا الكلام جلس ديلان بوضعية مستقيمة من جديد.
فكلمات هايزل جعلت عقله مشوشًا.
لم يكن يتوقع أن يُذكر اسم فاي مارتن فجأة.
هل اكتشفت شيئًا هنا؟
هل تتظاهر بعدم المعرفة رغم علمها بأن أتباع الطائفة يراقبونها؟
“هل تقصدين أن فاي مارتن… هل هذا ما أفكر به؟”
“أجل، فاي مارتن كان لا تزال حية. لا أعلم كيف حدث ذلك، لكنها نجحت في التسلل إلى هنا.”
ثم بدأت هايزل تروي ما حدث في ذلك اليوم.
وكان وقع كلامها على ديلان مفاجئًا لدرجة أنه بدا وكأنه على وشك التقيؤ.
“و، وماذا بعد؟”
بينما كانت هايزل تسرد التفاصيل، شعر ديلان بمشاعر من الندم، والخجل، وحتى القليل من الاحترام تجاهها.
“…..”
“و مرة أخرى سأكرر، هذا ليس خطأك.”
“حتى لو كان كذلك، لا عذر لي. لقد أمسكتْ بك، و هذا ما حدث. أشعر بالخجل ولا أستطيع حتى أن أرفع رأسي. لكن أن يصل الأمر إلى استخدام قوى محرّمة…”
“أنا أيضًا عرفت ذلك من برج السحر. لو لم نقبض عليها في ذلك اليوم، لكان الأمر كارثيًا. سأنقل التفاصيل إلى القصر الإمبراطوري بمجرد الانتهاء من الترتيبات.”
شعر ديلان بخجل شديد لدرجة أنه نسي تمامًا سبب قدومه إلى هنا.
كان يعتقد أنه أنهى المهمة تمامًا، ولكنه لم يكتفِ بالفشل بل و تركها يُقبض عليها في الشمال.
وذلك على يد دوق هاديد و زوجته.
هل عليه أن يعتبر هذا من حسن الحظ…؟
بدا أن لدى هايزل شيئًا آخر لتقوله.
“ألا يوجد ما تريدين قوله بعد؟”
عندما سأل ديلان، توقفت هايزل قليلًا.
وبعد فترة من الصمت، بدأت حديثها ببطء متمنية ألا يساء فهمها.
⋆★⋆
في مساء ذلك اليوم، تناول ديلان العشاء مع دوق و دوقة هاديد.
“لقد واجهت العديد من المشاكل أثناء السفر إلى هنا، سير بانكر.”
“لا شيء مقارنة بما تبذلانه في حماية الشمال. أشكركما على حسن الاستقبال.”
كان ديلان مندهشًا بعض الشيء حين رأى دوق هاديد يحييه مباشرة.
ألم يكن دوق هاديد من أولئك الذين يصعب حتى على الإمبراطور نفسه أن يتلقّى تحيتهم أولًا؟
بالطبع، كانت عيناه مركزة على هايزل، لكن مجرد أنه لم يُظهر عداءً نحوه جعل ديلان يشعر ببعض الارتياح.
كان يعتقد أن العشاء مع دوق هاديد و زوجته سيكون الجزء الأصعب من زيارته اليوم.
كان من الغريب أن يجلس مقابل الدوق على مائدة واحدة، ولكن رؤيته وهو يعتني بهايزل بعناية جعلته يتساءل إذا كان الأمر مجرد حلم.
لحظة أخرى نسي فيها ديلان سبب زيارته إلى هنا.
‘…هل هذا هو دوق هاديد؟’
هل هو فعلًا ذلك الدوق الذي قيل إنه بلا دموع؟
قيل إنه كان قاسيًا جدًا مع الناس حتى لدرجة قد تخلّى عن إنسانيته.
ولهذا كان يشعر بقلق أكبر.
كان يخشى أن يكون انعدام الجانب الإنساني في دوق هاديد ناتجًا عن ارتباطه بأتباع الطائفة.
في تلك الليلة عندما لم يستطع النوم، راودته فكرة سخيفة : ماذا لو كان دوق هاديد قد اقترب عمدًا من هايزل؟
فقد كان الأتباع يلاحقونها منذ وقت طويل.
‘لكن، عند النظر إليهما بهذه الطريقة… يبدو كأنهما وحدهما في هذا العالم.’
كان قد وجد الأمر غريبًا عندما كانت وجنتا هايزل تحمران كلما ذُكر دوق هاديد، ولكنهما كانا غارقين تمامًا ببعضهما.
كان دوق هاديد يعتني بهايزل كأنّه يديها وقدميها، حتى إنه كان يقدّم لها المنديل بنفسه.
‘إن كان هذا هو شكل من يقترب من هايزل بخبث، فربما من الأفضل أن نؤمن أن لا حب في هذا العالم.’
رغم أنه لم يبدأ الحديث بعد مع دوق هاديد، إلا أن شكوكه بدأت تتلاشى بالفعل.
كان صادمًا أن الشخصية التي رآها في البلاط الإمبراطوري كانت النسخة المتحفظة من نفسه الحقيقية.
لو أن لوكس و جوش شاهدا هذا المشهد، لكان رد فعلهما أقوى من رد فعله بكثير.
كان كل شيء مغموسًا بالعسل.
طوال العشاء، شعر ديلان وكأنه يُغمس بالكامل في وعاء من العسل.
بعد ذلك بوقت قصير، انتهى العشاء الشاق بطريقة مختلفة.
“سمو الدوق، هل بإمكانكَ أن تمنحني بعض الوقت؟”
بعد أن تناول الشاي مع الزوجين، طلب ديلان بلطف مقابلة خاصة مع دوق هاديد.
التعليقات لهذا الفصل "119"