كرااك ! كرااااك _
تصاعد الدخان بلا انقطاع في كل مكان.
“…هل انتهى الأمر؟”
لم أعد أستطيع حتى معرفة كم من الوقت مر.
كنت أقدّر فقط من السماء، التي كانت في وضح النهار، وأصبحت الآن تكتسي بألوان الغروب.
لم يعد هناك أثر للوحوش السحرية.
تم إحراق بقايا الوحوش بعد قتلها، لكن الدم واللعاب الذين تركوهما تسربا إلى الأرض ولوثا المنطقة على الفور.
كان الفرسان المرهقون يثبتون أجسادهم بغرس سيوفهم في الأرض.
وهو أمر لم يكونوا ليفعلوه أبدًا في الأحوال العادية.
أما ساحرا العناصر النادران في فرقة الفرسان، فكانا ملقيين في الخلف يلهثان بصعوبة.
إيدموند و الفارسان هيو و ايدن، الذين تلقوا أمرًا من كايروس لحمايتي من كل الجهات، كانوا لا يزالون حولي، لكنهم بدوا متعبين.
“يبدو أننا انتهينا…”
ربما يمكننا التنفس الآن.
ما إن خفّ التوتر من شعور بالراحة حتى خارت قواي.
ترنح جسدي وفي تلك اللحظة، أمسك بي أحدهم و وقعت في حضن دافئ وصلب.
“هايزل.”
رائحة الشتاء الباردة المختلطة بالدخان، ورائحة الحديد الدموية المعتادة، ورائحة الجسد المألوفة تسللت إلى أعماق رئتي.
“آه، كايروس.”
“هل أنتِ بخير؟ لندخل حالًا.”
رأيته يقضي على آخر وحش هناك، متى وصل إلى هنا؟
شعرت براحة أكبر، فمال رأسي أكثر على صدره وأنا أومئ.
“لقد انتهى كل شيء، صحيح؟”
“تم القضاء عليهم جميعًا. حتى أصغر الوحوش. عيناكِ أيضًا… احمرّتا مجددًا.”
مسح كايروس برفق حول عيني بنظرات مليئة بالأسف.
تعمدت أن أبتسم أكثر.
“لا بأس بهذا الأمر. الأهم أنه لا يبدو أن هناك العديد من المصابين.”
لأنه كان برفقتي، لم يكن كايروس يرتدي درعًا كغيره من الفرسان، بل كان يرتدي زيه الرسمي فقط.
وعلى الرغم من أنه خاض المعركة بهذا الشكل، إلا أنه لم يكن هناك أي جرح ظاهر عليه.
كلمات فاي مارتن، وتدفق الوحوش المهول حول قصر الدوق، جعلاني أشعر بالدوار.
لكن كايروس كان يثق تمامًا في قدراتي، وبفضل دعمه ودعم الفرسان استطعت أن أستخدم قوتي بالكامل.
كنت أرغب في العودة إلى الغرفة و الانهيار فورًا، لكن ما زال هناك عمل يجب إنجازه.
أرسلنا الفرسان الذين لا يزال لديهم طاقة للقيام بالاستطلاع، ثم حطم سِـد أحجار التطهير ورشّها على الأرض الملوثة حسب التعليمات.
كان الهدف هو تنقية الأرض مؤقتًا إلى أن يصل الكهنة الإضافيون من المعبد.
هذه الطريقة لا تُستخدم كثيرًا بسبب تكلفة حجر التطهير، لكن في هذا الوضع، لم يكن ثلاثة كهنة في قصر الدوق كافين للتنقية.
حتى ألسنة اللهب التي أحرقت جثث الوحوش كانت تخبو تدريجيًا.
رفعت بصري إلى كايروس بعينين حازمتين.
“لا يزال هناك الأهم، كايروس.”
فاي مارتن.
هي ما زالت هنا.
وربما تعرف سرًا مهمًا عن كل ما حدث.
نزلنا أنا و كايروس مباشرة إلى القبو مجددًا.
كانت فاي مارتن ممددة هناك وكأنها لم تعد قادرة على دعم جسدها.
⋆★⋆
“لقد أبقيناها على قيد الحياة. بفضلكم لانكم وضعتم الحلقة في الوقت المناسب، فكان من السهل الإمساك بها. يبدو أنها كانت مستعدة للموت في أي لحظة بعد تنفيذ خطتها. كانت تتخبط بجنون، لكن دون جدوى.”
“…هذا مريح.”
كنت أواجه ريندل ، أحد مديري برج السحر.
قال كايروس انه تلقى الكثير من المساعدة منه يوم فقدت السيطرة.
عندما تأكدنا من أن فاي مارتن قد فقدت الوعي في السجن تحت الأرض، قمنا بتغيير الخطة وأخذناها إلى هذا المكان على الفور.
لا يمكن ترك من تسبب بكل هذا يموت دون محاسبة.
في برج السحر، تم ختم فاي مارتن مباشرة، وما بقي هو استخراج المعلومات منها.
“هذه المرأة أجرت طقوا محرمة.”
“طقوس محرمة؟”
ابتسم رينديل بسخرية عند سؤال كايروس.
كان يتحدث وكأن الكراهية تكسو جسده.
“تخلت عن جسدها وارتدت قشرة جسد شخص آخر. لم أرَ هذا من قبل بنفسي، لكن حسب بعض أتباع الطائفة، هو طقس لا يناله إلا المختارون النخبة ليستفيدوا من القوة.”
“.….”
“حسنا ، حتى بالنسبة للناس العاديين، يبدو كأمر شنيع، أسوأ حتى من الطفيليات.”
القشرة الخارجية.
الجسد كان حقًا أنجيلا.
“…آه.”
أغلقت يدي بإحكام من شدة الحزن، وشعرت بدفء يلامس كتفي.
ارتميت في حضن كايروس و أغمضت عيني للحظة وأنا أدعو لروح أنجيلا بالسلام.
“يبدو أنها لم تحصل على هذا الجسد منذ وقت طويل.”
إذا كان ما قاله صحيحًا، فأنجيلا التي كنت أراها بابتسامتها في قاعة الطعام هي نفسها التي كنت أعرفها.
ربما تغير الجسد في الوقت الذي بدأنا فيه نلتقي ببعضنا البعض بشكل متكرر.
قيل إنه ما لم يكن لدى المرء عين خاصة ترى الأرواح، فلن يتمكن من رؤية الجوهر الحقيقي في الداخل.
جلس ريندل بتعب وهو يدير الخاتم في يده مرارًا.
“قلتِ ان اسمها فاي مارتن، أليس كذلك، أيتها الدوقة؟”
“نعم، التقيت بها من قبل. حاولت أن توقعني في فخ. و ذكرت ذلك بنفسها.”
“إذًا لا شك في هويتها. لحسن الحظ استطعنا تحديد من تكون.”
“لكن سمعت أن الإمبراطورية حكمت على فاي مارتن وعائلتها جميعًا بالإعدام…”
هزّ رينديل كتفيه.
“من يستحوذ على جسد غيره، ما الذي لا يمكنه فعله؟ لا أعرف الطريقة التي استخدمتها، لكن على أي حال، لا أعتقد أن هناك مشكلة إذا طالبت سموكِ الإمبراطورية بتحمل المسؤولية. أنا محايد على أي حال.”
“لنستخرج كل المعلومات الممكنة أولاً.”
“نعم، سنفعل ذلك. لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا. آه، بالمناسبة، هل ستحضرين مهرجان التأسيس؟”
كنت قد قررت في البداية عدم الحضور لانشغالي بأمور الشمال، لكن غيرت رأيي.
لأن ما حدث أكد لي أنهم لن يفوّتوا مهرجان التأسيس أبدًا.
رفعت نظري إلى كايروس.
التقت عيناي بنظراته التي كانت موجهة نحوي طوال الحديث.
أدار كايروس رأسه وكأنه قرأ أفكاري.
“أخطط للحضور.”
“إذًا لدي ما أخبركِ به. كنا نتلقى طلبات دعم من جهتنا أيضًا، لذا نحضّر شيئًا بالمناسبة.”
“حسنًا.”
⋆★⋆
بعد أن عدت من النقاش مع ريندل بخصوص الاستعداد للهجوم المتوقع على مهرجان التأسيس، وعلمت أن سحرة برج السحر سيقيمون حاجزًا واقيًا ضخمًا يغطي العاصمة بأكملها، جاء اليوم التالي.
وفجأة تواصل ديلان، الذي انشغل طيلة الفترة السابقة ولم يتواصل، قائلاً إنه يرغب في المجيء لمقابلتي.
“لا بأس، لا مانع لديّ، لكن ألستَ مشغولًا؟”
“أنا ذاهب لرؤية صديقة، فما أهمية الانشغال؟”
“حسنًا إذن، سأكون سعيدة بمجيئك. متى ستأتي؟”
كنت أرغب أصلًا في سؤاله عن قضية فاي مارتن قبل إبلاغ الإمبراطورية رسميًا، بالإضافة إلى أنني أردت معرفة إن كان قد وجد القصر الإمبراطوري القاعدة بشكل جيد.
ديلان ما زال يعتقد أن فاي مارتن قد أُعدمت.
لكنها هربت من سجن القصر و ارتكبت كل ما حدث، لذا لم يعد بالإمكان الوثوق بالإمبراطورية بالكامل.
ربما لم يكن الأمر خطأ ديلان، لكن بسبب كونه نائب قائد الفرقة الأولى من الفرسان ويملك بعض الصلاحيات، أردت الاستماع إلى رأيه أولًا.
بالإضافة إلى أنني علمت أن فاي مارتن كانت تعرف شيئًا عن الدوق و الدوقة السابقين، لذا فضّلت إبلاغ ديلان قبل الإمبراطورية.
كايروس قال انه لا يمانع طالما كنتُ في أمان، لكنني، تمامًا كما يريد هو حمايتي، أردت أيضًا حمايته، ولهذا اخترت هذا الطريق.
رغم أننا نحافظ على علاقة جيدة منذ التعاون مع الإمبراطورية ونعمل بانسجام تام… إلا أنه من الممكن يومًا ما أن يتحول ذلك إلى نقطة ضعف تُستخدم لطعن كايروس.
لذا أردت أن أسمع بعض المعلومات مسبقًا من ديلان لتحديد التوجه.
“الآن فورًا؟”
“ماذا؟”
ما إن أجبته بأن بإمكانه المجيء حتى ظهر ديلان أمامي وكأنه طار من العاصمة إلى الشمال.
وكان يحمل الكثير من الهدايا.
“…لقد أتيتَ حقًا.”
ذهبت لاستقباله بنفسي، لكنني لم أصدق أن ديلان يقف أمامي.
خاصةً أن البوابة غالبًا ما تتعطل، وكان من الصعب عليه القدوم.
ابتسم ديلان عندما رآني.
“لقد مر وقت طويل، صديقتي.”
“لا تقل لي أنكَ هربتَ من العمل لأنكَ لا ترغب في القيام به؟”
سألته وأنا أستلم منه الهدايا.
“مستحيل. لم أتمكن حتى من إرسال تقرير عن الوضع مؤخرًا، لذا أردت أن أتحدث وأسأل عن أحوالكِ بنفسي.”
“…رائع. في الواقع، لدي أيضًا بعض الأسئلة.”
سلمت الهدايا إلى هيزان، وأخذت ديلان إلى غرفة الاستقبال.
جلس ديلاين بتعب على الأريكة وأصدر أنينًا.
جلست مقابله وأنا أهز رأسي.
كنت أتساءل ما نوع الأخبار التي أتى ليخبرني بها بهذه السرعة.
التعليقات لهذا الفصل "117"