“آه، صحيح. انجيلا، من فضلكِ.”
“نعم، سيدتي.”
حدّقت بهدوء في ظهر أنجيلا وهي تغادر بخطى خفيفة، ثم عدت أبحث بين الأوراق لأرى إن كان هناك ما تبقى منها لأراجعه.
ظل القصر الإمبراطوري منشغلاً بالتحضيرات لمهرجان التأسيس.
ما زلنا أنا و كايروس مترددين بشأن قرار المشاركة في المهرجان. ذلك لأننا قررنا أن ننتظر لنرى كيف سيتغير الوضع في الشمال قبل اتخاذ القرار.
إذا استيقظت قوة ليلى و اكتسبت طاقة مقدسة قوية قبل بدء المهرجان، سيكون ذلك مريحًا بعض الشيء…
لكن إن لم تدرك قوتها بحلول ذلك الحين، فقد تضطر العائلة الإمبراطورية لتحمّل المسؤولية الكاملة في ذلك اليوم.
لم تكن لدي القوة لمنع إقامة المهرجان.
لو أردتُ ذلك، لكان كايروس سيدفع الأمور للمضي قدمًا بأي طريقة، لكنني لم أرد أن أحمّله تلك المسؤولية مجددًا.
رغم شعوري بالقلق، إلا أن الإمبراطور نفسه قرر إقامة المهرجان، لذا فحتى إن حدثت مشكلة، فسيتحمّل المسؤولية.
قررت أن أعتبر أنني قمت بواجبي من خلال إبلاغ ليلي بأقصر طريق لاستيقاظ قوتها.
شعرت بدفء يلامس ظهري، وذراع تُلف حول خصري.
كانت شفتاه الساخنتان تلامسان عنقي.
منذ أن تصالحنا، أصبح كايروس يقترب مني كلما سنحت له الفرصة، كما في السابق.
لكن بالمقارنة مع السابق، يبدو أكثر حذرًا.
الآن و قد أصبحتُ أكثر قلقًا من أي وقت مضى، أصبحت حقيقة لا يمكن إنكارها أن كايروس كان دعمي و سندي.
“لنخرج معًا غدًا.”
مسحت شعر كايروس بلطف.
أخفض كايروس رأسه وغرس أنفه في عنقي، يتنفس بهدوء.
“…..”
“هل سمعتَـني؟!”
“نعم، لن يكون من الجيد إن طلبتُ يوم راحة آخر.”
ضحكت بصوت خافت عند سماعي لذلك.
“ما الفرق؟ في الوقت الحالي، أود التركيز على هذا المكان قدر المستطاع حتى المهرجان… أعتقد أنه يجب توزيع أحجار التطهير ليس فقط على الفرسان بل على الإقطاعية أيضًا.”
بفضل تحذيري المسبق، تمكّن كايروس من تخزين كمية لا بأس بها من أحجار التطهير، لذا لم نضطر لاستخدام المخزون في المستودع بعد.
لكن المخزون أوشك على النفاد، وكان علينا الاستعداد لأسوأ الاحتمالات مثل تلوث مياه الشرب، لذا كنا في حالة تأهب دائم.
لأنني قررت البقاء هنا.
“الوضع كافٍ الآن. سأخبركِ إن حصلت مشكلة قبل أن تتفاقم.”
“يمكنكَ استخدام ما في المستودع دون إخباري.”
كنت قد كلفت هيزان بإدارة الكميات، ليس لأي سبب آخر سوى لتجنب الحوادث مثل أن يسرقها أحد خلسة.
“لا، أنتِ صاحبة هذا المكان.”
منذ يوم تصالحنا، ظل كايروس يردد هذه العبارة باستمرار.
قال إنني المالكة لهذا المكان، و أنه لن يغيّر كلمته بعد الآن، حتى بدا كأنه يعرف أنه قد يبدو طفوليًا.
لكن…
“إلى متى ستظل هكذا؟!”
“دائمًا؟!”
“قل كلامًا معقولًا. آه، يجب أن أتواصل مع ديلان غدًا على الأقل. هل وصلك أي خبر من القصر يفيد بأنهم نجحوا في العثور على القاعدة؟”
“ليس بعد. لقد تأخروا كثيرًا.”
“صحيح. كنت أعتقد أنهم سيبدؤون البحث فورًا في ذلك اليوم. لا أظن أن للعدو أكثر من قاعدة واحدة… أليس كذلك؟”
“هذا من اختصاص العائلة الإمبراطورية. أنتِ أوصلتِهم حتى الباب بنفسك.”
“علينا تجاوز هذا الخطر بسرعة لنستريح بعدها. الآن، دعني أذهب، عليّ الذهاب إلى المكتب.”
“مجدداً؟”
“سأجلب ورقة واحدة فقط.”
“سأذهب و أحضرها لكِ.”
“لا، يجب أن أذهب بنفسي لأنني أعرف ما الذي أبحث عنه. سأعود سريعًا.”
عندها، فك كايروس ذراعه عن خصري على مضض.
طبعت قبلة قصيرة على خده و خرجت من غرفة النوم.
اليوم كان الممر خاليًا على غير العادة، فلم أجد حتى أحد الخدم في طريقي إلى المكتبة.
حسنًا، لا بأس بيوم مثل هذا أحيانًا.
أسرعت بخطاي للعودة سريعًا ومعي الأوراق من المكتب.
“…همم؟”
توقفت فجأة عند إحساسي بوجود شخص خلفي، والتفت، لكن لم يكن هناك أحد.
أملت رأسي باستغراب وتابعت طريقي إلى المكتب.
حتى عندما وصلت إلى المكتب، لا زلت أشعر بذلك الإحساس.
نظرت إلى الطريق الذي جئت منه، ولا يزال الممر فارغًا تمامًا.
هل أنا حساسة أكثر من اللازم؟
لا شك أنني أصبحت أكثر حساسية مؤخرًا.
منذ أن انهرت، ازدادت كوابيسي سوءًا، وأحيانًا تختلط عليّ الأمور و لا أعرف إن كانت بعض المشاهد قد رأيتها في حلم أو كنت قد عشتها في الحياة الواقعية.
لذلك، على الرغم من أنني كنت أكثر حساسية من المعتاد، لكن شعور المراقبة الغريب هذا كان أقوى من المعتاد اليوم.
وبينما كنت أمد يدي لفتح المقبض، كدت أصرخ.
كان ذلك لأن أنجيلا كانت تقف على الجانب الآخر.
“…أنجيلا! لقد أفزعتِني.”
من الواضح أنها لم تكن موجودة عندما أتيتُ.
“آسفة. هل أخفتكِ؟ كنت قد انتهيت من عملي للتو وفي طريقي إلى الغرفة، رأيت السيدة وأردت إلقاء التحية… أعتذر حقًا.”
يبدو أن أنجيلا تفاجأت هي أيضًا، فتراجعت للوراء وأخذت تنحني مرارًا لتعتذر.
وضعت يدي على صدري في محاولة لتهدئة قلبي المرتجف من الخوف.
“لا، لا بأس. ليس ذنبكِ. كنت مشغولة بالانتباه للخلف فلم ألاحظ قدومكِ. قلتِ انكِ انتهيتِ من العمل الآن؟”
“نعم! اليوم هو يوم تحضير الأطعمة المخزنة. كان علينا شواء النقانق لوقت طويل…”
وبالفعل، كانت رائحة النقانق المشوية على الحطب تنبعث من أنجيلا.
بسبب كثرة حملات التطهير، استمروا في إعداد الأطعمة المخزنة التي كان من المفترض تجهيزها في الخريف حتى فصل الشتاء.
في يوم إعداد الأطعمة المخزنة، يبدأ كبير الطهاة التحضيرات منذ الفجر ويستمر حتى الليل، وبالطبع يشارك جميع طاقم المطبخ.
“لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا. اذهبي لترتاحي الآن.”
“نعم، سيدتي. أتمنى لكِ ليلة سعيدة!”
انحنت أنجيلا بتهذيب وغادرت على عجل متجاوزة إياي.
“لقد كاد قلبي أن يتوقف فعلًا.”
دخلت إلى المكتب مباشرة، أخذت الأوراق وخرجت منها وأغلقت الباب بالمفتاح.
كان الممر خاليًا كما كان سابقًا.
ولأنني لم أرد أن أُفزع مجددًا، أسرعت في طريقي عائدة إلى غرفة النوم.
⋆★⋆
“…أنجيلا! لقد أفزعتِني.”
عادت فاي إلى غرفة أنجيلا وهي تتذكر كيف خافت هايزل قبل قليل، وضحكت بخفة.
رغم أنها حاولت عدة مرات استغلال الفرص والاقتراب منها لتحقيق نجاح كامل، إلا أن هايزل لم تتعرف عليها على الإطلاق.
ولأن تكرار نفس الحيلة قد يفضح هويتها علنًا، غيّرت الطريقة، وقد نجحت إلى حد كبير.
فمجرد أنها تقف أمامها ولا تستطيع معرفتها يدل على ذلك.
في البداية، استهانت بها ظنًا أنها مجرد ساحرة أوهام ساذجة لا تعرف شيئًا عن العالم.
وكان ذلك خطأها الكبير.
لحسن الحظ، وبفضل عائلتها الحمقاء، تمكّنت من الهرب من السجن تحت الأرض.
“همف، تلك القوة التي حصلتُ عليها بشق الأنفس…”
إنها قوة حصلت عليها من ذلك الشخص بعد التضحية بروحها و تحمل ألم عظيم.
اما بالنسبة للسحر الأسود الذي يستخدمه البشر ، فليس سوى تقليد لـقوته.
مهما كانت هايزل بارعة في استخدام السحر الأسود، فهي في النهاية مجرد إنسانة.
وكانت قد تأكدت من ذلك أمام دوق هاديد.
على أية حال، لم يكن ذلك الرجل يعرف وجهها، لذا توقعت أن الأمر سيكون مثاليًا طالما لم تكتشفها هايزل.
علاوة على ذلك، لأن هذا المكان كان مأوى لأتباع “ذلك الشخص” في الماضي، فقد شعرت وكأنها في منزلها.
مع أنها لم تنضم إلى الطائفة منذ وقت طويل، إلا أن الحصول على هذه المعلومات تطلب منها وقتًا طويلًا.
هذه المرة، ستنجح بالتأكيد.
ستأخذها إليه و تُسعد ذلك الشخص.
عندما فتحت فاي مارتن يدها، تصاعد منها دخان أسود، و ظهرت في كفها زجاجة صغيرة.
ابتسمت فاي ابتسامة عريضة وهي تراقب السائل الأحمر الداكن ينزلق.
النجاح بات قاب قوسين أو أدنى.
في اليوم التالي، والذي تلاه، استمرت فاي في مراقبة هايزل لتعلم متى تكون لوحدها.
ويبدو أن هايزل، إن لم تكن في مهمة خارجية لمواجهة الوحوش، كانت تقضي معظم وقتها في المكتب.
رغم أنها تحاول بجهد لمواجهة الوحوش، إلا أن الأمر بدا مضحكًا ومثيرًا للشفقة في عيني فاي.
ثم رأت السيدة تيني، رئيسة الخادمات، تدخل إلى المطبخ.
“السيدة ترغب في تناول بعض الحلوى. هل يمكنكِ تحضيرها؟”
“آه! سأقوم بتحضيرها و أخذها بنفسي! فقد أعجبت السيدة بالعصير الذي قدمته لها المرة السابقة!”
“أوه، أنجيلا. حسنًا، حضّريها وخذيها إلى المكتب.”
“نعم، رئيسة الخادمات.”
غالبًا ما تكون السيدة بمفردها عندما تدخل المكتب، لذا كانت هذه هي الفرصة.
قامت فاي، كما في المرة السابقة، بتحضير العصير و الكوكيز و توجهت بسرعة إلى المكتبة.
كانت تنوي التسبب في فقدان هايزل للسيطرة عندما يكون دوق هاديد غائبًا.
لقد حدث ذلك من قبل بالفعل.
في يوم إقامة حفل في قصر الدوق، نجح أحد الخونة في التسلل وتنويم أحد الموظفين مغناطيسيًا، ليضع كوب الماء أمام هايزل.
بما أن التنويم ينتهي فور تنفيذ الأوامر البسيطة، لم يكن هناك خطر كبير من انكشاف الأمر.
كانت فاي تنتظر انفجار قوة هايزل في ذلك اليوم.
لكن يبدو أن أحدًا آخر شرب الماء، لأن الأمور انتهت بهدوء شديد، مما دفعها للدخول بنفسها هذه المرة.
لأن الناس العاديين لا يتفاعلون مع هذا السائل، ظنّت أن الأمر لن يُكشف، لكنها لم تتحقق بنفسها وكان ذلك خطأها.
“لكن هذه المرة مختلفة.”
إذا لم تستطع هايزل التحكم في قوتها، فلن تتمكن من البقاء هنا.
ورغم أنهما تملكان القوة نفسها، إلا أن هايزل امرأة صعبة، لذا كان من الأفضل أخذها وهي فاقدة الوعي.
“سيدتي، أنا أنجيلا.”
“ادخلي.”
ابتسمت فاي بوجه مشرق ومليء بالتوقعات وهي تفتح الباب وتدخل.
“حضّرت العصير الذي أعجب السيدة في المرة السابقة. و الكوكيز لا يزال دافئًا و مقرمشًا.”
“شكرًا لكِ. لقد عانيتِ كثيرًا بسببي هذه الأيام.”
“إنه لمن دواعي سروري أن أخدم السيدة. هيا، جربيها. إنها لذيذة الآن.”
دفعت فاي الصينية تجاه هايزل أكثر قليلًا عن عمد.
“جينجر.”
عندما نطقت هايزل الاسم، أمالت فاي رأسها باستغراب.
جينجر؟
تبا! ألم تكن لـوحدها؟
بمجرد أن نادت هايزل، خرجت امرأة ذات شعر أبيض من خلف رف الكتب الذي بدا كجدار.
لم تشعر بوجودها حتى!
ثم على الفور، التقطت كوب العصير الذي جلبته فاي.
“ت-توقفي!”
حاولت فاي إيقافها على عجل، لكن جينجر شربت العصير دفعة واحدة، كمن وجد واحة في الصحراء.
تاك !
تم وضع الكوب الفارغ تماماً على الصينية.
“هممم! لذيذ. هل أنتِ من صنع هذا؟”
التعليقات لهذا الفصل "113"
شفتو حد يوقع نفسه في نفس الخطأ بنفس الطريقة مرتين؟ 😗