كانت السيدة تيني تتوسل وهي تقول إنها آسفة لأنها لم تستطع البوح بالحقيقة، وتطلب مني أن أثق بكايروس.
حتى من دون استخدام سحر الوهم، كنت أعلم أن كلماتها صادقة.
تحدثت السيدة تيني لعدة ساعات، وبكت، وتوسلت.
رغم أنها لم ترتكب خطأً بحقي، كانت تتوسل ألا أترك كايرووس، وهذا آلمني.
وكنت قلقة جدًا على كايروس.
تعاون مع العائلة الإمبراطورية من أجلي، واعتقل اتباع الطائفة، فكم كان ذلك مؤلمًا له؟
لابد أنه تذكّر طفولته و والديه.
لكن، لماذا لم يُظهر شيئًا؟
أشعر أن الصداع الذي يعاني منه طوال الوقت ناتج عن ذلك.
ماذا لو كان ما فعله الدوقان السابقان له هو سبب ألمه؟
ماذا لو كان، مثلي، يعيش في كوابيس متكررة؟
من يمكنه الآن القول ان كايروس بلا مشاعر؟
قالت السيدة تيني انها اضطرت لتعليمه إياهم واحدة تلوى الاخرى لأنه لم يكن يعرف معنى أن يحبُ .
كان مؤلمًا جدًا أن أسمع أن كل شيء فيه كان محطما لدرجة أنه حتى حين قُطع رأس أحد الخدم أمامه، لم يتمكن من الارتعاش قيد أنملة.
بدأت أندم على كل لحظة.
كنت أتهمه وأقول انه بارع في التمثيل لأنه اعتاد التعامل مع الناس.
“أنا… أنا أحبك.”
“أنتَ كنت تهمس لي دائمًا بأنك تحبني. لكن كل ذلك كان كذبًا، أليس كذلك؟”
“كذب… لم يكن كذبًا. ربما في البداية… لكن الآن…”
“لا أصدقك.”
بماذا كنتَ تشعر عندما قلت لي تلك الكلمات؟
“أنا لم أقل فقط إنني مهتم بك فقط، بل اعترفت بأنني أحبك.”
“هايزل، لا تقولي كلمات مؤلمة كهذه.”
كم من الجهد بذلتَ كي توصل إلي مشاعرك؟
بماذا كنت تفكر حين كنت تحاول شرح مشاعر لا تستطيع حتى أنتَ فهمها؟
حزنتُ عندما أدركتُ أن الشخص الذي كنت أظنه مجرد شرير لا قلب له ، كان في الواقع مخلوقًا غير مرغوب فيه.
نظرت إلى مشاعري التي تجاهلتها طوال الوقت.
كنتُ أكذب عندما قلتُ إنني لا أحب كايروس.
أنا ما زلت أحبه. كل ما كنت أفعله هو إيذاؤه بدافع من كبريائي.
أظن أنني بقيت في المكتب لساعات.
ما إن أخبرتني هيزان بأن كايروس عاد، حتى مسحت دموعي وركضت إلى الردهة.
وبينما خرجتُ و أنا أركض بسرعة لدرجة أن أنفاسي ضاقت، رأيتُ كايروس يدخل .
“…..”
كايروس، الذي لاحظني، اتسعت عيناه بدهشة للحظات، ثم ابتسم ابتسامة مشرقة.
“…أحمق.”
أحمق حقيقي.
لا، ربما كان الشخص الأحمق هنا هو أنا، ليس هو.
كنت تعبر عن حبك لي يوميًا، فلماذا لم ألاحظ؟
تنظر إليّ بعينين كعينَي طفل يحمل الثلج بين يديه ليُريني إياه، كما لو أن لا شيء أثمن في هذا العالم منك.
أمام صدق مشاعرك، بدا عنادي سخيفًا.
“كايروس.”
“لماذا أنتِ بالخارج؟”
لقد قررت الآن أن أواجه هذا الخطر بجانب كايروس.
“…لدي شيء أود قوله لك.”
“هل حدث شيء اليوم؟”
سرعان ما بدا القلق واضحًا على وجه كايروس.
إنه يتغير هكذا، لحظة بلحظة.
“لا، لم يحدث شيء…”
“هل بكيتِ؟”
“لا! كنت فقط في المكتب، وتثاءبت.”
وقفت في طريقه بتردد، فلم يتمكن من الدخول كليًا.
كل الارتباك الذي كان داخلي استقر فجأة، وأردت أن أقول ما في قلبي فورًا.
“ما الأمر؟…”
نظر إليّ كايروس بعينين مليئتين بالقلق.
“ألم تسألني من قبل إن كنت سأبقى بعد عام؟”
تجمد وجه كايروس.
“هايزل.”
“وقتها كنت مشغولة بمحاولة تهدئتك فلم أجبك جيدًا…”
“هايزل.”
استمر كايروس في مقاطعتي.
كان يبدو قلقًا، وقد أبعد الجميع من حوله.
“نعم؟”
“هايزل، إن كنت تحاولين الإجابة على ذلك السؤال الآن، فلا حاجة للتسرع.”
“هاه؟”
“في ذلك اليوم، لم أكن في وعيي لأني ظننت أنك تنظرين لرجل آخر. لم أستطع السيطرة على غيرتي. لم أقصد إرباكك.”
“كايروس، هذا ليس ما أردت …”
“العبء. نعم، بكل صراحة أردتكِ أن تشعري ببعض العبء.”
“كايروس.”
أوه. هذا الرجل.
“ظننت أنك ستفكرين بي مرة أخرى لو فعلت ذلك. كنت أؤمن بأنك ستبقين بعد عام. لكن يبدو أن ذلك كان طمعًا مني. أردت أن أقولها مجددًا، لكن لم أستطع.”
“…..”
قال كايروس بسرعة، وكأنه يحاول جمع الماء المسكوب من الأرض.
كان يوقفني مرارًا، وكأنه لا يريد أن يسمع جوابي أبدًا.
“لذلك، لا حاجة لأن تُجيبي الآن. أنا أعلم ما تفكرين به. لو كان بإمكاني فقط التراجع عن ما قلته ذلك اليوم…”
“كايروس!”
أمسكت وجهه بكلتا يديّ.
اتسعت عينا كايروس قليلًا. ثم بعد لحظات، أغمض عينيه تماماً.
“هايزل، من فضلكِ، دعينا نؤجل هذا إلى وقت آخر…”
وقفت على أطراف أصابعي و قبّلته.
فتح كايروس عينيه بدهشة.
“لن أغادر.”
“…ماذا؟”
“لن أغادر.”
“…..”
“إن كان حبك لي يجعلك تشعر وكأنك ستموت، فسأمنحك فرصة. سأصدقك.”
بدا تعبير كايروس غريب، لم يكن يبتسم و لا يعبس.
كانت عيناه أكثر احمرارًا من المعتاد، وامتلأت ببعض الدموع.
“هذا ما أردت قوله.”
بينما ابتسمتُ في الوقت نفسه، أطلق كايروس نفسًا عميقًا كمن كان يحبس أنفاسه لفترة طويلة.
“…هل هذا حلم؟”
“هل تظن أنه حلم؟”
“لا أعلم… لا أعرف حتى ما الذي سمعته للتو.”
رغم أنه سمعني، إلا أنه تظاهر بالجهل. قررت أن أغفر له ذلك هذه المرة.
“أقول إنني لن أتركك بعد عام، و أنني ما زلت أحبك. خرجت لأقول هذا. أعلم أنه مفاجئ، لكن شعرت أنه يجب أن أقوله الآن.”
وفجأة، أمسكني كايروس من خصري و جذبني بقوة بين ذراعيه. اختلطت روائحنا معًا وكأننا غمرنا بعضنا البعض.
استمتعت بذلك الشعور الغامر بالسعادة، وكأنني لا أريد أن تفويت هذه اللحظة.
وكأننا الوحيدان فقط في هذا العالم.
كان من المضحك أنني ابتعدتُ عنه كل هذا البعد، لكنني لم أستطع منع نفسي لأنني كنت أعرف كم كان كايروس ثمينًا بالنسبة لي.
لو تحدثنا الآن عما حدث مع السيدة تيني، ربما سيشعر بالألم مجددًا. لذا، قررت أن ألا أخبره.
“هل ما زلتَ مرتبكًا؟”
“لا. فقط… قولي إنك تحبينني. قولي أي شيء.”
“…أحبك.”
منذ متى لم أقلها بصدق؟
رغم أن ذلك منذ عدة أشهر فقط، شعرت وكأنه قد مر على ذلك وقت طويل.
عانقني كايروس بقوة أكبر وقال
“سأفعل كل ما بوسعي كي لا تندمي على قرارك هذا.”
“…أنت تفعل ذلك بالفعل.”
“سأفعل المزيد. أي شيء تحبينه أو تطلبينه، سأفعله.”
ظل كايروس يتحدث وكأنه طفل لا يستطيع إخفاء فرحته.
“وأنا… لن أتصرف بكبرياء بعد الآن.”
“لا بأس. أياً كان ما تفعلينه، سأحبك على أي حال.”
“ما هذا الكلام؟”
“سأفعل كل شيء. في الليل، وفي النهار، سأبذل قصارى جهدي.”
كنت على وشك الاستمتاع بالسعادة، لكنني توقفت فجأة، ودفعته قليلًا بيدي.
“لا ، انتظر، هناك شيء غريب… أم أنني أتخيل؟”
“نعم، مجرد تخيّل.”
أُذهلني هذا الكلام فانفجرتُ ضاحكة.
ثم أمسكت بخد كايروس، و قبلته مرة أخرى قبلة قصيرة وأنا واقفة على أطراف أصابعي، ثم استدرت و ركضت مبتعدة.
لأنني بدأت أشعر ببعض الحرج أخيرًا.
لكن بعد بضع خطوات، أمسك بي.
“لماذا…؟”
قلتُها بنبرة متصنّعة عن عمد.
“كيف يمكنكِ الذهاب هكذا ببساطة؟”
“…ماذا تعني؟”
“لقد جعلتِ قلبي على وشك الانفجار.”
“أنا لم أفعل شيئًا.”
قاومت محاولة الإفلات من بين ذراعيه. لكنه كلما طال الأمر، زاد من شدة احتضانه.
لا أعرف متى سأتمكن من إخباره بكل ما سمعته اليوم…
لكن على أي حال، بدا أن شيئًا واحدًا قد حُلّ، فشعرتُ براحة أكبر في قلبي.
⋆★⋆
“فليحضر أحدكم بعض البيض!”
“لقد ذهب كيفن للتو إلى قن الدجاج!”
كان المطبخ يعجّ بالحركة والفوضى، الجميع يركضون لتحضير العشاء بسرعة.
“لا يوجد ما يكفي من الكريمة! اذهب وأخبر لاووس أن يحضر بعض الكريمة!”
“سأذهب أنا!”
“شكرًا، أنجيلا!”
أنجيلا، التي لفت شعرها البني بعناية إلى الخلف،
أخذت زجاجة الكريمة واتجهت نحو الباب الخلفي.
“هممم، أنا سعيدة لأن السيد و السيدة في مزاج جيد اليوم.”
في بعض الأحيان يكونان على وفاق، وأحيانًا لا،
ولذا كان علينا دومًا أن نراقب الأجواء ونتصرف وفقها.
عادة ما يُعدّ السيد العشاء بنفسه للسيدة، لكن اليوم فجأة، انسجم الاثنان بشكل غريب، وتركا كل شيء لنا نحن في المطبخ.
الشيف، المبتهج من هذا التطور، أعدّ كمية من الطعام تعادل ثلاث أضعاف المعتاد، فنفدت المكونات بسرعة.
“مع ذلك، الوضع هكذا أفضل.”
أنجيلا لم تستطع كبح ذلك الشعور الجيد…
وكأن شيئًا من السلام أخيرًا سيعمّ هذا المكان.
“يا فتاة.”
جاء صوت خافت من خلفها.
“همم؟”
استدارت أنجيلا، ليُقبض على وجهها بيد صغيرة.
وفي اللحظة التالية،
انهار جسد أنجيلا أرضًا بلا حراك.
“……”
سخرت المرأة التي كانت ترتدي رداءً بغطاء رأس، ثم ركلت أنجيلا الساقطة بقدمها.
“يبدو أنها ستكون مفيدة.”
رفعت نظرها نحو قصر الدوق.
“تم وضع حماية مزدوجة، ثلاثية… كل تلك الطبقات. يبدو أنه سيكون من الصعب لأحد الدخول بسهولة.”
ابتسمت المرأة بسعادة. في تلك اللحظة، هبت ريح قوية و كشفت عن غطاء الرأس.
حسنًا، لم تكن تهتم ما دامت ستدخل.
تطاير شعرها الأشقر الليموني في الهواء.
التعليقات لهذا الفصل "111"
و اخيراااااا رجعوا مع بعض 😭😭😭😭😭
رغم ان كايروس خلاني اكرهه في الاول بس خلص حبيته 💘
فاي شكلها جت تغثنا 😑