“أعتقد أن عليّ التحدث مع كايروس بهذا الشأن.”
حالياً، الشمال في حالة فوضى مستمرة، يخوض معارك يومية مع الوحوش السحرية.
كان من المحتمل جداً ألا أتمكن أنا و كايروس من حضور مهرجان تأسيس الإمبراطورية.
حتى لو غبنا لبضعة أيام فقط، فإن الوحوش السحرية ستلوث الأرض خلال ذلك.
هل ربما تحسنت الأوضاع في أماكن أخرى؟ لا أظن ذلك.
لقد تحدثت مع رؤساء النقابات منذ فترة وجيزة، ولم يكن هناك أي أخبار تدل على تحسن.
حتى أن آخر من تواصلت معه كان تيد وزوجته لينا في فايرونت قبل يومين فقط.
وقد سمعتهما يتحدثان بقلق عن الوضع هناك.
ولحسن الحظ، كايروس سيعود من جولة تفقدية قصيرة خلال النهار، لذا قد تتاح لي الفرصة للتحدث معه قريباً.
⋆★⋆
الأدوات السحرية التي لا يُعرف استعمالها كانت مكدّسة كجبل دون ترتيب، والرفوف الثلاثة التي تغطي جدران الغرفة كانت مليئة بكتب لا يتجاوز حجمها كف اليد.
أريكة حمراء زاهية ذات وسائد ناعمة، وطاولة سوداء فاحمة، وغلاية زجاجية لا تتوقف عن الغليان رغم عدم وجود نار.
حتى السجادة ذات التصميم المزعج كانت تفترش الأرض.
الغرفة كانت مزدحمة بالأشياء والأثاث، لكن لا شيء فيها بدا منسجماً مع الآخر.
و في هذا المكان، كان هناك رجلان يملكان أجواء مختلفة، كل واحد منهما يبثّ هالة متضاربة.
أحدهما يشعّ بالأبيض والأسود، والآخر كقوس قزح.
“هل واجهت أي مشاكل منذ ذلك اليوم؟”
“كل شيء بخير. آه، لكن أعتقد أن الكوابيس أصبحت أكثر سوءاً.”
“الكوابيس، تقول؟”
كايلوس كان في برج السحرة.
منذ أن انهارت هايزل مؤخراً، اضطر إلى طلب مساعدة من القصر الإمبراطوري، وأصبح يزور برج السحرة بشكل منتظم.
“كانت تعاني من الكوابيس منذ فترة طويلة، لكن مؤخراً أصبح الاستيقاظ منها أكثر صعوبة. هل لهذا علاقة بما حدث؟”
الماء الذي شربته هايزل لم يكن ماءً عادياً. برج السحر اكتشف ما لم يستطع القصر الإمبراطوري كشفه.
الماء كان يحتوي على كمية صغيرة من دماء أحد أتباع الوحوش السحرية.
بسبب ذلك، فقدت هايزل السيطرة على سحرها الأسود و انهارت، مما أدى إلى انفجار مفاجئ في قوتها.
أحدهم قد عبث بكأس الماء الذي شربت منه هايزل أثناء غياب كايلوس القصير.
وما زال الجاني مجهولاً.
تم فحص جميع الخدم في قصر الدوق أثناء نوم هايزل، كما تم التحقيق مع كل من حضر الحفل في ذلك اليوم.
ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى أي خيط واضح، وكل من يُحتمل أن يكون له صلة يتم تتبعه حالياً.
“لا، لا أظن ذلك. يبدو أن الكوابيس ناتجة عن أمر مختلف.”
“أفهم.”
ازدادت ملامح القلق على وجه كايروس.
“من الأفضل التحقق بشكل منفصل لمعرفة ما إذا كان هناك شيء قد مسّ أعماقها.”
الرجل الجالس أمام كايروس الآن ساعد كثيراً في تهدئة سحر هايزل الاسود عندما انفجر فجأة.
اسمه رينديل، وهو أحد كبار المسؤولين الثلاثة عن برج السحرة.
برج السحرة يُدار من قِبل جيرمان فايلسون،سيد البرج وأكبر أعضاء الإمبراطورية سنًا، وتلاميذه الشباب : رينديل فانيمان، وشيوكا إيبيل، وبيري بومان كمسؤولين رفيعي المستوى.
من بين هؤلاء، كان رينديل أبرز مرشح ليكون سيد البرج القادم.
بشعره الأحمر الناري وعيونه الزرقاء، كان يزين نفسه بمجوهرات بألوان قوس قزح، في حين لم يكن حتى يغلق أزرار ردائه بشكل مرتب، مما جعله يبدو فوضوي الشكل.
ومع ذلك، كانت نبرة حديثه مع كايروس محترمة للغاية.
“افعل ذلك إذًا.”
نقر رينديل على الطاولة بيديه المطبقتين.
“رغم أن الأمر مستبعد، لكن إن تكرر ما حدث، سيكون من الأفضل أن تحضروها إلى البرج فورًا. وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فاعطوها المهدئ أولاً.”
“حسنا.”
“لولا أنكَ كنت بجوار دوقة الدوق، لكانت قد ماتت. هل شربت كل المهدئات التي أعطيناك إياها؟”
“لم يتبقّ منها شيء “
“بما أنها شربتها كلها، لا مشكلة إن استخدمت طاقتها مجددًا. سأعطيك المزيد منها كاحتياط.”
ساد صمت ثقيل بين كايروس و رينديل.
كايروس كان قلقًا على هايزل، و رينديل كان قلقًا من الوضع الغامض نفسه.
الانفجار المفاجئ لقوة هايزل، كان الأول من نوعه.
انفجار الطاقة السحرية غالبًا ما يؤدي إلى تدمير الجسد نفسه، وقد يسبب دمارًا غير مسبوق.
لا يختلف الأمر كثيرًا عن السحر الأسود.
إما تلتهم صاحبها، أو تسيطر عليه بالكامل وتؤدي إلى إبادة كل من حوله، بما فيهم هو نفسه.
لكن هذا لم يحدث مع هايزل، مما جعل خطورة الموقف تتضح فقط بعد أن فقدت وعيها.
لكن هايزل لم تُظهر أي علامات واضحة على الانفجار، ولم يُدرك أحد خطورة الوضع إلا بعد أن انهارت.
كانت هايزل تقمع انفجار القوة من الداخل، و لهذا بدت هادئة، لكن الأمر كان أكثر خطورة.
حتى و هي في حالة لا وعي، كانت تكبت قوتها، مما جعلها تتلوى من الألم وتبدأ بإيذاء نفسها.
وعندما أدرك كايروس ذلك، بادر بوضع جسده ليحميها من إيذاء نفسها.
فليتأذى هو بدلاً منها.
حدث ذلك في اليوم الذي اتخذ فيه الساحر في قصر الدوق إجراءً مؤقتًا عاجلاً، وتم نقل هايزل مباشرة إلى القصر الإمبراطوري حيث يوجد السحرة الأعلى رتبة.
وفور وصولهم، ساعد السحرة الكبار هايزل في قمع سحرها الأسود المنفلت ، وتم استدعاء ساحر من برج السحر.
وبعدها، استطاعت هايزل أن تعود إلى حالتها الطبيعية.
عندما رأى رينديل حالة هايزل، سأل إن كانت قد أظهرت من قبل أعراضًا تُنذر بانفجار طاقتها.
وعندما أجابه كايروس بأنه، على حد علمه، لم يحدث ذلك من قبل، بدا رينديل متعجبًا، إذ كانت هايزل تبدو وكأنها مرت بتلك الحالة أكثر من مرة.
فك رينديل يديه المتشابكتين، وبدأ يعبث بالخاتم في سبابة يده اليمنى، وهو شارد في تفكيره.
“سموك.”
“تحدث.”
“هذا استفزاز بشكلٍ علني.”
أظلمت عينا كايروس.
“حتى الآن، تبيّن أن الاستهداف كان للدوقة، لكن هذا أيضاً ليس مؤكداً. لا نعلم هل الهدف هو الدوقة حقا أم ان سموك كان الهدف؟ إن لم يكن كذلك، ربما هناك هدف أسمى من ذلك؟”
“……”
“الشيء المؤكد هو أن ما حدث ليس مجرد انتقام بدافع الغضب لأننا قضينا على أتباعهم. لا بد أن هناك شيئًا آخر خلفه. ابحث عن كبار أتباعهم. لا بد أنهم يحملون أدلة مهمة.”
⋆★⋆
وفي النهاية، توجهت في اليوم التالي إلى القصر الإمبراطوري برفقة كايروس.
ولحسن الحظ، كان التوقيت مناسبًا لرؤية كل من جلالة الإمبراطور و ولي العهد، لكن الحصول على الأجوبة التي أردناها لم يكن سهلاً.
“يبدو أنك صُدمت عند سماع الأخبار. كنت أتوقع قدوم الدوق في أي لحظة، لذا أبقيت وقتي فارغًا.”
“لقد اتخذت القرار بالفعل، أليس كذلك؟”
تنهد الإمبراطور تنهيدة طويلة بعد كلمات كايروس.
“لم يكن هناك خيار. الوضع في العاصمة سيئ.”
“……”
“من التقرير الذي أسمعه كل صباح، هناك أكثر من 100 تابع أُسروا خلال أسبوع واحد فقط. و لقد مرّ وقت طويل منذ أن تجاوزنا هذا العدد. فقبل يومين فقط، تم القبض على عشرين شخصًا في يوم واحد.”
“…كل هذا العدد؟”
في الشمال، كنا منشغلين بمواجهة الوحوش، ونتواصل مع النقابات، لكن القصر الإمبراطوري كان يواجه معاركه الخاصة.
بفضل تواصل كايروس الدائم، كنا نعلم ببعض الأمور الجارية في العاصمة، لكن بسبب انشغالنا مؤخرًا، لم نتابع التطورات، وقد أصبح الوضع أسوأ بكثير.
ظننتُ أن الوضع سينخفض لأنهم استمروا في القبض على الأتباع، لكن يبدو أنه يزداد سوءاً يومًا بعد يوم.
“يبدو أن جذورهم أعمق مما توقعنا. قلق المواطنين في الإمبراطورية يتزايد يومًا بعد يوم، وليس هناك وسيلة أخرى لتهدئة مخاوفهم سوى هذا. ولو لم نفتتح المناسبة، فسيشعر الناس بخطورة الوضع بشكل ملموس. لهذا أرجو تعاونكما هذه المرة.”
حتى مع كل ذلك، لم ننجح في اقتلاع الجذور العميقة.
كنت على وشك أن أعدد أسباب عدم إقامة مهرجان التأسيس، لكن عندما طلب الإمبراطور بهذا الشكل، شعرت بأنني فقدت رغبتي في الاعتراض.
إذا تم إلغاء أهم وأكبر مناسبة في البلاد، فإن هذا سيكون اعترافًا رسميًا بأن الوضع حرج وخطير.
إنه المهرجان الذي يُقام حتى لو كان الإمبراطور مريضًا، لذا تفهّمت سبب قلقه.
سأكون على أهبة الاستعداد. أعلم جيدًا مدى معاناتكم في القتال الذي تواجهونه في الشمال، لذا لن أُحاسبكما أبدًا حتى لو لم تحضرا.”
“….”
نظرتُ إلى كايروس ثم إلى الإمبراطور بالتناوب.
وعندما أشار الإمبراطور بإصبعه، أتى مساعده ومعه لفافة كبيرة.
عندما فُتحت، تبيّن أنها خريطة، مرسومٌ عليها بقع مظلمة كثيرة.
“هذه الأراضي الملوثة التي يتم التبليغ عنها يوميًا. حالياً، الكهنة و السحرة يخرجون مرة في الأسبوع لفحصها مباشرة. نعلم أن التلوث ينتشر بشكل أبطأ في الشمال. وهذا بفضلكم”
رغم تلك الكلمات، كان هناك الكثير من المناطق السوداء حتى في الشمال.
بعض الأماكن بدت و كأنها تم مسحها ثم أعيد تلوينها مجددًا، مما يعني أن الخطر لا يزال قائمًا.
عدد الأتباع و الوحوش يزداد بسرعة.
على الرغم من انخفاض عدد المفقودين، إلا أن ذلك زاد من خطورة الوضع.
ذلك لأن العائلات بدأت تُقدّم نفسها طوعًا كقرابين. وفي هذه الحالة، لا يبقى أحد ليُبلغ عنهم، وبالتالي لن يُعرف أنهم مفقودون.
إذا تأخرنا أكثر، فستتفاقم الأمور.
بعد تفكير طويل ، سألت جاد
“سموّك، هل يُمكنني مقابلة الأميرة؟ في أقرب وقتٍ ممكن من فضلك.”
التعليقات لهذا الفصل "107"