تا-ك!
في قلب العاصمة ليلاً.
كان الجو مظلمًا تمامًا.
أثناء الهروب، شعرت بأن جسدي يزداد ثقلًا و كأنني أحمل جبلاً على ظهري.
كانت أنفاسي ساخنة ومتلاحقة، وكدت أفقد وعيي من الدوار. مرة أخرى، كان شعور الموت والرعب يلاحقني عن كثب.
ظلال بلا وجه، وأشخاص يطمعون في القوة.
كلما التفتُّ للخلف، كان الظلام يزداد، وعرقي يتصبب من ظهري.
“أرجوك… لا تأتِ. لا تتبعني…”
ركضت هايزل بجنون، أخدت تركض وتركض بلا توقف.
“ربما سأموت حقًا اليوم…”
“ماذا أفعل؟”
أردت أن أعيش…
ركضت هايزل بجنون للأمام دون أن تلتفت.
وفجأة، ظهر أمامها ظل ضخم.
“ذلك الشخص!”
“….!”
دون أن تفكر، أمسكت بملابس ذلك الشخص بقوة وتشبثت به.
“آه…آه…”
في نفس اللحظة، استيقظت هايزل وكأنها خرجت من الماء، وهي تلتقط أنفاسها.
شعرت بيد دافئة تلمس خدها.
“هايزل…”
“نواه…؟”
رأت وجهه الضبابي من خلال عينيها الممتلئتين بالدموع، فشعرت بالراحة وتسللت إلى حضنه.
شعرت بيده الكبيرة تلمس شعرها بلطف و تربت على ظهرها.
كان حلقها جافًا و كأنها ركضت لمسافة طويلة.
“نواه…نواه…”
“أنا هنا، هايزل.”
تشبثت بملابسه كأنها تمسك بحبل النجاة، وفركت جبينها على صدره بحثًا عن الأمان.
مع لمسات يده المطمئنة، بدأ قلبها المضطرب يهدأ تدريجيًا. و أخيرًا، عادت إلى وعيها ببطء.
“آه…”
أفلتت يده التي كانت تشبثت بها بقوة.
“هل أنتِ بخير؟”
“آه… آسفة، كان مجرد…حلم سيء…”
لماذا كان هذا الحلم واضحًا جدًا اليوم؟ ولماذا كنتُ بهذا الضعف؟
أدركت أخيرًا أنني كنت أتصرف كالحمقاء. شعرت بالحرارة تتصاعد إلى أسفل ذقني.
أنا لم أعد طفلة…
كنت قد تخلصت من الكوابيس المزعجة منذ فترة، خاصة بعد قراءة أخبار الكونت جاديل وزوجته.
لكن…
في تلك اللحظة، قدّم لي نواه كوبًا من الماء.
“اشربي قليلاً….بهدوء.”
كنت قد استنفدت كل طاقتي، لذا أخذت الكوب وشربت الماء الذي قدّمه لي.
عندما وصل الماء إلى حلقي، شعرت أن عقلي أصبح أكثر وضوحًا.
“لا… ليس بسبب معركة الصيد. أعتقد أنني تأثرت بالحديث المستمر عن هذا الموضوع في النقابة.”
قلت ذلك وكأنني أبحث عن عذر، خشية أن تذهب جهودي السابقة لإقناعه سدى.
تنهد كايروس بهدوء.
“… لماذا تقلقين بشأن رأيي؟ أنا من يجب أن يقلق عليك. من واجبي حمايتكِ. سأهتم بكِ أكثر من الآن فصاعدًا. هل أنتِ بخير الآن؟”
“… نعم، أنا بخير.”
نظرت إليه بهدوء.
كنت أتوقع أن يوبخني كالمعتاد، لكن… ما هذا؟
هل اقتربت من الموت حقًا لدرجة أن قلبه قد تغيّر؟
نظرتُ إليه بنظرة شك، فسمعتُ صوت تنهد يخرج من فم كايروس.
“لماذا..لماذا تضحك؟”
“لأنني أستطيع سماع أفكارك. سأحضر لكِ ملابس نوم و منشفة.”
وقف من السرير.
حاولت منعه، لكنني لم أستطع.
حاولتُ إيقافه، قائلة أنه ليس هناك داعي، لكنه كان يمسح العرق عن جبهتي طوال حديثنا، وكانت ملابسي و كأنها غارقة في الماء، فجلستُ هناك فحسب.
“يا إلهي…”
عندما غادر كايروس، بدأت أدلك ذراعيّ وشعرتُ بوخزٍ في جسدي.
كانت هذه أول مرة يكون فيها الأمر واضحًا إلى هذا الحد، لكن الحلم بدا مألوفًا.
على الرغم من أن وجه ذلك الشخص لم يكن واضحًا، إلا أنني شعرت بأنني حلمت بهذا المشهد من قبل….
أعتقد أنني قلتُ لنفسي: “لقد نجوتُ”
كنت واثقة من أن الشخص الذي ظهر أمامي سينقذني.
لكن ذلك الشخص.
من عساه يكون؟
هل كان شخصًا أعرفه؟ لو كان كذلك، لكنتُ رأيتُ وجهه بوضوح، حتى في أحلامي الغامضة.
لم أكن متعبة حتى لأنني كنتُ اتعرض للحماية المفرطة و التدليل من قبل الآخرين بعد أن انهرت.
كانت ليلة غريبة حقًا.
عندما استيقظتُ في الصباح، شعرتُ بخفّة في جسدي وكأن شيئًا لم يحدث.
حاول كايروس أن يقول لي شيئًا وأنا أتمدد، لكنه أغلق فمه.
هل كان هذا مجرد وهم مني؟
استلمت الملابس من هيزان و ارتديتها، ثم استدرت. عندها تحدثت هيزان بهدوء.
“سيدتي، وصلت أخبار عن حجر التطهير.”
يبدو أن آني أرسلت خبرًا في الليلة الماضية.
أخبرتني هيزان أن حجر التطهير سينطلق اليوم وسيصل في غضون خمسة أيام.
“خمسة أيام؟”
“نعم، طالما لم تحدث مشاكل في الطريق، سيستغرق الأمر كل هذا الوقت تقريبًا.”
” في ظل إغلاق البوابات السحرية بسبب الوحوش، قد يتعين علينا الانتظار أسبوعًا على الأقل.”
في هذه الأيام، لم يكن حجر التطهير فقط هو المتضرر الأكبر، بل أيضًا بضائع التجار المسافرين إلى الشمال، والضروريات اليومية المهمة، وحتى الطعام.
رغم أن منطقة الدوقية لم تكن تعاني بشكل كبير، إلا أن القرى الحرة كانت في وضع حرج.
تطلب الأمر الكثير من القوى العاملة للتعامل مع الشياطين، لذلك لم يكن بالإمكان القلق بشأن كل شيء.
“نعم، من الأفضل أن ننتظر بصبر.”
“إذًا، يمكننا تفقد المستودع لاحقًا، لأننا أعددنا كل شيء مسبقًا.”
“نعم، سيدتي.”
****
بعد خمسة أيام بالضبط.
كما قالت آني، وصل حجر التطهير إلى أراضي الدوقية.
“يبدو أنه مر بالكثير من المصاعب.”
نظرت إلى الصندوق الذي بدا وكأنه تدحرج في كل مكان.
وجه عامل التوصيل كان شاحبًا من التعب.
أخذ يمسح الصندوق بيده المرتجفة وانحنى اعتذارًا.
“أنا آسف جدًا، دوقة! رغم أننا جلبنا حارسا لحماية الشحنة، إلا أننا واجهنا وحوشًا في القرية التي مررنا بها الليلة الماضية. لكن لا تقلقي، الحجر سليم تمامًا. يمكنكِ التحقق من الكمية أيضًا!”
أنزل العامل الصندوق على الأرض مع ورقة التسليم.
“يوجد 100 في الصندوق.”
“نعم، رتبتها بهذه الطريقة ليسهل حملها، كما أنها أكثر أمانًا في النقل.”
“إذا كان الحجر سليمًا، فلا بأس. هل يمكنك حمله إلى القبو؟ سأتحقق منه لاحقًا.”
قدمت له أجرة التوصيل التي كنت قد أعددتها مسبقًا.
“لا بد أن الأمر كان صعبًا عليك، شكرًا على مجهودك.”
تفاجأ عامل التوصيل وتراجع بهدوء.
“لا، لقد دُفعت رسوم التوصيل.”
“حقًا؟”
“نعم، بالطبع. لقد تم دفعها بسخاء أيضًا، لذا لا داعي لذلك”.
“اذن، يرجى توخي الحذر عند المغادرة.”
“شكرًا لكِ على استخدام خدماتنا!”
انحنى رجل التوصيل مرة أخرى وغادر قلعة الدوق.
بعد ذلك، أخبرتني السيدة تيني بأن صانع الدانتيل قد وصل إلى القصر، ثم وصلت إمدادات الطعام لفصل الشتاء، وبقيت أتحرك بلا توقف حتى حل وقت الظهيرة.
***
“هايزل.”
“أوه، لقد عدتَ مبكرًا؟”
“أنهيت عملي أسرع من المتوقع. كيف كان يومك؟”
كنت أفكر في الذهاب للتحقق من حجر التطهير عندما ظهر كايروس.
لقد أخبرني أنه سيخرج لفترة قصيرة بدلا من الذهاب في مهمة إخضاع، لكنه عاد في وقت أبكر من المتوقع.
“وصل حجر التطهير للتو. كنت على وشك الذهاب لرؤيته. هل ترغب في الانضمام إلي؟”
كنت قد أخبرته مسبقًا عن شراء 500 قطعة من الحجر، لذا لم أمانع أن يرافقني.
لكن…
“…..؟”
كايروس خدش حاجبيه لفترة وجيزة كما لو كان لديه شيء ليقوله ثم مد يده إلي.
“إلى أين سنذهب؟”
سألته وأنا ممسكة بيده، لكنه لم يجبني وظل واقفا هناك لبعض الوقت، يمرر إبهامه على ظهر يدي.
كان وجهًا يكافح و لا يستطيع اتخاذ قرار.
من كان يتخذ القرارات بدقة ودقة، نادرًا ما كان يبدي مثل هذه التعبيرات.
بعد تردد طويل، فتح فمه أخيرًا.
“لست متأكدًا إن كان هذا صحيحًا.”
“هاه؟ ماذا تعني؟”
“هناك ضيف جاء لرؤيتك.”
“ضيف؟ لكن لا أحد كان من المفترض أن يأتي… هل هي الأميرة؟”
“لا. إنه ينتظرك في غرفة الاستقبال.”
“لكن… لم احدد موعداً لمقابلة أحد… من يكون؟”
حاولت التفكير، لكن لم يكن هناك أي شخص قد يأتي فجأة.
لو كان أحد فرسان القصر الإمبراطوري، كانوا سيبلغونني مسبقًا.
هل يمكن أن تكون آني؟ لكن لا يمكنها القدوم إلى هنا وهي ترتجف خوفًا من كايروس.
سألت كايروس مرة أخرى، لكنه فقط شد يدي بلطف دون أن يجيب.
من قد يكون هذا؟
في النهاية، قادني إلى غرفة الاستقبال دون أن أعرف أي شيء.
كانت اليد التي تمسك مقبض الباب مليئة بالقلق.
كان الأمر كما لو أنه سيرحب بضيف غير مرغوب فيه.
“من هذا الشخص؟ هل هو شخص لا تحبه؟”
ابتسم كايروس بعينين جامدتين، ورفع زوايا فمه بصعوبة. ثم أمسك بمقبض الباب وأداره.
تقدمت بخطواتي بتعبير مليء بالحيرة.
بينما كنت أدخل من الباب الذي فتحه كايروس، استقبلني أشخاص غير متوقعين.
” مر وقت طويل.”
“نعم… مضى وقت طويل، كيف حالك؟”
كدت أُصاب بصدمة عند رؤية الاثنين اللذين يقدمان تحية بخجل.
لماذا….أنتما هنا يا رفاق؟
التعليقات لهذا الفصل "104"
جينجر و إدموند؟
اوه جينجر احس