تحدّث ريكارت و هو يُخرج الخريطة. بدا أنّ المكان الذي أشار إليه بإصبعه هو الطريق الذي نمرّ به الآن.
“لا أحبّ الدراسة!”
صحتُ بثقة. لم يهمني إن كان ريكارت يراني مثيرة للشفقة.
دراسة بعد كلّ هذا الطريق؟
عشتُ في قلعة مارون حياة أسوأ من حياة الإنسان البدائي ، و أخيرًا بدأتُ ألمس حلاوة الحضارة ، فكيف تكون النتيجة هي الدراسة!
حتّى أنتَ! تخيّل أن تدرس طوال المدرسة الابتدائية و الإعدادية و الثانوية و الجامعة و الدراسات العليا.
هل تريد أن تعود إلى ذلك؟
“من قال إنّ عليكِ الدراسة؟ مهما كان الأمر ، ألا يجب أن تعرفي على الأقل كيف تقرئين الخريطة؟ انظري ، نحن هنا تقريبًا ، لذا إذا مضينا في هذا الاتّجاه ليوم واحد فقط …”
“حسنًا ، فهمت”
أومأتُ برأسي و أنا أستمع إلى شرح ريكارت.
لا أعرف كيف أقرأ الخريطة ، لكنّني أدركتُ أنّنا قطعنا مسافة طويلة جدًا.
“هنا وجهتنا”
أشار ريكارت بإصبعه إلى كتابة متعرّجة.
كُتب عليها “مدينة الإنتاج سلبون”. كانت هذه الكتابة بالحروف التي تُستخدم عادةً في الممالك الثلاث.
كاسناتورا و نييبر و هولت ، هذه الدول الثلاث تستخدم نفس الحروف رغم اختلاف لغاتها قليلًا.
حتّى هذه اللغات تختلف فقط في اللهجة أو النطق ، لكنّها في الأساس واحدة. شيء مثل الفرق بين الإنجليزية الأمريكية و البريطانية و الأسترالية؟
كم هو محظوظ أنّ الأمر كذلك.
لو كانت الممالك الثلاث تستخدم لغات و حروفًا مختلفة تمامًا ، لكان على البطلة أن تتحدّث ثلاث لغات لتتمكّن من التواصل مع الأبطال الذكور في قصّة حبّها.
أم أنّ على الأبطال الذكور تعلّم لغة بلد البطلة؟ على أيّ حال.
نظرتُ إلى وجه ريكارت ثمّ إلى الكتابة التي أشار إليها ، و سألتُ بوقاحة: “ماذا يقول هذا؟”
“مدينة الإنتاج سلبون … هايلي؟”
“ماذا؟”
“ما هذا؟”
أشار إلى الكتابة مرّة أخرى و سأل.
أجبتُ بوجه أكثر وقاحة: “كيف لي أن أعرف؟”
“ألا تعرفين القراءة؟”
“ولا الكتابة أيضًا”
“هايلي …”
كان صوته ، و هو يتلعثم بحثًا عن كلمات ، يحمل خليطًا من المشاعر: الحيرة ، الأسى ، الإحباط ، و الغضب.
هكذا إذن شعور الأمّية المُحزن.
كنتُ أكذب بشأن عدم معرفتي بالقراءة لأزعجه ، ثمّ التفتُّ بعيدًا و كأنّني لا أعرف شيئًا.
طوى ريكارت الخريطة بصمت و مشى أمامي.
سألتُه ببراءة مصطنعة و أنا أنظر إلى مؤخّرة رأسه: “كم بقي؟”
“قلتُ لكِ إنّنا اقتربنا”
كانت وجهتنا مدينة صغيرة تُدعى سلبون ، حيث توقّف ريكارت لفترة وجيزة قبل أن يأتي إلى قلعة مارون.
بما أنّ عدد سكّانها بضع مئات فقط ، ربّما ينبغي أن نسمّيها قرية و ليست مدينة ، لكنّنا لسنا في القرن الحادي و العشرين المزدحم ، لذا تقبّلتُ الأمر.
“لكن ، هل يوجد في سلبون هذه حدّاد؟ أو متجر بقالة؟ هل هناك مخبز أو متجر ملابس؟”
“لا أعرف عن متجر ملابس ، لكن الباقي موجود”
“لا يوجد في القلعة ملابس صالحة للارتداء”
ما أرتديه الآن هو رداء صُنع على عجل من عباءة سلبتُها من جنديّ من حرّاس الطائفة عندما كنتُ محبوسة خلف القضبان.
الفستان الذي كنتُ أرتديه في البداية أصبح غير صالح للاستخدام في أقلّ من شهر.
الملابس و الأقمشة في القلعة كانت قديمة جدًا ، عمرها مئة عام ، و كانت على وشك التفتت ، فلم أتمكّن من ارتدائها.
بعد ذلك ، صنعت لي دراياد ملابس تشبه ملابس زعيم قبيلة بدائية من ألياف الخشب ، فكنتُ أرتديها لأعيش.
نظر ريكارت إليّ مليًا ثمّ سأل: “لو لم تكن دراياد موجودة ، لكنتِ …”
“لا تقل شيئًا فظيعًا. إنّها ملكي”
حتّى لو قرّرت الاستقلال و الرحيل ، لن أتركها تذهب.
تلك الـ دراياد ملكي.
سنعيش أنا و هي هناك بسعادة إلى الأبد.
“عندما نصل إلى المدينة ، لا تذكُري أنّكِ هايلي مارون. الناس ستصاب بالصدمة”
“و أنتَ لا تذكر أنّك ريكارت وينتر”
واحدٌ ساحر شرير ، و الآخر وريث عائلة منقرضة.
قد يكون هناك من يتعرّف علينا بمجرّد سماع أسمائنا.
خاصّة أنا.
“كم تبقّى؟”
مشينا طويلًا ، لكنّ الغابة الكثيفة كانت لا تزال تحيط بنا.
نظر ريكارت إليّ مليًا ، ثمّ أخرج الخريطة بصمت و أشار بإصبعه إلى سلبون ، و نقر عليها مرّتين.
* * *
يا لها من مفاجأة ، يوجد نزل!
أيّ مدينة هذه؟ إنّها قرية ريفية.
توقّعتُ على الأقلّ شوارع مرصّفة ، و عربات تمرّ بسرعة ، و متاجر متراصّة ، لكن سلبون كانت قرية جبلية ريفية.
لحسن الحظ ، كان هناك نزل.
بعد أيّام من المعاناة في عبور المناطق الملوّثة ، هرعنا أوّلًا إلى النزل ، حجزنا غرفة ، و طلبنا طعامًا.
لكنّ صاحبة النزل ، و هي امرأة ، ما إن رأتني حتّى فتحت عينيها بحجم المصباح ، و وضعت يدها على فمها.
ثمّ صرخت: “هل أنتِ جائعة؟”
كان صوتها مليئًا بالشفقة ، كما لو كانت تتحدّث إلى طفل يعاني من الجوع.
“لم أجع …”
“بما أنّها جاعت لفترة طويلة ، أعدّي طعامًا سهل الهضم من فضلكِ. سنعطيكِ أجرًا وافرًا”
أجاب ريكارت نيابةً عنّي.
نظرت صاحبة النزل إلينا بالتناوب ثمّ أومأت برأسها كما لو أنّها فهمت.
“هل هذا الأخ الأكبر أنقذكِ؟”
“أنا الأكبر …”
“يا إلهي! هذه الأيّام، مع كلّ الأحداث المرعبة في المنطقة ، كنتُ قلقة ، لكنّني لم أتخيّل أنّ هناك أطفالًا جائعين مثلكِ. انتظري قليلًا ، سأعدّ الطعام فورًا!”
ما هذا؟
هرعت صاحبة النزل إلى المطبخ.
كنتُ أعرف من مرآة قديمة في القلعة أنّني نحفتُ كثيرًا خلال العام الماضي ، لكن هل كنتُ أبدو بائسة إلى درجة إثارة شفقة الغرباء؟
سلّمني ريكارت مفتاح الغرفة.
“بعد أن تنتهي من الأكل ، اصعدي لترتاحي. سأذهب لأحضر ما تحتاجينه”
“حسنًا؟”
“لا خيار آخر. للتفاوض على الأسعار أو قراءة اللافتات …”
“آسفة لأنّني أمّية”
“عندما نستقرّ ، ابدئي بتعلّم القراءة”
ضحكتُ فقط.
بعد أن أنهيتُ الطعام ، خرج ريكارت لشراء الأغراض ، تاركًا إيّاي في النزل.
كان الطعام الذي أعدّته صاحبة النزل لذيذًا جدًا ، لدرجة أنّني أردتُ أن آكل حتّى ينفجر بطني ، لكنّني وصلتُ إلى حدّي.
أنهيتُ آخر قطعة لحم ، وضعتُ الشوكة ، و قمتُ من مكاني.
“لن تأكلي أكثر؟”
“لاحقًا. أين الحدّاد و المتجر العام و متجر الملابس؟ أخبريني أيضًا عن متجر المواد الغذائية أو المخبز”
“هذه القرية ليست كبيرة ، المتاجر كلّها مجتمعة عند الساحة المقابلة للشارع. الحدّاد يدير متجرًا عامًا أيضًا ، و المخبز يبيع المواد الغذائية. أمّا الملابس ، فلا يوجد متجر خاصّ بها ، الجميع يصنع ملابسه بنفسه”
“إذن ، كيف أحصل على قماش؟”
“يأتي تاجر من المدينة الكبيرة من حين لآخر”
يبدو الأمر جيّدًا نوعًا ما ، و غير جيّد في الوقت نفسه.
جيّد لأنّ كلّ شيء يمكن الحصول عليه من مكان قريب ، و غير جيّد لأنّه لا يبدو أنّ هناك الكثير من الخيارات.
ابتسمتُ لصاحبة النزل و سألتُ: “أختي ، هل تبيعين بعض القماش إذا كان لديكِ فائض؟”
“نحن نزل ، فلدينا الكثير من القماش … لكن ، ألا يشتري لكِ أخوكِ ملابس؟ لقد رأيته يرتدي ملابس فاخرة جدًا”
نظرت صاحبة النزل إلى المكان الذي كان يجلس فيه ريكارت بنوع من اللوم.
كان الموقف يمكن أن يُساء فهمه.
فهو ، كونه في السابق وريث عائلة دوقية ، كان يرتدي ملابس مصنوعة من أجود الأقمشة مع واقيات جلدية متينة ، بينما كنتُ أرتدي خرقة بالية.
قرّرتُ تصحيح سوء الفهم.
“ليس أخي”
“ليس كذلك؟”
“إنّه الشخص الذي أنقذني عند مدخل الغابة. بمعنى ما ، هو منقذ حياتي. أريد أن أكافئه قبل أن نفترق ، فما الذي يمكنني فعله؟”
“يا إلهي ، يا صغيرتي”
ضحكت صاحبة النزل و هي تُشكّل دائرة بأصابعها.
“لا يوجد في العالم مكافأة أفضل من المال”
“أها”
يا لها من امرأة حكيمة.
شعرتُ أنّني اكتسبتُ معرفة عظيمة ، فأعطيتُها عملة ذهبية.
“بيعي لي بعض القماش الفائض. و إبرة و خيط أيضًا”
كانت العملة الذهبية تتلألأ.
لقد أخذتُها من خزينة قلعة مارون ، ربّما تكون عملة منذ مئة عام ، لكن من يهتم؟ الذهب يُقبل في كلّ مكان.
و كما توقّعت ، أخذت صاحبة النزل العملة بحركة متردّدة ، و عضّتها بأسنانها. ثمّ ، عندما رأت علامة الأسنان الواضحة ، تنفّست بسرعة و قالت: “اسمي فاطمة”
لم يكن عليها أن تخبرني باسمها.
ركضت إلى غرفتها و بدأت تبحث في خزانتها.
كانت تبحث عن ملابس تناسبني.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"