كانت خطتي أن أقدّم أوجين وأستا لبعضهم ثم أعود سريعًا إلى قلعة مارون، لكن سيبرينو، وريكارت، ولانغو أحبطوا الأمر.
سيفرينو قال إنه بحاجة ماسّة إلى أعشاب تنبت فقط في جبال هولت قرب سيلبون. ريكارت قال إنه وقد وصل إلى هنا فلا بأس أن يستعد معنا لمواجهة ظهور الشياطين. أما لانغو فراح يتذمّر بأنه يخشى أن يقتله أوجين في غيابي، فلا يجرؤ على البقاء وحده.
“لا تذهبي. إن غبتِ عني يا سيدتي فلن أعيش. سأموت من الخوف!”
“يا هذا، ذلك الرجل لا يملك إلا قوة رفع الكتاب المقدّس! كيف لقاتل نيفي الأعظم أن ينوح هكذا خوفًا من ضعيف؟ أجننت؟ أتراك تريد أخيرًا أن تكون قسًّا حقيقيًا بدل المزيّف؟”
“لا يا سيدتي، اسمعيني.”
“أنا أسمعك.”
“كلّما فكرت بالأمر… تلك المساعدة. أظن أن الكاردينال هو من قتلها! حين كنتِ تتناولين الطعام مع أولئك الأشخاص، سألت الجنود هنا وهناك.”
“ثم؟”
“تلك المساعدة كانت أوفى تابعي الكاردينال أوجين. لم يكن في الدنيا أصدق منها، إلا أن سمعتها تشوهت لكثرة ما أقامت محاكم تفتيش على هواها.”
“ثم؟”
“ثم فجأة، ذات يوم، لملمت بعض الأغراض وخرجت هاربة، فلم تحمل سوى صُرّة صغيرة كأنها فرّت في عجلة.”
“هكذا إذن؟”
“لا أثر لمقاومة، ولا جروح سوى واحدة. وماتت ببطء، ومع ذلك لم تحاول الهرب ولا صدّ الطعنة.”
الأمر غريب جدًا. لانغو شبك ذراعيه على كتفيه يرتجف خوفًا.
“أي قاتل أنت، تخاف هكذا!”
“قتل الناس لا يخيفني، لكن موتي أنا يخيفني!”
“أنانيّ لعين.”
شدَدتُ شعره وأنا أفكّر في قوة أوجين المقدسة. في القصة الأصلية، كلّما كان المرء أكثر إخلاصًا، سهل على أوجين أن يؤثر فيه. لهذا سُميي وريث البابا ومستقبل الكنيسة.
غسل للأدمغة وسيطرة. أو قل جاذبية وإقناع. إغراء، أو تنويم.
جرّني لانغو إلى مكان أكثر عتمة وهمس: “هنا عثروا عليها. والجنود قالوا…”
“إن كنت ستؤدي دور الكاهن، أليس الأولى بك أن تلعن الشيطان بدلًا من أن تشك بي؟”
كان ذلك صوت أوجين.
ارتعد لانغو واختبأ خلفي، متشبّثًا بعباءتي حتى كاد يخنقني.
“أيها الأخرق! أي قاتل يختبئ وراء امرأة ضعيفة!”
“ضعيفة؟ عن أي ضعف تتكلمين! لا تقولي هُراء!”
“ضعيفة طبعًا! أنظر إلى هذه الذراع النحيلة!”
مددت ذراعي الهزيلة أُريها للجميع، بينما لانغو انكمش كسلحفاة وهمس إلى أوجين: “اسمع، أعلم أنك تتجاهل هويتي عمدًا، وأقدّر ذلك. لكن في الحقيقة أنا أيضًا في مركب واحد معك، فارفق بي قليلًا.”
أوجين رمقه باحتقار، ثم سألني:
“ترينه نافعًا؟”
“بالطبع! هذا الصعلوك…”
أثبتُّ فائدته دفعة واحدة: “هو من سرق لي قوائم أولئك الذين طرحوهم في مناطق التلوث من أبرشية غرانديس وأبرشية نيفي.”
وضع أوجين يده على كتف لانغو. ولأن الذي لمسه هو الكاردينال، رجل مهيب ظاهريًا وإن جهل باطنه، راح القاتل يتلو أدعية لا يؤمن بها أصلًا.
ابتسم أوجين وقال:
“هناك أمر آخر.”
“هـ.. ها؟”
“القائمة.”
كان صوته كأنما يُغني: “غرانديس تابعة لنيفي، ونيفي تابعة لكاسناتورا. أليس من الطبيعي أن تكون هناك قائمة تخص هولت أيضًا؟”
“أين… أين هي؟”
“من الآن فصاعدًا، أنت من سيبحث عنها.”
“آه…”
وأومأ لانغو مذعورًا دون تفكير.
❈❈❈
بعد أن صرفنا لانغو، خرجتُ في نزهة ليلية برفقة أوجين. كنت في الأصل أريد أن أتمشّى وحدي، لكنه ظلّ يتبعني بصمت حتى بدا الأمر وكأننا نمشي معًا.
“أمسكي يدي.”
“ماذا؟”
ابتسم وقال: “كنتِ تمسكين أيدي الآخرين لتنقيتهم من التلوّث. لماذا أنا فقط لا؟”
أجبته ببرود: “وهل نحن في منطقة ملوثة الآن؟”
لكن ما إن قلت ذلك، حتى اتجه أوجين بخطوات ثابتة نحو حدود التلوّث، دون أن يتردّد لحظة.
كاد أن يخطو داخل الضباب المسموم، فاضطررتُ أن أتبعه بسرعة وأمسك يده لأجرّه بعيدًا.
صرخت به: “ما الذي تفعله؟ لا تُرهب الناس بتصرّفاتك المجنونة! لقد فكّرتُ كثيرًا من قبل… وأظنّ أنك لست بكامل قواك العقلية.”
ضحك أوجين، وأدخل أصابعه بين أصابعي وهو يتمتم: “صحيح… لست بكامل عقلي.”
ناديتُه غاضبة: “أوجين!”
قال بهدوء: “سلبتُكِ المانا كي أنقذك. وعندما أيقنت أن موتكِ مستحيل، رميتُكِ في أرض التلوّث. لكن ذلك تحوّل في النهاية إلى خيانة لكِ.”
أجبتُه بفتور: “على الأقل أنتَ تعترف.”
قال بابتسامة حزينة: “لن أبرّر نفسي بعد الآن. ابغضيني كما شئتِ، فأنا سأظلّ أحبكِ للأبد مهما حدث.”
قلت وأنا أتنفّس بعمق: “أوه… يا للعبء الثقيل.”
لقد كان حبه خانقًا. من الطبيعي أن يكون خانقًا، فهو لا يحبني أنا… بل يحب هَايلي الحقيقية. حتى لو التبست عليّ هذه الأيام حدود الرواية والواقع، إلا أنني أدرك أن مشاعره هذه ليست موجّهة إليّ.
قلت له بنبرة ساخرة: “لا أمل منك.”
ابتسم بجنون: “أخيرًا فهمتِ. أنا بلاكِ لا أهتم بمصير هذا العالم كلّه. لو كنتُ أعلم أنكِ تعيشين في التلوّث هكذا، لاتبعتُ خطى ريكارت وينتر وسقطتُ داخله معك.”
قهقهتُ وقلت: “هو نصفه من دماء الهمج الشماليين، فصمد ثلاثة أيام. أما أنت؟ لن تصمد يومًا واحدًا.”
ردّ بثقة: “حتى لو تلوّثتُ، ستطهّريني أنتِ.”
زمجرتُ: “من سمح لك؟”
“لكن… لماذا تحاولين القضاء على الشياطين أصلًا؟”
حدّقتُ فيه مذهولة، فقال: “أنتِ لستِ من يسعى لإنقاذ العالم أو البشر. أنتِ هَايلي. لو ظهر شيطان وبدأ بذبح البشر المزعجين، لربما فرحتِ بذلك حقًا.”
ابتسم بمرارة: “يا له من شرّ دفين… يا هَايلي.”
هززتُ رأسي. أنا لست هَايلي الحقيقية. لا يمكنني أن أفرح بمجزرة. قد لا أملك الشجاعة لأقف في وجهها، لكنني على الأقل لستُ ممن يبتسمون لها.
أخذ أوجين يدي ورفعها إلى وجنته، دلكها عليها وهو يبتسم. كانت تصرّفاته طبيعية أكثر من التنفّس، كأنما عاش طفولته كلها معها، في ألفة ودفء.
آه، يا لسخرية القدر. ماركيزة الشيطان وكاردينال الكنيسة! أليست هذه نسخة مظلمة من روميو وجولييت؟ عاشقان قدّرا لهما أن يقتتلا، فيلتقيان خفيةً ويقعان في حبّ محرّم.
زفرتُ بملل. حقًّا… ألاعيب القدر ليست بتلك العظمة التي يروّجون لها.
❈❈❈ ظهر شيطان في جبال سيلبون. بين القمم الحادّة والوديان السحيقة، تراكمت طاقات المانا الملوّثة لسنين طويلة حتى كوّنت نواة… ومن رحمها وُلد شيطان جديد. لكن المختلف هذه المرة أنّ الوعاء لم يكن إنسانًا، بل… دبّ.
زمجرت الجبال وهي تهتز. إنه صوت الدبّ الشيطاني وهو يتسبّب بانهيارات أرضية. كان أول من اكتشفه حرّاس الجبال القريبة من سيلبون.
دببة الجبال مألوفة لهم، لكن دبًّا بحجم بيت كامل يجرّ معه الانهيارات؟ هذا لم يصدّقوه في البداية. ظنّوا أنّهم جميعًا وقعوا تحت تأثير عشب هلوسي.
لكن سرعان ما جاء العشّابون يؤكدون رؤيتهم له. وقع المسؤولون في حيرة عميقة…
هل يرسلون الصيادين؟ لكن من ذا الذي يجرؤ على مطاردة وحش كهذا؟ أم يرسلون الجنود المدرّعين؟ لكن كيف ستفيدهم الدروع الثقيلة في غابة وعرة ضد وحش جبّار؟
وكالعادة، حين يتعذّر القرار، يكون الحلّ الأمثل هو ؛ رفع تقرير للسلطات العليا… ثم التنصّل من المسؤولية.
هكذا كتبوا التقارير وأرسلوها، بينما الدبّ الشيطاني بدأ يقترب أكثر من العمران.
الضحايا لم يتأخروا في الظهور. في البداية، أباد عصابة قطاع طرق كانت متخفّية في الجبال. ثم حطّم منحلًا على السفح. وثالثًا، هاجم قرية بأكملها.
عندها، وصلت الأخبار إلى حاكم مدينة مينيستري.
صرخ الحاكم باستهزاء وهو يستمع للبلاغ:
“يقولون إنه ثلاثة أضعاف حجم الدب العادي! وأن له خطمًا كخطم التمساح وأنيابًا نافرة، وعلى ظهره شعر صلب يشبه الحراشف؟! هه! هل تحلمون؟ هؤلاء الفلاحون يصرخون ذئب ذئب كل مرة يرون كلبًا بريًا! ابعثوا بعض الجنود التافهين… وليتوقفوا عن إزعاجي!”
وهكذا أرسل بعض الجنود المهملين، ثم نسي الأمر.
لكن الوحش لم ينسَ. فقد فهم أن هؤلاء البشر الصغار جاؤوا لصيده. وهو لم يكن دبًّا فقط، بل دبًّا بنواة شيطانية… فاندلع فيه غضب جارف.
أباد الحملة الأولى. وأفنى الثانية.
فلم يعد بوسع الحاكم أن يتجاهل غضب الناس. ارتدى درعه بنفسه وقاد حملة صيد ضخمة.
كل هذه التفاصيل وصلتنا بفضل لانغو… مقابل قطعة ذهب واحدة. بل وحتى فضح لنا أنّ حاكم مينيستري ليس نبيلًا وراثيًا بل موظّفًا معزولًا أرسله المركز، همه الأكبر أن يثبت ولاءه كي يورّث المنصب لابنه.
قال لانغو متوترًا: “آمل ألا أكون تأخرت كثيرًا. بحثت بكل الطرق، ولم يكن ممكنًا الحصول على الخبر أسرع من هذا.”
ابتسمتُ له وقلت: “أيها الكاهن، لولاك لما عرفنا عن مينيستري كل هذه التفاصيل.”
أخفض لانغو رأسه متصنعًا التواضع، بينما آستا أومأت مؤيدة. كانت لا تزال تظنّ أن لانغو كاهن شريف يجب أن يُعاد إلى منصبه، ويغتنم كل فرصة لإقناع أوجين بذلك.
لكن في كل مرة، كان لانغو يتظاهر باللامبالاة، وأوجين يرميه بابتسامة ساخرة، أما أنا فأكتفي بارتعاشة سخرية في شفتي.
التفت آستا نحوي وقالت بإخلاص: “لا أدري لمَ… لكنني أشعر بالاطمئنان. حتى لو ظهر أقوى شيطان في العالم، أعتقد أننا سننتصر بفضل وجودكِ معنا، يا هَايلي.”
كدتُ أضحك من سذاجتها، ولانغو كاد يصرخ ساخرًا: ‘ أكبر ماركيزة شيطان واقفة معنا، فهل سيوقفنا دبّ مهما كان شيطانيًا؟.’
لكنه ابتلع كلماته، فقد شعر من خلفه بحدّة قاتلة صادرة مني.
وأخيرًا، قال أوجين وهو يتقدّم في الدرب الجبلي:
“سأرفع تقريرًا للكنيسة بأن هذا هو الشيطان الثاني. أمّا أولئك الفرسان الزائفون الذين تحوّلوا لشياطين… فلن نعدّهم. ذلك سيجعل الأمور معقّدة. سنقول فقط بعد “المارق من أراضي الفيضانات”، ظهر هذا كـ “الشيطان الثاني”.”
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 85"