“الناس يسبّونكِ ويقولون عنكِ شريرة، فحسبتُ أنّكِ يئستِ. حتى إنقاذكِ لي… ظننتُه كان محاولةً لإزالة ذلك الاتهام. وإذا لم تستطيعي الانفلات من الشيطان، أردتِ الهرب بالموت…”
“أنا لستُ شيطانة.”
“حقًّا؟”
“أيها الصغير، هل عشتَ عمرك تُخدع؟ لستُ شيطانة، ولا خادمةً للشيطان. لا أعلم لماذا أنا الوحيدة القادرة على التعامل مع المَـاغي، لكن المؤكد أنني لستُ شيطانة.”
ارتخت ذراعا كوينتن. كان يطوّقني مثل نونغاي، يضغط أصابعه بقوة، ثم أخذ يفكّها واحدًا تلو الآخر بتردد، وكأنه يخشى أن أغوص في الماء مجددًا.
“بالمناسبة يا كوينتن…”
“نعم؟”
“هل تجيد السباحة؟”
“طبعًا! كل أبناء العائلة الملكية يتعلمون السباحة صغارًا، فلا ندري مَن قد يدفعنا إلى الماء. حتى الأميرات، عليهنّ أن يعرفن كيف يخرجن أحياء ولو وهنّ بثيابهنّ.”
الملوك يعانون مثل البقية إذن.
أومأت برأسي وأشرتُ إلى القارب الغارق.
“اغطس واربط هذا به.”
“ماذا؟! أأنا وحدي أستطيع إخراجه؟”
“أنا سأعطيك الحبل، اربطه فقط من الطرف. سنسحبه معًا من الخارج.”
أشرتُ إلى حبل كان هناك، حبل رفيع ينسج به الرجال شبكة صيد ليومٍ ينقّي فيه هذا البحر الأسود.
كوينتن أومأ مترددًا. وما إن تركني حتى أسرعتُ لجلب الحبل. كان لا يزال مرتبكًا، يتعاون معي رغم الصدمة من سوء فهمه السابق.
“ها هو، تراه؟ اربطه هناك.”
“مفهوم… لكن…”
“هيا بسرعة. ألا يثير فضولك أن تعرف من ركب هذا القارب؟! قلعة مارون مهجورة منذ مئة عام، يعني أنّه قبل قرنٍ استخدمه أحدهم!”
“وما شأننا نحن؟”
“هل أنزل أنا بنفسي إذًا؟”
“لا! فهمتُ!”
صرخ كوينتن وأخذ الحبل ثم غاص. وصدقًا، بدت حقيقة أنّه تمرّن على السباحة حتى أتقنها، فقد تحرك بحرية تحت الماء.
بينما أبعدتُ الماغي عن محيطه، ربط هو الحبل بالقارب. لم يكن عقده أنيقًا كعُقد الرجال المهرة، لكنه بدا متينًا.
وحين خرج من الماء، صرختُ من قلبي:
“أنت رائع! حقًا مذهل! أفضل صبي في الثانية عشرة رأيته بحياتي! لولاك ما كنتُ لأفعل شيئًا! كوينتن عظيم!”
“اصمتي!”
صبيُنا المراهق لا يعرف كيف يتلقى المديح، أذناه احمرّتا حتى صار وجهه جمرًا، وهو يصرخ ويرشّ الماء في وجهه قبل أن يخرج إلى الشاطئ.
مددتُ إليه طرف الحبل.
“إلى أين؟ علينا أن نسحب معًا.”
“ولِمَ أفعل؟”
“إن تركتني وحدي، وأنا ضعيفة هزيلة، قد أنزلق وأغرق…!”
“حسنًا، حسنًا!”
أمسك كوينتن بالحبل. في البداية لم يشدّ، لكن حين رآني أجرّه بكل قوتي، فزع وسرعان ما جاء ليسحب بجانبي.
لكن القارب ظلّ غائصًا. قرنٌ كامل في قاع البحيرة جعله كالجبل الملتصق بالأرض.
وبينما وجه كوينتن كله يشتعل من الجهد، ظهر ريكارت.
“ما هذا الضجيج؟ ماذا تفعلان؟”
نظرنا إليه بعيون الملهوفين وكأن المخلّص نزل إلينا.
وسرعان ما انخلع القارب من القاع كما يُسحب جذعُ فجلٍ من الأرض.
أمسك ريكارت الحبل بكلتا يديه وسأل:
“إلى أي حدٍّ تريدانه مرفوعًا؟”
“كوينتن، تذكّر: الحياة بطبيعتها غير عادلة. ضع هذا اليوم في قلبك.”
“ما هذا الكلام لطفل؟! أين أضعه؟”
“هنا.”
جرّ ريكارت القارب حتى رسا فوق الحصى.
اقتربنا أنا وكوينتن منه نتأمله بإعجاب. لم أتوقّع أن يُبدي هو اهتمامًا مثلي.
“أأنت، وليّ عهد، وهذه أول مرة ترى قاربًا فاخرًا؟ أليس عند مملكة هولت مال؟ أم أنك صغير فلا يسمحون لك بالركوب؟”
“ليس الأمر كذلك. إنما… هذا القارب مألوف.”
“مألوف؟ كيف؟”
“ذلك التمثال عند المقدّمة. يشبه صورة المرسول المرسومة في لوحة (اتفاق السلام بين الممالك الثلاث) المعلّقة في قاعة الولائم بالقصر.”
“المرسول؟”
“نصفه إنسان ونصفه سحلية، له حراشف وشَعر وأجنحة… لم يكن مرعبًا، بل غريبًا فأثار فضولي.”
وبينما كان يبرّر نفسه، نظرتُ أنا إلى التمثال، وأومأت ببرود.
“صحيح. إنه وحش.”
“لو قلتِ هذا بالخارج لهلكتِ! الناس يرونه منقذاً.”
“فليكن. هذه أرضي. إن لم يكن إنسانًا ولا سحلية، له حراشف وشعر وأجنحة، فهو وحش.”
كدتُ أقول “كيميرا” لكن أمسكت لساني. ف مرسولو القصص عادةً شيوخ منحنو الظهر، بعيون متألقة أو عمياء، أو فتيات صغيرات أرهقتهن رؤية أسرار الكون.
أيّ مرسولٍ هذا؟ كأنه ابنٌ غير شرعيٍّ بين شيطان وديناصور عاشا حبًّا عنيفًا!.
بعد ذلك واصلنا تدقيق النظر في القارب.
غير أنّه، باستثناء التمثال الوحشي في المقدّمة، لم يكن فيه ما يسترعي الانتباه.
استطعنا أن نخمن فقط أنّ ماركيز مارون كان يلهو مع النبلاء في هذه البحيرة قبل مئة عام.
وما إن فقدتُ اهتمامي سريعًا، وأخذتُ أنفض عني ثيابي المبتلة استعدادًا للعودة إلى القصر، حتى سمعتُ كوينتن يتمتم وكأنه يحدّث نفسه.
“لكن… كيف يمكن هذا؟ إذا ظلّ في الماء قرنًا كاملًا، لكان الخشب قد تعفّن. أليس من المفترض أن تغطيه الطحالب المائية؟”
ريكارت شرح بلطف:
“ذلك بسبب الماغي.”
“الماغي؟ ولماذا؟”
“كل ما يتلوث بالماغي يتوقف. كما أنك أنت نفسك لم تشِخ طوال الخمسين سنة الماضية.”
“آه…”
أطلق كوينتن آهة قصيرة، ثم حدّق بي بعينين فيهما بريق إعجاب لم يستطع إخفاءه.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"